فوائد تناول طعام الغداء مع الأسرة ونصائح للأبوين لتحقيق ذلك

تواجه بعض العائلات مشكلةً في اجتماع أفراد الأسرة لتناول طعام الغداء معاً، فقد تختلف جداول مواعيد بعض الأفراد عن جداول مواعيد البعض الآخر، وقد تتعارض في فترة بعض الظهر بعض مواعيد الأنشطة المدرسية، والواجبات، والأنشطة الرياضية، والمواعيد النهائية الخاصة بالعمل مع مواعيد أخرى، ونتيجةً لذلك تعتاد العديد من العائلات على الوجبات السريعة التي يمكن تناولها على عجل.



لا نُريد أن نطلق أحكاماً قاسية فنحن نعلم الإرباك الذي يُسبّبه وجود أبوَيْن عاملَيْن في الأسرة، أو ذهاب الأطفال إلى المدرسة في موعِدَين متعاكسيْن، أو وجود أنشطة قبل موعد وجبة الغداء المعتاد أو بعده تماماً، وقد دفَعَنا هذا إلى استهلاك الوجبات التي يمكن تناولها على عجل بشكلٍ شبه دائم.

لكن على الرغم من ذلك الإرباك يجب على أفراد الأسرة أن يستمروا في محاولة الاجتماع على وجبات الغداء كلما كان ذلك ممكناً. وعلى الرغم أيضاً من أنَّ ذلك لا يحدث دائماً إلَّا أنَّ عائلاتنا اعتادت على الاجتماع لتناول وجبات الغداء معاً، فلماذا يُعَدُّ القيام بذلك مهمَّاً؟ لقد أظهر أحد الأبحاث أنَّ اجتماع أفراد الأسرة على وجبة الغداء يُعَدُّ أمراً يَستحِقُّ أن يُبذَل في سبيله العناء، وتقول "ليندا باجاني" أستاذة التثقيف النفسي في جامعة مونتريال: "تشير النتائج التي توصَّلنا إليها إلى أنَّ اجتماع أفراد الأسرة لتناول الطعام لا يعطينا مؤشراً على جودة الأجواء التي تسود المنزل فقط، بل يُعَدُّ أيضاً طريقةً يستطيع الوالدان من خلالها تعزيز صحة أبناءهم بكل سهولة".

ووجد الباحثون أنَّ الأطفال الذين يتناولون طعام الغداء مع أسرهم بانتظام كانوا لائقين جسديَّاً أكثر من الأطفال الذين لا يتناولون وجبات الغداء مع أفراد عائلاتهم بانتظام، ويتحلّوْنَ بمهاراتٍ اجتماعيةٍ أفضل من مهارات نظرائهم، وأقلّ عدوانيةً منهم.

أُجريَت هذه الدراسة على حوالي 1500 طفل وُلِدوا في عامي 1997م و1998م، واستخدم الباحثون التقارير التي قدّمها لهم كلٌّ من الآباء، والمعلمين، وحتى الأطفال أنفسهم حيث بحثوا عن علاقة عدد الوجبات التي يتناولها الأطفال مع أفراد أسرهم بالصفات التي اكتسبها الأطفال بعد 4 سنوات، ووجدوا أنَّ الأطفال الذين تناولوا الطعام بانتظامٍ مع آبائهم كانوا أكثر صحةً من عدة جوانب. ولم يعتقد الباحثون أنَّ نوع الطعام المُقدَّم للأطفال كان وحده المسؤول عن الفوائد الصحية الكثيرة التي جَنَوْها.

