تعرف على العلاج المعرفي السلوكي لمشكلة الأرق

يُعَدُّ الأرق من المشكلات النفسية الشائعة؛ حيث إنَّ 3 من كل 10 يعانون من مشكلات في النوم، فهي إما في استهلال النوم، أو الاستيقاظ باكراً، أو عدم الحصول على فترات نوم كافية، ومن الممكن أن يرتبط الأرق بمشكلات نفسية مثل القلق أو الاكتئاب أو الإدمان الكحولي وغيرها، ولكنَّ الأرق الأولي؛ أي الذي لا يترافق مع أي مرض، موجود عند 2% من سكان العالم.



1. زيادة الرغبة في النوم، نوم أقل وأرق أكثر:

أثبتت الأبحاث أنَّه كلما اجتهدنا من أجل الخلود إلى النوم، كان الوصول إليه أكثر صعوبة، وهذا يرتبط حسب الباحثين بالحمل المعرفي؛ حيث قاموا بتجربة لمجموعتين من المتطوعين، طلبوا من الأولى الخلود إلى النوم في أثناء الاستماع لموسيقى اللحن العسكري، والثانية الطلب نفسه ولكن مع الاستماع لموسيقى حديثة وهادئة.

تبيَّن أنَّ أفراد المجموعة الأولى لاقوا صعوبة أكبر في الخلود إلى النوم؛ وذلك بسبب الحمل المعرفي الزائد الذي يُحدِثه سماع موسيقى اللحن العسكري، مقارنة بالمجموعة الثانية التي لاقت صعوبة أقل في النوم، بسبب الحمل المعرفي المنخفض الذي تسببه الموسيقى الهادئة.

2. التربية النفسية تساعد على علاج الأرق:

إنَّ معظم الأشخاص المصابين بقلة النوم، لديهم مفاهيم خاطئة عن آليات الوصول إلى النوم، وغالباً ما يكون لديهم تصورات مبالغ بها عن نتائج أو آثار قلة النوم، ومن ثمَّ يسهم هذا الأمر في مفاقمة الأرق؛ وذلك بسبب زيادة الرغبة في النوم وهذا يزيد القلق، ويتولَّد الإحباط مع الفشل المستمر، وكلها أمور تزيد الأرق، وهذا يجعل المريض يلجأ إلى سلوكات لاتكيفية من أجل الوصول إلى النوم، ولكنَّها مع الأسف لها مفعول عكسي تماماً.

ويأتي هنا دور التربية النفسية في تصحيح الأفكار الخاطئة لدى المريض عن ميكانيزمات النوم والآثار السلبية للأرق، ومساعدة المريض على التخلص من السلوكات اللاتكيفية التي تعوق النوم، وهي وسيلة علاجية هامة وفعالة جداً.

يقوم المعالِج النفسي بالتأكيد على أنَّ عملية النوم هي عملية ذاتية بيولوجية غير إرادية، لا نستطيع التحكم بها، ولكن نستطيع إعاقتها، كما هو الحال في الشعور بالعطش أو الجوع، فإنَّنا لا نستطيع أن نتحكَّم بوقت ظهوره، لكنَّنا نستطيع كبته عندما لا تكون الظروف مواتية له.

3. إعادة البناء المعرفي لمشكلة الأرق:

يمكن توضيحها بمثال؛ لدى أحمد مشروع سيقدِّمه في الغد، وهو قلق من الخلود إلى النوم؛ إذ إنَّه يخاف من ألا يحصل على قسط كافٍ من النوم؛ وذلك سيؤدي إلى مشكلات في المشروع، ومن ثمَّ سيفشل في التقديم ويُطرَد من العمل، ومن ثمَّ سيغضب والداه.

هنا يأتي دور المعالِج النفسي في أن يتفق مع أحمد بأنَّ هذا الأمر ممكن الحدوث ولكن بنسبة 1%، فيجيب أحمد بأنَّه يعرف ذلك ولكنَّه قلق، وهذا القلق هو ما يجعله يُضخِّم المشكلة، أو ما سنسميه بالتفكير الكوارثي الذي يجعل الشخص القلق يبالغ في التفكير السلبي، كارثة تجرُّ أخرى.

يأتي هنا دور الحوار السقراطي في أن نخبر المريض، أنَّه مع أنَّ السيناريو الذي يطرحه بعيد المنال وصعب الحصول - وهو يعلم ذلك - فلنفرض حدوث الأسوأ وطُرِد من العمل، هنا يجب أن نقنعه بأنَّه يستطيع الحصول على عمل جديد، فهذه ليست نهاية الحياة، ومن الممكن أن يكون العمل الجديد أفضل.

إنَّ معظم الأشخاص الذين لم يحصلوا على قسط كافٍ من النوم يظنون أنَّهم سيشعرون بالإعياء طيلة النهار؛ لذا سيحاولون إراحة أنفسهم أو النوم نهاراً من أجل الحفاظ على طاقتهم، فقد تكون هذه الاستجابات منطقية للوهلة الأولى، ولكنَّها في حقيقة الأمر لها نتائج عكسية على عملية النوم في المرة القادمة؛ حيث إنَّ الخروج في نزهة والتعرض لأشعة الشمس وممارسة الرياضة كلها أمور تسهِّل عملية النوم.

شاهد بالفديو: 6 حيل ذكية للتغلّب على الأرق والنوم بعمق

4. ما هي أهم الرسائل التي يحاول العلاج السلوكي المعرفي إيصالها لمريض الأرق؟

  • امتلاك المعلومات أو الأفكار الصحيحة عن الفترة الكافية للنوم، ومقدار الطاقة الذي يمكن أن يبذله الجسم بناءً على مدة النوم التي قضاها.
  • لا يمكن أن تكون جميع المشكلات أو الصعوبات التي يواجهها المريض خلال النهار بسبب قلة النوم فقط، ولن تزول كل هذه المشكلات عند الخلود إلى النوم.
  • لن يفيد المريض إصراره على النوم؛ وذلك لأنَّه سيؤدي إلى الإجهاد والقلق والإحباط، ومن ثمَّ سيؤدي إلى مفعول عكسي بكل تأكيد.
  • يجب على المريض أن يمتنع عن إعطاء النوم هذه المكانة الكبيرة والأهمية المحورية في حياته؛ حيث لا يجوز أن يكون النوم هو النقطة التي يدور حولها تفكيره.
  • ينبغي على المريض أن يتخلص من التفكير الكارثي، ويعلم جيداً أنَّ قلة النوم ليست بالأمر الذي يدمر الصحة إلى هذه الدرجة.

5. الأفعال المعاكسة لعلاج الأرق:

يطلب المعالج النفسي من المريض أن يقوم بالأفعال المناقضة لكل ما كان يفعل في فراشه، فينبغي عليه هنا أن يفعل كل شيء لكي يبقى مستيقظاً، والغاية من هذا الأسلوب هو التخلص من قلق المريض حيال فكرة الفشل في النوم؛ حيث تفيد هذه الاستراتيجية في علاج مشكلات البدء بالنوم، في حين أنَّها قليلة الفاعلية فيما يتعلق باستمرارية النوم.

إقرأ أيضاً: تعرّف على أهم الوسائل التي تساعد في علاج الأرق

6. بعض النصائح للتغلب على الأرق:

  • التزِم بوقت محدد للنوم في كل ليلة؛ فمن الممكن أن يكون هذا الطلب صعباً عند بعض الأشخاص؛ وذلك بسبب طبيعة العمل، لكن يجب أن نحاول قدر الإمكان.
  • ابتعد عن قيلولة النهار؛ وذلك لأنَّها بكل تأكيد ستجعلك تواجه صعوبة في النوم ليلاً.
  • عدم استخدام الهواتف الذكية لفترات طويلة قبل الخلود إلى النوم؛ حيث تقدِّم الأجهزة الحديثة إمكانية حذف الضوء الأزرق من شاشة الهاتف الذكي، ومن ثمَّ تحمي من الصداع الذي يمكن أن يسببه هذا الضوء، الذي قد يكون سبباً في الأرق.
  • امتنِع عن استهلاك المشروبات الكحولية التي تحتوي على الكافيين والنيكوتين؛ حيث إنَّها تنشِّط الجسم، ومن ثمَّ تمنعه من النوم، وكذلك استهلاك المشروبات الروحية يؤدي إلى استيقاظ المريض خلال النوم.
  • مارِس النشاطات البدنية والرياضية خلال اليوم، لكن تجنَّب أن يكون وقت ممارسة الرياضة قريباً من وقت النوم؛ وذلك لأنَّ الجسم سينشط بعد الرياضة؛ وهذا يمنعه من النوم.
  • احرص على أن يكون العشاء خفيفاً، وخصوصاً قبل النوم مباشرةً.
  • لا تنسَ أن ترتِّب غرفتك قبل النوم؛ فذلك سيدخل الطمأنينة والسكينة إلى قلبك، واحرص على أن تكون مظلمة وبعيدة عن الضجيج، وحرارتها معتدلة.
  • ارتدِ قناع النوم في حال كنت تتضايق من الضوء، وفي حال كان منزلك قريباً من الضوضاء، يمكنك استخدام سدادات الأذن، أو آلة الضجيج الأبيض لحجب الأصوات المزعجة.
  • مارِس بعض العادات التي تساعدك على الاسترخاء قبل الخلود إلى النوم، مثل قراءة كتاب أو الإصغاء إلى الموسيقى الهادئة أو أخذ حمام دافئ؛ فكلها أمور تزيل القلق وتساعدك على النوم بسهولة.
  • لا تستعمل الفراش لأي غرض آخر سوى النوم؛ وهذه النصيحة هامة، وربما تكون هي الأهم من بين جميع النصائح.
  • اقرأ كتاباً أو أي شيء آخر لا يسبب لك نشاطَاً مفرطاً في حال عدم مقدرتك على النوم.
  • تابِع فيلماً أجنبياً مترجَماً، فقد وجدت الدراسات أنَّ متابعة الأفلام الأجنبية المترجَمة تساعد على النوم؛ حيث تمثِّل قراءة الترجمة عملية مشابهة لقراءة كتاب، لمَن لا يفضِّل المطالعة، وتساعد هذه العملية على النعاس.
  • اكتب قائمة مهام تتضمن ما الذي ستفعله في الصباح التالي قبل ذهابك إلى الفراش، في حال كنت تحاول النوم ولم تستطع بسبب انشغال ذهنك بالتفكير في مهام اليوم التالي، كما يمكن أن يساعدك هذا على نسيان هذه المخاوف، فيسترخي جسدك وتغط في النوم.
إقرأ أيضاً: 6 علاجات طبيعية للأرق المؤقت

7. ما هو العلاج بتقييد النوم؟

يُعَدُّ العلاج بتقييد النوم من أصعب أنواع العلاج المعرفي السلوكي لمشكلة الأرق؛ حيث يرتكز على فكرة أنَّ مَن يعانون من الأرق يقضون وقتاً طويلاً في الفراش دون نوم، وهذا يخلق علاقة ذهنية بين الأرق والبقاء في السرير؛ حيث يصبح الفراش سبباً للإحباط بدلاً من أن يكون مكاناً للراحة الجسدية والنفسية، ويبرز هنا دور هذه الاستراتيجية في التحكُّم بوقت البقاء في السرير واقتصاره على وقت النوم فقط؛ أي تعزيز العلاقة بين النوم والسرير، وكسر الارتباط الذهني بين الأرق والفراش.

من الممكن أن تكون عملية تقييد النوم طويلة الأمد تستمر لأسابيع أو أشهر عدة، ويعتمد ذلك على مدى تقبُّل المريض والتزامه بتعليمات المعالِج النفسي، ومن الممكن أن يسبب تقييد النوم بعض الآثار غير المرغوبة في أول أسبوع من العلاج، مثل النعاس خلال النهار، والخمول، وقلة الطاقة، ونقص الحافز، واضطراب الشهية، ونقص الدافع، ومن ثمَّ لن يناسب هذا العلاج الأشخاص الذين تتطلب أعمالهم اليقظة الذهنية أو التركيز.

8. ما هو دور التحكم بالمحفز في العلاج المعرفي السلوكي للأرق؟

ترتكز هذه الوسيلة على ربط النعاس بالسرير، وإنشاء علاقة بين أي سلوك محفز على النوم والسرير، وكسر أي علاقة بين السلوك المنفِّر من النوم والسرير، وتكون عبر اتباع تعليمات عدة سهلة يقدِّمها المعالج النفسي، على سبيل المثال:

  • عدم الاستلقاء على الفراش إلا في حالة الشعور بالتعب أو النعاس؛ أي عندما تشعر بأنَّ جسدك يستغيث ويطلب الراحة أو النوم.
  • الاقتصار في استخدام الفراش على أمر واحد ألا وهو النوم، والعلاقة الحميمية بطبيعة الحال كونها من محفزات النوم وتبعث على السكينة والاسترخاء.
  • في حال لم تستطع أن تغفو خلال عشر دقائق، فيجب عليك أن تنهض من السرير وتتوجه إلى غرفة أخرى.

في الختام:

تؤكد الدراسات أنَّ الأشخاص المشغولين بضرورة النوم وتأثير قلة النوم في أدائهم وتركيزهم في اليوم التالي؛ هم الأكثر تأهباً للإصابة بالأرق؛ حيث إنَّ ذلك سيجعلهم مراقبين أكثر للوقت، وهذا يولِّد نشاطاً معرفياً سلبياً زائداً، تتولَّد عنه إشارات أو تفاعلات جسمية وذهنية تتعارض مع عملية الخلود إلى النوم؛ لذلك لا تفكِّر كثيراً، واترك الأمور تجري في مجراها الطبيعي.

المصادر: 1، 2

المراجع: كتاب العلاج المعرفي السلوكي المعاصر لهوفمان اس جي.




مقالات مرتبطة