ثلاث استراتيجيات تعطيك الأمل في التعامل مع الاكتئاب

إن كنتَ تظن أنَّك الوحيد في العالم المصاب بمرض الاكتئاب، فأنت على خطأ، هو خبر قد يبدو حزيناً، لكنَّه سيواسيك كثيراً؛ إذ يبلغ عدد المصابين باضطراب الاكتئاب نحو 300 مليون شخص، قد يكون الرقم الحقيقي أكثر بكثير بسبب وجود كثير من المرضى غير المُشخَّصين، سواء بسبب عدم وجود قناعة بزيارة الطبيب النفسي، أم بسبب قلة الوعي الصحي والطبي، كما هو الحال في معظم الدول التي تشهد أزمات أو حروباً أو مجاعات.



ثلاث استراتيجيات تعطيك الأمل في التعامل مع الاكتئاب:

لأنَّنا نعيش في عالم تغلب عليه الحداثة والتقنيات المتطورة، فلا بأس أن نخرج قليلاً من هذا الجو، ونلجأ إلى الثقافات القديمة والشرقية تحديداً:

1. تغيير المكان الذي تعيش فيه:

يتأثر الإنسان جسدياً ونفسياً في المكان الذي يعيش فيه، وعليه فإنَّ الاكتئاب يرتبط بالزمان والمكان، فإذا كان الجو الذي نعيش فيه لا يساعدنا على مواجهة الاكتئاب، فعلينا أن ننتقل إلى العيش في بيئة أخرى تساعدنا على ذلك، على سبيل المثال إذا كنَّا نعيش في قرية نائية، ونعاني من الاكتئاب والملل، فمن الممكن أن ننتقل إلى العيش في مدينة حيث الحياة في حركة مستمرة، ونستطيع فيها ممارسة بعض النشاطات، مثل النوادي الرياضية، أو صالات البلايستايشن، أو التسجيل في دورات اللغة وغيرها.

أما إذا كنَّا نعاني من صخب المدينة وضجيجها وتلوثها البصري والصوتي والبيئي، فيمكننا الانتقال نحو العيش في قرية هادئة ذات هواء نظيف، ونسمات عليلة تنعش القلب والروح، وأناس بسطاء، وحياة جديدة تستطيع فيها زراعة الأرض والتلذذ بما تنتجه يداك منها، فأن تنتقل إلى بيئة مختلفة لا يعني فقط تغيير المكان؛ بل هو تغيير لطريقة حياتك؛ إذ تُغيِّر الطريقة التي تتعامل بها مع المشكلات، وتُغيِّر نظرتك للحياة.

2. تعلُّم لغة جديدة:

يُجمع العلماء والباحثون على أنَّ اللغة هي منبع الأفكار وطريقة التعبير عمَّا يدور في النفس من مشاعر؛ لذلك فإنَّ تعلُّم لغة جديدة يعني تغيير الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا وإلى الناس والأشياء من حولنا، ولأنَّ اللغة هي طريقة للتعبير عن المشاعر والأفكار، فإنَّ تعلُّم لغة جديدة سيقودنا إلى تعلُّم طرائق مبتكرة لنعبِّر بها عمَّا نشعر به، وهذا هو لب علاج اضطرابات القلق والاكتئاب التي تنشأ أصلاً عن أفكار أو مشاعر أو رغبات لم يُعبَّر عنها في الوقت المناسب أو بالأسلوب الصحيح.

قد يكون تعلُّم لغات جديدة بعيدة في مصدرها أو جذورها عن اللغة الأم عملية صعبة ومجهدة، وقد تأخذ فترة طويلة من الزمن لحين إتقانها، لكنَّها وفق ما تقول الأبحاث والدراسات طريقة فعَّالة في تقوية المرونة النفسية لدى الإنسان، ومن ثمَّ هي وقاية وعلاج لكثير من الاضطرابات النفسية في وقتٍ واحد.

شاهد بالفديو: 7 علامات تدل على إصابتك بالاكتئاب

3. كل تغيير يبدأ من أعماق الإنسان:

يوجد دور كبير للعوامل الخارجية في إحداث الاكتئاب عند الإنسان، قد نستطيع إجراء بعض التغييرات على العوامل الخارجية، لكنَّها تبقى تغييرات بسيطة وغير حاسمة؛ لأنَّنا لا نستطيع تغيير الكون، لكن ما نستطيعه هو تغيير أنفسنا؛ بمعنى تغيير طريقة تعاملنا مع الحياة، فإن كنَّا نكرِّر نفس السلوكات كل يوم، فلن نلاحظ أي تغيير؛ لذلك علينا كسر هذه الدورة الفاشلة، وتغيير طريقة حياتنا؛ وذلك من خلال تجنب البقاء لفترة طويلة في السرير، وممارسة الرياضة، وتجنب البقاء في المنزل فترة طويلة، والذهاب إلى العمل سيراً على الأقدام بدل السيارة إذا كان ذلك ممكناً، أو تستطيع وضع السيارة في مكان يبعد بضع مئات من الأمتار عن العمل من أجل إجبار أنفسنا على المشي.

قبول الواقع يساعدك على مواجهة الاكتئاب:

تشير الأبحاث إلى أنَّ الأشخاص الأقوياء نفسياً لديهم خصائص وسِمات شخصية معيَّنة تجعلهم أكثر استعداداً للتعافي من الفشل، فالنضج العاطفي على سبيل المثال هامٌّ لامتلاك القوة والمرونة النفسية؛ لأنَّه يسمح للشخص برؤية الواقع على حقيقته؛ إذ يميل الأشخاص غير الناضجين عاطفياً إلى عدم قبول الواقع؛ بل يعيدون تكرار الأساليب والأفكار القديمة نفسها بحيث ينسجمون ويتلاءمون مع عقلياتهم القديمة، في حين أنَّ الأشخاص الأقوياء نفسياً يتقبَّلون عواقب اختياراتهم وقراراتهم، ويُصلحون أخطاءهم ويمضون قدماً في حياتهم.

السِّمات الفطرية لها دور هام، لكن يمكن لجميع الأشخاص تعزيز مرونتهم خلال الأوقات الصعبة من خلال الاستفادة من استراتيجيات معيَّنة، فالأشخاص الأقوياء نفسياً يُدركون أنَّ كل شخص يعاني من نكسات ويعايش "إخفاقات" متعددة، مثل الطلاق، وفقدان الوظائف، وما إلى ذلك، ويعدُّونها جزءاً من الحياة.

يجب توقع نسب من "الفشل" أو الانتكاسة عند المخاطرة والانتقال من منطقة الراحة لتحقيق هدف معيَّن، فهم يقاومون الرغبة في إلقاء اللوم على أنفسهم بطريقة مفرطة من خلال قبول الواقع على حقيقته.

إقرأ أيضاً: انتكاسة الاكتئاب: أسبابها وأعراضها وطرق علاجها

إعادة صياغة النكسات في مواجهة الاكتئاب:

الأشخاص الأقوياء نفسياً منفتحون ومرنون في حل المشكلات، ويميلون إلى تجنب التفكير الجامد؛ إذ يُجرون حديثاً ذاتياً إيجابياً ومرناً للتغلب على نكساتهم، على سبيل المثال، ورد أنَّ المؤلف الراحل "واين داير" قال: "إذا غيرت الطريقة التي تنظر بها إلى الأشياء، فإنَّ الأشياء التي تنظر إليها تتغيَّر".

يسمح تغيير روايتك عن الانتكاسة بإعادة صياغة معرفية جديدة، فالمخترع "توماس إديسون" على سبيل المثال، أعاد صياغة تجاربه "الفاشلة" لإنشاء سرد ذاتي جديد: "لم أفشل؛ أنا لم أفشل، لقد وجدت فقط 1000 طريقة لا تعمل"، كان يظنُّ أنَّ كل فشل جعله يقترب خطوة واحدة من إيجاد الحل.

الاستفادة من الانتكاسات لمواجهة الاكتئاب:

الأقوياء نفسياً يستفيدون من انتكاساتهم من أجل النمو في المستقبل؛ إذ يسألون أنفسهم بعد كل فشل: "كيف يمكن أن أعيد المحاولة بأسلوب مختلف؟ ما الذي تعلمته من النجاحات التي حققتها، وماذا تعلمت عن الأشياء التي لم تنجح كما خططتُ وتوقعت؟" على سبيل المثال إذا نظرنا إلى الوراء في علاقتنا الأخيرة، يمكن أن نتعلَّم إيلاء مزيد من الاهتمام للعلامات الحمراء التي أهملناها في بداية العلاقة.

شاهد بالفديو: 6 طرق تساعدك في التغلب ذاتياً على الاكتئاب

لا تدفن مشاعرك:

الأشخاص الأقوياء نفسياً لا يدفنون مشاعرهم، ولا يغرقون فيها، يعترفون بها، ويمنحون أنفسهم الوقت لمعالجة النكسات، يعدون مشاعر الحزن أو خيبة الأمل أو الخراب أو الرفض طبيعية، ولا يخافون منها، إنَّهم صادقون مع مشاعرهم ويعترفون بخيبة الأمل.

يميل الأشخاص الأقوياء نفسياً إلى امتلاك نظرة متفائلة للحياة، وقد أظهرت الدراسات أنَّ ثمَّة علاقة بين التفاؤل والرضى عن الحياة، فهم يعلمون أنَّه لا يوجد فشل لا يمكن التغلب عليه إن استمروا في المحاولة.

الاستفادة من الطاقة الروحية لكي نكون أقوى نفسياً:

يصنع الأشخاص الأقوياء معنى لتجاربهم ونكساتهم من خلال عدسة روحية؛ إذ يعتمدون على روحانياتهم بوصفها مصدراً للقوة، فهم يدركون أنَّ وجود توجُّه روحي يمكن أن يساعدهم على اكتساب عقلية النمو، فالمرونة والقدرة على الارتداد من خيبات الأمل يمكن أن يستمدها الإنسان من المعتقدات الروحية أو الدينية، ما يساعده على جعل كل تجربة ذات معنى.

إذ تعلِّم الأساطير والقصص الدينية الناسَ كيفية التغلب على العقبات، والخروج بنتائج إيجابية في كثير من الأحيان، كما يمكن للأطر الروحية والدينية الفردية أن تساعد على تعزيز المشاعر الإيجابية، مثل الامتنان.

تقنيات اليقظة والتعاطف مع الذات:

الأقوياء نفسياً متعاطفون مع أنفسهم، وللاستفادة من التعاطف مع الذات عندما تشعر بالإحباط، حاول أن تسأل: "ماذا سأقول لصديق جيد يمر بما أمر به؟"، إضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد تقنيات اليقظة على تعزيز التعاطف مع الذات؛ لأنَّها تساعد الأشخاص على الاعتراف بمشاعرهم، بدلاً من كبتها أو إبعادها عن حيز الوعي، فبعض ممارسات اليقظة تشجِّع أتباعها على الاعتراف داخلياً بأنَّ "هذه لحظة معاناة" (Singer 2015)، ويوجد عدد لا يحصى من الناس يشعرون كما نشعر في هذه اللحظة بالذات.

لسنا وحدنا مُصابين بالاكتئاب:

مع أنَّ اللغة المتعلقة بكيفية مناقشة الاكتئاب قد تختلف طبيعياً من ثقافة إلى أخرى، فإنَّ الحالة كانت مألوفة للبشر عبر الزمن، ويوجد نوع من الراحة في معرفة أنَّ الاكتئاب ظاهرة عالمية وتاريخية؛ لأنَّ من أعراض الاكتئاب الشعور بالوحدة والعزلة، فعندما نعلم بأنَّ كثيراً من الناس عانوا ويعانون من هذه المشاعر، فذلك قد يكسر الشعور بالوحدة.

إقرأ أيضاً: كيف يحمينا التفاعل الاجتماعي من الاكتئاب؟

في الختام:

يؤثر الاكتئاب في الحياة سلباً، وينتهي المطاف ببعض المرضى بالانتحار أو محاولة الانتحار، ومع ذلك يجب ألَّا نقصر علاجنا للاكتئاب على أي تقليد معيَّن، فنحن نحتاج إلى اتباع نهج شامل ومتعدد لعلاج أمراض الاكتئاب.

الدرس الأكثر أهمية لمن يعاني من الاكتئاب هو ألَّا يفقد الأمل أبداً، ولا يشعر بالخجل، لقد نشأ الاكتئاب مع نشوء الإنسانية منذ زمن سحيق؛ إذ يشير التاريخ المسجل إلى وجود الاكتئاب في نصوص بلاد ما بين النهرين في القرن الثاني قبل الميلاد.




مقالات مرتبطة