قوة التفكير الإيجابي (الجزء الثاني)

لقد تعرَّفنا في الجزء الأول من المقال إلى فوائد وعلامات التفكير الإيجابي، إضافة إلى علامات التفكير السلبي وأثره، وسنناقش الآن في الجزء الثاني والأخير منه كيف نتعلَّم إتقان التفكير الإيجابي.



كيف تدرِّب نفسك على التفكير الإيجابي؟

يمكنك تدريب عقلك على التفكير الإيجابي من خلال الاستفادة من مفهوم علمي بسيط: لا يمكن لذاكرتك العاملة التركيز إلا على عدد قليل من الأفكار في وقت واحد، على سبيل المثال هل سبق لك أن وجدت صعوبة في التحدث على الهاتف والاستماع إلى شخص آخر في الوقت نفسه؟

لذا لتدريب عقلك كل ما عليك فعله هو إبقاؤه مركزاً على الأفكار الإيجابية حتَّى تتشكل لديك المسارات العصبية نفسها التي تنتج عن اتِّباع عادة جديدة، فمع التدريب المركز تنشأ لديك عادة التفكير الإيجابي؛ لذا طبِّق مبادئ علم النفس الإيجابي الذي يساعدك على بناء صحتك العقلية واكتساب سماتٍ كالشجاعة والامتنان والأمل والفكاهة والمعرفة والتشجيع.

عندما يقع حدث مؤسف تذكر أنَّ ردَّ فعلك هو ما يحدد النتيجة حقاً، وابحث دائماً عن ردِّ فعل إيجابي أو درس يدعو للتفاؤل يمكن تعلمه عند وقوع مثل هذه الأحداث.

استخدم الاستراتيجيات الـ 8 الآتية لتطوير عقلية إيجابية ونظرة أكثر إيجابية إلى حياتك والعالم من حولك:

1. معرفة نفسك:

حدِّد عاداتك غير الملائمة حتى تتمكن من معرفة جوانب حياتك التي تحتاج إلى التغيير، فانتبه للأفكار التي تراودك خلال اليوم، ماذا يجول في عقلك عندما تقود السيارة أو تمشي أو تنشغل بشيء ما؟ ما هو نوع الحديث الداخلي الذي تجريه عندما تواجه تحديات أو مواقف سلبية أو الأحداث المبتذلة للحياة اليومية؟

إن كانت إجاباتك عن هذه الأسئلة تتعلق بأنماط أو عادات التفكير السلبية، فابدأ في استبدالها بأخرى إيجابية، فابدأ بتحديد جوانب حياتك التي عادةً ما تتسبب لك بمشاعر وأفكار سلبية، قد تكون علاقة أو تنقلاتك الصباحية أو زملاءك في العمل أو أحد أفراد الأسرة أو بيئة العمل أو أي مسؤولية أخرى.

ثم فكر بطرائق إيجابية لمعاملة هذه الظروف، ابدأ بمهمة صغيرة، وركِّز على مشكلة واحدة في كل مرة، وطبِّق مبادئ علم النفس الإيجابي بالحديث مع ذاتك ومن خلال السلوك الجيد.

إقرأ أيضاً: كيف تتعرف على نفسك وتُحسّن ذاتك؟

هل أنت ممن يلاحظون النصف الفارغ من الكأس أم النصف الممتلئ؟

افهم طريقة عمل عقلك بسؤال نفسك إذا ما كنت تقع في أي من أساليب التفكير هذه:

  • كل شيء أو لا شيء: لم أنجز ذلك على نحو مثالي؛ لذلك فشلت.
  • التسرع بالاستنتاجات: الأمور لا تسير على ما يرام الآن؛ لذا من الواضح أنَّها لن تنتهي بصورة جيدة.
  • التفكير العاطفي: أشعر أنَّها لا تحبني، لا بدَّ أن يكون ذلك صحيحاً، على الرغم من عدم وجود دليل يدعم ذلك.
  • الإفراط في التعميم: لم أكمل حصة المبيعات الخاصة بي هذا الشهر؛ لذا أنا مندوب مبيعات رهيب.
  • التركيز على السلبيات: تلقيت تعليقاً سلبياً واحداً على منشوري على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى الرغم من وجود 20 تعليقاً إيجابياً، لا بدَّ أنَّه منشور سيئ.

2. العثور على الخير في العالم:

يبدو أنَّ للمتفائلين طرائق مختلفة لمعاملة العالم تميزهم عن غيرهم، فيبحث المتفائلون عن الخير في كل مشكلة أو صعوبة يواجهونها، فعندما يسوء حالهم يقولون: "هذا جيد" كما يفعلون في معظم الأحيان، ثمَّ يشرعون في البحث عن شيء إيجابي فيما يحدث؛ القصد إن بحثت عن شيء جيد أو نافع في شخص أو موقف ما فستجده دائماً، وقرارك بالبحث يجعل منك شخصاً أكثر إيجابية وبهجة.

