فن مواجهة الآخرين والرد على الإساءة

يتعرض جميعنا للإزعاج والتجريح من قِبل أشخاص يحوزون طاقة سلبية ملونة بالحقد والحسد والنميمة، يصبُّونها علينا وكأنَّنا نحن المذنبون وهم الأبرياء؛ إذ إنَّ المجتمع في الحقيقة ممتلئ بهؤلاء الأشخاص الحسودين السيئين والنمَّامين، الذين تفيض قلوبهم بالحقد والغيرة والكراهية تجاه أيِّ شخص ناجح في حياته المهنية والعملية والدراسية، فيتعرضون له بالإساءة والكلام الجارح.



والشخص الذكي الحاذق اللماح هو من يلتقط الإشارة في الثواني الأولى، فيتحسس الكلام الجارح ويتنبَّه إليه ويأتي رده كلمح البصر يعبر عن غضبه وثورته وعدم رضاه بالهزيمة والاستسلام.

كثرٌ هم الأشخاص المسيئون، وقلَّة هم أصحاب القلب الطيب الذي يصدح بالنوايا الطيبة النبيلة مدفوعاً بحب الخير ومساعدة الناس، ومع ذلك، فالمجتمع بستان يزهو بكل الألوان والروائح والنكهات فيه الورد وفيه الشوك.

فن الإساءة ظاهرة مستشرية في مجتمعنا العربي ومتغلغلة في تربته كالسرطان أو الحيوان الطفيلي؛ إذن، كيف لنا أن نتصرف؟

السؤال مفتاح الفهم:

سوف نستعرض في مقالتنا نقاطاً عدة في غاية الأهمية تحت عنوان "فن الرد على الإساءة بلباقة"، كما سنطرح أسئلة مفتاحية جوهرية يُعنى بها أيُّ إنسان ناجح لديه أعداء وخصام يكرهونه ويكرهون نجاحه وتميزه، فينهالون عليه بوابل من الإساءات والشتائم والكلام المغرض.

في البداية صديقي القارئ، دعني أسألك:

  • هل سبق أن أساء أحدٌ ما إليك؟
  • كيف تلقيت الإساءة؟
  • كيف كانت مشاعرك؟
  • هل غضبت ورددت إليه بإساءة مثلها؟
  • هل أشعرت الطرف الآخر بأنَّك مغتاظٌ منه؟
  • هل كظمت غيظك؟

أم أنَّك تصديتَ له بكل هدوء ودم بارد، واتبعت أسلوباً في غاية اللباقة وفي منتهى التهذيب واحترام الذات؟

في حال كان ردك مختلفاً عن كل ممَّا سبق، فتعال نبحر في هذه المقالة اللطيفة لنتعرف إلى أبرز طرائق الرد على الإساءة والكلام الجارح بلباقة ولطف من دون الدخول في الملاسنات والكلام البذيء.

كيف أردُّ بلباقة؟

أجمع علماء التنمية الذاتية واختصاصيو علم النفس والأطباء النفسيون وكل مجالس البشر على أنَّ الطريقة المثلى والأكثر فاعلية ولطافة بالرد على الإهانة، هي هدوء الأعصاب أو كما يُقال دم بارد.

والرد يشتمل على الآتي:

  1. اختيار كلمات مناسبة.
  2. الحديث بهدوء.
  3. استعمال وتيرة صوت منخفضة.
  4. فكر منفتح.
  5. إشعار الآخر بغلطه وذنبه.
  6. عدم اللجوء إلى الشتائم؛لأنَّها مؤشر واضح إلى ضعف الشخصية والوقوع في الهزيمة، وبدل أن ترد إليك حقك تصبح أنت المدان.

حب الذات مفتاح الشخصية القوية:

هناك نقطة هامة يجب أن نشير إليها، ألا وهي الثقة بالنفس وتقدير الذات وحب الأنا.

يقول المثل الشعبي: "إذا هانت عليك نفسك، فهي عند غيرك أهون"؛ أي بما معناه، إذا قبلتَ أن يُساء إليك مرة واثنتين وثلاثاً من دون أن ترد حقك ولو بإشارة صغيرة، فمن الطبيعي أن يستمتع الشخص المسيء بإزعاجك واستباحة مشاعرك ودهس كرامتك والسوط على ظهرك بالإهانات.

هنا وفي هذا الصدد، يحضرني قول شائع بين الناس: "الناس يحبون الضعيف ويستحقرونه، ويكرهون القوي ويحترمونه".

صديقي القارئ، قد تكون معادلة غير منطقية وغير منصفة وجارحة، لكن للأسف هذه سنة الحياة، فالبشر يخافون القوي الخبيث الفاجر ويطيعونه، ويستهينون بالفقير الضعيف الغشيم الجاهل بالأمور.

إقرأ أيضاً: 10 نصائح ذهبية لتنمية حب الذات

كيف ننتصر على الإحباط؟

أفضل طريقة للتغلب على الإساءة بينك وبين نفسك، ألَّا تحمل الكلام المنقول معك إلى البيت؛ بل على العكس، كن إنساناً طبيعياً واثقاً من نفسه، حكيماً لا ينصت لأحكام الآخرين الظالمة، واجعل طقسك الداخلي مليئاً بالأمل والكبرياء والثقة، واحرص على هذا الثالوث العظيم، ثم كن على ثقة بأنَّ البشر يظلمون لكنَّ الله لا يظلم أحداً، وتيقَّن أنَّك في لحظات الضعف لست وحدك؛ بل الله معك، يبقى إلى جانبك وينصرك ويحميك وينعم عليك بالرحمة والهدوء النفسي والروحي، فكن مع الله ولا تبالِ.

فن الرد على الإساءة:

ننتقل هنا إلى فن الرد على الإساءة اللفظية؛ فأن تكون أديباً لا يعني أن تكون انهزامياً ضعيفاً عاجزاً عن الرد؛ بل على العكس، القوة الحقيقية تكون باتحاد الأدب مع الشجاعة.

إذن، عليك أن تتحلى بالجرأة والصبر والقدرة على استيعاب الآخر وتحمُّله، من دون أن تدخل في ملاسنة كلامية أو شتيمة، ومن غير أن تُجبر نفسك على تحمُّل الهزيمة؛ لذا، تحلَّ بالهدوء، وانتقِ الرد المناسب الذي يجعل الطرف المسيء يسكت ويتسمَّر في أرضه كالأحمق.

عليك أن تكون حساساً تستشعر الكلام وتستنتج أنَّ هناك إساءة توجه إليك، وليكن ردك كالماء الرقراق منساباً عذباً قوياً.

إليك بعضاً من العبارات الشائعة المستعملة بكثرة للتصدي للكلام الجارح:

  • يبدو لي أنَّ الصفاقة لا تلائمك أبداً بتاتاً.
  • كنت أعتقدك أكثر حنكة ودهاء بالرد، لكنَّك ظهرت لي وكأنَّك غاية في الحماقة.
  • ماذا تنتظر منِّي بعد؟ أتريد جواباً رقيقاً يناسبك أم جواباً أصيلاً يرتقي فوق مستوى تفكيرك؟
  • لقد تأكدت بشكل واضح أنَّ أسلوبك في الكلام أدنى بكثير ممَّا كانت مخيلتي تتوقع.
  • ألم تتعب من صياغة الأكذوبة ودحض الكلام بكل سذاجة، أم أنَّك لم تنطق في حياتك ولا بنصف حرف صادق؟
  • برهن لي على صحة ادعائك، وإن كان ما تقوله صحيحاً، فلك منِّي اعتذار صريح وهدية جميلة.
  • حاولت مراراً وتكراراً أن أنظر إليك بنية صافية، غير أنَّني كنت مخدوعاً بك، والآن، انكسرت هذه الصورة الزائفة، وأبصرت بأم عيني حقيقة أنَّك محتالٌ خبيث.
  • إنَّ القوة الحقيقية البحتة تتركز في رباطة الجأش والجرأة، وأعتقد أنَّك تفتقر إلى الاثنين معاً.

شاهد بالفيديو: كيفية التعامل مع الإهانة أو الإساءة

فن الرد المُسكت:

والآن، لنتعلم فنون الرد كما لو أنَّنا في دائرة منافسة؛ تخيل لو أنَّك تتعرض للاستفزاز والمهاجمة من قِبل شخص ساقط حقير، وأنت بطبيعتك إنسان ناجح يملك كل أدوات التميز، ويقع تحت دائرة الضوء.

هنا يحضرنا مصطلح خطير هو "فن الرد المسكت"؛ إذ إنَّك بكلمات سهلة مهذبة، تستطيع أن تجعل الشخص الآخر يبتلع لسانه، ويلزم الصمت، ويصيبه الجمود في أرضه.

يُعَدُّ فن الرد المهذب اللبق المُسكت الهادئ، أحد أهم نقاط القوة في شخصيتك، وهو سلاح يسندك في العلاقات السطحية العابرة، وعند التعاطي مع الأصدقاء المزيفين الذين يُبدون لك المحبة، ويضمرون لك في قلوبهم الحقد والضغينة والكره والشر.

