سيكولوجيا المشاعر: كيف تفهم عواطفك وتواجهها؟

تدخل الأحاسيس والمشاعر في شحن أو تفريغ طاقتنا، ومن ثمَّ تتدخل تدخُّلاً رئيساً وهاماً في قدرتنا على العمل والإبداع والابتكار، سواء كان ذلك بصورة إرادية أم غير إرادية. وتؤثر هذه المشاعر في الأفكار التي نكوِّنها عن الأشياء التي نراها، ونظرتنا للواقع، وتحليلنا لعناصره، ومن ثمَّ تتدخل تدخُّلاً هاماً في جميع أفعالنا وتصرُّفاتنا وسلوكاتنا؛ وهذا يعني أنَّ المشاعر وبكل تأكيد تؤثر في قراراتنا المصيرية والحاسمة.



واستناداً إلى التأثير الكبير الذي تملكه هذه المشاعر في حياتنا وتصرفاتنا، فمن الهام دراستها، ومحاولة فهم منابعها ومصادرها المختلفة، تمهيداً للتحكم بها والسيطرة عليها، كي لا تدفعنا إلى اتخاذ قرارات نندم عليها في المستقبل، ومن أجل تدريب أنفسنا على إعلاء كلمة العقل في جميع قراراتنا.

وقد فسَّر علماء النفس هذه الأمور من خلال فرضيات وتخمينات عدة، سَعَت إلى فهم مصدر وغاية المشاعر الإنسانية وتأثيرها في النفس البشرية، وسنتعرف إليها معاً في هذا المقال.

ما هي العاطفة؟

إنَّ العاطفة كما يعرِّفها علم النفس، هي حالة نفسية معقدة، لها ثلاثة مكونات أساسية؛ وهي: الخبرة الذاتية، والاستجابة الفيزيولوجية، وردود الفعل التعبيرية والسلوكية، وهي قادرة على إحداث تغيرات جسدية أو سلوكية أو نفسية أو كل ما سبق، بشكل يؤثر تأثيراً هاماً في أفكارنا وتصرفاتنا وقراراتنا.

ويمكن تعريف العاطفة، على أنَّها نتاج تفاعل عدد من العناصر النفسية التي تتكون منها النفس البشرية، وهي الطبع، والمزاج، والشخصية، والمحفزات، ولكي نفهم عواطفنا ومشاعرنا ونستوعبها ثم نتقبلها، علينا في البداية أن نفهم طبيعة التفاعلات والتداخلات بين تلك العناصر السابقة.

إقرأ أيضاً: العاطفة بين الإهمال والإغراق

العاطفة من وجهة نظر "تشارلز داروين":

يقول "تشارلز داروين" صاحب نظرية التطور: إنَّ المشاعر والعواطف تطوَّرت أو بقيت مع الكائن البشري في جميع مراحله التطورية؛ وذلك لأنَّها مكَّنَته من التأقلم مع تغيُّرات الطبيعة؛ حيث إنَّ مشاعر المودة والمحبة أتاحت له التكاثر والتزاوج، ومن ثمَّ زيادة العدد والحفاظ على النوع.

كما سمحت المشاعر والعواطف الإيجابية للإنسان بأن يكوِّن روابط أو علاقات اجتماعية مع الآخرين، ويندمج أكثر في المجموعة؛ مما يؤمِّن له الحماية تجاه المخاطر المختلفة، ومن ثمَّ استمرار حياته لفترة أطول.

وكذلك مشاعر الخوف، تدفع الإنسان إلى القتال للدفاع عن نفسه أو الاختباء أو الهروب عند التعرض للتهديد أو الخطر؛ وذلك ليحفظ حياته ويؤمِّنها؛ لذا نستنتج من كل مما ذُكِر آنفاً، أنَّ المشاعر لازمَت تطوُّر الكائن البشري؛ وذلك لأنَّها تمنحه قدرات تكيفية، تجعله يتفاعل مع المتغيرات البيئية تفاعلاً يزيد من فرصه في البقاء على قيد الحياة.

كيف تحدث المشاعر؟

وُضِعَت فرضيات عدة لتفسير المشاعر والانفعالات؛ حيث تقول إنَّ العواطف والمشاعر والانفعالات هي خلاصة تغيُّرات فيزيولوجية في أجهزة وأعضاء الجسم، فنحن نشعر بالفرح والسعادة لأنَّنا نضحك وليس العكس.

أي إنَّ الانفعال الشعوري يحصل عندما يتعرَّض الإنسان لمُحرِّض من البيئة الخارجية المحيطة به، والذي بدوره يُسبِّب رد فعل أو لنسميها استجابة فيزيولوجية، يفسرها الجهاز النفسي بمشاعر أو أحاسيس معينة.

على سبيل المثال: لنفرض أنَّك تسير في غابة وصادفتَ كلباً؛ إنَّ رد الفعل الطبيعي أن يرتجف جسدك، وربما تتسرع دقات قلبك بشكلٍ صريح؛ حيث إنَّ ردود فعلك واستجاباتك الفيزيولوجية اللاشعورية وهي الارتجاف وتسرُّع دقات القلب، هي السبب في إحساسك بالذعر والخوف؛ بمعنى آخر، أنتَ خائف لأنَّك ترتجف، وليس العكس.

ماذا يعني الإدراك الشعوري؟

عندما ينضج الإنسان فإنَّه يصبح قادراً، على أن يُعرِّف مشاعره من خلال استخدام الكلمات أو المصطلحات، ومع اتساع ثقافته ومستوى وعيه بنفسه، يصبح أكثر قدرة على تحديد مسببات أو منابع تلك المشاعر، وهو ما يسميه خبراء علم النفس، الإدراك الشعوري.

فالإدراك الشعوري، يجعل الإنسان قادراً على بلوغ مرحلة الوعي الكامل بمشاعره، واستخدام الأدوات المناسبة لتحديد ما يريده من هذه المشاعر وما لا يريده، ويساعدنا هذا الأمر على بناء علاقات اجتماعية ناجحة، وتجنُّب الجدالات والمواقف السيئة، ويساعدنا على تخطِّي الذكريات المؤلمة أو المشاعر السلبية التي نحملها معنا من الماضي.

والنتيجة طبعاً ستكون مفيدة بالنسبة إليك؛ وهي الوصول إلى مرحلة الرضا وقبول الذات كما هي، وعدم لومها على أي شعور تمرُّ به.

فن إدارة المشاعر:

إنَّ الإدراك الشعوري لا يتعلق فقط بفهم المشاعر؛ وإنَّما يتجاوز هذا الحد إلى مرحلة الإدارة الدقيقة لجميع أنواع المشاعر ومحاولة تعديل أو إلغاء غير المناسب منها حتى لا نقع في مشكلة.

إنَّ موضوع إدارة العواطف والمشاعر، هو موضوع في غاية الأهمية ويجب التعامل معه بمنتهى الحذر؛ وذلك لأنَّه سيحدد فيما إذا كنت ناجحاً أو لا في علاقاتك الاجتماعية والمهنية، وإذا تركتَ مشاعرك وعواطفك دون إدارة، فمن الممكن جداً أن تتسبَّب في ردود فعل غير مناسبة تجعل المجتمع في حالة نفور منك.

فعلى سبيل المثال: تقوم أنت وصديقك بالذهاب إلى مقابلة عمل في شركة ما، فيما بعد يصلك خبر رفضك في المقابلة في حين أنَّ صديقك قُبِل للعمل لديها، إنَّ أول المشاعر التي تنتابك هي مشاعر الغضب والاستياء تجاه صديقك الذي قُبِل، أما إدارتك لمشاعرك فتدفعك إلى التروي قليلاً، وتقول لنفسك إنَّه مجرد رفض في عمل واحد، وهي ليست نهاية العالم، ويجب عليك أن تستمر في حياتك الطبيعية، وربما البحث عن عمل آخر يكون أفضل من الوظيفة التي كنتَ قد تقدَّمتَ إليها.

في الحقيقة، إنَّ الإنسان لا يستطيع التحكم بالظروف الخارجية، لكنَّه وبكل بساطة قادر على ضبط استجابته أو رد فعله تجاه هذه الظروف؛ لذا يجب عليك أن تتمهَّل وتفكِّر جيداً في كل تصرُّف ستُقدِم عليه؛ وذلك لأنَّه سيؤثر في حياتك ومستقبلك عموماً.

إقرأ أيضاً: كيف نتقن فن إدارة المشاعر والتحكم بعواطفنا؟

أمور هامة عن المشاعر يجب عليك معرفتها:

يجب أن نعلم أنَّ العواطف متقلِّبة ومتغيرة باستمرار، فمن الممكن أن يشعر الإنسان بمشاعر عدة في اليوم الواحد؛ وذلك لأنَّ المشاعر هي مرحلة زمنية قصيرة، قد تستمر دقائق أو ساعات، ومن بعدها ستنتهي حتماً.

