تعديل السلوك: تعريفه وأساليبه وخطواته

لا أستطيع السيطرة على تصرفات طفلتي ففي كل مرة أصحح لها خطأ ما في واجبها المنزلي تمزِّق دفترها، فسلوك ابنتي غير مقبول داخل المدرسة، وإذا عززت المعلمة إحدى زميلاتها بدأت بالصراخ بصوت عالٍ، لقد فقدت الأمل في تغيير سلوك ابنتي، ما هو الحل؟



وغيرها الكثير من العبارات والقصص والأسئلة التي نسمعها يومياً من قِبل الأهالي الباحثين عن حل أو طريقة أو خطة علاج مُجدية بهدف تعديل سلوك أولادهم وإعادة بنائه من جديد.

في الحقيقة تعديل السلوك ليس جديداً على ميادين علم النفس والتربية، فقد بحث الكثير من العلماء في هذا الميدان ويمكن القول إنَّ الاعتماد الرئيس في وضع المنهاج النظري والفلسفي كان على نتائج بحوث ونظريات كل من "بافلوف" و"إدوارد ثورندايك" و"جون واطسون" و"سكنر".

أحدثت الحركة السلوكية ثورة على النموذج الطبي الذي شاع لفترات طويلة في علم النفس؛ إذ تم التركيز والبحث في السلوك الظاهري وكيفية تعديله بدلاً من البحث عن أسباب السلوك في العمليات النفسية الداخلية للفرد تلك التي لا يمكن التحقق منها أو ضبطها.

تعريف تعديل السلوك:

قبل البدء بشرح وتعريف مفهوم تعديل السلوك لا بد من تعريف بعض من المصطلحات الهامة والمرتبطة بتعديل السلوك وهي:

1. السلوك:

هو كل فعل أو نشاط صادر عن الفرد سواء أكان ظاهراً أم غير ظاهر.

2. المثير:

هو تغيير محدد يحدث في البيئة مثل الصوت والضوء والمكان، وقد يكون تغييراً داخلياً يشمل كل ما يدور داخل الجسم من انفعالات ومشاعر وتفكير أو خارجياً يشمل عناصر البيئة الخارجية.

3. السلوك الاستجابي:

هو ببساطة السلوك الذي يحدث استجابةً لمثير ما، ويسمى أيضاً رد الفعل المنعكس، فبمجرد حدوث المثير يحدث السلوك، وهو أقرب للسلوك اللاإرادي.

4. السلوك الإجرائي:

هو ذلك النوع من السلوك الذي يحدث تغييرات في البيئة المؤثر بها، وهو السلوك الذي تتحكم فيه المثيرات البعدية وهو بذلك أقرب إلى السلوك الإرادي.

5. التعزيز:

هو الإجراء الذي يؤدي إلى حدوث تغييرات إيجابية أو إلى إزالة بعض التوابع السلبية، وهذا يزيد من احتمال تكرار السلوك المناسب والإيجابي مستقبلاً.

6. العقاب:

الإجراء الذي يهدف إلى تقليل احتمال حدوث السلوك في المواقف المماثلة مستقبلاً.

مفهوم تعديل السلوك:

تعديل السلوك هو علم قائم على تطبيق الإجراءات المبنية على القوانين السلوكية الناتجة عن أبحاث علم النفس التجريبي بهدف إحداث تغييرات جذرية مفيدة في سلوك الفرد بالشكل الذي يساعده على تحسين حياته وجعلها أكثر إيجابية وفاعلية، وإجرائياً يُعرف تعديل السلوك بأنَّه عملية تقوية السلوك الإيجابي والمرغوب فيه مقابل إضعاف أو إزالة السلوك غير المرغوب فيه.

الأهداف العامة لتعديل السلوك:

يمكننا تلخيص الأهداف العامة لتعديل السلوك في الأمور الآتية:

  1. تعلُّم سلوكات جديدة.
  2. زيادة سلوكات موجودة في الأساس لدى الفرد ومقبولة.
  3. الحدُّ من السلوكات السلبية وغير المقبولة.
  4. مساعدة الفرد على التكيف مع المحيط.
  5. العمل على التخلص من مشاعر القلق والإحباط والخوف.

شاهد بالفيديو: 18 طريقة تجعل تربية الأطفال سهلة

الأبعاد الأساسية للسلوك:

على راصد السلوك أن يضع في حسبانه الأبعاد الأساسية للسلوك حتى يستطيع فهمه بشكل واسع ودقيق وهي:

  1. البعد البشري: أي القوة البشرية التي ينتج عنها السلوك.
  2. البعد المكاني: فقد يرتبط السلوك في مكان دون آخر.
  3. البعد الاجتماعي: ويتعلق هذا البعد بارتباط السلوك بالعادات والتقاليد والبيئة الثقافية والأخلاقية والاجتماعية للفرد.
  4. البعد الزماني: أي ارتباط السلوك بزمان محدد دون غيره.

مجالات تعديل السلوك:

توجد عدة مجالات لتعديل السلوك سنقوم بالتعرف إليها فيما يأتي:

1. مجال الأسرة:

تهدف كل أسرة إلى تعليم أطفالها مجموعة من السلوكات والمهارات الاجتماعية كآداب المائدة والحديث وكيفية ارتداء الملابس، وفي الأسرة أيضاً يتم العمل على تعديل بعض السلوكات غير المقبولة كالشجار والفوضى وخرق القوانين.

2. مجال المدرسة:

يتم الاستفادة من تقنيات تعديل السلوك في المدرسة بشكل كبير؛ بهدف حل العديد من المشكلات كالتأخر الدراسي والانسحاب الاجتماعي والفوضى.

3. مجال الحي:

يُعَدُّ هذا المجال البيئة الخصبة لظهور المشكلات السلوكية خارج الرقابة الأسرية، كالشللية والتنمر والشجار.

4. مجال التربية الخاصة:

هو مجال واسع جداً لبرامج تعديل السلوك؛ إذ يُعَدُّ تعديل السلوك من أهم مرتكزات العمل في هذا المجال، فيتم الاعتماد عليه من أجل تعديل العديد من السلوكات والمهارات كالمهارات الاجتماعية والنفسية.

5. مجالات الإرشاد النفسي والاجتماعي:

أيضاً يتم في هذا المجال الاعتماد على برامج تعديل السلوك؛ بهدف علاج العديد من العادات السلوكية كقضم الأظافر ومص الأصابع وغيرها.

أساليب تعديل السلوك:

توجد عدة أساليب يمكن اتباعها لتعديل السلوك وسنذكر فيما يأتي عدداً منها:

1. التعزيز:

يعتمد هذا الأسلوب على مكافأة الفرد وتشجيعه كلما قام بسلوك إيجابي، وقد يكون هذا التعزيز معنوياً بالكلمة الطيبة أو مادياً عن طريق هدية، فمثلاً يمكن شكر الطفل المشاغب على التزامه لو لخمس دقائق، وهذا ما يشجعه على تكرار السلوك لينال مكافأة؛ إذ يسير نظام التعزيز والمكافآت وفق النظام الآتي: سلوك← مكافأة← دوبامين← متعة← إعادة السلوك.

2. العقاب:

أي الإجراءات التي يمكن اتخاذها وتؤدي إلى تقليل حدوث السلوك في المستقبل في المواقف المشابهة، وللعقاب أنواع؛ عقاب إيجابي ويعني إضافة مثير مكروه بعد قيام الطفل بسلوك غير مرغوب، كأن يقوم المعلم بتنبيه الطالب بعد ارتكابه لخطأ.

أما النوع الثاني فهو العقاب السلبي؛ أي سحب مثير محبب للفرد بعد قيامه بسلوك غير سوي، كأن يقوم المعلم بخصم علامتين للطالب بعد مشاغبته في الحصة، وفي الحقيقة لا بد من الإشارة إلى أنَّ سلبيات العقاب أكثر من إيجابياته، حتى إنَّ تعديل السلوك غالباً ما يكون مؤقتاً وبدافع الخوف وليس نابعاً من رغبة داخلية.

إقرأ أيضاً: تربية الأطفال: المكافآت والعقوبات تجاه أخطاء الأطفال

3. الإطفاء:

أي عدم القيام بأي ردود فعل أو استجابة لسلوكات الطفل غير المرغوبة، ففي كثير من الأحيان يكون الهدف من هذه التصرفات لفت الانتباه فقط، لذلك يمكن تجاهل السلوك السلبي والتركيز على السلوك الإيجابي.

4. توكيد الذات:

يتم اتباع هذا الأسلوب لمعالجة الأطفال والأفراد الذين يعانون من ضعف الثقة بالنفس لمساعدتهم على التغلب على هذه المشاعر والمشاعر المرافقة من خجل وضعف وما تؤدي إليه من سلوكات وتصرفات كالعزلة والانسحاب.

إقرأ أيضاً: أفضل 3 استراتيجيات لضبط سلوك طفلك

خطوات تعديل السلوك:

يتم تعديل السلوك وفق مجموعة من الخطوات وهي:

1. تحديد السلوك:

بدايةً وقبل البدء بأي شيء لا بد من تحديد السلوك المراد تعديله؛ أي المشكلة السلوكية المراد معالجتها، وهذا ما يتطلب جمع المعلومات المتعلقة بالفرد المراد تعديل سلوكه، وتحدي كل الإمكانات المتوفرة لتعديل هذا السلوك، وسنضع مثالاً ونتابع عليه بقية الخطوات، فالسلوك الملاحظ الذي تم تحديده هو قيام تلميذ في الصف الرابع بضرب زملائه دائماً عن طريق ركلهم.

