دوران العمالة الطوعي: تعريفه، وأسبابه، ونتائجه، وكيفية منعه

يُعَدُّ دوران العمالة الطوعي حدثاً طبيعياً؛ إذ يبحث الموظفون عن فرص عمل جديدة أو يتركون وظائفهم لأنَّهم غير راضين عن مناصبهم الحالية لأسباب عدة؛ ومع ذلك، فإنَّ دوران العمالة الطوعي لا يزال نشاطاً مكلفاً؛ إذ ينبغي أن تُفكِّر في تكاليف النقل والإعلان عن وظيفة جديدة وتكاليف الحصول على وظيفة شاغرة وتكاليف التوظيف والالتحاق بالعمل وتكاليف تدريب الموظف الجديد؛ لذا يمكنك أن تفهم الآن سبب أهمية أن تكون لديك نظرة شاملة على ما يعنيه دوران العمالة الطوعي.



من المؤكد أنَّ "موجة الاستقالة الجماعية" قد دفعَت أرباب العمل إلى النظر في سياساتهم في مجال الموارد البشرية، وما الذي يتسبب في حدوث دوران طوعي جماعي؛ إذ إنَّ الموظفين يتركون العمل في المؤسسات لأسباب مختلفة؛ وهذا يؤدي إلى أنواع مختلفة من دوران الموظفين؛ إذ إنَّ إحدى هذه الأنواع هي دوران العمالة الطوعي.

دعونا نلقي نظرة على تعريف دوران العمالة الطوعي وأمثلة عنه ونتحدث عن أسبابه ونتائجه، ثم سنناقش كيفية منع حدوث دوران العمالة الطوعي.

ما هو دوران العمالة الطوعي؟

إنَّ دوران العمالة الطوعي هو مقياس يُستَخدم في مجال الموارد البشرية، ويشير إلى مغادرة الموظَّف عمله بناءً على قراره الخاص وليس قرار رب العمل، وقد يكون سبب مغادرة العمل يعود إلى أسباب عدة، بما في ذلك الانتقال إلى العمل في منظمة أخرى أو تولِّي وظيفة مختلفة أو لأي سبب آخر.

إنَّ التغيير الطوعي لا يُعَدُّ دائماً أمراً سيئاً؛ وذلك لأنَّه يخلق فرصاً لمواهب أخرى وأفكار جديدة، ولكنَّه عادة يكون أمراً مُكلفاً؛ لأنَّه غالباً ما يكون غير متوقع ويمكن أن يتسبب في تعطيل سير العمل.

يمكن لمتخصصي الموارد البشرية تعلُّم الكثير من خلال حساب وتحليل معدلات دوران العمالة الطوعي، لنأخذ في الحسبان اتجاه الاستقالة الجماعية الذي يتَّخذه الموظفون؛ إذ يُفكِّر ما يصل إلى 40% من القوى العاملة العالمية في ترك وظائفهم هذا العام، وتختلف الأسباب الكامنة وراء الاستقالة الجماعية، بالإضافة إلى الأسباب البارزة بما في ذلك وجود موظفين يبحثون عن توازن أفضل بين الحياة المهنية والشخصية أو عدم وجود مرونة في وظائفهم الحالية، ومن ثم فإنَّ دوران العمالة الطوعي هو مؤشر جيد يدل على الرضى المهني للموظفين.

دوران العمالة الطوعي مقابل الدوران غير الطوعي:

الدوران غير الطوعي هو إنهاء التوظيف من قِبل رب العمل، في حين أنَّ دوران العمالة الطوعي هو مغادرة الموظف العمل طواعية؛ لذلك، فإنَّ الاختلاف هنا بين دوران العمالة الطوعي والدوران غير الطوعي هو في الشخص الذي يتَّخذ القرار.

يعني الدوران غير الطوعي أنَّه قرار يتخذه رب العمل؛ إذ إنَّ معدل الدوران غير الطوعي يشمل إجراءات مثل الفصل من العمل وتسريح العمال وتخفيض النفقات والتقاعد.

يعني دوران العمالة الطوعي أنَّه قرار يتخذه الموظف.

معدل الدوران الوظيفي مقابل معدل الدوران الناجم عن الاختلال الوظيفي:

لا تكون كل الحالات التي يحدث فيها دوران العمالة الطوعي سيئة؛ إذ إنَّك في الحالة المثالية تريد أن تكون لديك حالات أكثر من معدل الدوران الوظيفي وحالات أقل من معدل الدوران الناجم عن الاختلال الوظيفي.

  • يعني معدل الدوران الوظيفي ضعف الأداء الذي يدفعك إلى ترك مؤسستك، وأحد الأمثلة على ذلك هو عندما يكون هناك موظف لا يحقق باستمرار أهدافه المحددة خلال فترة طويلة من الزمن، حتى بعد أن يتلقَّى مساعدة بشأن خطة تحسين الأداء أو أن يكون هناك موظف يتأخر دائماً عن الاجتماعات أو موظف يجعل الآخرين يشعرون بعدم الارتياح ويقلل من معنويات الفريق؛ فإذا استقال هؤلاء الموظفون طواعية، فسيكون هذا مثالاً على الدوران الوظيفي.
  • يحدث معدل الدوران الناجم عن الاختلال الوظيفي عندما يغادر الموظفون المتميزون مؤسستك، وأحد الأمثلة عن ذلك الموظفون الجيدون الذين يتركون العمل في مؤسستك ويبدؤون العمل في منظمة أخرى للحصول على ساعات عمل أكثر ملاءمة أو إذا كانوا سيغادرون العمل من أجل الحصول على راتب أفضل.

إنَّ معدل الدوران الوظيفي هو أمرٌ ينبغي تشجيعه، في حين أنَّه من الناحية المثالية يجب تجنُّب الدوران الناجم عن الاختلال الوظيفي؛ إذ يجب أن يكون نظام إدارة الأداء الذي يجري تنفيذه قادراً على مساعدة ذوي الأداء الضعيف وتحديد ذوي الأداء العالي.

مقياس آخر هو إجمالي معدل الدوران، والذي يشمل جميع الموظفين الذين غادروا العمل في فترة زمنية معينة لأي سبب من الأسباب.

إقرأ أيضاً: الدوران الوظيفي: مفهومه، وأنواعه، وأسبابه، وطرق تخفيضه

ما هي الأسباب الرئيسة للدوران الطوعي للعمالة؟

دعونا نلقي نظرة على بعض الأسباب الشائعة للدوران الطوعي للموظفين:

ما ورد أعلاه هي أمثلة عن دوران العمالة الطوعي، والتي يمكن للمنظمة السيطرة عليها نسبياً؛ وهذا هو السبب في أنَّ دوران الموظفين الطوعي هو مؤشر يدلُّ على رضى الموظف؛ وذلك لأنَّ المنظمة ينبغي أن تكون قادرة على إجراء تغييرات، ومن خلال اتخاذ الإجراءات ومعالجة الوضع أو منع حدوث هذه المشكلات، يمكن أن تُخفِّض المنظمات مستويات دوران العمالة الطوعي فيها.

غير أنَّ هناك العديد من الحالات التي تكون خارجة عن سيطرة رب العمل، على سبيل المثال: إذا كان الموظف يريد الانتقال إلى قارة أخرى ولا يستطيع رب العمل توفير فرصة عمل لهذا الموظف في المكان الذي يريد أن ينتقل إليه، أو إذا كان الموظف يريد متابعة شيء ما بعيداً عن نطاق وظيفته الحالية تماماً، أو على سبيل المثال، إذا كان خبير اقتصادي يريد البدء بمهنة الغناء.

كيفية حساب معدل دوران العمالة الطوعي:

لنبدأ بصيغة دوران العمالة الطوعي السهلة:

معدل دوران العمالة الطوعي: نسبة الموظفين الذين يغادرون عملهم في فترة محددة مقارنة بنسبة عدد الموظفين في الفترة نفسها.

هذه هي الصيغة العامة؛ حيث إنَّ "الفترة" أمرٌ تحتاج إلى تعريفه، وعادة ما يُحسَب حجم الأعمال ربع السنوية أو نصف السنوية أو السنوية؛ لذلك ستبدو الصيغة السنوية كما يلي:

معدل دوران العمالة الطوعي: نسبة الموظفين الذين يغادرون عملهم خلال العام الماضي مقارنة بنسبة عدد الموظفين في بداية العام.

على سبيل المثال: لنفترض أنَّ إحدى المؤسسات بدأت العام بـ 500 موظف، وخلال العام غادر 75 موظفاً العمل بشكل طوعي؛ عندئذٍ سيكون معدل دوران الموظفين 75/500 = 0.15 أو 15%.

يمكنك أيضاً حساب معدل دورانك الطوعي كنسبة مئوية من إجمالي حجم الأعمال، وفي هذه الحالة ستُقسِّم عدد الموظفين الذين غادروا طوعاً على عدد جميع الموظفين الذين غادروا في فترة زمنية معينة.

كيفية منع دوران العمالة الطوعي:

إنَّ رفع رواتب الموظفين وتوفير المزيد من فرص التعلُّم وزيادة قوة فريق الإدارة الخاص بك كلها استراتيجيات معروفة لتقليل معدل دوران العمالة الطوعي المرتفع، ولكن ما هي الاستراتيجيات الناجحة فعلياً في منع دوران العمالة الطوعي؟ ومن أين تبدأ؟

1. حدِّد ما إذا كانت هناك بالفعل مشكلة تتعلق بدوران العمالة الطوعي:

ويمكنك القيام بذلك عن طريق معايير "المقارنة المرجعية"، وإذا كان الجواب "نعم"، فأَجرِ تحليل دوران العمالة الطوعي، وإذا كان الجواب "لا"، فيظل من واجبك مراقبة تفاعل الموظفين وإجراء تحسينات؛ إذ إنَّ أسوأ شيء يمكنك القيام به هو عدم إجراء أيَّة تغييرات وعدم الشعور بالرضى عن ممارسات الموارد البشرية الخاصة بك.

2. أَجرِ تحليل دوران عن طريق الإجابة عن بعض هذه الأسئلة:

  • لماذا يغادر الموظفون العمل؟ لديك أسباب مصنفة وواضحة لمغادرة العمل للتأكد من أنَّ بياناتك قابلة للتنفيذ؛ إذ يُعَدُّ "التقدم الوظيفي" سبباً يدفع الموظفين إلى مغادرة العمل، ولكنَّه سبب غير واضح؛ لذا تعمَّق أكثر في التصنيفات المُتاحة أمامك وتساءل: ما هو نوع التقدم الوظيفي؟ هل هي التحركات الأفقية؟ أم يريدون الانتقال إلى مجال مختلف؟ انظر إلى الأسباب المذكورة في السؤال المذكور آنفاً "ما هي الأسباب الرئيسة للدوران الطوعي للموظفين؟" لإنشاءِ فئات الخروج الخاصة بك.
  • مَن هم الموظفون الذين يغادرون العمل؟ انظر إلى مستوى الأشخاص والعمر والمنصب والقسم والجنس.
  • افهم التكاليف والفوائد المترتبة على مغادرة الأشخاص، كم يكلفك رحيلهم في كل مرة؟

يمكنك جمع بعض البيانات عن الأسئلة المذكورة آنفاً من خلال:

  • مقابلات الخروج.
  • مقابلات البقاء، المقابلات مع المواهب عالية الأداء "لتسجيل الوصول".
  • استطلاعات حول رضى الموظفين.
إقرأ أيضاً: 4 طرق فعالة لتحسين الأداء الوظيفي بشكل كبير

3. إنَّ تكلفة دوران الموظفين عالية؛ ولهذا السبب تحتاج إلى تطوير استراتيجية الاحتفاظ لمنع حدوث دوران العمالة الطوعي:

واستناداً إلى البيانات التي جُمِعَت آنفاً، لديك الآن بعض العوامل التي يمكنك إنشاء حلول لها؛ فانظر إلى "المكاسب السهلة" بناءً على بياناتك، واعرف ما إذا كان يمكنك تنفيذ ذلك، ثم انظر إلى البنود التي يمكن تحقيقها.

على سبيل المثال: قد لا تتمكن دائماً من منح شخص ما فرصة الانتقال إلى مكان آخر، ولكن يمكنك تحليل ما إذا كان يحصل على أجر منخفض.

فيما يلي بعض المبادرات التي يمكن أن تكون جزءاً من استراتيجيتك للاحتفاظ بالموظفين:

