غالبية الأشخاص أذكى منك: أثر المثابرة في تحقيق النجاح

دعونا نواجه الأمر، نحن لسنا خبراء في أي شيء نقوم به؛ فحتى ولو كان بعضنا يتفوَّق في أشياء معيَّنة، فيوجد دائماً شخص أفضل، ومن ثم يوجد شخص يتمتع بمعرفة أكبر، ومع ذلك، يحبُّ الكثيرون منا الاعتقاد أنَّنا خبراء، وربما حتى الخبراء أنفسهم.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "إيفان تارفر" (Evan Tarver)، ويُحدِّثُنا فيه عن تجربته مع تحقيق النجاح إذا بذلنا الجهد الكافي واستمررنا في المثابرة.

يوجد شيء مثير فيما يتعلق بأن تكون خبيراً، إنَّني أُطلِق عليه اسم "العادة البشرية"، لكن توجد رغبة فطرية في داخلنا؛ وهي الشعور بأنَّ الآخرين يحتاجون إلينا، وبالنسبة إلى الكثيرين منا، يُعَدُّ امتلاك الخبرات طريقةً نلبِّي فيها هذه الحاجة، ومع ذلك، فإنَّ معظم "خبراتنا" لا تُعَدُّ خبرات على الإطلاق؛ إذ إنَّها عبارة عن معرفة زائدة عن المتوسط بالتأكيد، ولكنَّ هذا ليس كافياً لأن يصنع خبيراً.

يوجد دائماً شخص ذكي ذكاءً أكبر في كل المواقف الممكنة تقريباً، وعدد قليل جداً من الناس يمكنهم القول إنَّهم فعلاً هم الأفضل في مجالهم، وفي الواقع، حتى أولئك الذين يمكنهم القول إنَّهم الأفضل، لا يبقون كذلك لفترة طويلة؛ وذلك لأنَّه دائماً ما يأتي شخصٌ ما لكي يأخذ مكان "الأفضل"، أو كما سنتحدث في هذا المقال؛ يأخذ مكان "الخبير"؛ وهذا يعني أنَّه حتى الخبراء أنفسهم يمكنهم التعلُّم من خبراء آخرين، ويمكن لأي شخص أن يتعلَّم من أي شخص آخر؛ إذ إنَّها دورة متسلسلة لا تنتهي، تماماً مثل العالم الذي نعيش فيه.

ومع أنَّه يوجد خبراء وأشخاص يمكننا التعلُّم منهم، ولكنَّهم قد لا يكونون أنت أو أنا، ومع أنَّنا قد لا نكون خبراء، إلَّا أنَّنا جميعاً نريد شيئاً ما، ونريد جميعاً التفوُّق في مجالٍ ما أو في شغفٍ مُعيَّن أو في تحقيق هدفٍ ما، ومن الممكن أن نتعلَّم تعلُّماً غير مباشر من خلال أشخاص آخرين في أيَّة مرحلة من حياتنا.

فإذا لم يكن أحد منا يمتلك خبرات واسعة في مجال ما وكلنا قابلين للتعلم، ونطمح إلى أن نكون جيدين أو ربما الأفضل في شيء معيَّن، فلماذا لا نبحث عن الخبراء الذين يمكننا التعلُّم منهم؟

إقرأ أيضاً: أهمية النجاح في الحياة وأهم الطرق لتحقيقه

الخبراء هم بشر أيضاً:

أولاً، دعونا نناقش بالتفصيل معنى أن تكون خبيراً، فلا بدَّ من أنَّك قد سمعت اقتباسات وأقوال، ومعظم الناس يختصرون معنى الخبير على أنَّه شخص لديه اطلاع على موضوع معيَّن أكثر من باقي الناس، ويمكن أن يكون هؤلاء الناس أيَّ أحد، لكن بعد أن يكون هناك شخصٌ ما يملك معرفة أكثر من هؤلاء الناس، فهو "خبير"؛ وهذا يعني أنَّ الخبراء ليسوا جبَّارين؛ بل قد لا يعرفون إلا القليل، ولكنَّنا نتعامل مع الخبراء كما لو أنَّهم وصلوا إلى مستوى بعيد المنال، وكما نقول لأنفسنا دوماً: هم بالتأكيد يملكون قدرات تفوق قدراتنا.

لكن هنا تكمن المشكلة، إنَّهم ليسوا كذلك؛ إذ إنَّ الخبير لم يصبح خبيراً بفضل المشيئة الإلهية أو من خلال استخدام قوة هائلة، والخبراء لا يتمتعون بقدرات أكبر على التفوق، ولكنَّنا نواصل معاملة الخبراء معاملةَ أشخاصٍ خارقين وكأنَّهم قد فعلوا شيئاً لا يمكننا فعله أبداً.

بدلاً من ذلك، فكِّر في الخبراء على أنَّهم أشخاص قد بذلوا جهداً، ولاحَظوا بأنَّ العمل الجاد يؤتي ثماره؛ وذلك لأنَّه كما نعلم جميعاً أنَّ استثمار الوقت في العمل الجاد والمثابرة، سيؤدي إلى تحقيق أشياء عظيمة؛ لذلك إنَّ هؤلاء الخبراء بدلاً من امتلاكهم لقوى هائلة، لديهم أخلاقيات العمل؛ وهي التي منحتهم مزيجاً من الخبرات المرجعيَّة والتوقيت المناسب، التي بفضلها استطاعوا تحقيق النجاح، وإذا كان الشخص ناجحاً في أي مجالٍ كان، سوف يُعَدُّ خبيراً في المجال الذي حقَّق فيه النجاح.

إنَّ الوصول إلى النجاح يتطلَّب وقتاً طويلاً، وعندما نرى النجاح الذي حققه شخصٌ ما، نمدح ذكاءه، ونظن أنَّه يتمتع بذكاء أكثر منا بسبب تحقيقه لذلك النجاح، وفجأةً يصبح هذا الشخص خبيراً بالنسبة إلينا، ولكنَّنا لا نأخذ في الحسبان الوقت والجهد والتعب الذي بذله والإخفاقات التي مرَّ بها، والدروس التي تعلَّمها من هذه الإخفاقات، والتي أوصلته إلى هذه المرحلة من النجاح.

إذا غضضتَ النظر عن مرحلة النجاح التي يصل إليها الخبراء وعن مفهوم "الخبرة"، وبدلاً من ذلك نظرت إلى رحلة الشخص بأكملها منذ بداية الشغف حتى تحقيق الهدف، فسترى أنَّ هذا الشخص لا يختلف كثيراً عنك أو عني، والاختلاف الوحيد إن وُجِد هو أنَّ الخبير الناجح تعهَّد بأن يصبح عظيماً، وبعدها شرَعَ في العمل.

خذ الموسيقيين على سبيل المثال؛ فعندما نرى النجاحات التي حققها الموسيقيون المشهورون، من الصعب أن نفهم أنَّنا لدينا القدرة على القيام بالشيء نفسه، وبدلاً من ذلك، نظن أنَّ هؤلاء الموسيقيين هم خبراء متفوقون بشكل أو بآخر، ولا ننظر إلى التجارب التي خاضوها في الماضي.

شاهد بالفيديو: كيف تحقق النجاح في حياتك الشخصية والعملية؟

حتى المشاهير هم أشخاص عاديون:

دعونا نتكلَّم بالتفصيل أكثر عن بعض المشاهير الذين حققوا نجاحاً باهراً في بعض المجالات، لقد كان بعضٌ منهم عند بداية مسيرتهم لا يملكون المال ولا يعملون، وبدؤوا بخطوات صغيرة، وعلى مدى السنوات ومع إصرارهم واستمرارهم في بذل الجهد لكي يحققوا النجاح الذي يرغبون فيه، وصلوا إلى هدفهم وحققوا ما يريدون.

إنَّ النجاح يتحقق لكن ببطء ويستغرق بعضاً من الوقت، وعند بذل الجهد الكافي، سوف يتحقق أي شيء تريدونه، وقد نظن أنَّ هؤلاء الأشخاص المشاهير يمتلكون مواهبَ نحن لا نمتلكها، ومن الممكن أن يكون كذلك، لكن إذا نظرنا إلى مسيرتهم والوقت الذي استغرقوه لكي يحققوا ما حققوه، فسنرى أنَّ أخلاقيات العمل والمثابرة هي التي أوصلتهم إلى ما هم عليه الآن وليس المواهب التي يمتلكونها.

وهذا يعني أنَّه يمكنك أن تصبح خبيراً في أي شيء تريده، إذا بذلت العمل اللازم واستمررتَ في المثابرة، والاختلاف الوحيد بينك وبين هؤلاء المشاهير هو أنَّهم استمروا في العمل الجاد وكانوا منفتحين وصادقين بشأن هويتهم، وجمعوا الخبرات المرجعية اللازمة من أجل تحقيق النجاح، ومع ذلك، فحتى هؤلاء المشاهير أنفسهم كان لديهم منتورز، وطلبوا المساعدة من الخبراء في مسارهم الخاص.

شاهد بالفيديو: 20 قول في تطوير الذات والنجاح في الحياة

لا يوجد سؤال غبي:

إذاً، لقد ثَبُت أنَّ الخبراء ليسوا جبارين، وأنَّ أي شخص يمكنه أن يصبح خبيراً بأخلاقيات العمل المناسبة والمثابرة، ولكنَّ الخبراء موجودون، ولا يهم ما إذا كان الشخص يتطلَّع إلى أن يصبح خبيراً في أي مجالٍ كان، فيوجد خبراء في كل مجال.

في كل المجالات يوجد دائماً شخص ما يؤدي عمله بطريقة أفضل منك، أو على الأقل شخص ما فعل ذلك قبلك؛ وهذا يعني أنَّهم يمتلكون معرفة لا تمتلكها أنت، وإذا كان هدفك النهائي هو أن تصبح خبيراً في مجالك أو شغفك، فينبغي عليك أن تستفيد من معرفة هؤلاء الأشخاص.

حقيقة الأمر هي أنَّ 99.9% من الناس أذكى منك في مجال واحد على الأقل، إن لم يكن أكثر، وقد يكون شخص ما أفضل منك في ريادة الأعمال، أو شخص ثانٍ أكثر تخصصاً منك في الرياضة، أو شخص آخر يملك موهبةً في الفن أكثر منك، لكن عموماً، إنَّ تجمُّع الخبراء في العالم هو ما يجعلهم أفضل منا بنسبة 99.9% في كل شيء تقريباً.

إقرأ أيضاً: 8 صفات يجب أن تتمتع بها لتكون ناجحاً في حياتك

الحياة مليئة بالطرائق المختلفة:

إذا كان شغفك قوياً بدرجة كافية ولديك أخلاقيات العمل اللازمة، يمكنك تسريع خبرتك من خلال الاستفادة من المعارف والخبرات المرجعيَّة، فمن خلال التواصل مع خبراء في المجال الذي ترغب فيه، من الممكن تسريع نجاحك، ومن الممكن أن تكتسب المعرفة اكتساباً غير مباشر من خلال التفاعل مع هؤلاء الخبراء؛ وهذا يساعدك على تجنُّب المخاطر واختلاق فرص للنجاح وزيادة المهارات اللازمة.

قد لا تملك طريقة واحدة لتصبح خبيراً في الأمر الذي أنت شغوف فيه أو المجال الذي تريده، لكن بالتأكيد توجد خطة لذلك، فالحياة مليئة بالطرائق المختلفة، وسواء كنت تحاول بدء شركة كبيرة مثل "غوغل" (Google) أم تحاول أن تقوم بشيء عظيم، فتوجد طريقة للوصول إلى الشيء الذي تريده، وهذا الأمر لا يقلل من أهمية العملية الإبداعية، ولكنَّ هؤلاء الخبراء نجحوا باتِّباعهم لمساراتٍ محددة، حتى ولو حددوا هذا المسار في وقت لاحق.

فصِّل الأمور التي جعلت هؤلاء أصحاب الأداء العالي ناجحين، وفصِّل ما يسبب فشل بعض الأشخاص الفاشلين، ثم صمِّم مساراً وفقاً لخبراتك الخاصة، فقد حان وقت الاستفادة من ثروة المعارف.

سوف أتكلم عن نفسي قليلاً؛ لقد تعهدتُ بأن أصبح كاتباً تقليدياً، وأنا أملك كتاباً نشرته بجهودٍ ذاتية، ولكنَّني في وقتٍ من الأوقات استعنت بناشرين آخرين، وقد فعلت هذا الأمر من أجل أن أتمكَّن من إخبار الناس بأنَّني مؤلِّفٌ حقيقي، ولكنَّ الشيء المحزن هو أنَّني لا أملك أدنى فكرة عن مجال نشر الكتب، ولم ألتقِ حتى بوكيل أدبي قَط.

درستُ إدارة الأعمال، ولدي منتورز يساعدونني على تطوير نفسي وشركتي، ولكنَّني لا أملك أدنى فكرة عن عالم النشر، فأنا لستُ خبيراً، وربما فكرت في نفسي؛ "كيف يمكنني أن أصبح خبيراً في مجال الكتابة إذا لم أتمكَّن حتى من تسليم نسخة من كتاب؟" وفي الحقيقة، إنَّ كل شيء مرتبطٌ ببعضه في الحياة، والحياة متوازنة، فبدلاً من الاستسلام قبل أن أبدأ حتى، اتَّبعت نهجاً مختلفاً.

لقد اعتمدتُ على معرفتي ومهاراتي في مجال إدارة الأعمال، وبدأت بتنظيم "قائمة مبيعات" للوكلاء الأدبيين والناشرين الذين قد يكونون قادرين على تزويدي بالرؤية الثاقبة، ومن خلال إنشاء مسار مشابه جداً لخط مسار المبيعات الخاص بشركتي، بدأتُ بالوصول إلى جهات الاتصال الأدبية واحدة تلو الأخرى، واستخدمتُ نموذج بريد إلكتروني أكَّد لهم بأنَّني لم أكن أبيع شيئاً، لكن كنتُ أبحث عن المعلومات.

لقد رفضني الكثيرون، ولحسن الحظ، قليلون فقط مَن قَبِلوني، ولقد اتَّصلت بهؤلاء القلَّة وطرحتُ عليهم سلسلة من الأسئلة؛ ومن خلال هذه المكالمات استطعتُ الحصول على بيانات هائلة منهم.

مع أنَّني لم أقترب حتى من مرحلة أن أصبح مؤلِّفاً عظيماً، ولكنَّني أصبحتُ أعرف كيفية قراءة مخطوطات الكتب بعد أن تصبح جاهزة، وأصبحت لدي الآن علاقات وخطوط اتِّصال مباشرة مع وكلاء الأدب والناشرين، ربما لم أَبِعهُم شيئاً عبر الهاتف، ولكنَّني أقنعتهم بالتأكيد بأنَّني كنت قابلاً للتسويق.

ما يزال لدي الكثير من العمل الشاق في المستقبل، وإذا كان ماضيَّ مؤشراً، فيوجد الكثير من الفشل والمثابرة أيضاً، لكن بفضل حقيقة أنَّني أعلم بأنَّه يمكنني أن أُصبح خبيراً، ولأنَّني تواصلت مع الخبراء الحاليين، فأنا في طريقي إلى النجاح في شغفي؛ لذا، مهما كان الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه الآن، فابحث عن شخص أكثر منك ذكاءً في المجال الذي تريده، وتواصل معه، وسرِّع من نجاحك.

المصدر




مقالات مرتبطة