يعد تعلم مهارات التكيُّف أفضل طريقة للعثور على المزيد من الخير في العالم، وجرب بعض النصائح الآتية:

  • تواصل بصدق مع العائلة أو الأصدقاء أو الجيران أو زملاء العمل أو المجموعات.
  • ركز على إيجاد حلول بدلاً من القلق حيال المشكلة.
  • ابحث عن فرص لتعلم أشياء جديدة.
  • تقبَّل التغيير على أنَّه جزء طبيعي من الحياة، وأدرك أنَّ بعض الأشياء لا يمكنك تغييرها.
  • واجه التحديات وجهاً لوجه بدلاً من تجاهلها أو تأمُّل أن تختفي.
  • حافظ على الأمور في نصابها الصحيح بعدم تضخيمها.
  • اعتنِ بنفسك من خلال تناول الطعام الصحي وممارسة الرياضة والاسترخاء.

3. الأهداف الواضحة:

يركِّز المتفائلون على ما يريدون ويستمرون في البحث عن طرائق للحصول عليه، إنَّهم واضحون بشأن أهدافهم وواثقون من قدرتهم على تحقيقها عاجلاً أم آجلاً؛ لذا ركِّز على ما تريده في الحياة وضع خطة للمضي قدماً، ولا تسمح للعقبات أن تثبط عزيمتك، بدلاً من ذلك ذكر نفسك بأنَّ الأشياء الإيجابية يمكن أن تنتج عن جميع المواقف أيَّاً كانت.

امتنع عن مقارنة نفسك بالآخرين؛ فأنت شخص فريد من نوعك ولديك قصتك الخاصة لتعيشها، فيحدد الأشخاص الناجحون ما هو الأكثر أهمية بالنسبة إليهم ويعطون الأولوية لنشاطات حياتهم اليومية؛ وذلك حتى يتمكنوا من تحقيق أهدافهم بصرف النظر عن المواقف الصعبة أو مشتتات العالم الخارجي أو الجوانب أو المواقف السلبية للآخرين.

يعطي تحديد الأهداف المعنى لحياتك، يمنحك شيئاً ذا مغزى للتركيز عليه ويدفعك لوضع قائمة مهام يومية بالأشياء الهامة التي يجب إنجازها؛ لذا عندما تصل إلى أهدافك أو للنقاط الهامة التي تؤدي إلى وجهتك النهائية، فإنَّك بذلك تزيد حماستك وثقتك بنفسك، وكل منهما يجعل منك مفكراً أكثر إيجابية.

شاهد بالفيديو: 20 مثالاً على الأهداف الشخصية الذكية لتحسين حياتك

4. ترديد عبارات التحفيز الإيجابية:

عبارات التحفيز هي عبارات إيجابية يمكن تكرارها لتتعلم كيفية التخلص من الأفكار السلبية وامتلاك نظرة إيجابية، وتؤكد الدراسات فوائد عبارات التحفيز؛ على سبيل المثال وجدت دراسة حديثة أجراها أعضاء جامعة جيمس كوك (James Cook University) في أستراليا أنَّ للتحفيز الذاتي أثراً إيجابياً فى مهارات التأقلم والصحة عامةً.

يفكر الشخص الإيجابي بأفكار إيجابية ويستخدم كلمات إيجابية؛ لذا اختر كلامك بعناية عند التحدث والكتابة والتفكير؛ إذ تؤثر الكلمات التي تختارها في كيفية استجابة الآخرين لك؛ لذا توقف عن الشكوى وعوِّد نفسك مشاركة المعلومات الإيجابية.

ابقَ إيجابياً باختيار كلمات مثل "أستطيع" و "سأحاول" و "هذا ممكن" و "أنا قادر"، وأضف عبارات التحفيز الإيجابية إلى روتينك الصباحي، مثل "أنا سعيد بما أنا عليه الآن"، و"أنا واثق"، و"أنا قوي"، و"أنا كفء"، و"اخترت أن أكون سعيداً".

5. إضافة الإيجابية إلى حياتك اليومية:

يساعدك الأشخاص الإيجابيون على تغيير سلوكك للحصول على نظرة أكثر إيجابية؛ لذا أحط نفسك بأشخاص يجعلونك تشعر بالثقة والتفاؤل والتشجيع، وحدد الأشخاص السلبيين في حياتك وابحث عن طرائق للابتعاد عنهم أو تحسين العلاقة.

تابع وسائل الإعلام الإيجابية، ومن ذلك الموسيقى المتفائلة والأخبار ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، واقرأ الكتب والمقالات والمدونات التي تعزز عقليتك الإيجابية.

حتى الألوان والصور تؤثر في سلوكك، فانتبه للطريقة التي تزيِّن بها منزلك ومكتبك، علِّق الصور والرسوم التي تجعلك تفكر بأشياء إيجابية وتساعدك على الحفاظ على سلوك إيجابي، ووظف الألوان التي تجعلك سعيداً في محيطك.

كما تعدُّ الاقتباسات والرسائل المحفزة أمراً مفيد جداً عند محاولة تحفيز الأفكار الإيجابية لديك؛ لذا احتفظ بمجموعة من الاقتباسات الإيجابية في دفتر يوميات أو هاتفك أو جهاز الكمبيوتر الخاص بك، وعاود قراءتها مراراً.

6. أخذ القرار بأن تكون سعيداً وصاحب نظرة إيجابية:

الحزن أمرٌ صحي عندما تستدعي الظروف ذلك، وعلى الرغم من ذلك يمكنك الحفاظ على نظرة إيجابية عامة للحياة؛ لذا قرر من الآن أن ترى حياتك كوباً نصف ممتلئ بدلاً من نصف فارغ، فيشعر الناس السعداء بالامتنان على العديد من النعم في الحياة بدلاً من القلق أو الشكوى مما لا يملكون.

أحسن الظن بالجميع، فمعظم الناس مهذبون وصادقون جداً ويحاولون بذل أفضل ما بوسعهم، فعندما تبحث عن الخير في أقوالهم وأفعالهم دوماً ما ستجد شيئاً ما، إنَّ النظر إلى الجانب المشرق هو الأمر الأكثر أهمية عندما تسوء الأمور؛ إذ يساعدك ذلك على فهم الأمور، ومعاملتها، والحفاظ على الأمل بأن تتحسن.

شاهد بالفيديو: 7 طرق لتحسين مهارة اتخاذ القرار

7. الشعور بالامتنان:

عندما تدرب نفسك على الامتنان، ترى حياتك بطريقة أكثر إيجابية، فتلاحظ الأشياء التي تسير على ما يرام، وجوانب حياتك التي تسعدك، ولفتات اللطف العفوية التي يقوم بها الآخرون تجاهك.

لذا أمضِ بعض الوقت كل يوم في تنمية عقلية إيجابية؛ وذلك بتدوين ما يجعلك تشعر بالامتنان، وأعطِ انتباهك للأحداث والمشاعر والظروف الإيجابية ستجد أنَّ هذه العادة وحدها تحسن صحتك العقلية والجسدية وقريباً يصبح التفكير الإيجابي عادة طبيعية بالنسبة إليك.

إنَّ تدوين ما أنت ممتنٌّ له بانتظام يعزز لديك عادة توجيه أفكارك نحو تقدير الأمور التي تشعرك بالامتنان؛ لذلك بالطريقة نفسها التي تدوِّن بها امتنانك ستجد نفسك تشعر تلقائياً بالامتنان في كل ظرف تجد نفسك فيه خلال اليوم.

8. الابتسام والمرح والضحك أكثر:

يمكن أن تحوِّل ابتسامة بسيطة يوماً سيئاً إلى يوم جيد؛ لذا استثمر أثر الابتسام القوي فيك وفي الآخرين من خلال اعتياد الابتسام أكثر، وابحث عن أسباب للابتسام واسمح لنفسك بأن تكون سعيداً.

تخصيص وقت للمتعة أمر مفيد للحفاظ على نظرة إيجابية؛ لذا خصص وقتاً للاستجمام والقيام بالأشياء التي تستمتع بها مع الأشخاص الذين تحبهم، وحافظ على سلوك مرح، فعندما تتوقف عن الشكوى من المواقف السلبية وتجد سبيلاً للفكاهة بدلاً من ذلك، تستطيع الاسترخاء والتخلُّص من التوتر، ويساعد الابتسام والمرح والضحك على تقليل التوتر؛ مما يجعلك أكثر سعادة وصحة، وهذا يؤدي تلقائياً إلى التفكير الإيجابي.

إقرأ أيضاً: صناعة السعادة (الجزء 3): الإنتاجية والمرح

في الختام:

يمكن أن يساعدك اتباع سلوكٍ إيجابي بطرائق قد لا تدركها، فعندما تفكر بإيجابية تمنع عقلك الواعي واللاواعي من الانشغال بأي أفكار أو شكوك سلبية، ويمكن أن تكون الأفكار الإيجابية مفتاحاً حقيقياً للنجاح.

بعد أن تتعلم كيفية التفكير بإيجابية ستلاحظ تغييرات مذهلة من حولك، سيبدأ ذهنك بالعمل تحت تأثير هرمونات الرضى المتدفقة بحرية التي تدعى هرمونات الإندورفين التي تجعلك تشعر بأنَّك أكثر ارتياحاً وسعادة.

ستلاحظ أيضاً زيادة ثقتك بنفسك أكثر وستشعر بأنَّك أكثر قدرة على تولي المهام ومواجهة تحديات جديدة قد كانت في السابق خارج منطقة الراحة الخاصة بك، وبالحدِّ من المعتقدات التي تقيدك ستنطلق للحياة بحرية وتنمو كما لم تتخيل قط؛ الخلاصة يمكنك تغيير حياتك بأكملها ببساطة من خلال تسخير قوة التفكير الإيجابي.




مقالات مرتبطة