دور التكنولوجيا في الحصول على حياة سعيدة

يستكشف الباحثون كيف تبدو الصحة في العالم الرقمي اليوم. بالنسبة إلى معظمنا، ينتشر الإرهاق المقترن بالعمل عن بُعد بيننا في كل مكان؛ حيث إنَّ ضغوطه مألوفة جداً.



عندما نفكر في طرائق لحل المشكلات التي نواجهها، تتحول المناقشات إلى المطالبة بالابتعاد عن التكنولوجيا؛ تخفيض مدة استخدام الأجهزة الذكية مثلاً، وحذف التطبيقات، وأخذ فترات استراحة من وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن ماذا لو تعاملنا مع هذه القضايا تعاملاً مختلفاً، وفكَّرنا في كيفية الحفاظ على السلامة في أثناء استخدام التكنولوجيا؟

على مدار العامين الماضيين، اشترك معهد ديجيتل ويلنيس (Digital Wellness Institute) مع فريق من الباحثين الدوليين لدراسة الصحة الرقمية؛ حيث تعكس الصحة الرقمية الحاجة المتزايدة إلى مزيد من التوازن عند تضمين الجانب الرقمي مع بقية جوانب الحياة، وعندما تكون صحتك الرقمية على خير ما يرام، يمكنك:

  • إيجاد التركيز وتدفق سير العمل.
  • الانسجام مع البيئة المادية والرقمية.
  • التواصل بطرائق هادفة مع الآخرين.
  • امتلاك علاقات قوية عبر الإنترنت وخارجه.
  • بناء عادات جسدية ورقمية صحِّية.
  • تبنِّي اليقظة الذهنية والرعاية الذاتية من خلال الاستخدام المدروس للتكنولوجيا.
  • التعرف إلى طريقة إدارة بياناتك الرقمية وخصوصيتك.
  • المساهمة في إيجاد مجتمع رقمي إيجابي ضمن علاقاتك.

عندما نفكر في التكنولوجيا بهذه الطريقة، يمكننا التوصُّل إلى طرائق أكثر إبداعاً وواقعية، للسعي نحو تحقيق السعادة في عالم رقمي، يتخطى فكرة الحد من الوقت الذي نقضيه على الإنترنت.

تقييم الصحة الرقمية:

كيف تعرف أنَّك تزدهر رقمياً؟

إنَّ تقييم صحَّتك الرقمية ليس مجرد مسألة تحديد وقت استخدام الأجهزة الرقمية، وإنَّما هو تقييم شامل يأخذ بالحسبان عوامل عدة، والتي تشمل مشاعر القلق بشأن الاتصال المستمر بالإنترنت، والإرهاق الرقمي، والأوجاع والآلام التي يسببها استخدام الكمبيوتر، فضلاً عن العواطف والتجارب الإيجابية التي قد نمتلكها حول التكنولوجيا، مثل الاستمتاع بتجارب لطيفة، والتواصل مع الآخرين، والشعور بالكفاءة الذاتية. 

الإدمان الرقمي

digital addiction

الإفراط في استخدام التكنولوجيا

technology overuse

الازدهار الرقمي

digital flourishing

الاستخدام الرقمي المعتدل

digital minimalism

التخلص من السموم الرقمية

digital detox

شاهد: 4 مواقع وتطبيقات رائعة تساعدك على زيادة الإنتاجية

 

فكِّر في الصحة الرقمية على أنَّها مجموعة من الصفات، بدءاً من الاستخدام المفرط للتكنولوجيا، وحتى التخلص من السموم المرتبطة بها.

يتضمن تحقيق التوازن الصحي اللازم للعيش مع التكنولوجيا:

  • التفكير في طريقة استخدام تقنياتنا الرقمية، والمكان والوقت وعدد المرات.
  • فحص الأمور التي نمنحها الاهتمام ونوعية هذا الاهتمام عندما نفعِّل ذلك.
  • التنسيق بين طريقة استخدام التقنيات الرقمية، والقيم والدوافع.

يهدف البحث الذي يجريه معهد ديجيتل ويلنيس إلى تحديد مكونات الصحة الرقمية ومعرفة طريقة قياسها، وبناءً على بحث الدكتورة في مجال علم النفس مارغريت سواربريك 

(Margaret Swarbrick) حول الأبعاد الثمانية للصحة، كوَّن الفريق تصوراً كيف سيبدو الازدهار في العصر الرقمي على أبعاد الحياة، بما في ذلك الإنتاجية والبيئة والتواصل والعلاقات والصحة النفسية والجسدية، والقياس الكمِّي للذات والمواطنة الرقمية.

ثم دخل الفريق في شراكة مع 18 خبيراً رائداً حول العالم، منهم المدربة في جامعة هارفارد (Harvard) هايدي هانا (Heidi Hana)، ومؤلف الكتب الأكثر مبيعاً في مجلة نيويورك تايمز (New York Times) نير إيال (Nir Eyal)، والمختص في مجال طب المراهقين الدكتور بوبو بلانكسون (Bobo Blankson) لإجراء استطلاع للبحوث، ووضع توصيات قابلة للتطبيق في جميع المجالات.

يمكن أن يساعدك إطار العمل هذا في تحديد مجالات الضعف المحتملة ومسارات تحسين صحتك مع مرور الوقت؛ إذ على سبيل المثال، ربما كنت تعمل ساعات طويلة لإكمال مشروع كبير في العمل، في هذه الحالة قد تكون إنتاجيتك عالية، لكنَّ علاقاتك أو صحتك النفسية قد تكون سيئة؛ لذا عند تحديد حاجتك تلك، يمكنك إعادة المعايرة في الوقت الحقيقي من خلال تعزيز الرعاية الذاتية أو الدعم الاجتماعي.

كيف تعزز صحتك الرقمية؟

بمجرد تحديد المجالات التي تريد تحسينها، يحين الوقت لإجراء بعض التغييرات لإرساء ثقافة رقمية أكثر إيجابية في حياتك؛ لذا نُقدِّم لك فيما يلي بعض الاستراتيجيات لمساعدتك على الازدهار رقمياً:

1. الإنتاجية:

تتطلب منَّا الإنتاجية الرقمية تقليل عوامل التشتيت، وتعزيز تركيزنا، وتحقيق التوازن بين العمل والحياة، على سبيل المثال، إذا كنت تعمل على مهمة، وتوقفت لتلقي نظرة في هاتفك، فإنَّ ذلك الأمر يستغرق ثانيتين فقط لقراءة رسالة نصية، ولكنَّه يجعلك أكثر عرضةً للخطأ فيما تفعله بصورة مضاعفة، والأسوأ من ذلك، أنَّ الأمر يستغرق 11 دقيقةً وسطياً للعودة إلى التركيز على تنفيذ مهمتك السابقة؛ لذلك، قلِّل عوامل التشتيت عن طريق إيقاف تشغيل الإشعارات في هاتفك.

2. البيئة:

إنَّ وجود مساحات منظمة ومريحة مادية ورقمية، هو أمر مهم لصحتنا النفسية والجسدية؛ حيث تعمل الفوضى في منزلك أو بيئة عملك على تشتيت انتباهك؛ لذا، ولتهيئة نفسك للنجاح بصورة استباقية، ضع بعض الحدود التي تناسبك على الوصول الرقمي، وأبلغ أفراد الأسرة وزملاءك في العمل، على سبيل المثال، امنع التواصل بشأن العمل بعد وقت معيَّن في اليوم أو الأسبوع، وعندما تكون في أماكن محددة لا تنجز مهام متعلقة بالعمل؛ فكِّر في وضع قائمة بالحدود على الوصول الرقمي الخاص بك في مكان يراه الجميع ويخضعون من خلالها للمساءلة الشخصية.

3. التواصل:

تزيد التكنولوجيا من إمكان التواصل الاجتماعي، ولكنَّها تجلب معها أيضاً تحديات جديدة؛ هل سبق لك أن تعرَّضت لموقف قام فيه شخص ما بمقاطعة محادثة هامة معك، للتحقق من رسالة نصية في هاتفه؟ إذا حصل معك هذا الأمر، فابحث عن طريقة لطيفة تخبره بها بمشاعرك تجاه تصرُّفه؛ حيث يُعدُّ استخدام أسلوب المزاح طريقة جيدة لإخبار الآخرين بتصرفهم الخاطئ مع التعبير عن وجهة نظرك؛ على سبيل المثال، يمكنك القول: "هل قاطعت للتو حديثي باستخدامك الهاتف؟ فضَّلت هاتفك على حديثي" ومع ذلك، يجب أن تكون مستعداً ليحاسبك الآخرون إذا تصرَّفت معهم بهذه الطريقة.

4. العلاقات:

يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي مصدر قلق كبير، وتدفع الناس إلى مقارنة أنفسهم بالآخرين، لاسيما عندما تكون العلاقات سطحية أو ضعيفة، بدلاً من التركيز على كمية العلاقات في حياتك، ركز على جودة علاقاتك عبر الإنترنت، وألغِ متابعة الأشخاص أو المجموعات غير الضرورية، الذين لا يضيفون أيَّ معنى أو هدف إلى حياتك.

5. الصحة النفسية:

تعتمد التقنيات التي نستخدمها في تعزيز حياتنا أو التقليل من أهميتها، على طريقة استخدامها؛ حيث يمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو المواقع الإخبارية من دون توقف استخداماً متزايداً، لاسيما عندما تكون قوَّتك الذهنية منخفضة، مثل استخدامها في وقت متأخر من الليل عندما تكون متعباً بالفعل؛ لذا خصِّص بضع دقائق في الصباح لتدوين نواياك ومخططاتك لهذا اليوم، وضع في حسبانك وضع مدة محددة لاستخدام الإنترنت.

6. الصحة الجسدية:

لقد زاد استخدام الأجهزة الذكية والإنترنت بنسبة 46% منذ بداية أزمة جائحة كورونا (COVID)، ونتيجة لذلك، ازدادت آلام الظهر والرقبة بنسبة 50%؛ لهذا السبب، انتبه لوضعيتك عندما تكون جالساً وراء مكتبك، واحرص على أن تكون شاشة جهازك المحمول أمام مستوى عينيك لتجنب التحديق والانحناء.

إقرأ أيضاً: 8 طرق تختطف عبرها التكنولوجيا عقولنا... هذا ما يقوله أحد خبراء جوجل!

7. القياس الكمِّي للذات:

وهي طريقة تساعدك على فهم نفسك من خلال التكنولوجيا؛ وذلك باستخدام أجهزة استشعار يمكن ارتداؤها، مثل الساعات الذكية أو أجهزة تعقب البيانات لتحسين الصحة، في حين أنَّ هذا المفهوم يبدو جديداً، إلا أنَّ مقدمي خدمات الرعاية الصحية كانوا يتتبعون مقاييس مثل ضغط الدم، ومعدل ضربات القلب، والسعرات الحرارية، منذ فترة طويلة من الزمن؛ حيث إنَّ القياس الكمِّي الذاتي يُمَكِّن الأفراد من تتبُّع بياناتهم الخاصة وفهمها بأسلوب بسيط، ولتجربة هذا الأسلوب، اختر سلوكاً واحداً لتتبُّعه، مثل عدد خطواتك في اليوم، وركز على تحسين هذا المعدل، وحدِّد هدفاً لنفسك واحتفِ به عندما تحققه.

8. المواطنة الرقمية:

إنَّ امتلاك حياة مدنية صحية عبر الإنترنت يعني الكفاءة في الخطاب المدني، والتواصلات المراعية للاعتبارات الثقافية، وآداب التعامل عبر الإنترنت، ومعالجة المعلومات. إنَّ الشخص الذي يكون توجُّه المواطنة الرقمية لديه عالياً، يعرف خصوصية البيانات وآثارها في الفرد والمجتمع، ويدرك كيف يمكن لتواصله عبر الإنترنت أن يؤثر في الآخرين، كما يمتلك أدوات لتقييم المعلومات التي يحصل عليها من الإنترنت، والتأكد فيما إذا كانت صادقة أو متحيزة، ويفهم طريقة التواصل مع أشخاص مختلفين بطريقة تراعي التنوع والشمول.

تتمثل إحدى أفضل الطرائق للوعي ببصمتك الرقمية في العالم، في خلال إنشاء صورة شخصية لنفسك على غوغل (Google) لمعرفة المعلومات المتاحة للجمهور، ولا تنسَ أن تحذف أيَّ معلومة عبر الإنترنت لم تعد ترغب في مشاركتها.

في الختام

تُعدُّ هذه الاقتراحات مجرد نقطة انطلاق لتعزيز صحتك في العالم الرقمي الحالي، ولمعرفة مزيد من الاستراتيجيات، يمكنك التسجيل في برنامج أو دورة تدريبية عبر الإنترنت.

في الوقت الذي نعرف فيه أنَّ التكنولوجيا ستستمر في كونها جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، يمكننا التحكم بطريقة استخدامها للازدهار رقمياً، بدلاً من التشتيت، من خلال تعزيز الصحة الرقمية الخاصة بنا، يمكننا الاستفادة من التكنولوجيا وتحقيق أهدافها، والبدء ببناء المستقبل المناسب وفق الخيارات التي نتخذها اليوم.

المصدر: 1 




مقالات مرتبطة