دليلك العلمي لتحديد الأهداف وتحقيقها

يشمل تحديد الأهداف جميع نواحي الحياة، فنحن نضعُ أهدافاً لعملنا، ولصحّتنا، ولحياتنا بشكلٍ عام. ويبدو أنَّ المجتمع الحديث يحثنا دائماً على التفكير في المرحلة التالية. ومع ذلك، نحن لا نمتلك المعرفة الكاملة بالعلم، والاستراتيجية الخاصة بكيفية تحقيق الأهداف. وهذا ما سنقوم بشرحه في هذه المقالة. سواءً كنت تسعى إلى وضع أهدافٍ شخصيّةٍ أم مهنيّة، سوف يشرح لك هذا الدليل كلّ ما ترغب في معرفتهِ.



ما هو تحديد الهدف؟

يُعرِّف الخبراء تحديد الهدف بأنَّه: عمليّة اختيار الغرض أو الهدف الذي ترغب بتحقيقه. إنَّ هذا التعريف منطقيٌّ جدّاً، لكنَّنا نعتقد أنَّ هناك طريقةً أكثر وضوحاً للتفكير في تحديد الأهداف.

يمكننا تخيّل هذا المشهد، حيث تبدأ معظم تمرينات تحديد الأهداف بمدرّبٍ استشاريٍّ مدفوع الأجر يقف إلى جانب لوحٍ أبيض ويسأل، على سبيل المثال:

  • "كيف يبدو لك النجاح؟".
  • "بعباراتٍ محدّدةٍ ومقتضبة، ما الذي تريد تحقيقه؟".

إذا كنا جادّين في تحقيق أهدافنا، فيجب أن نبدأ بسؤالٍ مختلفٍ تماماً. بدلاً من التفكير في نوع النّجاحِ الذي نريده، يجب أن نسأل: "ما هو نوع الألم الذي نريده؟".

إنَّ معرفتك بالهدفِ هو الجزء السّهل؛ فمَن منّا لا يرغب في تأليف كتابٍ يُصبح الأكثر مبيعاً، أو خسارة الوزن، أو كسب مزيدٍ من المال؟ الجميع يريد تحقيقَ هذه الأهداف. لا يكمن التحدّي الحقيقي في تصميمك على تحقيق النتيجة، وإنّما في كونك على استعدادٍ لقبول التضحيات المطلوبة لتحقيق هدفك. هل ترغب بنمط الحياة المترافق مع سعيك نحو الهدف؟ هل تستطيع تقبّل العمليّة المملّة والقبيحة التي تأتي قبل النتيجة المثيرة والساحرة؟ 

إنّه لمن السّهل الجلوس والتفكير في ما نودّ أو فيما يمكننا القيام به. إنّ قبولَ المقايضاتِ من أجل تحقيق أهدافنا أمرٌ مختلفٌ تماماََ. فالجميع يريد ميداليةً ذهبيّة، ولكن قِلّةٌ قليلة من الناس يريدون التّدريب والتّجهيز قبل خوض غمار السّعي في اتَجاهِ الهدف، تماماً مثل أبطال الأولمبياد.

وهذا يقودنا إلى رؤيتنا الرئيسة الأولى. فلا يقتصر تحديد الهدف على اختيار المكافآت التي تريد الاستمتاع بها فحسب، بل يشمل أيضاً التكاليف التي ترغب في دفعها.

الدّفة والمجاديف:

تخيّل قارباً صغيراً، ستكون أهدافك هي الدّفة على متن هذا القارب، فهي المسؤولة عن تحديد الاتّجاه وإلى أين ستذهب. فإذا كنت ملتزماً بهدفٍ واحدٍ،  فستبقى الدّفة ثابتةً وستستمرّ في المضيّ قُدماً؛ أمّا إذا كنت تتقلّب بين الأهداف، فإنّ الدّفة ستتحرك في كلّ اتّجاه، وستجد نفسك تُجدّف في دوائر.

ومع ذلك، هناك جزءٌ آخرٌ من القارب أكثر أهميّةً من الدّفة، وهو: المجاديف. إذا كانت الدّفة تمثّل هدفك، فإنّ المجاديف هي كنايةٌ عن الأسلوب الذي تختاره لتحقيق هذه الأهداف. وبينما تحدّد الدّفة اتجاهك، فإنَّ المجاذيف هي التي تحدّد سرعة تقدّمك. يساعدنا هذا التشبيه (الدّفة والمجاديف) على توضيح الفارق بين الأنظمة والأهداف. وهذا التفريق هامٌّ، وينطبق على كافة نواحي الحياة، فمثلاً:

  • إذا كنت مدرباً، وهدفك هو الفوز بالبطولة؛ "فنظامك" هو ما يقوم به فريقك من تدريبات كلّ يوم.
  • إذا كنت كاتباً، وهدفك هو تأليف كتاب؛ فإنّ "نظامك" هو جدول الكتابة الذي تّتبعه كلّ أسبوع.
  • إذا كنت عدّاءً، وهدفك هو الجري في ماراثون؛ فإنَّ "نظامك" هو جدول التدريب الخاص بك لهذا الشهر.
  • إذا كنت رجل أعمال، وهدفك هو تحقيق أعمالٍ بقيمة مليون دولار؛ فإنَّ "نظامك" هو عمليات المبيعات والتسويق التي تقوم بها.

إذا كانت الأهدافُ مفيدةً لتحديدِ الاتّجاه، فإنَّ الأنظمة كفيلةٌ بإحراز تقدُّمٍ فعلي. في الواقع، إنَّ الفائدة الأساسيّة من معرفة الهدف هي أنَّه يُحدِّد نوعية النظام الذي تحتاج إلى وضعه، وهذا النظام هو المسؤول  فعلياً عن تحقيق النتائج.

هذا يقودنا إلى رؤيتنا الرئيسة الثّانية. وهي أنَّ الأهداف تحدّد اتّجاهك، والأنظمة تحدّد تقدّمك. وأنَّ الإمساكَ بالدّفةِ وحده لن يُبحِرَ بك إلى أيّ مكان.

إقرأ أيضاً: هل فعلاً يجب علينا وضع أهداف لِأنفسنا، وكيف نقوم بذلك

كيفيّة تحديد الأهداف التي ستلتزم بالوصول إليها:

حسناً، الآن وبعد أن ناقشنا المقايضات والأنظمة التي تترافق مع سعيك لتحقيق الأهداف، دعنا نتحدث عن كيفيّة تحديد الأهداف التي ستلتزم بتحقيقها.

يوجد ثلاث استراتيجياتٍ أساسيّةٍ يمكنك استخدامها عند تحديد الهدف. سوف نتحدث عن كلٍّ منها:

1. استبعد الأهداف الثانويّة:

لدى علماء النفس منهجيّةٌ يطلقون عليها اسم "مسابقة الأهداف". وهذه المنهجية تتحدّث عن أنَّ أحد أكبر العوائق التي تحول دون تحقيق أهدافك هي الأهداف الأخرى التي لديك. بمعنى آخر، تتنافس أهدافك مع بعضها بعضاً على وقتك واهتمامك. 

عندما تسعى إلى تحقيق هدفٍ جديدٍ، عليك أن تنأى بتركيز طاقتك عن أهدافك الأخرى. هذه في الأساس هي نظريّة الشُعلات الأربع (The Four Burners Theory). عندما تُشعِل شعلةً واحدةً لأعلى، يجب عليك خفض الآخرين. واحدةٌ من أسرع الطرائق لإحراز التقدم في أهدافك هي ببساطةٍ: وقف الأشياء الأقل أهميةً والتركيز على هدفٍ واحدٍ في كلّ مرّة. في بعض الأحيان، كلُّ ما تحتاجه هو عملية إعادة تنظيمٍ لحياتك وأهدافك وطريقة تأثرك. فيحدث التقدم فجأةً بسرعةٍ أكبر؛ ذلك لأنَّك الآن ملتزمٌ تماماً بهدفٍ كان يحظى بمتوسط الانتباه سابقاً. عادةً، عندما نفشل في الوصول إلى أهدافنا، نعتقد أنَّ هنالك خطأً ما في هدفنا أو نهجنا.

يقول الخبراء: "أنت بحاجةٍ إلى التفكير بشكلٍ أكبر؛ لذا اختر حلماً كبيراً جداً يحفِّزك كلَّ يوم"، بينما نقول لأنفسنا: "لو كان لديّ المزيد من الساعات في اليوم، لحققت أكبر أحلامي". هذه الأعذار التي نختلقها ونؤمن بها تلقي بظلالها على القضيّة الأكبر، فغالباً ما تبدو المشكلة في تحديد الهدف، في حين أنَّها تكمن حقيقةً في اختيار الهدف؛ فما نحتاجه حقاً ليس أهدافاً أكبر، بل تركيزاً أفضل. تحتاج إلى اختيار شيءٍ واحدٍ والقضاء على كلِّ شيءٍ آخرٍ بلا رحمة. على حدِّ تعبير "سيث غودين": "أنت لا تحتاج إلى مزيدٍ من الوقت، ما عليك سوى أن تقرّر".

عندما تنمو شجيرة الورد، فإنّها تخلق براعم أكثر ممّا يُمكنها تّحمُّله. فإذا كنت تتحدث إلى بستانيٍّ متمرسٍ، فسوف يخبرك أنَّه يجب تقليم شجيرات الورد لإخراج الأفضل من حيث المظهر والأداء. وبعبارةٍ أخرى، إذا كنت تريد أن تزدهر شجيرة الورد، فأنت بحاجةٍ إلى قطع بعض البراعم الجيّدة حتّى يُتاح للأزهار الكبيرة أن تزدهر بالكامل. وهكذا حياتنا أيضاً، إذ أنَّ أهدافنا كلّها متشابهة، ويجب أن تُشّذَب وتُقلَّم باستمرار. فمن الطبيعي أن تأتي الأهداف الجديدة إلى حياتنا، وأن نشعر بالحماس بشأن الفرص الجديدة؛ تماماً كما هو طبيعي بالنسبة إلى شجرة الورد عند نمو براعم جديدة. إذا استطعنا حشد الشجاعة للتخلص من عددٍ قليلٍ من أهدافنا، فإنّنا نخلق المساحة التي نحتاجها للأهداف المتبقيّة لتزدهر بالكامل. فالنمو الكامل والحياة المثالية يتطلبان التّقليم.

2. جَمِّع أهدافك:

أظهرت الأبحاث مؤخراً، أنَّك من المرجّح أن تلتزمَ بأهدافك ضعفين إلى ثلاثة أضعاف، إذا وضعتَ خطّة محدّدة: متى؟ وأين؟ وكيف؟ تقوم بالأداء. على سبيل المثال: في إحدى الدّراسات، طلبَ العلماء من الأشخاص ملءَ الفراغات في هذه الجملة: "خلال الأسبوع المقبل، سأشارك في 20 دقيقة على الأقلّ من التدريبات البدنيّة القويّة في [يوم!] في [هذا التوقيت من يوم!] عند / أو في [المكان!]". 

وجد الباحثون أنّ الأشخاص الذين أتمّوا ملء الفراغات في هذه الجملة كانوا أكثر التزاماً بالتمرين بمعدل ضعفين إلى ثلاثة أضعاف، مقارنةً بالمجموعة الأخرى التي لم تضع خططاً لسلوكها المستقبلي. يطلقُ علماء النفس على هذه الخطط المحدّدة "مقاصد التّنفيذ"؛ لأنَّها تُحدِّد متى، وأين، وكيف تنوي تنفيذ سلوكٍ معين. وقد تكّررت هذه النتيجة عبر مئات الدراسات، ووُجِد أنَّ تطبيقها يزيد من احتمالات أن يبدأ الناس في ممارسة الرياضة، وفي إعادة التدوير، والالتزام بالدّراسة، وحتّى التوقّف عن التدخين.

إحدى الطرق المفضلة لاستخدام هذه النتيجة هي استراتيجيّة تُسمّى: تكديس العادة. ولاستخدام تكديس العادة، ما عليك سوى ملء هذه الجملة:

بعد / قبل [العادة الحاليّة]، سأقوم بِـ [العادة الجديدة].

وهنا بعض الأمثلة:

  • التأمّل: بعد تحضير قهوة الصّباح، سأتأمّل لمدّة دقيقةٍ واحدة.
  • ممارسة الرياضة (تمارين الضّغط): قبل أن أستحمَّ في الصّباحِ، سأقومُ بعشرِ تمرينات ضغط.
  • تنظيف الأسنان بالخيط: بعد أن أضع فرشاة الأسنان، سوف أقوم بتنظيفِ أسناني بالخيط.
  • الامتنان: قبلَ أن أتناولَ العشاء، سأقولُ شيئاً واحداً: أنا ممتنٌّ لذلكَ اليوم.
  • التواصل: بعد عودتي من استراحة الغداء، سوف أرسل بريداً إلكترونياً إلى شخصٍ أريدُ مقابلته.