قواعد فن الرد المُسكت:

  1. الهدوء ثم الهدوء ثم الهدوء: ثم أعصاب باردة ودم بارد ومن غير مبالاة، تُشعر الشخص الآخر بعدم انتباهك لكلامه، وعدم التفاتك إلى إساءته، فيشعر بالغيظ ويصعد الدم نحو جبهته ويتصبب عرقاً؛ بل وقد يعلو صوته بالصراخ والغيظ يفوح منه، بعد أن تلقَّى ذبذبات قلة الاهتمام منك بشكل ممتاز وقد أصابت هدفها؛ لذا كن على الدوام لاعباً حاذقاً متمرساً، وتعامل مع هؤلاء النماذج كأنَّهم أحجار شطرنج.
  2. ضبط حركات الجسد وإيماءات الوجه: يفرض الهدوء بطبيعة الحال وضعية معيَّنة على المتحدث، كأن يكون قليل الحركة مبتسماً دائماً، على عكس العبوس الذي هو دليل ضعف وانعدام ثقة بالنفس؛ لذا كن هادئاً متزناً في جلوسك وأنت ترد، وحافظ على بريق عينيك ولا تدع ملامحك تتغير أو تتجهم أو تتشاءم. من خلال هذه الحركات السهلة، فإنَّك ترسل رسائل صغيرة ذات مفعول قوي مفادها أنَّك غير مهتم لهذا الشخص، ولم ينجح في إحباطك، وعندما يتلقَّى الطرف الآخر هذه الرسالة، سيقفز من على كرسيه غضباً وغيظاً، وربما ينهال عليك بالشتيمة؛ لذا كن لبيباً ذكياً، واعرف كيف تدير الحلبة لصالحك.
  3. خفض وتيرة الصوت: يتكلم الشخص الهادئ بصوت خفيض، بينما يصرخ الشخص الأحمق بكلامه، فيتحدث بكلمة في الشرق وكلمة في الغرب؛ لذا عليك أن تتكلَّم بهدوء وبصوت معتدل مسموع مريح يبعث في الشخص الآخر التوتر والانزعاج، ولكن حافظ على نبرة حادة حازمة جازمة عميقة، تصيب الهدف بنجاح وحذاقة؛ وبذلك تكون قد استرددتَ حقك وأضعافه.

لا تنسَ أن تجعل نطقك سليماً، ومخارج حروفك صحيحة، واستشهد في أحاديثك بأمثال شعبية شهيرة وآيات قرآنية كريمة وأحاديث نبوية شريفة؛ إذ إنَّ هذا البند من بنود الرد، يتطلب منك ثقافة واسعة شاسعة، واطلاعاً على الكتب والأخبار والمجلات، لتتعلم وتغرف من ينبوع المعرفة، فتعرف أسهل وأسلس طرائق الرد الصريح المُسكت من دون أن تُتعب يديك ولسانك وقلبك مع الشخص الآخر.

إقرأ أيضاً: الرد بهدوء وعقلانية على النقد غير العادل

تعريف فن الرد الدبلوماسي:

طريقة مسالمة لتجنب الصدام والتوتر وتبادل الشحنات السلبية وإيقاع الضغط، وهذا الشكل يتَّبعه كثير من الناس، لكنَّني لا أعدُّه طريقة جيدة، كونه يقوم على مبدأ الرد الساخر لإضعاف الشخص الآخر.

إليك بعضاً من الكلمات الشائعة التي تُستَعمَل في فن الرد الدبلوماسي:

  1. عفواً! لم أنتبه لكلامك.
  2. عذراً! ماذا قلت؟
  3. لو سمحت! كلامك أزعجني.
  4. هلَّا هذبت لسانك معي؟
  5. لو سمحت! انتبه للفظك بشكل جيد.
  6. نعم، ماذا تقول؟ يبدو أنَّني لا أسمع جيداً.

كما أنَّه بإمكانك أن تتلو على المسيء آية قرآنية تجعله يشعر بخطئه، وسينتابه شعور الندم.

بإمكانك أيضاً أن تتمسك بأدق التفاصيل وهو يتكلم، كأن تقول له ملحوظة بعيدة تماماً فحوى الحديث، فتقول له مثلاً:

  1. انظر، السماء مكفهرة، الله يرزق الخير.
  2. لون قميصك الأزرق جميل جداً ويذكرني بالبحر.
  3. أيُّها الشاطر! لِمَ تزعج نفسك بي؟ والله إنَّ صحتك بالدنيا يا عزيزي.

بهذه الجمل السهلة، تشعل ثورة الغضب في قلبه وتضعفه وتُظهر له مدى حماقته ووقاحته، وعلى حسب ثقتك بنفسك وحبك لذاتك وعدم الرضى بالإساءة لها حتى لو كانت كلمة صغيرة، هنا يأتي الرد قوياً لبقاً يُضعف الشخص المسيء.

في الختام:

علينا ألَّا نستهين بذاتنا؛ بل على العكس، علينا أن نعبِّر بيننا وبين أنفسنا أنَّنا أشخاص أقوياء، نمتلك إرادة من فولاذ، وعقلاً يشبه روضة الفكر، نقطف منها بساتين الحكمة.

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة