ركيزتان أساسيتان لتتحكم بوقتك

هل تشعر في كثير من الأحيان أنَّ الوقت قصير للغاية؟ لنفترض أنَّك حددتَ 3 مهام لهذا اليوم، ستبدأ يومك مفعماً بالطاقة للقيام بها، لتصل إلى نهاية اليوم وقد أكملت بالكاد المهمة الأولى بسبب بعض الأشياء الأخرى التي تطلَّبَت انتباهك.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة "سيليستين تشوا" (Celestine Chua)، وتُخبرنا فيه عن ركيزتين أساسيتين يجب أن نتبعهما حتى نتحكَّم بوقتنا.

أول شيء تحتاج إلى معرفته في إدارة الوقت هو أنَّك تمتلك القدر نفسه من الوقت مثل أي شخص في العالم، فروَّاد وأرباب الأعمال مثل ستيف جوبز (Steve Jobs)، وبيل جيتس (Bill Gates)، ووارن بافيت (Warren Buffett)، وتايجر وودز (Tiger Woods)، ومايكل جوردان (Michael Jordan)، وكل شخص في هذا العالم لديه 24 ساعة يومياً و365 يوماً في السنة، تماماً كما لديك أنت.

الوقت ليس محدوداً لأنَّه موجود دائماً، ويتكشف أمامك في كل ثانية، ولا يمكن إدارة الوقت، ولا يمكنك تنظيم "وقتك"، أو جعل الساعة أقصر أو أطول، أو جعل الوقت أسرع أو أبطأ.

الوقت مفهوم من صنع الإنسان:

إنَّ مفهوم الوقت هو من صنع الإنسان، إنَّه نظام قياس اخترعه الإنسان لإعطاء معنى لما نفعله، فكلمات كالقرون والعقود والسنوات والشهور والأسابيع والأيام والساعات والدقائق والثواني والميلي ثانية، هي مجرد مصطلحات أنشأها الإنسان لتأكيد السيطرة على انسياب الوقت.

إلا أنَّ ابتكار البشر لهذا المفهوم كان في محله، فقد ساعدنا على إرساء النظام والتفاهم بين جميع البشر لنعيش حياتنا بطريقة منظمة، فعندما تقول: "دعونا نجتمع في الساعة 9 صباحاً يوم الجمعة"، يفهمك أصدقاؤك؛ وذلك لأنَّنا لدينا فهماً مشتركاً لكيفية عمل الوقت، كما هو محدد بالأسابيع والأيام والساعات والدقائق والثواني، لكن في الواقع، الوقت هو مجرد وقت، فأنت لا تحتاج إلى مزيد من الوقت وليس لديك ضيق في الوقت، فالوقت موجود دائماً.

إعادة صياغة المشكلة في إدارة الوقت:

إنَّ ما لديك هو النشاطات التي تحتاج إلى إكمالها مع حلول نهاية كل يوم، وما تحتاجه هو مهارات وتقنيات أفضل لإدارة تلك النشاطات والتأكد من إكمالها في الإطار الزمني المحدد، وما عليك تعلمه هو إدارة المهام والإدارة الذاتية، وليس إدارة الوقت.

إليكم فيما يأتي اقتباساً من ديفيد ألين (David Allen)، مؤلف كتاب "إنجاز الأمور" (Getting Things Done): "لا يمكنك إدارة الوقت، فهذه ليست المشكلة الحقيقية، وليست نهجاً فعالاً، وما تديره حقاً هو نشاطك خلال هذا الوقت، وتحديد النتائج والإجراءات المطلوبة هو العملية الأساسية المطلوبة لإدارة ما تفعله".

إقرأ أيضاً: 6 نصائح هامة لاستثمار الوقت بشكل فعّال

موضوع إدارة المهام كبير لدرجة أنَّه لا يمكن تغطيته في مقال واحد فقط، لكنَّني سأشارك المفهوم الأساسي لإدارة المهام، وسأشارك أيضاً أُطر عمل وتقنيات الإدارة الذاتية للمهام التي يمكنك تطبيقها في حياتك.

نظراً لأنَّ مصطلح "إدارة الوقت" هو مصطلح واسع الانتشار، فسوف أستخدمه بالتبادل مع مصطلح "إدارة المهام" في هذا المقال، ومع ذلك، اعلَمْ أنَّ ما أعنيه حقاً هو أنَّ "إدارة الوقت" تسمية خاطئة، وما يهمنا حقاً هو البحث عن إدارة المهام والإدارة الذاتية.

ركيزتان أساسيتان لإدارة الوقت: الفاعلية والكفاءة

يمكن تقسيم جوهر إدارة الوقت إلى جزأين هامين وهما: الفاعلية والكفاءة.

1. الفاعلية تعني القيام بالأمور الهامة:

تعني تحديد الأولويات والتركيز على ما هو مطلوب لتحقيق النتائج ورفض الأشياء التي لا تتوافق مع أهداف حياتك الكبرى.

شاهد بالفديو: كيف تكون منظماً لتتحكّم بيومك كما تريد؟

2. الكفاءة تعني الحصول على أقصى قدر من النتائج بأقل قدر من الوقت والموارد:

هذا يعني القدرة على القيام بالأشياء بسرعة وبدقة، للحصول على نتائج أعلى باستخدام نفس الوقت والموارد أو أقل. أساس إدارة الوقت هو أولاً العمل على مهامك حسب أهميتها وأولويتها، وثانياً زيادة إنتاجك في هذه المهام، كما أوضحت أدناه:

إدارة المهام

ترجمة الصورة:

1) تحديد المهام الهامة.

2) تحسين نتائجها.

Time: الوقت

Output: النتيجة

Task: المهمة

المهام (A وB وC) مرتَّبة حسب أولوياتها من حيث الأهمية، وتكون المهام A هي الأكثر أهمية، والمهام B هي ثاني أهم المهام، وما إلى ذلك؛ لذا عليك هنا العمل على أهم المهام أولاً (الفاعلية)، ثم تعزيز نتائج كل مهمة (الكفاءة).

الركيزة الأولى: الفاعلية

يعزو معظم الناس فشلهم في إدارة الوقت إلى عدم الكفاءة في الوقت الذي يكمن فيه الحل الحقيقي في أن يكونوا أكثر فاعلية، ويمكن تطبيق الفاعلية في خطوتين: الأولى من خلال البدء بالمهام الهامة قبل المهام الأقل أهمية، وثانياً من خلال التركيز على الجوانب الهامة للمهام الهامة، إذ إنَّ أساس الفاعلية هو تحديد الأولويات.

الخطوة رقم 1: البدء بالمهام الهامة أولاً

تتحقق الفاعلية عندما تعمل على مهامك وفق الأولوية، فإذا كان لديك غالباً وقت غير كافٍ لفعل شيء ما (كممارسة التمرينات، والاهتمام بالعلاقات)، فذلك لأنَّك لم تعطه الأولوية الكافية، فقد اخترت القيام بأشياء أخرى بدلاً من ذلك، ولهذا السبب "ليس لديك الوقت الكافي" له، وربما لا تدرك أهمية هذا النشاط المحدد بالنسبة إلى الأشياء الأخرى التي تنشغل بها، أو ربما تكون عالقاً في روتين القيام بأشياء غير هامة.

على سبيل المثال، ربما كنت تنوي الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية بعد العمل، لكن متطلبات العمل تعوقك، ففي هذه الحالة أعطيتَ الأولوية لعملك على التمرين، وربَّما أجريتَ تقييماً سريعاً لإيجابيات وسلبيات العمل مقارنةً بممارسة الرياضة وقررتَ أنَّ العمل هو الخيار الأفضل، فالطبيعة العاجلة للعمل تتطلب انتباهك، بينما يمكن دائماً أداء التمرين في وقتٍ لاحقٍ.

مهما كان الأمر، فهو خيارك الشخصي أن تفعل الأشياء التي تفعلها، واختياراتك أمر ضروري لإحراز تقدُّم في إدارة الوقت، إذ يقضي بعض الأشخاص أيَّامهم في نشاطات عشوائية مثل تصفح بعض المواقع عبر الإنترنت والدردشة ومشاهدة التلفاز والاسترخاء، وفي نهاية اليوم، ينظرون إلى يومهم ويتساءلون أين ذهب، هل كانت هناك مشكلة في فاعليتهم؟ قطعاً لا، لكنَّهم اختاروا إعطاء الأولوية لتلك المهام العشوائية على ما هو هام حقاً بالنسبة إليهم.

لذا هنا عليك أن تسأل: "ما هو الهام حقاً بالنسبة إلي؟ وبالنسبة إلى المهام التي أقوم بها الآن، هل هذه حقاً أهم المهام التي يمكنني القيام بها في حياتي؟".

إقرأ أيضاً: 4 فوائد تكتسبها بتنظيم وقتك

الخطوة رقم 2: التركيز على الجوانب الهامة في كل مهمة

لنفترض أنَّك بحاجة إلى تقديم عرض تقديمي ومنحته الأولوية على المهام الأخرى في قائمة مهامك، ومع ذلك، في أثناء العمل على هذا العرض، تقضي معظم وقتك في مهام جانبية أقل أهمية، وبدلاً من العمل على جودة المحتوى الذي ستقدمه، تقضي 50% من وقتك في تغيير التفاصيل الدقيقة مثل مطابقة ألوان الخط وتصحيح محاذاة النص في كل شريحة.

أنا لا أقول: ليس من الهام أن يبدو مظهر ما تقدمه متسقاً واحترافياً، ومع ذلك، عليك أن تكون واضحاً بشأن الهدف وإعطاء الأولوية لهذه المهمة، فالهدف من هذا العرض التقديمي هو الحصول على درجة ممتاز مثلاً، والتي تحصل عليها نتيجة المحتوى الذي تقدمه، وأسلوب الإلقاء، واندماج الجمهور معك، فربما لا يؤثر تصميم الشرائح في رأي الجمهور.

بالنظر إلى ذلك، فإنَّ أساس مهمة العرض التقديمي هذه هو المحتوى والإلقاء، وليس التصميم، فيوجد فرق بين إنفاق 10% و80% من وقتك على التصميم، فما لم يكن تصميم الشرائح يبدو سيئاً تماماً، فلن تكون هذه الأشياء الصغيرة هامة على الأمد الطويل، وكلما زاد عدد العروض التقديمية التي أقوم بها، زاد الوقت الذي أقضيه في صناعة المحتوى وتنظيم الفكرة والتقديم والأسئلة المحتملة، بدلاً من التفاصيل الأصغر مثل التنسيق والشكل والمظهر.

أتذكر عندما بدأت تقديم العروض التقديمية في الجامعة لأول مرة، فقد أهدرتُ كثيراً من الوقت في التصميم والتنسيق اللذين لم يُحدثا فرقاً كبيراً في النهاية، كنت أؤجل العمل على محتوى التقديم، وأضعه في آخر قائمة مهامي، وقد كان هذا خطأً فادحاً، حيث كان ينفد الوقت مني للعمل على خطابي وكيفية إلقائه، وكانت هذه الأمور هامة جداً.

في الوقت الحاضر، يمكن أن تكون عروضي التقديمية عبارة عن نص بسيط لون الخط فيه أسود على خلفية بيضاء اعتماداً على الأشخاص الذين أقدم لهم العرض، وبالطبع، إذا كنت أقدمه إلى جمهور يرى التصميم جزءاً هاماً من المحتوى، فسأبذل جهداً في التصميم، ففي النهاية، يتعلق الأمر في ترتيب الخطوات الهامة وفق أولوياتها.

شاهد بالفيديو: 10 علامات تشير إلى أنَّك لا تدير وقتك بطريقة فعالة

الركيزة الثانية: الكفاءة

الكفاءة التي تتعلق بفعل الأشياء بطريقة سريعة ودقيقة، لها تأثير أقل من تحسين الفاعلية؛ وذلك لوجود حد لمدى السرعة والمقدار الذي يمكننا القيام به في حدود قدرتنا البشرية.

لنفترض أنَّ لديك تقريراً تريد كتابته، وهو تقرير مؤلف من 6000 كلمة، وقد كتبته بالفعل على الورق وتحتاج إلى كتابته على جهاز الكمبيوتر مع سرعة طباعة تصل إلى 60 كلمة في الدقيقة (WPM)، يمكنك في هذه الحالة إنجاز المهمة في 100 دقيقة، وإذا حاولت الكتابة بشكل أسرع؛ أي 65 كلمة في الدقيقة، ستنتهي من المهمة في 92 دقيقة مما يوفر 8 دقائق من التوقيت الأصلي، وهو أمرٌ جيد ولكن ليس هاماً في الصورة العامة للأمور، هذا بافتراض أنَّك لا ترتكب كثيراً من الأخطاء بسبب السرعة الزائدة في الطباعة.

من ناحية أخرى، يمكن أن يساعدك تحسين فاعليتك؛ أي العمل على المهام الصحيحة أولاً، على توفير وقت أكبر، مثال على الفاعلية هو كتابة التقرير مباشرة على جهاز الكمبيوتر الخاص بك، بدلاً من كتابته على الورق ثم نقله إلى الكمبيوتر، مما يؤدي إلى إنشاء خطوة إضافية.

يمكنك أيضاً استخدام الماسح الضوئي لإدخال النص إلى جهاز الكمبيوتر، على الرغم من كثرة الأخطاء التي تنتج عنه؛ لذا فقد لا يكون حلاً جيداً مثل السابق، ويمكنك حتى تفويض مهمة إدخال البيانات أو الاستعانة بمصادر خارجية، مما يؤدي إلى إنجاز المهمة دون إضاعة وقتك، وعندما تكون في منصب أعلى ويكون وقتك محدوداً للغاية، فمن المفيد تفويض مهامك مقابل رسوم معينة؛ لأنَّ الوقت الذي تكسبه أكثر قيمة بكثير من تكلفة التوظيف.

إنَّ تحسين الكفاءة أمر هام بالتأكيد، ولكن قبل أن نعمل على الكفاءة، يجب أن نتأكد من فاعليتنا، والتي تتضمن عادةً تغييرات في الطريقة التي نفكر بها في مهامنا، وتغييرات في نهجنا، بينما تعني الكفاءة زيادة السرعة والعمل والدقة.

في الختام:

يرتكب معظم الناس اليوم خطأ العمل على الكفاءة، معتقدين أنَّ هذا كله يتعلق بإدارة الوقت، لكن يجب أن تأتي الفاعلية قبل الكفاءة لزيادة إنتاجيتنا، فعندما تعمل على تحسين الفاعلية والكفاءة، فأنت تحقق أقصى استفادة من حياتك.




مقالات مرتبطة