إنَّ تجميعَ العاداتِ لأَمرٌ جيّدٌ حقّاً؛ لأنّك لا تقوم فقط بوضعِ خطّةٍ محدّدةٍ لأوقاتِ ومكان تنفيذ أهدافك، ولكن أيضاً لربط أهدافكَ الجديدة بشيءٍ تقومُ بفعله يومياً. 

تخبرنا أهدافنا بما نريد تحقيقه، بينما أنظمتنا هي العملية التي نتّبعها كلّ يوم. ويساعدنا تجميع العادات، والإصرار على التنفيذ، في الانتقال من الهدف كفكرة في عقولنا إلى العمليّة المحدّدة التي ستجعله حقيقةً.

3. ضَع الحدّ الأعلى لتحقيق الأهداف:

عندما نضع أهدافاً، يكون تركيزنا دائماً على الحدّ الأدنى. أيّ أنّنا نفكر في الحدِّ الأدنى الذي نريد الوصول إليه. والافتراض الضّمني لذلك هو: "حسناً، إذا كان بإمكانك القيام بأكثر من الحدّ الأدنى، فلمَ لا تحاول؟":

  • قد يقول أحدهم: "أريد أن أخسر 5 كيلوغرامات على الأقلّ هذا الشهر".
  • قد يقول رجل أعمال: "أريد اليوم أن أجري على الأقلّ 10 مكالمات بخصوص المبيعات".
  • قد يقول كاتب: "أريد أن أكتب 500 كلمةٍ اليوم على الأقل".
  • قد يقول لاعبُ كرة السّلة: "أريد أن أتدرب اليوم -على أقلّ تقدير- على 50 رميةٍ حرّة".

ولكن كيف سيبدو ذلك إذا أضفنا حدوداً عُليا لأهدافنا وسلوكاتنا؟

  • "أريد أن أخسر 5 كيلوغرامات على الأقلّ هذا الشهر، ولكن ليس أكثر من 10 كيلوغرامات".
  • "أريد إجراء 10 مكالمات مبيعات على الأقلّ اليوم، ولكن ليس أكثر من 20 مكالمة".
  • "أريد أن أكتب اليوم 500 كلمةٍ على الأقلّ، ولكن ليس أكثر من 1500 كلمة".
  • "أريد أن أتدرب اليوم على 50 رمية حرّة على الأقلّ، ولكن ليس أكثر من 100 رمية".

وضع حد أعلى لتحقيق الأهداف

في العديد من مجالات الحياة، هناكَ منطقةٌ سحريةٌ تجذبك للنّمو والتّقدم على المدى الطويل. أنت تريد أن تدفع بكلّ قوّتك لتحقيق هذا التّقدم، ولكن ليس إلى الحدّ الذي لا تستطيع تحمّله، هذا هو المكان الذي يمكن أن يكون فيه تحديد الحدّ الأعلى مفيداً. تُسهّل عليك الحدود العليا الحِفاظ على تقدّمك ومواصلة الظهور، وهو ما يعتبر مهمّاً خاصّةً في البداية، فعندما تحدّد هدفاً جديداً وتبدأ في العمل من أجله، فإنَّ أهم شيءٍ هو الظهور. حيث يعدّ الظّهور أكثر أهميّةً من النجاح؛ لأنَّك إذا لم تؤسس لعادة الظهور، فلن يكون لديك أيّ شيءٍ لتحسينه في المستقبل.

إقرأ أيضاً: الأهداف الذكية "SMART": اجعل أهدافك قابلة للتحقيق

كيف تحقّق أهدافك بثبات؟

يتطلّب تحديد الأهداف الفعّال مراعاة النّظام الذي يحيط بك. في كثيرٍ من الأحيان، نضع الأهداف الصّحيحة داخل نظامٍ خاطئ، فإذا كنت تَتحدّى نظامك يوميّاً لإحراز التقدّم، فسيكون من الصّعب حقاً تحقيق تقدّمٍ ثابت.

ستجد هناك كلّ أنواعِ القوى الخفيّة التي تجعل من أهدافنا سهلةً، أو صعبةَ المنال، لذا تحتاج إلى مواءمة بيئتك مع طموحاتك، إذا كنت ترغب في إحراز تقدّمٍ على المدى الطويل. 

دعونا نناقش بعض الاستراتيجيات العمليّة للقيام بذلك.

كيفية مواءمة بيئتك مع أهدافك:

على الرّغم من أنّ معظمنا لديهِ الحريّة في اتّخاذ مجموعةٍ واسعةٍ من الخيارات في أيّ لحظة، إلّا أنَّنا غالباً ما نتّخذ قراراتٍ بناءً على البيئة التي نجد أنفسنا فيها. على سبيل المثال: تستطيع أن تشرب القهوة في أثناء كتابة هذا الدليل إذا رغبت بذلك. ومع هذا، فقد تكون حالياً تجلسُ على مكتبك مع كوبٍ من الماء بجانبك، لا يوجد لديك قهوة، وعلى الرغم من أنّك تملك القدرة على النهوض، والمشي إلى سيارتك، والقيادة إلى المتجر، وشراءها، إلّا أنَّك لن تفعل ذلك؛ لأنّك محاطٌ ببدائلَ أسهلَ. في هذه الحالة، أخذ رشفةٍ من الماء هو القرار الافتراضي، والأسهل.

وبالمثل، فإنّ العديد من القرارات التي نتّخذها في حياتنا المهنيّةِ والشّخصية تتشكّل من الخياراتِ التي تحيط بنا:

  • إذا كنتَ تنام وهاتفك بجوار سريرك فمن المرجّح أنَّ نيّتك هي التحقّق من وسائل التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني بمجرّد الاستيقاظ.
  • إذا دخلت إلى غرفة المعيشة ووضعت الكراسي والأرائك مقابل التلفاز، فمن المرجّح أن يكون قرارك الذي تعتزم القيام به هو مشاهدة التلفاز.

بالطبع ، يمكن أن تكون الافتراضات إيجابيّة أيضاً:

  • إذا احتفظت بأثقالٍ بجانب مكتبك في العمل، فمن المرجّح أنَّ قرارك المسبق هو القيام ببعض التمرينات.
  • إذا احتفظت بزجاجة ماء معك طوال اليوم، فإنَّه من المرجح أن تكون نيّتك هي شرب الماء بدلاً من الصودا.
  • إذا وضعتَ خيوط تنظيف الأسنانِ بحيث تستطيع مشاهدتها والوصول إليها (مثلاً: بجوار فرشاة الأسنان)، فمن المرجّح أنَّ استخدام هذه الخيوط هو القرار الذي ستلتزم به.

يصف العلماء آلية التّأثير الذي تُحدِثه الافتراضات البيئيّة على عمليةِ صنع قراراتنا بأنَّها "هيكليّة الاختيار" (Choice Architecture). هذا له تأثيرٌ هام عندما يتعلّق الأمُر بتحقيق الأهداف، وما إذا كانت ستتحقّق على المدى الطويل أم لا، وهذا على علاقةٍ وثيقةٍ بأنواعِ التّأثيراتِ التي تحيطُ بكَ على المدى القصير، فمن الصّعب جداً الالتزام بالعادات الإيجابيّة في بيئةٍ سلبيّةٍ.

إقرأ أيضاً: الفرق بين وضع الأهداف وتحقيقها: 3 خطوات لتبدأ بتحقيق أهدافك

فيما يلي بعض الاستراتيجيات المفيدة عند محاولةِ وضع قراراتٍ أفضل:

1. البساطة:

من الصّعب التّركيز على الإشارة المرسلة إليك عندما تكون محاطاً بالضوضاء، وسيكون تناول الطعام الصّحي أكثر صعوبةً عندما يكونُ مطبخك مليئاً بالأطعمةِ السريعةِ، ولن تستطيعَ التّركيز على قراءة مدوّنة ولديك 10 علامات تبويب أخرى مفتوحةً في متصّفحكَ. حتّى إنجازُ مهمّتك العاجلة سيصبح أصعب عندما تصدّق خرافة تعدّد المهام. لذا إن كنت في حالةِ شكٍّ من صحّة هذا الكلام، فألغِ الخيارات الأخرى.

2. الخدع البصريّة:

في السوبرماركت، يساعد وضع المواد على الرّفوف من مستوى النظر على جعلها أكثر وضوحاً وزيادة إمكانية شرائها. تستطيعُ استخدامُ الإشاراتِ المرئيّة، مثل: طريقة مشبك الورق، أو استراتيجيّة سينفيلد (التوقف عن التسويف)؛ لخلق بيئةٍ بصريّةٍ مساعدةٍ لإتمام عملك بالطريقة الصحيحة.

تفيد طريقة مشبك الورق (Paper Clip) بوضع إناءين أحدهما فارغ والآخر فيه مشابك الورق، وعند تنفيذك للإجراء الذي حدّته لنفسك (ممارسة تمرين الضغط مثلاً) تقوم بنقل احد المشابك إلى الإناء الفارغ، وهكذا حتى تنتهي من نقل المشابك جميعها. أحد أسباب نجاح استراتيجية "مشابك الأوراق" هو أنها تصنع محفّزاً بصيراً تراه بعينيك وتلمسه بيديك يساعد في تحفيزك لأداء عادةٍ أو إجراءٍ والاستمرار فيه.

أما استراتيجية "جيري ساينفيلد" فتنصّ على أن تقوم بتعليق ورقة واحدة كبيرةٍ على الحائط على شكل روزنامة، وتحاول أن تقوم بأمرٍ ما كلّ يوم، ومن ثمّ تضع علامة X باللون الأحمر على هذا اليوم بعد انتهائك من هذا العمل. لا يهمّ أن يكون هذا العمل أو الإجراء منجزٌ بشكلٍ ممتاز، فقط قم بالعمل أو العادة مع الاستمرارية على مدار الأيام. كلّ ما يهمّ هو استمرار علامة X باللون الأحمر دون انقطاع، بغضّ النظر عن حجم أو جودة العمل المنجز.

3. الانسحاب بدلاً من الاشتراك:

أُجريَت دراسةٌ شهيرةٌ للتبّرعِ بالأعضاء كَشفت كيفيَّة رفع معدّلات التبرّع بالأعضاءِ في العديد من الدول الأوروبيّة: حيثُ طُلب من المواطنين عدم التبرّع بدلاً من إجراء التبرّع. تستطيع القيام بالشيء ذاته في حياتك، عن طريق اختيارك عاداتٍ مستقبليّةً أفضل تقوم بها لاحقاً. على سبيل المثال: يمكنك تحديد موعد جلسة اليوغا للأسبوع القادم عندما تشعر بالتحفيز بدلاً من إجرائها اليوم. في هذه الحالة، عندما تعاود ممارسة تمرينك سوف تقوم بتبرير انسحابك (بهدف الاشتراك بالتمرين من جديد) بدلاً من حثِّ نفسك على القيام بذلك (وهذا ما كنت ستقوم به في السابق).

إقرأ أيضاً: في ظل ظروف الحياة الصعبة والعقبات: كيف أحافظ على الدافع لتحقيق أهدافي؟

كيف تقيسُ تقدّمك باتّجاه الهدف؟

إنَّ الطّريقةَ المثاليّة لتحقيق تقدّمٍ على المدى الطّويل في أهدافك هي القياس. يفضّل العقل البشري تلقّي الملاحظات والتغذيّة الرّاجعة، والتي تُعدّ واحدةً من أكثرِ العوامل المحفّزة، ويمكن اختبارها كدليلٍ على تقدّمنا. وهذا هو السّبب في أنّ القياس مهمٌّ لتحديد الأهدافِ بشكلٍ فعّال؛ فمن خلال قياسِ النّتائج، تحصل على نظرةٍ ثاقبةٍ حول ما إذا كنت تُحرِزُ تقدّماً أم لا.

إنّ الأشياءَ التي نَقيسُها هي الأشياءُ التي نحسنُها. ونستطيعُ معرفةَ ما إذا كنّا نتحسّن أو نتراجع فقط، من خلال الأرقام والتّتبع الواضح. فيما يلي بعض الأهداف القابلة للقياس التي يمكنك القيام بتنفيذها:

  • عندما تقوم بحساب عدد تمرينات الضغط التي قمتَ بها، تصبح أكثر قوةً.
  • عندما تقوم بتّتبع عادتك في القراءة والتي تبلغ 20 صفحة في اليوم، تقرأ مزيداً من الكتب.
  • عندما تسجل قيمك ومبادئك التي تؤمن بها، تعيشُ بمزيدٍ من النّزاهة.

تكمنُ الحيلةُ في إدراكِ أنَّ العدَّ والقياسَ والتّتبعَ لا يتعلّق بالنّتيجة. لذا قِس لتكتشفَ، ولتفهمَ، ولتتعرَّف أكثر. قِس لمعرفةِ ما إذا كنت تتطوّر. قِس لمعرفةِ ما إذا كنتَ تنفقُ الوقتَ على الأشياء التي تهمّك بالفعل.

 

المصدر.




مقالات مرتبطة