كيف يمكن أن يستفيد الأطفال من تناول طعام الغداء مع الأسرة؟

يُعَدُّ قضاء الوقت مع الأطفال مهمَّاً دائماً لأنَّ ذلك يدفعهم إلى تقليد سلوكياتنا، ويجعلهم يشعرون بأنَّهم يحظون بالرعاية، ويمنحهم فرصة المساهمة مساهمةً فعالةً في ترابط الأسرة، لكن ما هو الشيء المهم إلى هذا الحد في اجتماع أفراد الأسرة لتناول وجبة الغداء معاً؟

تقول "ليندا باغاني" وهي بروفيسور في جامعة مونتريال: "ربما يشكل تواجد الأهالي في أثناء تناول الطعام أولى التفاعلات الاجتماعية التي يخوضها الأطفال، ويفتح لهم المجال للحديث عن القضايا الاجتماعية والمشاغل اليومية، ويتيح لهم فرصة تعلم التفاعل بشكلٍ إيجابيٍّ مع المجتمع في أجواءٍ حميميةٍ ومستقرةٍ عاطفيَّاً".

يفسح اجتماع أفراد الأسرة لتناول وجبات الطعام معاً المجال لإجراء حواراتٍ طبيعية يمكن أن تشكل فرصةً لتربية الأطفال، إذ حينما يجلسون معاً حول الطاولة تُطرَح النقاشات عادةً بشكلٍ طبيعي، فيتبادل الأبوان والأطفال الأكبر سنَّاً الحديث ويتعلم الأطفال الأصغر سنَّاً هذه المهارات بشكلٍ طبيعي. إنَّ الحوارات العادية التي تناقش أحداث اليوم يمكن أن تشجع أفراد الأسرة على بناء علاقات أكثر عمقاً، والاجتماع من أجل تناول الطعام يهيئ الأجواء لتواصل أفراد الأسرة وتفاعلهم عوضاً عن أن يكون ما يجمعهم معاً هو العيش في منزلٍ واحدٍ فقط.

ووجدت دراساتٌ أخرى أيضاً أنَّ من ضمن الفوائد التي يقدمها اجتماع أفراد الأسرة لتناول الغداء معاً:

  • تحسُّن العلاقات بين الأطفال وآبائهم.
  • تعلُّم الأطفال مزيداً من المفردات.
  • انتشار حُسْن السلوك بين المراهقين، إذ يُعَدُّ اجتماع أفراد الأسرة لتناول الطعام معاً دليلاً على حُسْن السلوك، لا يقلّ شأناً عن النتيجة التي سيحصل عليها المراهق من ارتياد دور العبادة أو تحصيل درجات عالية.
  • ازدياد احتمال تناول الأطفال طعاماً صحيّاً.
  • ازدياد التفاؤل عند الأطفال والنظر إلى الحياة بشكلٍ عام نظرةً أفضل وأكثر إيجابية.

من النادر أن ترى أبويْن يقولان أنَّ اجتماع أفراد الأسرة لتناول الغداء معاً يُعَدُّ مهمةً هيِّنة أو غير مجهدة، لكنَّ الأبحاث تبيِّن أنَّ ذلك يُعَدُّ أمراً يستحق أن يُبذَل العناء في سبيله، لأنَّ اجتماع أفراد الأسرة على الغداء يقدم فوائد بدنيةً، وذهنيةً، واجتماعيةً واضحة.

إقرأ أيضاً: فوائد الفطور الصباحي للطفل

لماذا يُعَدُّ جمع أفراد الأسرة لتناول طعام الغداء معاً مهمةً مضنية؟

نحن نعيش في عصر التشتت الذهني المستمر الذي تسببه الأجهزة الإلكترونية وجداول الأعمال المُكتظَّة، والأهالي يشعرون بضغوطٍ متزايدة تفرضها عليهم ضرورة تربية الأبناء أفضل تربيةٍ ممكنة ويُحِسُّون أنَّهم في حاجةٍ إلى:

  • الاطلاع على كل ما يخص حياة أبنائهم.
  • مراقبة استهلاكهم للسكر.
  • تحضير الوجبات دون اللجوء إلى أي مكونات جاهزة.
  • التأكُّد من أنَّ الأطفال يحصلون على قسطٍ كافٍ من النوم.
  • متابعة أخبار المدرسة والأنشطة التي يمارسها الأطفال أولاً بأول.
  • التحلي بمزاجٍ إيجابي.
  • إبداء الالتزام تجاه العمل.

من الرائع التفكير بهذه الطريق وتطبيق هذه النقاط إذ من المهم الاعتناء بغذاء الأطفال، والاهتمام بتعليمهم يُعَدُّ أمراً أساسياً أيضاً، والتحلي بمزاجٍ جيد يعزز الأجواء الإيجابية التي تسود العائلة. بيد أنَّ الضغط الذي تفرضه علينا الحاجة إلى القيام بكل تلك الأمور يجعل العديدين يشعرون بالإنهاك، لا سيما إذ وازنَّا حياتنا مع حياة أولئك الذين ينشرون تفاصيل حياتهم على وسائل التواصل الاجتماعي بطريقةٍ توحي بأنَّهم يعيشون حياةً لا تشوبها شائبة. وقد يُحِسُّ الأهل بضغطٍ إضافيٍّ في نهاية اليوم حينما يُضطرون إلى مطالبة جميع أفراد الأسرة بالاجتماع لتناول الطعام معاً.

يتعلق كل شيءٍ في النهاية بالتوازن والواقعية حيث يستطيع الأهل قراءة الأبحاث، وفهم طبيعة حياتهم، ومحاولة بذل أفضل ما في وسعهم، وأيَّا كانت النتيجة، فسيكون ذلك كل ما يمكن القيام به.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح هامة تساعد في بناء أسرة سعيدة

نصائح لجمع أفراد الأسرة لتناول طعام الغداء معاً:

إذا كنت تنظر إلى حياتك وتبحث عن طريقةٍ لجمع أفراد العائلة لتناول طعام الغداء معاً ابدأ بخطواتٍ بسيطة وجرب هذه الأمور:

  • ابدأ بخطواتٍ بسيطة: خصص يومين أو ثلاثة في الأسبوع لاجتماع أفراد الأسرة لتناول طعام الغداء، وبعد أن يعتاد أفراد الأسرة على ذلك ستجد أنَّ المواظبة عليه ستصبح أسهل.
  • رتِّب أولوياتك: هل تستطيع القيام بأي شيء لتغيير روتين فترة بعد الظهر أو جدول أعمالها من أجل جعل اجتماع أفراد الأسرة لتناول طعام الغداء معاً أسهل؟
  • ركز الانتباه على التغذية: لكن لا تدع ذلك يكون على حساب الاجتماع لتناول الطعام، إذ إنَّ إعداد وجبات بسيطة في أثناء الأوقات التي تكثر فيها المشاغل يضمن لكم أن تتمكنوا جميعاً من الاستمتاع بتناول وجبات الطعام معاً.
  • دع أفراد الأسرة يجتمعون إمَّا على وجبة الفطور وإمَّا على وجبة العشاء بدلاً من وجبة الغداء: لا سيما إذا كنت أنت وزوجتك تعملان في وقتَيْن متعاكسين أو إذا كان لديكما الكثير من الأنشطة في فترة الغداء.
  • أغلق جميع الأجهزة الإلكترونية، وأجهزة التلفاز، والهواتف قبل وجبة الغداء بعدة دقائق ودعها تبقى مغلقةً في أثناء تناول الطعام.

قد تكون الحياة ملأى بالفوضى إذا ثمَّة الكثير من الواجبات التي يجب علينا أن نؤديها كل يوم ولا يمكننا دائماً أن نعطي الأولوية لجميع ممارسات التربية السليمة، لكنَّ اجتماع أفراد الأسرة لتناول طعام الغداء معاً يقدم فوائد لا يمكن لأحد إنكارها.

ندرك جميعاً التحديات التي تواجه الأطفال اليوم كالبدانة، والإدمان على التكنولوجيا، والتنمُّر، والاكتئاب، والجميع يريدون حلولاً للتصدي لتلك التحديات، وعلى الرغم من أنَّ اجتماع أفراد الأسرة لتناول طعام الغداء معاً قد لا يكون حلَّاً لكل تلك المشكلات، إلَّا أنَّه يُعَدُّ بكل تأكيد إحدى الطرائق لتحسين مستقبل أطفالنا.

المصدر.




مقالات مرتبطة