  • تحسين عملية التوظيف؛ إذ ينبغي عليك أن تراجع طريقة اختيارك للموظفين وانظر أين يمكن أن تكون المشكلات، فربما لا يملك الأشخاص الجدد الذين وظفتَهم المهارات اللازمة لأداء الوظيفة وقد فشلت لاحقاً في توفير فرص تعلم مناسبة لهم، وهو ما قد يؤدي إلى عدم الرضى الوظيفي وفك الارتباط بالعمل. ثم يعقب ذلك مغادرة الموظفين للعمل، ويمكن أن تكون المشكلة أيضاً أنَّك تضع توقعات غير واقعية حول الوظيفة في عملية التوظيف، وفي هذه الحالات قد ترغب في إدراج مسألة عملية في عملية التوظيف الخاصة بك للتحقُّق مما إذا كان المرشحون يمتلكون المهارات التي تبحث عنها أم لا، وفي الوقت نفسه، تزويد المتقدمين بمعلومات واقعية عن الوظيفة.
  • مراجعة برنامج التعويضات والفوائد الخاصة بك؛ إذ يجب أن تبقيه متماشياً مع المنافسين وتُعدِّله باستمرار، كن مبدعاً في الطرائق التي تتعرَّف بها إلى الموظفين وتعوضهم - إذ إنَّه ليس من الممكن دائماً دفع أجور أكثر للموظفين - وكمثال على ذلك، إنَّ "مكتب التجارة" (The Trade Desk) يزود الموظفين الذين حققوا إنجازات هامة في الذكرى السنوية للعمل بقائمة واسعة من الخبرات المُنسَّقة يدوياً. على سبيل المثال: دروس صناعة الفخار، ورحلات التخييم، وركوب منطاد الهواء الساخن، وقد نجحت المبادرة بشكل جيد؛ وذلك لأنَّها كانت مخصصة حسب الخيارات التي يفضلها كل موظف.
  • العمل على تحسين مشاركة الموظفين؛ إذ إنَّ ذلك يؤدي إلى تقليل احتمالية استقالة الموظفين المندمجين؛ لذلك من الضروري أن تبني استراتيجيات لإشراك وتحفيز موظفيك، على سبيل المثال: أدركت شركة "إريكسون" (Ericsson) أنَّ الموظفين يصبحون أكثر سعادة عندما يعملون بشكل مريح؛ فمنذ عام 2015 نفَّذوا العديد من الخيارات المرنة، بما في ذلك العمل من المنزل والعمل بساعات عمل مرنة والعمل بدوام جزئي، ونظراً لأنَّ قلَّة المرونة في العمل هي إحدى الأسباب الرئيسة للاستقالة الجماعية، كانت "إريكسون" سابقة لأوانها في التفكير في هذا الأمر.
  • دعم نمو موظفيك وأهدافهم المهنية؛ إذ ينبغي أن تُنشِئ مسارات وظيفية وتوفر فرصاً كبيرة للتدريب والتعلُّم، ويمكنك أيضاً القيام بأشياء لا تتطلب الكثير من الميزانية، مثل التعلُّم بملازمة الموظفين المتمرسين والتعلم من الزملاء وما إلى ذلك، وأدركت شركة "هول فودز ماركيت" (Whole Foods Market) ذلك ونفذت استراتيجيات منخفضة التكلفة للاحتفاظ بالموظفين؛ إذ تشمل بعض المبادرات تشجيع الموظفين على الانتقال إلى قسم مختلف أو حتى إلى موقع متجر آخر.
  • إجراء مقابلات الإقامة والخروج؛ إذ ينبغي التعرُّف إلى سبب بقاء الموظفين في مؤسستك ومعرفة ما إذا كان هناك أي شيء يمكنك دعمه أو إذا كانوا قد اتخذوا بالفعل قراراً بالمغادرة، فتعرَّف إلى السبب؛ ثم ضع خطة عمل لمعالجة نقاط الخلل، ومع خروج الموظفين، استغل الفرص لتوظيف المواهب المناسبة. شركة "آكسنتشر" (Accenture) هي إحدى الشركات الرائدة في مجال إشراك الموظفين وتُعيِّن الموظفين "السيئين"؛ فهؤلاء هم الموظفون الذين يُعَدُّون قابلين للتقارب وقابلين للتكيُّف، وهو ما يتماشى بشكل عميق مع قيمهم المتمثلة في تنمية الأفراد لتنمية الأعمال التجارية.
  • بناء بيئة عمل شاملة؛ إذ إنَّه من المرجح أن يبقى الموظفون في بيئة يشعرون فيها بالاحترام والتقدير؛ لذلك استثمر جهودك في بناء مثل هذه البيئة، وأَدرك "كريديت سويس" (Credit Suisse)، وهو أحد البنوك الرائدة في العالم أهمية ذلك وأظهر معدلات احتفاظ بالموظفين ملحوظة، ومع وجود موظفين في 169 موقعاً مختلفاً، فإنَّ المديرين مكلفين بضمان أنَّ التنوع والشمول متأصلان بعمق في خططهم السنوية وجزء من مراجعات أدائهم، كما طوروا مجالس للتنوع والشمول لضمان تنفيذ التدابير المناسبة لخلق بيئة عمل شاملة.

4. قيِّم هذه المبادرات على مدار فترة زمنية:

وتعرَّف إلى تكلفة التنفيذ وما إذا كان لها أي تأثير مباشر في معدل دوران العمالة الطوعي الخاص بك.

الخلاصة:

إنَّ فهم دوران العمالة الطوعي في مؤسستك يساعدك على تطوير استراتيجيات لإبقاء موظفيك على رأس العمل لفترة أطول وبناء قوة عاملة ملتزمة ومتحمسة، وإنَّ أسوأ استجابة للدوران الطوعي هي التفكير "لا يوجد شيء يمكننا القيام به"؛ إذ هناك دائماً شيء يمكن لقسم الموارد البشرية القيام به، ومن الضروري اتباع نهج شخصي لفهم الدوافع الداخلية والخارجية لكل موظف.

المصدر




مقالات مرتبطة