ترابط الصدمة: حين نتمسك بمن يؤذينا

ترابط الصدمة أو الارتباط النفسي بالصدمة هو استجابة نفسية للإساءة، وتَحدُث عندما يكوِّن الشخص الذي يتعرض للإساءة اتصالاً أو علاقة مع الشخص الذي يسيء معاملته، فالشخص الذي يتعرض للإساءة قد يطوِّر تعاطفاً تجاه الشخص الذي يسيء معاملته، والذي يتعزز من خلال دورات من الإساءة يليها ندم، ومتلازمة "ستوكهولم" هي نوع واحد من ترابط الصدمة، ولكنَّها تتميز بالارتباط العاطفي بالمجرمين؛ لذا يشرح هذا المقال ما هو ترابط الصدمة، ومتى قد يحدث، وكيف تبدأ عملية الشفاء.



أولاً: ما هو ترابط الصدمة؟

ترابط الصدمة هو رابط نفسي يتأسس بين الشخص الذي قام بالاعتداء والفرد الذي يتعرَّض لاعتدائه، وعادةً يتطور هذا الارتباط عندما يبدأ الشخص المعتدى عليه بتطوير مشاعر التعاطف أو الانفتاح نحو المعتدي، وهذا الرابط قد يتطور على مر الأيام والأسابيع أو حتى الشهور، لكن ليس كل شخص يتعرض للاعتداء يختبر ارتباط الصدمة.

متلازمة "ستوكهولم" هي نوع معين من ارتباط الصدمة، وعلى الرغم من أنَّ هذا المصطلح غالباً ما يشير إلى الأشخاص الذين يطوِّرون مشاعر إيجابية تجاه أشخاص يحتجزونهم أو يعذبونهم، إلا أنَّ هذه الديناميات قد تظهر في سياقات وعلاقات أخرى.

وفقاً لأبحاث أُعِدَّت عام 2018 التي استقصت الاعتداءات في مجال الرياضة، تُشير إلى أنَّ متلازمة "ستوكهولم" قد تنشأ عندما يبدأ الشخص الذي يتعرض للاعتداء بمحاولة تبرير أفعال المعتدي.

ثانياً: لماذا يحدث ترابط الصدمة؟

قد تؤدي مشاعر التعلق والاعتماد دوراً في نشوء ترابط الصدمة، ويوجد نمط من الإساءة والندم يؤدي دوراً هاماً أيضاً.

1. التعلق:

وفقاً للخط الوطني للعنف الأسري، يعتمد ترابط الصدمة على ارتباط غير صحي؛ إذ يشكل البشر روابطَ بوصفها وسيلة للبقاء على قيد الحياة، ويصبح الرضع متعلقين بوالديهم أو مقدمي الرعاية الذين يعتمدون عليهم، ويشكل البالغون روابطَ مع الآخرين الذين يقدِّمون الراحة أو الدعم.

عندما يكون الشخص المعتدي هو نفسه مصدر الدعم الرئيس للشخص المتعرض للاعتداء، قد ينتج ارتباط الصدمة، فالشخص الذي تعرض للاعتداء قد يلجأ إلى الشخص الذي يسيء معاملته للبحث عن الراحة عند تعرضه للأذى، حتى إذا كان هو نفسه السبب وراء هذا الأذى.

2. الاعتماد:

قد يطور الشخص ارتباط الصدمة لأنَّه يعتمد على الشخص المعتدي لتلبية احتياجاته العاطفية، على سبيل المثال، يعتمد الطفل على والديه أو مقدمي الرعاية للحصول على الحب والدعم، فإذا كان هؤلاء المقدِّمون للرعاية عنيفين، فقد يربط الطفل بين الحب والإساءة، ولذلك يمكن للطفل أن يَعُدَّ هذا الارتباط أمراً طبيعياً، وربما لا يكون قادراً على رؤية المعتدي على أنَّه شخص "سيئ".

3. دورة الإساءة:

بعض العلاقات العنيفة تتبع نمطاً يتضمن الإساءة ثم الندم، وبعد إلحاق الضرر، قد يَعِد الشخص المعتدي بالتغيير، وبعضهم قد يتصرف بلطف خاص أو يُظهِر رومانسية لتعويض سلوكهم السيئ، وهذا يمنح الشخص المتعرض للاعتداء الأمل بأنَّ معاناته ستنتهي وأنَّه سيحظى يوماً ما بالحب أو الارتباط الذي وعد به المعتدي، وقد يرى الشخص الذي يتعرض للاعتداء أنَّ المعاناة هي الثمن الذي يجب دفعه مقابل هذا اللطف.

ثالثاً: مراحل ترابط الصدمة السبع

فيما يأتي المراحل السبع لترابط الصدمة:

1. قصف الحب:

يتضمن قصف الحب محاولة مفاجئة وشديدة لإنشاء علاقة "نحن" من خلال مدح مرتفع وثناء مفرط، وعلى الرغم من أنَّ هذه الديناميات عادةً ما تحدث بين المعتدي وضحيته، يمكن أحياناً أن تشمل أشخاصاً آخرين يحيطون بالزوجين، وفي بعض الحالات العنيفة، قد يبدو المعتدي غير مدرك لتلاعبه، ومع ذلك، هذا ليس الحال عادةً في ترابط الصدمة.

في ترابط الصدمة، يمكن لقصف الحب أن يعدل بلطف مسرحاً لديناميات عنيفة من خلال السماح للمعتدي بالاستفادة من مشاعر الضحية وآمالها وأمانيها العميقة، وهي عبارة عن شخص يقول: "انظر ما يمكنني أن أقدِّمه لك، ولا أحد سيحبك بهذه الطريقة"؛ إذ جعل الضحية تخفف حرصها وتثق بنوايا المعتدي لتصبح الضحية.

2. الثقة والاعتماد:

في هذه المرحلة، قد يقوم المعتدي عن عمد بفحص ثقة الضحية واعتمادها عليه، وهذا يؤدي عادةً إلى شعور الضحية بالذنب لاستجواب شريكها، ويُتوقَّع أن توجد شكوك في العلاقة الصحية ويحتاج الأمر إلى وقت لمعرفة شخص ما ليس فقط من خلال ما يقوله؛ بل أيضاً من خلال أفعاله.

عند مواجهة المعتدي في هذه المرحلة، قد تواجه كثيراً من الانتقادات للتشكيك في كل ما قدَّمه لك، وهذا هو السبب في أنَّ مرحلة قصف الحب تقدِّم إعداداً حيوياً للاعتماد، وفي ترابط الصدمة، فكرة أنَّه يمكنك الثقة في المعتدي في العلاقة ما هي إلا وهم.

شاهد بالفديو: 6 عادات خاطئة تقضي على صحتك النفسيّة

3. النقد:

بمجرد أن يكسبوا ثقتك، قد يبدأ المعتدون العاطفيون بتفكيك بعض من صفاتك وتحديد تلك الصفات على أنَّها تافهة أو مثيرة للمشكلات، وقد يبدو هذا النقد مفاجئاً وخصوصاً بعد تجربة مرحلة قصف الحب، لكن قد ينتظر المعتدون حتى يتم اختبار ثقة الضحية قبل أن يبدؤوا بنقدهم.

تكون مرحلة النقد واضحة جداً خلال الخلافات المكثفة أو عدم الاتفاق؛ إذ سيقوم المعتدي على الأرجح بتوجيه اللوم نحو شريكه، وقد ينتهي الأمر بالضحية في التصاعد في الاعتذار عن أمور ليست ذنبها.

4. التلاعب واستخدام تقنية الإضاءة والغمر:

الإضاءة والغمر وسيلتان للإساءة النفسية تراهما غالباً في ترابط الصدمة، وفي نهاية المطاف تجعل الضحايا يشكُّون في واقعهم وإدراكهم، فلن يتحمل الذين يستخدمون تقنية الإضاءة مسؤولية تصرفاتهم بشكل كامل أو صريح، ويميلون إلى نقل اللوم إلى الشخص الآخر.

من الشائع جداً أن يبدو الأشخاص الذين يستخدمون تقنية الإضاءة هادئين ومتزنين فجأة بمجرد أن يدفعوا هدفهم إلى نقطة الانهيار، فقد تُعَدُّ تقنية الإضاءة سلوكاً نموذجياً بين أنواع الجزاء الشائعة مثل النرجسيين والسوسيوباث والسيكوباث.

5. الاستسلام والخضوع:

عند التعامل مع ترابط الصدمة، فمن الشائع جداً أن يبدأ الأشخاص المستهدفون بالإساءة في الاستسلام في نقطة ما لتجنب مزيد من النزاع، فسلوك الانخراط واستجابة الناس هي سلوكات الاتفاق وإرضاء الأشخاص التي قد تضمن استمرار العلاقة إلى حد ما.

قد يكون لدى الأشخاص المستهدفين بعض الوعي بأنَّهم يتم التلاعب بهم، ولكنَّ هذا الوعي الصغير قد لا يكون كافياً للخروج من العلاقة؛ وذلك لأنَّ الهدف ما يزال يتساءل ما إذا كانوا مسؤولين عن سلوك الجاني.

بناءً على طول العلاقة وطبيعة الإساءة النفسية، غالباً ما يصبح الهدف أكثر اعتماداً على الجاني لتجنُّب مزيد من النزاع عن طريق الزواج، أو إنجاب الأطفال، أو أن يصبحوا أكثر اعتماداً عاطفياً ومالياً على شريكهم، كما توجد أسباب عدة تجعل من الصعب على الشخص المعتدى عليه أن يترك بسهولة، مثل مخاوف الأمان.

الخوف من أنَّ سلوك الجاني قد يتصاعد عندما يشعر بفقدانه للسيطرة عندما يشعر الهدف بالتهديد بالمغادرة أو بأن يخرج من الباب بالفعل، وقد تتصاعد الأمور وتصبح جسدية أو مميتة في معظم النزاعات المنزلية.

إقرأ أيضاً: الصحة النفسية والصحة الجسدية والعلاقة بينهما

6. فقدان الذات:

طوال مراحل ترابط الصدمة، يوجد فقدان تدريجي للذات، وهذا يسبب آلاماً هائلة وانفصالاً عن العالم الذي عرفناه مرة واحدة، فالأشخاص الذين يتركون العلاقات العنيفة قد لا يبدون كما هم عليه بالعادة بسبب فقدان هويتهم الخاصة وحدودهم الشخصية.

قد تكون ارتباطات الصدمة عازلة بشكل لا يُصدَّق، فقد تخسر بعض علاقاتك الاجتماعية بسبب تغيُّر الهوية التي لم تعد تتناسب مع ما اعتاد أصدقاؤك عليه، وهذا المستوى من التدمير النفسي قد يؤدي إلى فقدان كامل للثقة وحتى إلى تصورات انتحارية، وبالنسبة إلى كثير من الناس، يتم بناء هذا التعذيب العاطفي والعار والذنب على مر السنين، وهذا يجعل من الصعب جداً مواجهته والمضي قدماً.

7. الإدمان على الدورة:

غالباً ما تكون المراحل في ترابط الصدمة دورية؛ فبعد نزاع كبير، قد توجد فترة هدوء أو شهر عسل، وفي هذه اللحظة من السلام، قد يعتذر الجاني ويبدأ عملية الإضاءة والغمر من جديد، وهذا يجعل الهدف يشعر بالارتياح والرغبة، وهذا بدوره يعزز إيجابياً الاعتماد على هذه الدورة من الإساءة.

على النقيض، قد يقوم الجاني تماماً بإغلاق نفسه، ويصبح متجنباً، ويمتنع عن تقديم الحب والمودة والاهتمام بوصفها وسيلة للضغط أو إجبار الضحية على الاعتذار، فعندما يتم تحميل المسؤولية واللوم على الهدف، قد يذهب إلى أقصى الحدود للفوز بصلحة من الجاني.

من خلال القيام بذلك، يتم إعطاء الهدف انطباعاً خاطئاً بأنَّ لديه السيطرة، وقد يستخلص بأنَّ الجاني يجب حقاً أن يحبه عندما ينجح في استعادته، وهذا يعزز فكرة أنَّ الضحية هي المسؤولة عن الإساءة.

رابعاً: التخلص من ترابط الصدمة

للتخلص من ترابط الصدمة، يجب القيام بما يأتي:

1. اكسر رابط العنف:

الأشخاص الذين تعرضوا للإساءة في طفولتهم يشعرون في كثير من الأحيان بانجذابهم نحو علاقات مشابهة في الكبر؛ إذ يعترف الدماغ بالارتفاعات والانخفاضات في هذه الدورة، كما أنَّ تاريخ الصدمة قد يجعل من الصعب كسر روابط الصدمة، لكن يمكنك تعلُّم كيفية وقف هذه الدورة.

2. اعرف ما تتعامل معه:

الاعتراف بوجود الرابط هو خطوة هامة أولى، فعندما يتعلق الأمر بالإساءة، فالقول هنا أسهل من الفعل، وللعثور على دليل على الإساءة والتعرف إلى علامات ترابط الصدمة، جرِّب بعض هذه الأمور:

  • احتفظ بمذكرة، قد تساعدك كتابة الأشياء التي حدثت كل يوم على بدء التعرف إلى الأنماط وملاحظة المشكلات في السلوكات التي قد لا تبدو مسيئة في اللحظة.
  • ابحث عن وجهة نظر، تخيل أنَّك تقرأ عن علاقتك في كتاب، فغالباً ما يكون من السهل فحص الأحداث السلبية عندما يكون لديك مستوى من الانفصال.
  • تحدَّث مع أحبائك، قد يقدِّم أحباؤك وجهات نظر ضرورية؛ لذا تحدَّ نفسك للاستماع وبذل مجهود حقيقي للنظر في الملاحظات.

شاهد بالفديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية

3. تجنَّب اللوم الذاتي:

الاعتقاد بأنَّك سببت الإساءة أو أنَّك تسببت فيها قد يجعل من الصعب ممارسة استقلاليتك، وهذا يبقيك في العلاقة بشكل فعال.

تذكَّر أنَّ الإساءة ليست أبداً ذنبك، بصرف النظر عن:

  • ما قد فعلت أو لم تفعل.
  • مدى خوفك العميق من الوحدة أو الحياة دون الشخص الآخر.
  • أنت تستحق الأفضل.
  • استبدال الانتقاد الذاتي واللوم بالتوكيدات والحديث الإيجابي عن النفس قد يساعد على البدء بالتأثير.

4. انقطع تماماً عن التواصل:

بمجرد أن تقرر المغادرة، قاطع الدورة تماماً عن طريق وقف جميع أشكال التواصل، فإذا كنت تشترك في تربية الأطفال مع الشخص الآخر، فقد لا يكون ذلك ممكناً.

يمكن لمعالج أن يساعدك على وضع خطة للحفاظ على التواصل الضروري فقط؛ لذا أنشئ مسافة جسدية من خلال البحث عن مكان آمن للإقامة، مثل عند الأقارب أو الأصدقاء، وغيِّر رقم هاتفك إذا كان ذلك ممكناً.

5. احصل على مساعدة محترفة:

يمكنك اتخاذ إجراءات لبدء إضعاف ترابط الصدمة وحدك، لكنَّ هذا الترابط يكون عادةً قوياً، فقد لا تجد من السهل الفرار منه دون دعم محترف، وهذا أمر طبيعي تماماً؛ إذ يمكن لمعالج أن يعلِّمك مزيداً عن أنماط الإساءة التي تدفع ترابط الصدمة، وقد توفِّر هذه الرؤية كثيراً من الوضوح.

في العلاج، يمكنك أيضاً:

  • استكشاف العوامل التي تغذي الرابط.
  • العمل على وضع حدود.
  • تعلُّم مهارات بناء علاقات صحية.
  • مواجهة الانتقاد الذاتي واللوم الذاتي.
  • وضع خطة رعاية ذاتية.
  • معالجة أعراض الصحة النفسية المتعلقة بالصدمة والإساءة على الأمد الطويل.

عموماً، يُوصى بالعمل مع معالج مختص بالصدمة، فالمحترفون الذين يتخصصون في التعرف إلى علاج اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، ولا سيما (PTSD) المعقد وآثار الإساءة، قد يكون لهم أكبر تأثير في الأشخاص الذين يعملون على التغلب على هذه الصدمة الخاصة.

إقرأ أيضاً: علم الصحة النفسية: أهميته ومجالاته ومظاهره

في الختام:

يُظهِر ترابط الصدمة كيف يمكن لتجارب الصدمة في الماضي أن تؤثر في علاقاتنا في المستقبل، فإنَّ تفهُّم والتعرف إلى هذه الروابط الضارة هو الخطوة الأولى نحو الشفاء وبناء علاقات صحية، ومن الضروري ألا نلوم أنفسنا على ماضينا وأن نسعى إلى المساعدة المحترفة عند الضرورة، فالعمل على تعزيز الصحة النفسية وتطوير استراتيجيات للتعامل مع هذه الروابط قد يمهِّد الطريق نحو حياة أكثر سعادة واستقلالية.




مقالات مرتبطة