أدركَت المجتمعات مع التطور المتسارع في أنظمة التعليم بدول الخليج أنَّ دعم الموهوبين، ليس رفاهية تعليمية؛ بل استثمار في رأس المال البشري الذي يقود ثورة التنمية والابتكار؛ لذلك يستلزم التعرف على صفات الطلاب الموهوبين لتوفير رعاية شاملة.
تبني الحكومات الخليجية منظومات متخصصة لاكتشاف الموهوبين ورعايتهم من المراحل المبكرة، من خلال برامج وطنية وشراكات مع مؤسسات تعليمية عالمية، ومع ذلك، تبقى الأسرة هي المحور الأول في تشكيل الوعي بقدرات الطفل وفهم احتياجاته النفسية والتعليمية وتوفير بيئة متوازنة بين التحدي والدعم.
أهمية الدعم النفسي للأسرة والطفل الموهوب
يواجه الأطفال الموهوبون تحديات نفسية واجتماعية تفوق ما يظهر في قدراتهم الأكاديمية، فقد يشعر بعضهم بالعزلة بسبب اختلاف اهتماماتهم عن أقرانهم، أو بالقلق نتيجة توقعات عالية من الأهل أو المدرسة. تشير دراسة بعنوان (Prevalence and Diversity of Challenges Faced by Gifted Students in Saudi Arabia) إلى أنَّ أكثر ما يؤثر في الأطفال الموهوبين، هو الضغط النفسي الناتج عن التوقعات العالية وضعف التقدير الاجتماعي لمواهبهم، مما يجعل تربية الأبناء الموهوبين في الخليج مهمة مليئة بالتحديات تتطلب توازناً بين التحفيز والرعاية النفسية.
يبدأ هذا الدعم من وعي الوالدين بخصائص الطفل الموهوب، مثل الحساسية المفرطة، والتفكير العميق والحاجة إلى الاستقلالية والفضول المستمر ثم بتهيئة بيئة أسرية تشجع التعبير عن الذات دون خوف من الخطأ أو النقد. أوضح بحث بعنوان (Challenges Facing Gifted Students in Saudi Arabia) أنَّ غياب الدعم النفسي في البيئة التعليمية، يؤدي إلى تراجع الأداء الأكاديمي والاجتماعي للموهوبين رغم تفوقهم العقلي.
في دراسة أُجريت في جامعة الخليج العربي (2022) حول فعالية برنامج إرشادي قائم على نظرية الاختيار والعلاج الواقعي لطلبة موهوبين، وُجد أنَّ إدماج الدعم النفسي في المناهج والبرامج المخصصة للموهوبين، يخفِّض مستويات القلق ويحسن الشعور بالكفاءة الذاتية لديهم، ومن هنا يتضح أنَّ نجاح برامج رعاية الموهوبين في الخليج، يعتمد بدرجة كبيرة على تكامل الجهود بين الأسرة والمدرسة والأخصائيين النفسيين لضمان تنمية متوازنة للعقل والعاطفة معاً.
شاهد بالفيديو: 10 طرق لاكتشاف المواهب التي يتمتع بها طفلك
طرائق تدريس الموهوبين في المنطقة
عندما نركِّز على موضوع تربية الأبناء الموهوبين في الخليج، يصبح لزاماً علينا أن نسلِّط الضوء على طرائق تدريس الموهوبين التي تتماشى مع احتياجاتهم الفريدة وتراعي التحوُّلات التربوية الحديثة في المنطقة.
لا تقتصر هذه العملية فقط على تقديم محتوى أكاديمي أكثر تقدماً؛ بل تشمل تغييرات في المنهج وتكييف البيئة التعليمية وتدريب المعلمين على فهم الطالب الموهوب وتحفيزه، ومن ثم تعزيز التفاعل بين الطالب والمعلم، والمادة الدراسية.
من أبرز الأساليب الفعالة في تدريس الطلاب الموهوبين استخدام الإثراء والتسريع (Enrichment & Acceleration)، فيُمنح الطالب فرصة التعلم بمستوى أعمق أو بوتيرة أسرع مقارنة بأقرانه. يُتيح الإثراء للطالب الموهوب استكشاف موضوعات إضافية خارج المنهج التقليدي، مثل المشاريع البحثية أو المسابقات العلمية أو النشاطات العملية التي تُنمِّي مهارات التفكير النقدي والإبداعي. يمكِّن التسريع الطالب من التقدُّم بسرعة خلال المقررات الدراسية أو الانتقال إلى صفوف متقدمة لتجنب الملل الناتج عن تكرار محتوى أقل تحدياً، ما يعزز الدافعية الذاتية والاستقلالية في التعلم.
أشارت دراسة مراجعة بعنوان (Pedagogical Approaches for Meeting Gifted Students’ Needs: Literature Review) إلى أنَّ دمج استراتيجيات التمايز (Differentiation) ضمن الإثراء والتسريع، يُعدُّ من العوامل الأساسية لنجاح تعليم الموهوبين؛ إذ يسمح بتخصيص النشاطات والمهام وفق قدرات كل طالب، مع توفير تحدٍ مستمر يحفِّز نمو مهاراته الأكاديمية والاجتماعية في آن واحد.
يعزز دمج هذه الأساليب مع استخدام التقنيات الرقمية وطرائق التدريس الحديثة من فاعلية العملية التعليمية، ويتيح للطلاب فرصاً للتفاعل والتعاون وحل المشكلات بإبداعية وابتكار.
أصبح استخدام التكنولوجيا والتعليم الرقمي من أبرز الأساليب الحديثة في المملكة العربية السعودية؛ إذ وجدت دراسة بعنوان (Saudi Teachers’ Perspectives of the Impact of Using Technology in Gifted and Talented Classrooms) أنَّ دمج التقنيات الرقمية في الصفوف، يُسهم كثيراً في تطوير مهارات الإبداع والتفكير المبتكر لدى الطلاب الموهوبين، بشرط أن يكون المعلم مهيأ وخبيراً بهذه الأدوات والموارد التعليمية.

أساليب رعاية الموهوبين من ذوي الخصوصية المزدوجة
تُعد فئة الأطفال الموهوبين من ذوي الخصوصية المزدوجة المعروفة بـ (twice‑exceptional / 2e) من أهم الفئات التي تستحق اهتماماً مخصصاً ضمن منظومة تربية الأبناء الموهوبين في الخليج. يمتلك هؤلاء الطلاب قدرات عالية أو موهبة مميزة، وفي الوقت نفسه يواجهون تحديات أو احتياجات مخصصة، مثل اضطراب فرط الحركة أو صعوبات التعلم، ما يجعلهم بحاجة إلى نهج رعاية متكامل يمزج بين تنمية موهبتهم ودعمهم في مواجهة هذه التحديات.
من أبرز أساليب الرعاية الفعالة للطلاب الموهوبين من ذوي الخصوصية المزدوجة تكوين برامج دمج ودعم فردي داخل المدارس؛ إذ تلبِّي احتياجات الموهبة والتحدِّي في آن واحد دون إهمال أي منهما.
أشارت دراسة حديثة إلى أنَّ نجاح هذا النوع من التعليم الشامل، يعتمد على امتلاك المعلمين معرفة وخبرة تجمع بين أساليب تربية الأبناء الموهوبين في الخليج وفنيات التعليم المخصص، إلى جانب التعاون الوثيق بين المدرسة والأسرة والمختصين النفسيين لتقديم دعم متكامل يحقق نمو الطالب الأكاديمي والاجتماعي معاً.
يُعدُّ التعاون الوثيق بين المدارس والأُسر والمختصِّين النفسيين والمعلمين عنصراً أساسياً لنجاح رعاية الطلاب الموهوبين من ذوي الخصوصية المزدوجة؛ لأنه يوفر بيئة تعليمية داعمة تراعي الموهبة والتحدي في الوقت نفسه. يستند هذا النهج إلى التركيز على نقاط القوة (strength‑based approach)، فيحصل الطالب أولاً على الفرصة لتنمية موهبته الطبيعية وإبراز قدراته الفريدة، قبل التوجُّه لمعالجة التحديات المرتبطة بصعوبات التعلم أو الاضطرابات السلوكية.
يشمل ذلك تصميم نشاطات ومهام تعليمية مخصَّصة داخل المدرسة، وتقديم توجيه فردي من المعلمين والمختصين النفسيين، مع إشراك الأسرة في متابعة التطور الأكاديمي والنفسي للطفل. كما يمكن توسيع هذا الدعم ليشمل البيئات التعليمية الخارجية، مثل النوادي العلمية أو برامج الإثراء الصيفية، فتُتاح للطالب فرص إضافية لتطبيق مهاراته واكتشاف قدراته في سياقات متنوعة، مما يعزز ثقته بنفسه ويقوِّي شعوره بالانتماء والنجاح.
تُعدُّ التدخُّلات الفردية والتخصيص (individualised intervention) من الاستراتيجيات الأساسية لرعاية الطلاب ذوي الخصوصية المزدوجة؛ إذ تصمم نماذج تعليمية تناسب احتياجات كل طالب من ذوي الخصوصية المزدوجة تناسُباً متكاملاً. يتيح هذا النهج فرصاً للإثراء والتسريع بما يتوافق مع موهبة الطالب، وفي الوقت نفسه يعتمد استراتيجيات لدعم التحديات المصاحبة، مثل صعوبات التعلم أو اضطراب الانتباه.
أشارت دراسة مراجعة في مجال التعليم الشامل (Inclusive Education) إلى أنَّ هؤلاء الطلاب، غالباً ما يواجهون ما يُعرف بـ "التمويه" (masking)، فتُخفى موهبتهم أو تتغطَّى تحدياتهم ضمن النظام التعليمي التقليدي، مما يستدعي تصميم برامج مخصصة توظِّف نقاط القوة بوصفها مدخلاً للتدخلات التعليمية والدعم الفردي.
لا يقتصر نجاح رعاية الطلاب الموهوبين من ذوي الخصوصية المزدوجة إجمالاً على إدخال تعديلات محدودة في المنهج أو إنشاء فصل مخصص فحسب؛ بل يتطلَّب بناء منظومة متكاملة تشمل الكشف المبكر عن الموهبة، وتكييف البيئة التعليمية بما يلائم احتياجات الطالب، وتأهيل المعلمين تأهيلاً متخصصاً، وإشراك الأسرة في متابعة التطور، ووضع خطط دعم فردية تضمن مواءمة دقيقة بين الموهبة والتحديات المصاحبة.

أساليب كشف الموهوبين
تُعد مرحلة الكشف والتقييم من أساسيات تربية الأبناء الموهوبين في الخليج؛ إذ لا تُقدَّم الرعاية المناسبة دون التعرُّف بدقة على قدرات واحتياجات الطفل. تعد الاختبارات النفسية والأكاديمية من أهم الأدوات المستخدمة، مثل مقاييس الذكاء واختبارات التحصيل، لكنها وحدها لا تكفي؛ إذ تنصح الجمعية الوطنية للأطفال الموهوبين (NAGC) باستخدام هذه الاختبارات إلى جانب أدوات موضوعية وذاتية أخرى لتعريف كامل للموهوبين. أظهرت مراجعات منهجية أنَّ اعتماد أدوات متعددة ضمن عملية الكشف، يقلِّل من احتمالية الإغفال (false negatives) لدى الطلاب الموهوبين، بما في ذلك ذوي الخصوصية المزدوجة.
يؤدي المعلم دوراً محورياً في رصد مؤشرات التميز، مثل الجهد الذهني العالي والفضول المستمر والأسئلة العميقة والحلول المبتكرة. تُستخدم قوائم التقييم التي يملأها المعلمون، مثل "(Gifted Rating Scales – School Form (GRS‑S"، بوصفها أداة موثوقة ضمن عملية الكشف، ويشارك المعلم أيضاً في مرحلة الترشيح (Nomination) قبل الإحالة للاختبارات الرسمية.
يُعد إشراك الأسرة في عملية التقييم خطوة أساسية لتوفير صورة كاملة عن الطالب داخل بيئته الطبيعية؛ إذ يُلاحظ الأهل مؤشرات التميُّز خارج المدرسة أو في النشاطات غير الصفية، وهي جوانب قد لا تُلتقط بواسطة المدرسة وحدها.
يُنصح باعتماد التقييم المرحلي والمتعدد الأوجه بدل الاعتماد على اختبار واحد في وقت محدد؛ إذ إنَّ التميُّز ليس ثابتاً، ويجب توفير فرص متعددة على مدار الوقت لإبراز مواهب الطلاب. من هذا المنطلق، توصي الجمعية الوطنية للأطفال الموهوبين (NAGC) باستخدام مزيج من الأدوات، يشمل اختبارات القدرات والتحصيل وقوائم ملاحظة المعلمين وترشيحات الأهل والطالب نفسه وتحليل السجلات الأكاديمية والمشاريع، وفي بعض الحالات التقييمات النفسية أو التشخيصية المتخصصة، خصيصاً للطلاب ذوي الخصائص المزدوجة (موهبة + تحدٍ).

برامج رعاية الموهوبين في السعودية والخليج
برزت في منطقة الخليج العربي، ومع تزايد الوعي بأهمية تشجيع الموهبة والابتكار عدد من البرامج والمبادرات الحكومية والمؤسسات التعليمية المتخصصة في رعاية الطلاب الموهوبين. تأتي هذه الجهود في إطار استراتيجية وطنية تبني مجتمعاً معرفياً وتحفز الأفراد ذوي القدرات العالية للمساهمة في التنمية المستدامة.
من أبرز هذه المبادرات:
- مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع (موهبة) (Mawhiba) في المملكة العربية السعودية، التي تشرف على برنامج البرنامج الوطني لاكتشاف الموهوبين بالتعاون مع وزارة التعليم السعودية وهيئة تقويم التعليم والتدريب، وقد اكتُشِفَ حتى عام 2023 أكثر من 915 طالباً موهوباً في المملكة.
- مؤسسة حمدان بن راشد للموهبة والابتكار في الإمارات، والتي تنفِّذ برامج رعاية للطلبة الموهوبين من الصفوف 4 إلى 12، وتقدِّم نشاطات إثراء علمية ومهارية ومهارات قيادية، وبرامج متابعة نفسية لدعم تنمية الطلاب.
- برنامج إثراء الموهوبين – مؤسسة قطر في قطر، أُطلِق بالتعاون مع (Johns Hopkins Centre for Talented Youth) لدعم الطلاب الموهوبين من خلال دورات إثراء رقمية وورشات عمل تُنمِّي مهارات التفكير النقدي والإبداعي لديهم.
تعمل هذه البرامج من خلال خطوات متكاملة تبدأ من الاكتشاف، مروراً بالتأهيل، ثم التخصُّص والدعم الأكاديمي أو البحثي، مع التركيز على المهارات والابتكار والتوجيه المهني وربط الطلبة الموهوبين بشبكات بحثية وتقنية محلية وعالمية. كما تُولي المؤسسات اهتماماً كبيراً لتحفيز البيئة التعليمية والمناخ الاجتماعي المناسب، بما يُسهم في استمرار نمو الطالب الموهوب وتفاعله الإيجابي مع المجتمع، ويُعد دعماً أساسياً في تربية الأبناء الموهوبين في الخليج.
الأسئلة الشائعة
1. كيف يُتعامَل مع الطلاب الموهوبين في الخليج؟
من خلال فهم احتياجاتهم الفردية، وتكييف التعليم بما يتناسب مع قدراتهم، مع توفير الدعم النفسي والاجتماعي وتشجيعهم على الاستكشاف والتفاعل الإيجابي مع أقرانهم لتحقيق تنمية متوازنة.
2. ما هي استراتيجيات الموهوبين؟
تركز استراتيجيات الموهوبين على الإثراء الأكاديمي، والتسريع في التعلم، وحل المشكلات المفتوحة، والمشاريع متعددة المجالات، والتعلم المستقل والجماعي، بما يعزز التفكير النقدي والإبداعي لديهم.
3. ما هي أهم صفات الطلاب الموهوبين؟
يتميز الطلاب الموهوبون بالفضول المستمر، والتفكير العميق، والإبداع، والتركيز العالي، والحساسية المفرطة، والاستقلالية، وهي صفات تساعد على تصميم برامج تعليمية مخصصة وفعالة لاستثمار قدراتهم.
في الختام
تُظهر التجارب والبرامج في دول الخليج أنَّ تربية الأبناء الموهوبين في الخليج، ليست مسؤولية المدرسة وحدها؛ بل منظومة متكاملة تشمل الأسرة، والمعلمين، والمختصين النفسيين، مع دعم البرامج الوطنية وبرامج رعاية الموهوبين في السعودية وغيرها من المبادرات التعليمية المتخصصة.
نحقق من خلال توفير بيئة تعليمية محفزة وتطبيق طرائق تدريس الموهوبين المبتكرة، مع أساليب رعاية الموهوبين من ذوي الخصوصية المزدوجة ودعم نفسي مستمر تنمية متوازنة لمواهب الأطفال وقدراتهم المخصصة.
يوفر اعتماد أساليب كشف الموهوبين الدقيقة وفهم صفات الطلاب الموهوبين الرعاية المناسبة لكل طفل، ما يُهيِّئ جيلاً قادراً على الابتكار والمساهمة الفاعلة في المجتمع؛ إذ إنَّ الاستثمار في الموهوبين اليوم، يمثل ضمانة لمستقبل معرفي وتنموي مستدام لدول المنطقة.
هذا المقال من إعداد الكاتب يوسف ملوك
أضف تعليقاً