تحسين الصحة النفسية في الشركات الناشئة

سيعاني شخص من أصل خمسة أمريكيين بالغين من مرض نفسي في سنة ما، وسيكون هذا المرض شديداً بما فيه الكفاية للتأثير في حياته اليومية وعلاقاته؛ حيث تمثِّل نسبة 20% عدداً كبيراً فعلاً، لكن تشير المنظمة غير الربحية للأمراض العقلية أوبن سورسينغ (Open Sourcing) إلى أنَّ هذه النسبة أعلى بكثير ضمن قطاع التكنولوجيا.



لا ينبغي أن يكون هذا الأمر مفاجئاً إذا فكرنا فيه، فلا بد أنَّك قد سمعت عن المشكلات النفسية التي يعاني منها روَّاد الأعمال نتيجة الضغط الهائل في العمل، لا سيَّما العديد من التقنيين الذين يعملون في الشركات الناشئة، والذي يتطلَّب عملهم ساعات طويلة، وغالباً لا تكون مستقرة.

إنَّ معظم روَّاد الأعمال والمديرين التنفيذيين غير مدركين لطريقة تأثير أعمالهم في الصحة البدنية والنفسية. ومع وجود الكثير من الأشخاص المتأثِّرين بسوء الصحة النفسية، قد تعتقد أنَّ سياسات الموارد البشرية المتقدِّمة، وانفتاح الثقافة التنظيمية للشركات الناشئة سيعالج المشكلة بوضع حلول رائدة، لكنَّ الموضوع لا يزال يترك أثراً سيئاً لدى العديد من المنظمات، وحتى يومنا هذا، غالباً ما يكون النقاش حول الصحة النفسية متعلِّقاً بحياتك المنزلية، وليس بالعمل.

على الرغم من أنَّه ينبغي إجراء مناقشات حول الصحة النفسية في العمل، نحن نحتاج أولاً إلى تغيير الطريقة التي نفكر فيها ونتحدَّث عن صحتنا.

لماذا لا نتحدَّث عن الصحة النفسية؟

أصبحت الصحة النفسية أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، ولكن لماذا لا يزال من الصعب إجراء مناقشات عن هذا الأمر؟ لا تزال بعض القطاعات في مجتمعنا ترى رؤيةً غير صحيحة أنَّ الصحة النفسية السيئة دليل على ضعف الشخصية، ونظراً لأنَّنا غير مهتمين بمشاركة نقاط ضعفنا مع زملائنا ورؤسائنا؛ فنحن لا نرغب في مناقشة هذا الأمر في العمل، ومع ذلك، فإنَّ الأثر السيئ المحيط بالصحة النفسية يتجاوز فكرة رؤيته كضعف أو شعور بالضعف.

لا تُوصَف معظم تشخيصات الصحة النفسية عادةً على أنَّها مرض مثل الانفصام، واضطراب الشخصية الحدية وغيرها، وبدلاً من ذلك، فإنَّها تشمل حالات خطيرة ولكنَّها أقل وضوحاً مثل اضطراب القلق العام أو الاضطراب الاكتئابي، وقد لا يتمكَّن أقرب الناس إليك من معرفة أنَّك تعاني، وعندما يكتشفون ذلك، قد تتراوح ردود أفعالهم بين عدم التصديق والسخرية؛ لهذا السبب، نحن نحتاج إلى تغيير طريقة الحديث عن الصحة النفسية.

إقرأ أيضاً: كيف تؤثر المكافآت وتقدير جهود الموظفين في صحتهم النفسية؟

طريقة الحديث عن الصحة النفسية:

يتطلَّب بدء نقاش هادف يتعلَّق بالصحة النفسية قيادةً تبدأ من الإدارات العليا وتنتهي بباقي عناصر المنظمة، أولاً، تُظهِرُ البيانات أنَّ الصحة النفسية السيئة لا تُميِّز بين المديرين التنفيذيين والموظفين العاديين، ويجب أن يدرك الجميع أنَّه يمكن أن تؤثر حتى في مؤسِّسي الشركات، الذين يُبلِّغون بأنفسهم عن مشكلات الصحة النفسية بمعدَّل يصل إلى 72%.

يُعدُّ احترام الحدود ووجود توازن بين العمل والحياة، بدءاً من الإدارات العليا والمديرين التنفيذيين، أمراً هاماً لتحقيق تقدُّم في خطة الصحة النفسية، ومن الأمثلة على ذلك، عدم توقُّع الرد على رسالة بريد إلكتروني مُرسَلة في الساعة 2 صباحاً، فإذا كان أحد أعضاء فريقك في إجازة، شجِّعه على إلغاء تثبيت برامج التواصل حتى يُنهي إجازته، قد يبدو الأمر بسيطاً، لكنَّ معظم الشركات تجد صعوبةً في عدم قدرتها على السيطرة على موظفيها.

يقول رائد الأعمال إيلون ماسك (Elon Musk): "لن يغيِّر أحد العالم أبداً إذا عمل لمدة 20 ساعةٍ في الأسبوع"، بالإضافة إلى هذا الاعتقاد نحن نحتاج أيضاً إلى عدِّ أنَّ التنازلات يمكن أن يكون لها آثار سلبية طويلة الأمد في الأعمال التجارية، ولا شيء يؤثر في الروح المعنوية مثل الحالة النفسية السيئة لأعضاء الفريق، ويعدُّ الأمر عائداً لنا كقادة لوضع حدود فاصلة بين التفاني في تحقيق الأهداف التنظيمية والسلوكات غير الصحية.

تقدِّم إحدى المنظمات الجديدة المهتمة بالصحة النفسية، والتي تُدعى منظمة أكتيفيتد (Activated)، مثالاً على طريقة قيام الرؤساء التنفيذيين والمؤسِّسين بإنشاء وقيادة مجتمع يركِّز على الصحة كأداة لتحفيز الابتكار، وغالباً ما يشعر القادة بأنَّه من الضروري أن تبدو شخصاً خارقاً، فذلك يجذب المواهب والمستثمرين، كما يجعلنا الظهور بمظهر جيد نشعر بالسعادة.

في الحقيقة، يمكن أن تكون نقطة ضعف الشخص ميزةً بالنسبة إليه؛ وذلك لأنَّها تجعله حليفاً عظيماً لأعضاء الفريق الذين يواجهون صعوبات، وقد تشعر الفِرق التي ترى أنَّك لا تهتم بنفسك بأنَّك لن تفهم أو تتقبَّل معاناتهم، بالتأكيد، يجب أن يكون القادة مُلهمين، لكن يجب أن يهتمُّوا بأنفسهم أيضاً.

إقرأ أيضاً: كيف يمكن للمديرين تعزيز الصحة النفسية لموظفيهم؟

يبدأ النقاش منَّا نحن:

يواجه عالم الشركات الناشئة مشكلة في الطريقة التي يتعامل بها مع الصحة النفسية، لكنَّ المشكلة لن تُحلَّ بهذه البساطة، كقادة، فإنَّ الأمر عائد لنا لإنشاء ثقافات تبدأ من الإدارات العليا حتى باقي عناصر المنظَّمة، لمعالجة هذه الأزمة وتجنُّب المساهمة فيها من خلال ثقافات العمل السَّامَّة والمواقف القديمة تجاه الصحة النفسية، كما يمكننا بدء النقاش من خلال قيادته، ويمكننا جعل أعمالنا أماكن آمنة وصحية للعمل؛ وذلك لتحقيق فائدة أكبر لأهدافنا طويلة الأمد.

قد تشمل الشركات الناشئة الابتكارات والتكنولوجيا الجديدة، ولكنَّ وراء كل ابتكار مميز يوجد شخص حَلُم به؛ لذلك يجب علينا تكريس أكبر عدد ممكن من الموارد لهم بقدر ما نخصِّصُه لمنتجاتنا.

المصدر




مقالات مرتبطة