دور العنف في تدهور الصحة العامة

يمكن أن يكون للعنف تأثير عميق في صحة الفرد سواء كان جسدياً أم عقلياً أم كليهما؛ فتشير الإحصاءات إلى أنَّ المجتمعات التي يزداد فيها العنف يزداد فيها المرض بشكل مباشر؛ لذلك سنستعرض في هذا المقال مفهوم العنف وما هي آثاره السلبية ودوره في تدهور صحتنا وتراجعها؛ فإذا كنتَ من المهتمين، فتابعْ معنا.



ما هو العنف بشكل مفصَّل؟

العنف ظاهرة معقَّدة يمكن أن تتَّخِذَ عديداً من الأشكال المختلفة ويمكن أن تكون لها عواقب وخيمة، ويشير العنف في جوهره إلى استخدام القوة الجسدية أو السلوك العدواني لإحداث ضرر أو أذى أو إصابة بالنفس أو للآخرين أو للممتلكات، ويمكن أن يتراوح هذا من الأعمال العدوانية الفردية مثل التنمر أو العنف المنزلي إلى الصراع واسع النطاق والحرب.

أحد أكثر أشكال العنف شيوعاً هو العنف الجسدي؛ والذي يتضمَّن استخدام القوة البدنية لإحداث ضرر أو إصابة، ويمكن أن يشمل ذلك أعمال عنف مثل الضرب واللكم والركل أو استخدام سلاح، ويمكن أن تكون للعنف الجسدي آثار خطيرة ودائمة في الصحة البدنية والعقلية للفرد؛ مثل الإصابات الجسدية والصدمات واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).

شكل آخر من أشكال العنف هو العنف النفسي؛ والذي يتضمَّن استخدام التهديدات أو الترهيب أو الإساءة العاطفية للسيطرة على الآخرين أو التلاعب بهم، ويمكن أن يتَّخذ العنف النفسي عدة أشكال مختلفة؛ مثل الإساءة اللفظية أو التلاعب العاطفي أو المطاردة.

العنف الجنسي هو شكل آخر من أشكال العنف؛ والذي ينطوي على نشاط جنسي غير رضائي أو اتصال جنسي غير مرغوب فيه، ويمكن أن يشمل ذلك الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي أو التحرش الجنسي، ويمكن أن تكون للعنف الجنسي آثار خطيرة وطويلة الأمد في الصحة الجسدية والعقلية للفرد.

العنف الهيكلي هو شكل أكثر دقة؛ والذي يشير إلى الطرائق التي تختلق بها الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية حالة من عدم المساواة والظلم وتديمها، وتشمل أمثلة العنف الهيكلي التمييز وعدم المساواة في الوصول إلى الموارد والعنصرية المؤسسية، ويمكن أن تكون للعنف الهيكلي آثار عميقة في الأفراد والمجتمعات؛ مثل الفقر والعزلة الاجتماعية وفقدان الثقة في المؤسسات والعلاقات.

تُوجَدُ أيضاً العديد من السياقات المختلفة التي يمكن أن يحدث فيها العنف، بدءاً من داخل الأسرة إلى المدارس وفي مكان العمل وفي المجتمع، ويشير العنف الأسري المعروف أيضاً باسم العنف المنزلي إلى أي شكل من أشكال العنف يحدث في سياق الأسرة أو العلاقة الحميمة، ويمكن أن يشمل ذلك العنف الجسدي أو النفسي أو الجنسي.

يمكن أن يشمل العنف المدرسي التنمُّر أو العنف الجسدي أو المضايقة بين الطلاب، إضافة إلى العنف الموجَّه ضد المعلمين والموظفين في المدرسة، ويمكن أن يشمل العنف في مكان العمل العنف الجسدي أو النفسي بين زملاء العمل أو العنف الموجَّه ضد الموظفين من قبل الزبائن.

يمكن أن يشير العنف المجتمعي إلى أي شكل من أشكال العنف الذي يحدث داخل المجتمع؛ مثل عنف العصابات أو عنف السلاح أو عنف الشرطة، ويمكن أن تكون آثار العنف المجتمعي عميقة؛ ويمكن أن تشمل الخوف والصدمة وفقدان الثقة في المؤسسات والعلاقات.

بشكل عام كما ذكرنا؛ يُعَدُّ العنف ظاهرة معقدة يمكن أن تتَّخذ العديد من الأشكال المختلفة، ويمكن أن تكون لها عواقب بعيدة الأمد، ومن الهام فهم الأشكال والسياقات المختلفة للعنف من أجل معالجته ومنعه بشكل فعَّال؛ والذي قد يشمل ذلك تدخلات على المستوى الفردي مثل العلاج والمشورة لأولئك الذين تعرَّضوا للعنف، وكذلك التدخلات على مستوى المجتمع مثل السياسات والبرامج التي تهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية للعنف مثل الفقر والتمييز.

شاهد بالفديو: فوائد الرياضة على الصحة النفسية

نتائج على الصحة البدنية:

التأثير الأكثر وضوحاً ويكون فورياً للعنف هو الإصابة الجسدية، فقد تعاني ضحايا أعمال العنف من كسور في العظام وتمزقات وصدمات في الرأس، وقد تعاني أيضاً من آثار جسدية طويلة الأمد مثل الألم المزمن والعجز، وفي الحالات القصوى يمكن أن يؤدي العنف إلى الموت.

علاوةً على ذلك يمكن أن يؤدي التعرُّض للعنف إلى زيادة خطر الإصابة بحالات صحية مزمنة مثل أمراض القلب والسمنة والسكري، وقد أظهرَت الدراسات أنَّ الأفراد الذين يتعرَّضون للعنف هم أكثر عرضة للانخراط في سلوكات غير صحية مثل التدخين واستهلاك الكحول وتعاطي المخدرات، وهذا يمكن أن يؤدي إلى مجموعة من مشكلات الصحة البدنية على الأمد الطويل.

نتائج الصحة العقلية:

يمكن أن يكون للعنف أيضاً تأثير كبير في الصحة العقلية، وقد تعاني ضحايا أعمال العنف من اضطراب ما بعد الصدمة أي (PTSD) والقلق والاكتئاب، ويمكن أن يكون لهذه الحالات تأثير دائم في نوعية حياة الفرد وقدرته على العمل في النشاطات اليومية.

علاوةً على ذلك يمكن أن يؤدي الخوف من العنف إلى التوتر والقلق المزمنَين؛ وهذا قد يؤثِّر سلباً في الصحة الجسدية والعقلية، وقد يعاني الأفراد الذين يعيشون في مجتمعات ذات مستويات عالية من العنف من حالة توتر مستمرة، والتي يمكن أن تؤدي إلى مجموعة من النتائج الصحية السلبية.

إقرأ أيضاً: أكثر مظاهر العنف انتشاراً في المجتمع

دور العوامل الاجتماعية:

من الهام أن ندرك أنَّ العنف غالباً ما يكون نتيجة محددات اجتماعية؛ مثل الفقر والتمييز ونقص الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، وإنَّ معالجة هذه الأسباب الجذرية أمر أساسي لمنع العنف وتحسين النتائج الصحية.

على سبيل المثال أظهرَت الدراسات أنَّ الأفراد الذين يعيشون في فقر هم أكثر عرضة لخطر التعرُّض للعنف؛ لذلك من خلال معالجة الفقر عبر سياسات مثل الإسكان ميسور التكلفة وبرامج التدريب الوظيفي، يمكن المساعدة على منع العنف ومن ثم تحسين النتائج الصحية.

بالمثل يمكن أن تساعد معالجة العنصرية والتمييز على منع العنف وتحسين النتائج الصحية للمجتمعات المُهمَّشة، ويمكن أن يساعد توفير الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية أيضاً على منع العنف.

الآثار طويلة الأمد لعنف الشرطة في الأطفال والشباب:

في حين أنَّ عنف الشرطة يمكن أن تكون له آثار مدمرة في الصحة العقلية والجسدية للأفراد من جميع الأعمار، لكنْ قد يكون الأطفال والشباب معرضين بشكل خاص لآثاره على الأمد الطويل، فقد أظهرَت الأبحاث أنَّ التعرُّض لعنف الشرطة يمكن أن يؤدي إلى إجهاد وصدمة مزمنة يمكن أن تكون لها آثار دائمة في نمو الدماغ والجسم.

قد يكون الأطفال والشباب الذين يشهدون أو يتعرَّضون لعنف الشرطة أكثر عرضة للإصابة بحالات الصحة العقلية مثل الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة، ويمكن أن تستمر هذه الحالة لسنوات؛ وهذا يؤدي إلى استمرار الصعوبات العاطفية والسلوكية التي يمكن أن تؤثِّر في الأداء الأكاديمي والاجتماعي.

يمكن أن يساهم التعرُّض لعنف الشرطة أيضاً في حدوث مشكلات صحية جسدية؛ مثل الصداع وآلام المعدة واضطرابات النوم، وقد تكون هذه الأعراض الجسدية نتيجة الإجهاد والصدمة التي يتعرَّض لها الجسم استجابة إلى العنف.

إضافة إلى الآثار المباشرة لعنف الشرطة، فقد تكون هناك آثار طويلة الأمد في نمو الأطفال والشباب، وقد أظهرَت الأبحاث أنَّ التعرُّض المزمن للتوتر والصدمات يمكن أن يكون له تأثير تراكمي في الجسم؛ وهذا يؤدي إلى مجموعة من المشكلات الصحية في مرحلة البلوغ.

على سبيل المثال الأفراد الذين عانوا من صدمات الطفولة مثل التعرُّض للعنف، يكونون معرضين بشكل متزايد للإصابة بحالات صحية مزمنة؛ مثل أمراض القلب والسكري والسرطان في مرحلة البلوغ، ويرجع ذلك إلى حقيقة أنَّ نظام الاستجابة للتوتر يمكن أن يصبح غير منظم نتيجة التعرُّض المزمن للإجهاد والصدمات؛ وهذا قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج الصحية السلبية.

يمكن أن يساهم التعرُّض إلى عنف الشرطة في تطوير المواقف السلبية تجاه إنفاذ القانون ورموز السلطة بشكل عام، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى استمرار دائرة العنف وانعدام الثقة؛ وهذا يجعل من الصعب على الأفراد طلب المساعدة عندما يحتاجون إليها.

إقرأ أيضاً: العنف اللفظي ضد المرأة: ماهيته، وأسبابه، وآثاره، وطرائق معالجته

لذلك من الضروري أن يعمل صانعو السياسات ومؤسسات إنفاذ القانون والمجتمعات معاً على معالجة الآثار طويلة الأمد لعنف الشرطة لدى الأطفال والشباب؛ من خلال تقديم الدعم والموارد للأفراد الذين تعرَّضوا إلى العنف أو شهدوه، ويمكننا المساعدة على التخفيف من تأثيره في صحتهم ورفاههم.

إضافة إلى ذلك يمكن للجهود المبذولة لمنع حدوث عنف الشرطة في المقام الأول أن تساعد على تقليل النتائج الصحية السلبية المرتبطة بالتعرُّض للعنف، في نهاية المطاف إنَّ إنشاء بيئات آمنة وداعمة للأطفال والشباب للنمو والازدهار أمر ضروري لتعزيز مجتمع صحي وعادل للجميع.

في الختام:

من الضروري أن نكون أكثر تحضراً في تصرفاتنا ونبتعد عن العنف لما فيه من مخالفة للطبيعة البشرية.




مقالات مرتبطة