قبول الذات هو الطريق نحو السلام الداخلي

لو أنَّ كلاً منا سأل نفسه هذا السؤال: "هل أتقبَّل نفسي بكل ما فيها؟"، سيتردد أغلبنا قبل الإجابة بـ "نعم"، أو قد تكون الإجابة "نعم، ولكن تقبُّلاً جزئياً" أي أتقبَّل نفسي في أمور ولا أتقبَّلها في أمور أخرى؛ ففي الحقيقة تقبُّل أنفسنا كما نحن، بالجوانب الجيدة والسيئة فينا، ليس أمراً سهلاً، ولا تلقائياً يأتي بالفطرة؛ بل هو أمرٌ يتطلب منا أن نعيه ونعمل عليه من خلال مهارات معينة.



ما المقصود بتقبُّل الذات؟

  • هو قبول الإنسان لجميع سماته وصفاته الشخصية؛ إيجابية كانت أم سلبية.
  • هي القدرة على قبول النفس قبولاً تاماً.
  • احتضان النفس كما هي، دون شروط أو استثناء.

فلا يكفي لأتقبَّل ذاتي أن أحب الصفات الإيجابية والجيدة فقط في شخصيتي؛ بل يجب أن أتقبَّل حتى الصفات السلبية والمظلمة فيها، فهذه هي الخطوة الأولى للتغيير، ولكي أستطيع التخلُّص منها يجب أن أتقبَّلها أولاً.

يعد تقبُّل الذات أمراً في غاية الأهمية، لتأثيره الكبير في حياة الإنسان، فعندما يتقبَّل الإنسان ذاته بكل ما فيها، سيشعر بمزيد من السعادة والتصالح مع الذات، وسيتوقف عن مقارنة نفسه بأحد، أو القلق بشأن ما يُفكر فيه الآخرون عنه، ويكتسب مزيداً من الشجاعة والثقة بالنفس، ويصبح قادراً على اتخاذ خطوات واثقة في مخطط حياته؛ وذلك لأنَّه حرر نفسه من القيود الذاتية التي كانت تُعيقه وانطلق.

إقرأ أيضاً: 5 أنواع من الحديث مع النفس يُحبِّها العقل أكثر من غيرها

مهارات هامة لتقبُّل الذات:

تُساعدنا العديد من المهارات على تحقيق تقبُّل الذات بجميع جوانبها الإيجابية والسلبية، ومن ثم الانتقال إلى مرحلة إصلاح هذه الجوانب السلبية، ومن أهم هذه المهارات:

  • أن نكون لطيفين مع أنفسنا: بمعنى ألا يكون الإنسان عدو نفسه الأول، فما من أحد يُطلق الأحكام على الإنسان أكثر من نفسه؛ لذا يجب أن يكون لطيفاً معها ولا يقسو عليها، وصبوراً على أخطائها، ويتعامل معها كما نتعامل مع الطفل الصغير الذي يرتكب الأخطاء ونُحاول أن نُصوِّبها له.
  • مواجهة المخاوف: يحتاج تقبُّل النفس بسلبياتها، والنية بإصلاحها، إلى التغيير والانتقال إلى ما هو جديد، لكن جميعنا يملك مخاوفَ وهواجسَ من الأمور المجهولة، فنعيش في خوف دائم من التغيير وتجربة أي شيء جديدٍ غير مألوف، الأمر الذي يُبقينا عاجزين ومُقيَّدين، وعالقين في منطقة الراحة التي اعتدنا عليها؛ لذا من الضروري البدء باتخاذ خطوات في سبيل التغيير، وهي مواجهة الأشياء التي تُخفينا، بمعرفة أسباب هذا الخوف ومواجهتها.
  • الإيجابية: يجب أن نُحيط أنفسنا بكل ما هو إيجابي، وأن نُواجه ذلك الصوت الداخلي السلبي، ولا نسمح بأن نكون أسرى للأفكار السلبية؛ كأن نكتب لأنفسنا ملاحظات لطيفة وتوكيدات إيجابية ونُعلِّقها في غرفتنا، أو نحمِّل تطبيقاً على هواتفنا يُذكِّرنا بمقولات مُلهمة في كل وقت، أو نمارس الهوايات المفضلة عند الشعور بالإحباط.
  • قبول النقص: لا بد من إدراك حقيقة أنَّ الكمال لله وحده، والتخلي عن السعي إلى الكمال، وقبول النقص في حال وجوده والعمل على تحسينه.
  • عدم شخصنة الأمور: حتى ننجح في تقبُّل أنفسنا؛ يجب الابتعاد عن عدِّ كل تصرف أو قول، على أنَّه إهانة لنا ويمسُّنا شخصياً، فشخصنة الكلام والتصرفات تؤذينا، وتجعلنا في حالة صراع مع أنفسنا وعدم قبول لها.
  • المسامحة: المسامحة مفتاح تقبُّل الذات؛ لذا يجب أن نُسامح أنفسنا أولاً على ما ارتكبنا من أخطاء في الماضي، ولا نجلد ذواتنا؛ بل نلتمس التبرير لأخطائنا، فربما كنا أقل وعياً، وكان تصرُّفنا تحت رحمة ظروف معينة؛ لذا من الضروري أن نمتنَّ لهذا الماضي ونعدُّه دروساً تعلمناها، وأصبحنا أكثر خبرةً وقوة بفضله.
  • الإيمان بالذات: أهم خطوة في تقبُّل الذات هي أن يؤمن الإنسان بذاته، وبقدراته، وأنَّه كائن قوي، يستطيع التغلب على ما يعترض طريقه من صعوبات، والوصول إلى ما يُريد، ويتذكَّر دائماً أنَّ وجوده الآن، يعني أنَّه نجح في التغلب على أسوأ التجارب التي مر بها.
  • التذكير بنقاط القوة: من المفيد أن نكتب قائمة بنقاط قوَّتنا وإنجازاتنا والأوقات الصعبة التي تغلبنا فيها على مشكلاتنا، ونقرأها كلما شعرنا بأي إحباط، مما يساعد على الشعور بالتوازن وتقبُّل الصفات الأقل قيمة.
  • احتضان العيوب: أهم خطوة لتحقيق تقبُّل الذات، هي أن نحتضن عيوبنا؛ أي نتقبَّلها ونتصالح معها، ولا نسمح لها أن تجعلنا نكره أنفسنا أو نشعر بأنَّنا لا نستحق الأفضل، ونعمل على تحسينها؛ ولكن مع شرط قبولها في أثناء قيامنا بذلك.
إقرأ أيضاً: عبارات لتعزيز التفكير الإيجابي داخلك

تقبُّل الذات غير المشروط:

يجب أن يكون قبول الذات غير مشروط؛ بمعنى أن نتقبَّل أنفسنا بكل الحالات بدون اشتراط حالة معينة، فمن السهل أن نتقبَّل أنفسنا عندما نكون في أفضل حالاتنا (ناجح في الدراسة، أو في العمل، أو فائز في مسابقة ما)، لكنَّ الصعوبة تكمن في تقبُّلها في حالات الفشل أو ارتكاب الخطأ؛ فحينما نتدرب على قبول النفس غير المشروط، سنبدأ بحب أنفسنا حتى بسلبياتها، ومن ثم العمل على إصلاح هذه السلبيات.

عملية تقبُّل الذات لا تتم بين ليلة وضحاها؛ بل تحتاج إلى بعض الوقت لإعادة بناء الطريقة التي يتواصل بها الإنسان مع نفسه، والوعي إلى خطورة الأمر، خاصةً أنَّنا نعيش في مجتمعات سريعة التغير وشديدة التنافسية، وتزيد من خطر وقوع الإنسان في مقارنات مع غيره، وتجعله لا يتقبَّل نفسه، فإن لم نتقبَّل ذاتنا فنحن أسوأ أعدائنا.

في الختام، تقبُّل الذات هو الطريق للسلام الداخلي:

قبول الذات هو إيجاد السلام الداخلي، وهو حجر الزاوية في كلِّ حياة سعيدة؛ لذا تذكَّر أنَّ لكل إنسان منا جانبه المظلم، ولا يجب أن تكون مثالياً لتستحق السعادة والرضا؛ لذا عامل نفسك بالرحمة والحب.

يقول جيمس تي كانمور: "إنَّ عقلك لا يمكنه أن يشفي روحك؛ بل إنَّ روحك هي التي تُشفي عقلك".

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة