بهذا يصبح العنف المنزلي في أكثر الدول الأوروبية جريمة يعاقِب عليها القانون لدرجة أن تسقط حق من يمارسه في رعاية أسرته والعيش معها تحت سقف واحد، ما يثير الاستغراب أنَّ الأسر التي تمارس العنف داخل المنزل تَعدُّه سلوكاً طبيعياً، وعلى مبدأ الغاية تبرر الوسيلة يتصرفون بهذا الشكل بحجة أنَّ هدفهم هو التربية، وتقويم سلوك الأطفال أو حتى باقي أفراد الأسرة؛ فالعنف المنزلي ليس موجهاً ضد الأطفال فقط؛ بل قد يوجَّه ضد أيِّ فرد من أفراد العائلة، من خلال المثال السابق يبدو واضحاً أنَّ ثمة أسباباً ودوافع وراء العنف المنزلي من مكان إلى آخر، ومن ثقافة إلى أخرى.
إذا أردت أن تعرف أكثر عن العنف المنزلي: أسبابه وآثاره وصوره، وما هي العقوبات الرادعة لممارسته في بعض دول العالم، تابع القراءة.
ما هو العنف المنزلي وما هي أسبابه؟
يشير مصطلح العنف المنزلي إلى الممارسات العنيفة التي يقوم بها أحد الأفراد الذين نعيش معهم في منزل واحد ضد باقي أفراد الأسرة، كأن يعنِّف الزوج زوجته أو الأب أطفاله، أو الأولاد أحد الوالدين، قد تكون هذه الممارسات لفظية أو جسدية أو نفسية أو حتى جنسية، وقد يصل هذا العنف لدرجة القتل كما يحدث تحت مسمَّى "جرائم الشرف".
يظن أشخاص كُثُر أنَّ العنف المنزلي يقتصر على العنف الجسدي أو الجنسي، لكن في الحقيقة يأخذ العنف أشكالاً متعددة، ويمكن ممارسته على أيَِّ فرد من أفراد الأسرة، وفي أكثر الأحيان تكون النساء والأطفال ضحايا للعنف المنزلي، ففي ألمانيا مثلاً تشير الدراسات إلى أنَّ واحدة من بين كل أربع نساء يتعرَّضن لأحد أشكال العنف المنزلي يومياً.
أسباب العنف المنزلي:
للعنف المنزلي أسباب متعددة وكثيرة، ويمكننا ذكر أهم هذه الأسباب من خلال النقاط الآتية:
- يفهم معظم الناس أدوارهم الاجتماعية داخل الأسرة فهماً خاطئاً؛ فالزوج يعتقد أنَّه وصي على زوجته، والأخ الكبير على الصغير، والأخ على الأخت، وهذا ما يسبب مشكلات كثيرة داخل الأسرة، ويقود إلى العنف بقصد فرض السلطة في حال لم يقبلها أحد الأفراد داخل الأسرة، فمثلاً قد يمنع الأخ أخته من الخروج من المنزل، وفي حال رفضت الخضوع لسلطته يلجأ إلى تعنيفها جسدياً أو نفسياً لمنعها، وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ ثقافة المجتمعات تؤدي دوراً كبيراً في تكوين الأدوار الاجتماعية لكل فرد من أفراد الأسرة، فمثلاً ما يعتقد شاب من سورية أنَّ دوره ضمن أسرته يختلف عمَّا يعتقده شاب من ألمانيا.
- الفهم الخاطئ للدين واستخدامه لتبرير العنف المنزلي الممارس ضد النساء والأطفال.
- قلَّة الوعي والثقافة داخل المنزل بالشكل الذي يجعل الأسلوب السائد في المنزل يعتمد على العنف والأذى بدلاً من اعتماد الحوار والنقاش.
- عدم المواساة بين أفراد الأسرة والتمييز بين الذكور والإناث.
- سوء اختيار شريك الحياة وعدم وجود توافق فكري وثقافي واجتماعي، مما يسبب دائماً مشكلات كثيرة، ويجعل التوتر سيداً داخل المنزل، وهذا ما يشكِّل بيئة خصبة للعنف.
- الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها بعض الأسر تُعدُّ سبباً أيضاً من أسباب العنف المنزلي، فأحياناً يشعر الأب معيل الأسرة بالعجز عن تأمين كل متطلبات الأسرة وحاجياتها، ويسقط هذا العجز على أفراد عائلته الذين يشكِّلون برأيه السبب الرئيسي لعجزه هذا.
- عدم الاستقرار والظروف المعيشية الصعبة التي تفرضها الحروب، مما يجبر بعض الأسر على مغادرة بيوتهم والعيش ضمن مخيمات مثلاً، مما يفقدهم أبسط حقوقهم وهو حق الخصوصية، وهذا ما ينعكس مباشرة على الوضع داخل العائلة، ويجعل العنف طريقة التواصل بينهم.
- بعض الأسباب ترجع إلى طبيعة الشخص المعنِّف فقد يكون مريضاً نفسياً أو لديه اضطراب سلوكي ما، وهذا ما يجعل ممارسته العنف المنزلي أمراً طبيعياً.
أشكال العنف الأسري:
تختلف أشكال العنف المنزلي وصوره؛ لكنَّنا في النهاية نستطيع تحديد أشكاله وتصنيفه تبعاً للأذى الذي يسببه إلى خمسة أنواع رئيسة، وبالطبع يندرج تحت كل نوع مجموعة من الأفعال والسلوكات والتصرفات التي يقوم به الشخص المعنِّف ضد ضحيته، وقد يكون هذا العنف موجَّهاً لكلِّ أفراد الأسرة أو ضد الزوجة فقط. هذه الأنواع هي:
1. العنف الجسدي:
مجموعة كبيرة من التصرفات تقع ضمن هذا النوع، ونشترك جميعاً بأن نكون سبباً في إلحاق أذى جسدي بالشخص المعنَّف، مثل الضرب باستخدام اليد أو باستخدام أيِّ أداة أخرى، مثل الصفع، والبصق.
2. العنف الجنسي:
وينطوي تحت هذا النوع كل سلوك جنسي يحدث دون رضى الطرف الآخر، كالتحرش والاغتصاب والضرب بهدف اللذة الجنسية، وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ بعض الاضطرابات النفسية كاضطراب الشخصية السادية تجعل من الشخص عنيفاً، وخاصةً في أثناء ممارسة الجنس، وفي بعض الأحيان يصل الأمر به إلى قتل شريكه نتيجة انغماسه باللذة التي يسببها العنف.
3. العنف اللفظي:
ويقصد بالعنف اللفظي الأذى الذي يلحق بالضحية نتيجة شتمه أو نعته بصفات سيئة واستخدام ألفاظ نابية معه، ويمكن القول إنَّ العنف النفسي واللفظي من أخطر أنواع الأذى الذي من الممكن التعرض له وأكثره شيوعاً.
4. العنف الاقتصادي:
توجد سلوكات عدة تنطوي تحت هذا النوع من العنف المنزلي، وخاصة في حال كان الضحايا أطفالاً أو أفراداً غير عاملين، فيمكن مثلاً حرمان الشخص من المصروف أو من شراء الحاجيات الأساسية له، أو تطبيق حصار قاسٍ على الطعام، أو حرمان بعض الأشخاص أبنائهم من الميراث.
5. ممارسات تقليدية عنيفة:
ينتشر أيضاً في بعض المجتمعات ممارسات عديدة تُعدُّ جزءاً من ثقافة البلد أو المكان الذي ينتمي له هذا المجتمع، وحقيقةً، لا يمكن عدَّ هذه الممارسات، إلا عنفاً مهما كان المُسمى الدَّارج لها، مثل إجبار الفتيات على الزواج وزواج القاصرات.
آثار العنف المنزلي:
استخدمنا مصطلح ضحايا العنف أكثر من مرَّة؛ فالحقيقة أنَّ أيَّ شخص يتعرض للعنف كائناً من كان هو ضحية، ولن تتوقف آثار هذا العنف على الشخص نفسه؛ بل ستنتقل معه إلى محيطه، فإذا كان ضحية العنف المنزلي طفلاً ستتأثر شخصيته تأثراً كبيراً، وستتكوَّن لديه عقد نفسية نتيجة للعنف الذي تعرَّض له في الطفولة، والجدير بالذكر هنا أنَّه حتى لو كان العنف المنزلي لفظياً أو عاطفياً فأثره في الشخصية لا يقل عن العنف الجسدي، وطبعاً، في حال كانت الأم هي ضحية العنف المنزلي ستتأثر العائلة كلَّها نتيجة ذلك.
يمكن القول إنَّ ضحايا العنف المنزلي هم الأفراد الأضعف داخل الأسرة؛ أي الأفراد الذين لا يستطيعون ردَّ الأذى الذي يتعرضون له من قبل المعنِّف الذي سيكون حكماً شخصاً أقوى ضمن الأسرة ودوره الاجتماعي يُعطيه نفوذاً أكثر، وهنا لا بدَّ من الإشارة إلا أنَّ حقيقة تعرض النساء والأطفال للعنف المنزلي بنسبة كبيرة، لا تنفي تعرُّض بعض الرجال أيضاً له.
للعنف المنزلي آثار عدة؛ بعضها يكون مباشراً أو ظاهراً كما يحدث عند التعرُّض للعنف الجسدي، وبعضها يكون مخفياً ولا يمكن ملاحظته بالعين المجرَّدة، كما يحدث نتيجة تعرُّض الشخص للعنف النفسي أو العاطفي. فيما يأتي سنذكر لكم أهم آثار العنف المنزلي:
1. آثار صحية:
تختلف الآثار الصحية حسب نوع العنف المنزلي الممارَس، فإذا كان عنفاً جنسياً قد يحدث حمل غير مرغوب، أو نزيف أو قد يسبب انتقال عدوى جنسية ما إلى الضحية مثل عدوى الإيدز مثلاً، ناهيك عن الضرر النفسي الشديد الذي يسببه العنف الجنسي.
في حال كان العنف جسدياً فقد يلحق أضراراً جسدية ببعض أعضاء جسد الضحية من كسور ورضوض وحروق، وقد يتفاقم الأمر أكثر، ويصبح العنف المنزلي خطراً على الحياة، ولن ننسى الآثار الكبيرة التي تلحق بالصحة العقلية، كالرغبة بالانتحار والاكتئاب وغيرها، وفي حال كان الضحية طفلاً فبالتأكيد سيؤثِّر العنف المنزلي في مدى تطوره ونموه، وفي تحصيله المدرسي.
2. آثار اجتماعية:
تظهر آثار العنف المنزلي على الأسرة، وتمتد إلى المجتمع الذي تنتمي إليه الأسرة أيضاً، فقد يسبب العنف الجنسي وصمة عار للضحية التي وُلِدت نتيجة اغتصاب مثلاً، وهذا ما سيؤثِّر في كل حياته ويعرِّضه لأنواع أخرى من العنف سواء في المنزل أم خارجه.
شاهد بالفديو: 6 نصائح لحماية طفلك من التعرض للتحرش الجنسي
3. آثار اقتصادية:
ينتج عن العنف المنزلي أفراداً غير مندمجين، وغير قادرين على المشاركة الحقيقة، والعمل داخل مجتمعاتهم كما يجب، حتى أنَّ الشخص المعنَّف سيعاني مشكلات كثيرة في بيئة العمل بسبب تأثر شخصيته الكبير بما تعرَّض له من عنف.
كيف يمكن الحد من العنف المنزلي، وهل توجد قوانين رادعة؟
الحد من العنف المنزلي حقيقةً يجب أن يكون هدفاً أساسياً لكل مجتمع، وتزداد المسؤولية في حالة المجتمعات التي لا يكون فيها العنف ناتجاً عن حالة فردية أو مشكلة نفسية؛ بل يكون جزءاً من ثقافتها وأسلوباً من أساليب التربية المتبعة.
فيما يأتي سنذكر عدداً من التدابير المتبعة للحد من العنف المنزلي:
- نشر الوعي والثقافة بين أفراد المجتمع، ويُعدُّ هذا أحد واجبات رجال الدين والأشخاص المؤثرين، فعلى عاتقهم تقع مسؤولية تصحيح الأفكار المغلوطة المنتشرة باسم الدين، ولوسائل الإعلام والجمعيات الأهلية أيضاً مسؤولية لا تقل أهمية عن مسؤولية ودور رجال الدين.
- تقديم الرعاية اللازمة لضحايا العنف المنزلي، والعمل على تقديم كل مساعدة ممكنة لهم في محاولة لتقليل آثار العنف الذي تعرضوا له.
- وضع قوانين رادعة وحاسمة وغير متساهلة، كما في الدول الأوروبية التي تجيز تدخُّل الشرطة عند تعرُّض أحد أفراد الأسرة للعنف المنزلي، وتسحب الوصاية عن المعنَّف.
في الختام:
من البديهي جداً أن تشير كلمة المنزل إلى الأمان، ومن الهام أن تكون الأسرة الملجأ الآمن والحضن الدافئ لأبنائها، ومن غير المقبول أن تُهدم هذه البديهيات، وتتحول المنازل إلى ما يشبه السجون والمعتقلات، ويصبح العنف هو الأسلوب والطريقة المتبعة للتربية والتعليم؛ فالعنف المنزلي مهما حاولت بعض الأسر تلميعه وتهذيب اسمه بحجة التربية والإصلاح يبقى عنفاً، وعلينا أن نضع في بالنا جميعاً أنَّ الطريق الخاطئ لن يوصل إلا إلى نتائج خاطئة.
أضف تعليقاً