تتباين طبيعة أو قوة المشاعر من شخص إلى آخر، ومن وقت إلى آخر، فهناك المشاعر الخفيفة والمتوسطة والشديدة، ويُعبَّر عن كل واحدة منها حسب الحالة النفسية للشخص في تلك اللحظة، وحسب الموقف الذي تعرَّض له، ومتغيرات عدة أخرى.

يُعَدُّ التدريب على مهارة التحكم بالمشاعر وضبطها وتعديلها، أمراً في غاية الأهمية؛ حيث لا توجد مشاعر جميلة وأخرى سيئة؛ بل يوجد أسلوب جميل في التعبير عن المشاعر وأسلوب سيئ أو غير مناسب.

إنَّ المشاعر كلها مشاعر طبيعية وعادية، ويجب أن نعلم أنَّه من حق النفس البشرية أن تختبر أو تجرِّب كل هذه المشاعر حتى لو كانت مشاعر سلبية مثل الخوف أو القلق أو الكره أو التوتر، أو مشاعر جميلة مثل الحب أو الامتنان أو الشوق أو الشغف أو الحماسة؛ لأنَّ ذلك أمر ضروري من أجل بلوغ مرحلة النضج العاطفي، والمتابعة في اكتساب الخبرات في إدارة هذه العواطف.

علينا أن نستوعب أمراً هاماً جداً، وهو أنَّ المشاعر السيئة التي نشعر بها أحياناً، تكون ناجمة عن مواقف معينة أنشأت في دواخلنا هذا الشعور السلبي، ومن ثمَّ فإنَّ التخلص منه لا يتم إلا عبر تحديد الموقف الذي سبَّبه ومعرفة جذوره وتحليله.

إقرأ أيضاً: إدارة المشاعر: تعريفها، وأهميتها، وطريقة إدارتها

كيف تتخلص من مشاعرك السلبية؟

إنَّ اكتساب القدرة على إدارة المشاعر السلبية هو أمر في غاية الأهمية؛ حيث يمكنك الوصول إليه ببعض التمرينات البسيطة، فعلى سبيل المثال: إذا كان زميلك يضايقك، فلا تفكر مباشرة في المشاعر السيئة؛ بل فكر قليلاً بإيجابية وحاول أن تُقيِّم الموضوع من وجهة نظر خارجية عوضاً عن أنَّك طرف في المشكلة؛ سيساعدك هذا الأمر على رؤية الموضوع من زاوية أفضل.

إنَّ إتقانك لهذه المهارة، سيجعل نظرتك إلى مختلف الأمور أكثر عقلانية، وأقل عاطفية، وسينعكس إيجاباً على حياتك وتعاملك مع محيطك ومشكلاتك؛ ويُعَدُّ تعريف وتحديد المواقف والمجريات التي تحدث من حولك بمصطلحات أو مفردات دقيقة، خطوة أساسية وضرورية من أجل عدم إعطاء المشكلات حجم أكبر من حجمها الحقيقي.

تساعدنا المفاهيم الدقيقة والواضحة على رؤية المشكلات بحجمها الطبيعي دون مبالغة أو تضخيم، وهي خطوة جوهرية للتركيز على إيجاد حلول منطقية، دون تضييع الوقت والجهد والطاقة في القلق والسخط والضيق دون أي طائل.

فعلى سبيل المثال: تقدَّمتَ بطلب توظيف لدى إحدى الشركات ورُفِضتَ في مقابلة العمل، هنا عليك أن تبحث وتفتِّش عن السبب الذي أدى إلى رفضك، من أجل العمل على تلافيه في المقابلات اللاحقة.

إنَّ مراجعة الأحداث التي أعاقت طريقك في الوصول إلى هدفك، هي أمر بالغ الأهمية؛ حيث تجعلك تستفيد وتُراكم الخبرات والتجارب من المواقف والأحداث التي تمرُّ بها؛ وبذلك تطوِّر قدراتك في مواجهة المصاعب.

شاهد بالفيديو: 5 عادات خاطئة يجب أن تبتعد عنها لتتخلص من التعاسة

في الختام:

نرجو أن تكونوا قد استمتعتم معنا في هذا المقال، ولا يسعنا في النهاية إلا أن نؤكد أنَّ كل شعور هو تجربة مميزة وغنية في عمقها واتساعها؛ حيث تختلف في قوَّتها وشدتها ومدتها وعمقها من إنسان إلى آخر.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة