دور التكنولوجيا في مواجهة جائحة كوفيد 19

إنَّ مفردة "التكنولوجيا" في وقتنا الحالي مترادفة مع كلمة "المستحيل" في وقت سابق، ففكرة أن تشاهد شخصاً في قارة أخرى مثلاً، وتحادثه وترى تعبيراته وردَّات فعله، كانت ضرباً من الإعجاز في وقت سابق، ولكن اليوم، وبفضل أحسن ما توصلَت إليه التطورات التقنية، أصبح أمراً بديهياً ومعتاداً.



وفي أوقات الأزمات والكوارث العالمية، كان ضرباً من الخيال استكمال الدول لحركاتها ونشاطاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكن في ظل التقدم التقني ومرور جائحة كورونا، برز دور التكنولوجيا حبلاً للخلاص، تمسَّكَت به البلدان لمواجهة الجائحة التي ضربَت البلاد جميعها، فأصابتها بشلل كاد أن يكون كاملاً لولا وجود التكنولوجيا؛ إذاً، فإنَّ التكنولوجيا قد أنقذَت العالم من الانهيار الكلي، وسنتحدث فيما يأتي عن دور التكنولوجيا في مواجهة جائحة كوفيد-19 عن طريق الحديث عن:

  • دور التكنولوجيا في إنقاذ الأعمال.
  • دور التكنولوجيا في إنقاذ التعليم.
  • دور التكنولوجيا في إيجاد لقاح للفيروس.
  • دور التكنولوجيا في نشر التوعية حول الفيروس.
  • دور التكنولوجيا في الحفاظ على الصحة النفسية.

دور التكنولوجيا في إنقاذ الأعمال:

لا شكَّ أنَّ العمل هو من أكثر القطاعات التي تضررَت بفعل جائحة كورونا، فبعد أن نصَّت القوانين الجديدة في ظل الجائحة على تخفيض عدد العمال في المنشآت للتقليل من الاختلاط، وتعزيز التباعد الاجتماعي، والحد من انتشار العدوى، خسر الكثير من الموظفين أعمالهم، وفقدَت الكثير من المنشآت عمالتها، وبدل أن يتسبب هذا الأمر بالانهيار التام في المنظومة العملية، استطاعت التكنولوجيا تدارك الأمور وإنقاذها في اللحظة المناسبة.

فسمحَت عن طريق تقنياتها المتمثلة في الآلات المبرمجة، باستمرار العمل في القطاعات الصناعية، وقدَّمَت البرامج والمنصات التي أتاحت إدارة الاجتماعات وعقد المؤتمرات عن بعد، كما سمحَت للموظفين بأداء مهامهم المكتبية وإرسالها إلى إداراتهم عن طريق تطبيقات البريد الإلكتروني، حتى أنَّها ضمنت لعمليات البيع والشراء الاستمرار رغم الإغلاق الكلي، عن طريق طلب المنتجات عن بعد وتحديد مواصفاتها، ليتم تسليمها للزبائن إلى العناوين التي يحددونها، واستُخدِمَت تقنية الطلب الإلكتروني والتوصيل البريدي في المطاعم أيضاً.

ونبَّهَت جائحة كورونا البلدان إلى أهمية تعزيز البنى التحتية لشبكة الإنترنت، والخدمات التقنية، والاهتمام بتأهيل المنظومات، وتدريب الموظفين على تعلُّم تقنية العمل عن بعد، واستطاعت البلدان التي أخذَت في الحسبان هذه القضايا قبل هجوم الجائحة، أن تخرج منها بأقل الأضرار الممكنة مقارنةً بباقي الدول.

إقرأ أيضاً: كيف تساعد التكنولوجيا على تحسين الإنتاجية؟

دور التكنولوجيا في إنقاذ عملية التعليم:

في ظل الإغلاق القسري الذي سبَّبَته جائحة كورونا، كاد الانهيار يطال النظام التعليمي، فأي انقطاع للطلبة عن عامهم الدراسي سيتسبب في حصول فجوة تعليمية بين ما تعلَّموه وما سيتعلمونه عبر الخطة الدرسية، وكان دور التكنولوجيا أيضاً هذه المرة سبباً في مواجهات التداعيات الناتجة عن انتشار كوفيد-19؛ حيث عملَت المنظومات التعليمية على استكمال الخطط الدرسية عن بعد.

شُرِحَت الدروس للطلاب عن طريق التطبيقات والمواقع الشبكية التي تسمح بإنشاء صف افتراضي، وهذا في سبيل تحقيق تعليم متزامن، واتجهَت بعض المدارس إلى تسجيل المحتوى التعليمي على شكل مقاطع فيديو، أو ملفات نصية تتضمن المحتوى التعليمي للدرس وإرساله إلى الطلبة، وحقَّقَ هذا الأمر تعلُّماً غير متزامن، كما استطاعت المؤسسات التعليمية سبر استفادة طلابها عبر تقنيات عن الاختبار والتقييم عن بعد.

حقيقة الأمر، لم تستطع المؤسسات التعليمية في جميع البلدان تنفيذ خطوة التعليم عن بعد، ووقعَت بعض الدول في هوَّة الفاقد التعليمي بسبب عدم جاهزيتها التقنية لعملية التعليم عن بعد، أما الدول التي تعتمد هذا النظام في أسلوبها التعليمي قد وُفِّقَت في تجاوز هذه الفجوة.

حيث تتطلب عملية التعليم عن بعد اعتماداً كاملاً على التكنولوجيا متمثلاً في بنية تحتية مدعَّمة من الاتصالات الشبكية، وأجهزة حاسوب وملحقاتها متوفرة لدى المعلم والطلاب، مثل الكاميرا والميكروفون لضمان اتصال الصوت والصورة، والأهم من ذلك يتطلب تأهيلاً للمعلمين والمتعلمين في استخدام أنظمة التعليم عن بعد وأنظمة إدارة التعلم.

لذلك، فإنَّ المؤسسات التي وجدَت نفسها في ظل الجائحة أمام كابوس انتهاء قسري للعام الدراسي، راحت تتخبط في محاولات إنقاذ برنامجها، لكنَّها لم تُوفَّق في ذلك، فالتعليم عن بعد يحتاج إلى تخطيط وتأهيل جيدين ولا يمكن تنفيذه عشوائياً، وجدير بهذه البلدان إرساء دعائمه لتكون جاهزة في مواجهة الكوارث في حال حدوثها مرة ثانية.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح للتعلم الفعال عن بعد

دور التكنولوجيا في إيجاد اللقاحات:

من المؤكد أنَّ إيجاد لقاح لفيروس كوفيد-19 لم يكن معتمداً على التجارب اليدوية التقليدية، فالتكنولوجيا قد أثبتت حضورها في جميع المجالات - وخاصةً الطبية العلمية - وعمدَت كل دولة من الدول التي أنتجت لقاحاً للفيروس إلى الاعتماد على التقنيات المتوفرة بين يديها، وتسخيرها لإنتاج هذا المصل الذي يحمل في خصائصه خلاص البشرية، ولم يتوقف دور التكنولوجيا على تصنيع اللقاح فقط؛ بل تعدَّاه إلى طريقة تخزينه وحفظه وتوزيعه على البلدان التي تحتاجه، وإلى إجراء الدراسات والمِسَح عن آلية توزيعه، وعن السكان الأكثر أولوية في الحصول عليه، ودراسة النتائج وإجراء الاستقراءات والاستبيانات على الأشخاص الذين تلقُّوه.

تؤدي التكنولوجيا الرقمية دوراً أساسياً في دعم تخطيط برامج التحصين، وإيصالها إلى البلدان المستهدفة، ومراقبتها وإدارتها، ومع الحاجة المتزايدة للقاح، يتم إعادة النظر في العديد من الأدوات التي تدعم جهود توصيل اللقاحات على مستوى العالم، وفي بعض البلدان، تُختبَر أنظمة جديدة للتسجيل على اللقاح، ودعم اتخاذ القرار في أخذه، وتستخدم لذلك منصات مفتوحة المصدر، كما يمكن حالياً النشر السريع لبعض الأدوات الرقمية المتوفرة من أجل دعم جهود التحصين، وتُخطط بعض الدول إلى إعادة توجيه أهداف المنصات الرقمية المستخدَمة في برامج التحصين؛ وذلك من أجل تتبُّع حركة مخزون اللقاحات المضادة لفيروس كوفيد-19.

ويكمن دور التكنولوجيا أيضاً في مراعاة المنهجية المتبعة لإنتاج الأدوات الرقمية؛ حيث تراعي البنية التحتية والبيئة الإجرائية في كل بلد، والتي تختلف اختلافاً شاسعاً بين البلدان، وداخل البلد الواحد أيضاً، فالإجراءات التدخلية تحتاج إلى تصميم خاص يلائم السياق العام الذي تعمل فيه.

ونذكر أنَّ التكنولوجيا المستخدَمة في التطبيقات الرقمية اللوجستية، تعتمد اعتماداً كاملاً على شبكات الهاتف المحمول وجودة تغطيتها في البلدان، وفي سياق تطويرها، قد تستفيد هذه الأنظمة من بطاقات الهوية لتحديد أهلية الأفراد وتتبُّع المرضى بين الجرعات إذا ما استطاعت توفير تحديد فريد وموثوق للفئات السكانية، ويجب أن تستخدم تقنيات متطورة في تأمين هذه الأنظمة، لمنع الوصول غير المصرح به، وحماية خصوصية المرضى، وعدم التلاعب ببيانات المستخدمين.

إقرأ أيضاً: مزايا وعيوب لقاحات كورونا (كوفيد 19)

دور التكنولوجيا في نشر التوعية حول الفيروس:

لقد سُخِّرَت التكنولوجيا واستُثمِرَت أفضل استثمار في توعية الناس حول مخاطر فيروس كورونا، فلم تبقَ أداة تكنولوجية تؤمِّن التواصل مع الناس لم تذخر بمنشورات وإعلانات التوعية، وبرز دور التكنولوجيا الأول في تعريفنا بالفيروس الذي انطلق من "ووهان"، فصرنا نسمع عبر أجهزة التلفزة والمواقع الإلكترونية عن أعراضه وأساليب الوقاية منه وكيفية التصدي له، وفي ظل الحجر المنزلي، اجتهدَت منظمة الصحة في التعاون مع حكومات البلدان، لنشر برامجها التوعوية المتلفزة عن هذه الجائحة.

واجتهدَت البلدان بدورها في استخدام التكنولوجيا لإنشاء محتوىً توعوي يحاكي جميع الأفراد على اختلاف ثقافتهم وأعمارهم، فمن الإعلانات على المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، إلى الإعلانات الطرقية ومنها إلى الإعلانات المتلفزة ثم إلى التحذيرات الإذاعية، والإعلانات المخصصة للأطفال والإعلانات المصممة بلغة الإشارة، والهدف منها واحد: تعريف الناس بالفيروس، وحثهم على اتخاذ التدابير الوقائية الصحية، وتنبيههم إلى ضرورة الالتزام بالحجر المنزلي، وكيفية التصرف في حال الوقوع في إصابة خفيفة أو الاعتناء بشخص مصاب في المنزل.

دور التكنولوجيا في الحفاظ على الصحة النفسية:

عندما استيقظ العالم الذي كان معتاداً على الذهاب إلى العمل والسوبر ماركت واستخدام وسائل النقل العامة على خبر الإغلاق الكلي، دخل البشر في حالة من الصدمة التي تسبَّبَ بها التغيير القسري لعاداتهم اليومية، واستوجب جلوسهم في المنزل لفترات طويلة؛ هذا الأمر الذي سبَّبَ لهم باضطرابات نفسية، من قلق حيال الوضع الراهن لوباء متفشٍّ يحصد الأرواح بأعداد غير معقولة، ومن نوبات اكتئاب مردُّها إلى الجلوس الطويل في المنزل، وخسارة مصادر الدخل وتغيير العادات والانعزال الكلي عن المجتمع.

وكان للتكنولوجيا في هذا الأمر يد بيضاء أيضاً؛ حيث سمحَت للناس بتقليل حجم الهوَّة الاجتماعية فيما بينهم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وتقنياتها المتطورة التي تتيح لهم الاتصال الصوتي والمرئي، وإرسال الصور والفيديوهات وإجراء المكالمات الصوتية أو المرئية بين أطراف عدَّة، كما ساعدَت التكنولوجيا الناس على المتابعة مع الاختصاصيين النفسيين عن طريق منصاتهم على وسائل التواصل أو عن طريق التطبيقات التي تتيح لمستخدميها إجراء استشارة نفسية عن بعد مع المختص النفسي أو اللايف كوتش، لمساعدتهم على تخطِّي هذه المحنة.

وأدَّت التكنولوجيا دوراً في التقريب بين البشر وتوحيدهم في هذه المعاناة، فعمد بعضهم إلى السخرية من الجائحة وإطلاق الدعابات التي من شأنها التخفيف عن الآخرين، فمثلاً انتشرت الكثير من " الميمز" عن ازدياد الوزن الذي سببه الجلوس في المنزل والانهماك بتحضير الطعام؛ وهذا الأمر أشعر الأفراد الذي اكتسبوا وزناً زائداً خلال الحجر الصحي بأنَّهم ليسوا وحدهم في هذه المشكلة؛ مما خفف عنهم تأنيب ضمائرهم وجلد ذواتهم.

كما اهتمت بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بتنظيم مخططات يومية ورسم أهداف لتحقيقها خلال فترة الحجر، ومن المتعارف عليه أنَّ تحقيق الأهداف ولو كانت بسيطة كممارسة نصف ساعة من الرياضة من شأنه توليد شعور بالإنجاز؛ مما يساعد على تقبُّل الأفراد لأنفسهم وشعورهم بتحقيق شيء مفيد خلال فترة الحجر، فيفرز الدوبامين في أجسادهم ويخلق عندهم شعوراً أفضل.

في الختام:

إنَّ جائحة كورونا كانت أشدَّ وأقسى على البشرية مما كانت عليه لولا دور التكنولوجيا التي كانت سبباً في إنقاذ العالم من شلل كلِّي مفاجئ، فيدها البيضاء قد انتشلَت الأعمال من الانهيار، ومنظومة التعليم من الانكسار، وتقنياتها الحديثة قد ساعدَت على إنتاج لقاح للفيروس وأمَّنَت توزيعه على الدول المحتاجة، وساعدَت الناس على التوعية حول مخاطر هذا الوباء، وخفَّفَت من سجن عزلتهم الاجتماعية الذي وجدوا أنفسهم فيه في ليلة وضحاها.

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة