فرط الحركة عند الأطفال: تعريفه، وأعراضه، وأسبابه، وأهم طرق علاجه

لطالما كانت الطاقة والنشاط والحماس والحركة من السِّمات الأساسية والمميزة للأطفال، ولطالما كانوا يأسرون قلوبنا ويسحرون أعيننا ويذهبون بعقولنا، حيث يُعَد الحديث مع طفل صغير وملاعبته ومصادقته سبباً من أسباب السعادة، عدا عن أنَّ مجاراته في النشاط والحركة ضربٌ من ضروب المتعة اللامحدودة، فهو القادر على أن يعود بك طفلاً صغيراً بلمح البصر، لتعلب وتمرح معه دون أيِّة قيود وعراقيل، إنَّها أشبه بجلسة علاج نفسي بالمجان، حيث تتبدد كل مشاعرك السلبية ليحل محلها مشاعر إيجابية رائعة.



والسؤال هنا: "هل يعيش كل مَن لديه أطفال هذه الحالة من الإيجابية؟ أم أنَّ هناك كثيراً ممَّن يُعانون مع أطفالهم؟" وللإجابة على هذه السؤال، سأدعوكم في رحلة مع عائلة لديها طفل مفعم بالطاقة والحيوية، إلا أنَّه يُفرِّغ تلك الطاقة في أشكال مبالغ فيها، فلا ينعم بلحظات من الهدوء والسَّكِينة بل هو دائم الحركة على مدار الساعة، ولا يستطيع أن يضبط جسده عن الحركة لأكثر من دقيقة واحدة، يميل دوماً إلى إيذاء ذاته أو غيره من جرَّاء حركته المبالغ فيها وغير المحسوبة النتائج.

وبالرغم من تأكيد كل من عائلته ومدرسته على  ذكائه وتميزه؛ إلا أنَّه لا يستطيع الجلوس من أجل تحضير واجباته المدرسية، وفي حال حصول أي حدث مُشتِّت أثناء الحصة المدرسية؛ سرعان ما سيوجِّه كامل تركيزه وانتباهه إليه، وينسى المعلومات التي كانت المُعلِّمة في صدد تعليمها، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع أدائه الدارسي، وغالباً ما يأتي إلى المنزل بعد يوم المدرسة وقد أضاع شيئاً من حاجيَّاته.

والسؤال هنا: "هل ستكون هذه العائلة سعيدة بوجود طفل كهذا في حياتها؟" والجواب بالتأكيد نعم، عليها أن تكون سعيدة؛ لأنَّ الطفل نعمة حقيقية في حياة الإنسان، ولكن لكل طفل خصوصيته ويجب على الأهل السعي لاكتساب المهارات اللازمة للتعامل مع أي طارئ قد يطرأ في حياتهم.

نعم، هم يملكون طفلاً لديه اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، وهذه مسألة لا أدَّعي أنَّها سهلة، ولكنَّها قابلة للحل والعلاج. نعم، يتطلب الأمر كثيراً من الحب والوعي والاحتواء والصبر، ولكنَّه سينجح بالتأكيد.

اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه عند الأطفال، هذا ما سنتناوله من خلال هذا المقال.

ما هو اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه؟

هو اضطراب سلوكي يُصيب الأطفال، بحيث يصبح الطفل مُفرط الحركة والنشاط، وغير قادر على ضبط انفعالاته وقيادة تهوُّره وردات أفعاله. من جهة أخرى، يكون الطفل غير قادر على التركيز في أمر واحد لمدة من الوقت، فسرعان ما يمل منتقلاً إلى أمر آخر، ما يؤثر سلباً في تحصيله العلمي.

تشعر بأنَّ الطفل المصاب بهذا الاضطراب ذكي ولمَّاح، ولكنَّه مختلف عن أصدقائه ويحتاج طريقة خاصة في التعامل والتعليم.