2. تعريف السلوك:

يجب في الخطوة الثانية تعريف السلوك المراد تعديله تعريفاً إجرائياً واضحاً ومحدداً ودقيقاً وقابلاً للقياس بحيث لا يحمل هذا التعريف أي مجال للشك، ومن الجدير بالذكر أنَّ هذه الخطوة ستساعدنا فيما بعد على تحديد النتائج السلوكية؛ أي هدفنا من التعديل، ولنعد إلى المثال السابق ولنعرف سلوك التلميذ، فالركل؛ أي استخدام الرِجل ودفعها بقوة نحو جسد أحد التلاميذ عمداً بهدف إلحاق الأذى.

3. قياس السلوك:

يجب تحديد السلوكات التي يتم قياسها ويُفضَّل معالجة السلوكات حسب الأولوية، ويتم اختيار سلوك واحد لقياسه، ومن الممكن قياس سلوكين، لكن لا يجب قياس أكثر من ثلاثة سلوكات حتى نحصل على معلومات صادقة قدر الإمكان، وحتى يتم قياس السلوك لا بد من تحديد موعد ومكان للقياس، كما يجب أن يحدد طريقة القياس فهل سيقيسه بشكل متواصل أو من خلال عينات في أوقات وأوضاع مختلفة؟

إضافة إلى هذا لا بد من تحديد المدة التي نحتاجها للقياس، فمثلاً إذا كان معدل تكرار السلوك مرتفعاً فيكفي ملاحظته خلال فترة زمنية قصيرة، أما إذا كان معدل تكراره قليلاً فإنَّ هذا يتطلب وقتاً أطول للقياس، فمثلاً وبالعودة إلى المثال السابق يقوم المعلم بمراقبة السلوك بقصد قياسه.

شاهد بالفيديو: 10 خطوات ليتعلم الأطفال من أخطائهم

4. التحليل الوظيفي للسلوك:

في هذه الخطوة لا بد من تحليل السلوك بشكل تفصيلي من خلال تحديد المثيرات القبلية؛ أي ما حدث قبل السلوك ودفع الشخص للقيام به، ففي المثال السابق قد يكون تعرض الطفل للإزعاج من قِبل رفاقه هو ما يدفعه إلى ضربهم، والمثيرات البَعدية؛ أي كيف كانت استجابة الآخرين لسلوك الفرد؟ وما هي المكاسب التي حققها؟

في المثال السابق قد يكون النصر على المستوى الشخصي للطفل؛ إذ يشعر بالراحة والقوة بعد ركل رفاقه، أو أنَّ بعض رفاقه يسعون إلى نيل رضاه بعد قيامه بركل زملائه، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنَّ هذه المثيرات تحدد ما إذا كان السلوك سيتكرر أم لا.

5. تصميم العلاج:

بعد القيام بالخطوات السابقة لا بد من تحديد الإجراءات العلاجية بشكل دقيق من خلال كتابتها بشكل واضح عن طريق صياغة أهداف نريد رؤيتها على شكل نتائج سلوكية، كما يجب تحديد الزمان والمكان الذي سيُنفَّذ فيه برنامج التعديل، مثل البيت أو المدرسة، وتحديد الأشخاص المشاركين في الخطة، مثل المعلم أو الوالدين أو الإخوة، واختيار أساليب التعديل والتشجيع المستمر لتنفيذ الخطة العلاجية.

6. تنفيذ خطة العلاج:

لا بد من الإشارة إلى استمرار المعالج بقياس السلوك المستهدف من خطة التعديل؛ وذلك لأنَّ القياس عملية متواصلة، كما يجب التحقق من دقة القياس، فمدة العلاج تتحدد حسب طبيعة المشكلة وبعد تحقق النتائج المرجوة يتم التوقف تدريجياً عن الإجراءات العلاجية.

7. تقييم خطة العلاج:

يهدف التقييم إلى تحديد مدى فاعلية الخطة والإجراءات التي تم استخدامها، كما يتم تثبيت التغيير الذي حدث في السلوك مع المحافظة على استمراريته، وللتأكد من هذا لا بد من ملاحظة السلوك بعد إيقاف العلاج بشكل دوري.

8. تلخيص النتائج:

يتم تلخيص نتائج كل الخطوات السابقة في هذه الخطوة.

في الختام:

من خلال المقال السابق يبدو بوضوح أنَّ تعديل سلوك أطفالنا ليس مستحيلاً وأنَّنا نحتاج فقط إلى الإصرار والتركيز على الهدف واتباع الخطوات بدقة دون تراخٍ أو ملل أو تأجيل، وطبعاً من الهام جداً استشارة المتخصصين والأخذ بنصائحهم بين الحين والآخر، والأهم من هذا كله علينا أن نضع في بالنا أنَّ نتائج تعديل السلوك ليست نتائج فورية ولا يمكن ملاحظتها بمجرد اتخاذنا لهذا القرار؛ بل تحتاج إلى وقت حتى تظهر وحتى نصل إلى الهدف الذي نسعى إليه في النهاية.




مقالات مرتبطة