ما هي أعراض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه؟

لا يجوز تشخيص هذا المرض قبل عمر الأربع سنوات؛ لأنَّ الطفل قد يعاني أعراضاً معيَّنة في سنوات طفولته الأولى؛ كفرط النشاط والحركة وعدم الانتباه إلى التفاصيل، حيث يوجِّه كامل تركيزه إلى الألعاب والتسلية، وغالباً ما تكون هذه الأعراض طبيعية في السنوات الأولى، وتدل على شقاوة الطفل وطاقته العالية وذكائه، وليست دليلاً على اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه.

وهنا لا بدَّ من التفريق ما بين الطفل الشقي الطبيعي والطفل المصاب بهذا الاضطراب، حيث يتناوب الطفل الشقي ما بين فترات من الحركة والهدوء، ويستطيع التركيز والانتباه في حالات معيَّنة، في حين يكون الطفل المصاب بالاضطراب دائم الحركة ولا يهدأ مطلقاً، إضافة إلى قلَّة التركيز والانتباه على مدار الساعة.

لكي نُشخِّص اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه؛ يجب أن يُبدي الطفل الأعراض التالية:

1. الحركة المبالغ فيها:

إذا توافرت لدى الطفل ثلاثة من الأعراض التالية لمدة 6 أشهر متلاحقة بصورة مستمرة؛ فهذا يعني أنَّه مصاب باضطراب فرط الحركة؛ وهي: الحركة الدائمة على مدار اليوم، التسلق والقيام بحركات خطيرة، الملل السريع من كل نشاط يقوم به، صعوبة مشاركته في الأنشطة ضمن الفرق لعدم قدرته على ضبط حركته ضمن الفريق والالتزام بالتعليمات، الثرثرة الشديدة.

2. تشتت الانتباه:

في حال توفرت ستة من الأعراض التالية لمدة ستة أشهر متواصلة؛ فهذا يعني إصابة الطفل باضطراب تشتت الانتباه، وهنا لا بدَّ أن نذكر أنَّ الطفل قد يُصاب بفرط الحركة أو تشتت الانتباه أو بكليهما.

أعراض تشتت الانتباه هي:

  • عدم الاهتمام بالتفاصيل: فلا تتوقعي منه الانتباه إلى أزرار قميصه أو رباط حذائه، ولا تندهشي من إضاعته لأغراضه وحاجيَّاته.
  • سهولة التشتت جرَّاء أبسط مُشتت خارجي: فإذا حدث أمامه حدث بسيط ما (كأن يُشاهد صديقه يضحك، أو يُلاحظ مرور شخص ما أمام غرفة الصف) في أثناء شرح المُعلِّمة لدرس ما؛ فإنَّه لن يأبه بعد ذلك بالدرس والمعلومات وسيوجِّه كامل انتباهه إلى ذلك الحدث، فهو سريع الملل من أي نشاط ولا يستطيع المحافظة على تركيزه إلا لوقت قصير جداً.
  • عدم تنفيذ التعليمات: لا تنتظري من هذا الطفل القيام بالتعليمات الثلاث التي طلبتها منه، فهو لا يستطيع التركيز في أكثر من مَهمَّة واحدة بأحسن الأحوال.
  • عدم الميل إلى القيام بأي نشاط متعب ذهنياً: فلا تنصدمي من عدم رغبة ابنك في حل التمارين الرياضية، ليس لعدم قدرته على الحل؛ وإنَّما لأنَّه لا يملك القدرة على التركيز وقتاً طويلاً فسرعان ما يَملُّ ويترك حل التمارين.
  • التنقل من نشاط لآخر: يعجز هذا الطفل عن الثَّبات على القيام بنشاط بعينه، فينتقل إلى نشاط آخر قبل أن ينتهي من النشاط الأول.
  • عدم الانتباه للطرف الآخر: يُبدي الطفل المصاب بتشتت الانتباه صعوبة كبيرة في التركيز معك عندما تتكلم، فتشعر به شارد الذهن في عالم آخر تماماً.
  • النسيان الشديد: يميل الطفل المصاب بتشتت الانتباه إلى نسيان أغراضه الخاصة وأدواته المدرسية.
  • صعوبة في التنظيم والترتيب: لا يتمكَّن الطفل المصاب بتشتت الانتباه من ترتيب غرفته أو تنظيم حاجيَّاته، فهو عاشق للفوضى واللامبالاة.

3. الاندفاعية:

يميل الطفل هنا إلى القيام بتصرفات متهوِّرة غير مسؤولة وغير محسوبة العواقب، كأن يلعب بأدوات حادَّة قد تؤذيه أو تؤذي أخوته. من جهة أخرى، لا يُعطِي هذا الطفل فرصة بالكلام للطرف الآخر، حيث يميل إلى المقاطعة دوماً، ولا يملك مهارة الصبر، حيث يضيق ذرعاً إن كان عليه الوقوف ضمن صف منتظم من الناس، وتجده يفعل ما باستطاعته لكي يتهرَّب من الرتل المنتظم دون إدراك لضرورة الالتزام بدوره.

لا يعي هذا الطفل أبعاد كلامه وهو غير قادر على التحكم فيه إطلاقاً، فيقول كل ما قد يخطر في باله دون أيَّة محاكمة منطقية.

ماهي أسباب اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه؟

لم يُعرَف حتى اللحظة الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا الاضطراب؛ ولكن تُرجِّح بعض الفرضيات كون الوراثة هي السبب، وتفترض فرضيات أخرى أنَّ سبب الاضطراب هو نقص مادة المايلين -في الدماغ- المسؤولة عن حسن سير السيَّالة في الجهاز العصبي؛ الأمر الذي يؤدي إلى نقص التركيز والنسيان.

من جهة أخرى، تُعَد الأجهزة الإلكترونية من أكثر المسببات لهذا الاضطراب، فبدلاً من اهتمام الأهالي بأطفالهم وتنمية عقولهم وقدراتهم، نجدهم يعتمدون على الأجهزة الذكية من أجل تسلية أطفالهم وضمان راحة بالهم، الأمر الذي يُضر جداً بصحة أطفالهم النفسية والعقلية والجسدية؛ فيصبح الطفل شارد الذهن مفرط الحركة ويميل إلى اللامنطق والخيال، غير مهتم بالتفاصيل ومنفصلاً عمَّا حوله من حقائق، وبالتالي يفقد الطفل مهارة الإبداع والقدرة على تحليل الأمور وربطها، ولا يعود يأبه بتعليمات أبويه أو المدرسة.

إقرأ أيضاً: 6 تصرّفات خاطئة تقتل الإبداع عند الأطفال

علاج اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه عند الأطفال:

1. التقبُّل:

يجب على الأهل قبول طفلهم كما هو، فلا يؤدي اعتماد الضرب والصراخ والتوبيخ والكلام السلبي، أو النعت بالصفات السلبية مثل: "غبي، مغفَّل"، أو توجيه الكلام الذي يُشعِر الطفل بالذَّنْب مثل: "أنت سبب معاناتي في الحياة"، "كيف أكون سعيدة وأنت ابني"؛ إلا إلى تفاقم المشكلة وازدياد الوضع سوءاً.

لذلك على الأهل تقبُّل ابنهم كما هو، وإدراك أنَّه طفل مميز عن غيره من الأطفال وبحاجة إلى معاملة خاصة، فهو يقوم بتصرفاته المتهوِّرة لأنَّه يعاني أموراً خارجة عن إرادته ولا يستطيع التحكم بها. ومن جهة أخرى، هؤلاء الأطفال شعلة من الذكاء، ولكنَّهم بحاجة إلى طرائق معيَّنة للتعامل معهم، حيث عانى أغلب العلماء من هذا الاضطراب في صغرهم.

2. اهتمام المدرسة:

يجب على المدرسة أن تمتلك الكفاءات المُؤهِّلة للتعامل مع الأطفال المصابين بهذا الاضطراب؛ كأن تمتلك مدرسين مساعدين للمدرسين الأساسيين، بحيث يجلسون بجوار الطفل ويعيدون له المعلومات بطريقة مختلفة؛ كأن يستخدموا أسلوب القصة أو الرسم أو الألعاب، بالإضافة إلى استخدام عنصر التحفيز والمكافأة معهم، بحيث يُقدِّمون لهم الهدايا لدى استجابتهم الفعَّالة.

3. اهتمام الأبوين:

يجب على الأبوين إبعاد أيَّة أداة حادة عن طفلهم، بحيث يبنون بيئة آمنة للطفل، كما يجب سحب الأجهزة الإلكترونية من يده لما لها من أثر سلبي على ذكائه وقدراته العقلية والاجتماعية، مع توفير البديل الإيجابي كالأنشطة الرياضية، حيث يحتاج الطفل إلى تفريغ طاقته الهائلة بأسلوب صحيح، فيجب إشراك الطفل في رياضات فردية كالسباحة وجماعية ككرة السلة، بهدف ضبط حركته وانفعالاته، وتحسين علاقاته مع الآخرين، وتطوير قدرته على الالتزام بالتعليمات.

ومن أجل زيادة درجة تركيزه وانتباهه، يجب على الأبوين أن يشاركوا طفلهم في لعبة التركيب (puzzle) مثلاً أو المتاهات، بحيث يتعلم الصبر والتركيز واحترام دور الآخر وحقه في اللعب دون مقاطعة.

كما يستطيع الأهل تنمية مهارة التركيز والانتباه إلى التفاصيل لدى طفلهم من خلال استخدام الألعاب التي تعتمد على الألوان والأشكال، ومن ثم سؤاله عن ألوان وأشكال محددة. ويُطلب إلى الأبوين الوعي لوضع طفلهم والابتعاد عن تكليفه بمهام كثيرة، ويُحبَّذ العمل على تقسيم المهمة إلى مهام فرعية سهلة التنفيذ، مع مراعاة وجود الاستراحات بين المهام، والانتباه إلى ضرورة الحوار الدائم مع الطفل وإبداء مبررات منطقية للتعليمات المُعطاة من قبل الأبوين، فعلى الأهل مُصادقة طفلهم وعدم بناء علاقة أوامر ونواهي معه.

إقرأ أيضاً: معلومات هامة عن اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط

4. العلاج السُّلوكي المعرفي:

لا بدَّ من تعريض الطفل إلى جلسات تعديل سلوك عند استشاري علاج نفسي، فما يحتاج له الطفل هو تقنيات محددة من أجل ضبط حركته وزيادة مستوى تركيزه. كما ينصح المعالج النفسي الأهالي بتطبيق تقنية التنفس الاسترخائي على الدوام من أجل القدرة على التعامل مع ابنهم.

5. العلاج الدوائي والغذائي:

يعتمد بعض الأطباء علاجاً دوائياً في حالة اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، حيث يعمل الدواء على تقوية الذاكرة وتثبيط الحركة وفتح الشهية وتعديل المزاج.

من جهة أخرى، أكَّدت بعض الدراسات أهمية شرب القهوة صباحاً للأطفال المصابين بهذا الاضطراب؛ لكونها تساعد على تنشيط الذاكرة وترفع من مستويات التركيز والانتباه، وهو ما يحتاج إليه هؤلاء الأطفال، كما ينصح الأطباء بتناول الأطعمة التي تُهدِّئ الأعصاب في فترة ما بعد الظُّهر كالخس والمشروبات كالقرفة والحلبة؛ كون الطفل بحاجة إلى الهدوء والاسترخاء وضبط حركته.

كما يُنصح بالابتعاد عن الأطعمة الحاوية على الغلوتين كالحلويات والشوكولا؛ لأنَّها ترفع طاقة الطفل وتزيد من حركته في حين أنَّ غايتنا السيطرة على فرط الحركة. كما يُوجِّه البعض باتِّباع حمية غذائية معتمدة على الدهون فحسب، لما لها من آثار إيجابية على مرضى هذا الاضطراب من حيث زيادة معدلات التركيز وخفض معدلات الحركة.

إقرأ أيضاً: أهمية الغذاء الصحي للأطفال

الخلاصة:

الحُبُّ علاج كل أمر في الحياة، لذلك تقبَّل ابنك أيَّاً كانت حالته الصحية، وطوِّر من مهاراتك لكي تُحسِن التعامل معه، وسوف تجده متجاوباً معك ويتحسَّن نحو الأفضل في كل يوم، المهم أن تبدأ بالحُب وتنتهي بالحُب.

المصدر: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7




مقالات مرتبطة