انتشار ظاهرة المجاعة: أسبابها، وأخطارها، وطرق التخلص منها

رأينا جميعاً على التلفاز وعلى مواقع التواصل الاجتماعي صوراً ومقاطع فيديو لجماعات في بلدان فقيرة تعاني من الضعف الشديد والهزالة وجحوظ العينين والحَبَن (تجمع السوائل في ناحية البطن)، وانتشار الأمراض بسبب نقص التغذية من طعام وشراب؛ إذ تُنسَب كل هذه المظاهر إلى ما يُسمى "المجاعة"، وسنتعرَّف في مقالنا هذا إليها وإلى أسبابها وأخطارها وطرائق التخلص منها.



تعريف المجاعة:

يُشار إلى المجاعة بأنَّها انخفاضٌ وشحٌ في الموارد الغذائية التي يحتاج إليها الإنسان، وتُعَدُّ من أكثر المشكلات الاجتماعية والإنسانية قساوة وخطورة، التي تواجهها العديد من البلدان الفقيرة حول العالم؛ ما يسفر عنها الكثير من المشكلات الكارثية من زيادة أعداد الوفيات وانتشار الأمراض والأوبئة نتيجة نقص المناعة وغيرها.

أسباب المجاعة:

لا تُصنَّف ظاهرة المجاعة ضمن فئة الكوارث الطبيعية؛ وإنَّما يُنسَب الفضل في تسببها إلى ما يأتي:

  1. السياسة في المقام الأول: فالمشكلات الحكومية، والنظام الديكتاتوري البعيد عن الديمقراطية في الحكم، والنزاعات، والإرهاب، والحروب، والعقوبات الاقتصادية، وشح الموارد والثروات الباطنية أو عدم القدرة على استثمارها، وقيام الدول الكبرى بالهيمنة على موارد البلدان الضعيفة والفقيرة، واستغلال مواطنيها، واتباع سياسة الانتداب والاستبداد كلها مظاهر تؤدي إلى حدوث المجاعة.
  2. الكوارث الطبيعية التي تحدث: كالبراكين، أو الزلازل، أو الأعاصير التي لها دور كبير في تدمير المناطق السكنية وتشريد العديد من المواطنين.
  3. فشل التكاتف الاجتماعي بين المواطنين: وخوفهم وعدم مطالبتهم بحقوقهم من حكوماتهم وترددهم في الدفاع عن أراضيهم ومواردهم وثرواتهم.
  4. عدم اهتمام الشعوب وحكوماتهم بالاستثمار الزراعي: وهدر الطعام وعدم اتباع الطرائق المثلى في ضبط العدوى وعلاج الأوبئة والمحافظة على الموارد المائية وتعقيمها.
  5. انتشار ظاهرة الانفجار السكاني في الكثير من بلدان العالم: التي تظهر بكثرة عدد الولادات الزائدة عن حدها، وغياب التوعية والتثقيف بطرائق ووسائل تنظيم الأسرة؛ هذا الأمر الذي يتناسب عكساً مع موارد وقدرة الدولة على تأمين الغذاء الكافي الذي يحتاج إليه الشعب.
  6. يجب ألَّا ننسَ دور الأوبئة: وبالأخص وباء "كوفيد-19" الذي عطَّل العالم وألغى أغلب أعمالهم، وازدادت البطالة، وتوقفت حركة التجارة العالمية والاستيراد والتصدير والإنتاج المحلي؛ وهذا ما زاد من الفقر والجوع الذي وضع العالم على شفير المجاعة الكبرى التي لم تحدث من قبل.
  7. ظاهرة الاحتباس الحراري: والتغيير المناخي التي تهدد بحدوث الكثير من الكوارث؛ كغرق المدن نتيجة ذوبان جليد القطبين، وحدوث جفاف شديد، وشح الأمطار، والتصحر، والكثير من الأسباب الأخرى التي ستؤدي إلى حدوث مجاعة كبرى وموت الملايين.

شاهد بالفيديو: 7 نصائح لتغذية صحية سليمة

أمراض تسببها المجاعة:

فيما يأتي أبرز الأمراض التي تحدث بسبب المجاعة:

يؤدي مرضا فقر الدم السابقين إلى العديد من المشكلات الصحية المتمثلة في الوهن، والشحوب، وقلة النشاط البدني، وكثرة النوم، والدوار، والعديد من الأعراض الصحية الأخرى.

  1. كواشيوركور: وهو مرض سوء التغذية بالبروتين، ويتمثل بانخفاض البروتين والطاقة في الجسم؛ الذي يسبب الهزالة والنحالة واحتباس السوائل وانتشار الوذمات في البطن واليدين والوجه والقدمين، وتساقط الشعر وتغير لونه إلى اللون الأصفر المائل إلى اللون الأحمر.
  2. النكاف: عدوى فيروسية تنتشر في المناطق الفقيرة بكثرة لعدم توافر اللقاح ونقصان المناعة وانخفاض نسبة اليود في الجسم، الذي يتظاهر بتورم في الوجه والغدد اللعابية والغدة الدرقية وانخفاض معدل الاستقلاب في الجسم، ويترافق بالوهن والضعف والحمى والعديد من الأعراض الأخرى.
  3. الوقذ أو المرازمس: مرض يسببه نقص الوارد من البروتين، ويُشاهَد عند الأطفال خاصة، ويتظاهر بنقصان الوزن الشديد، والعيون الجاحظة، والجلد المنكمش الجاف، والوهن، وقلة الحيلة، والإرهاق الذي يمنع المصاب من التحرك أحياناً.
  4. الأمراض الناتجة عن عوز الفيتامينات:
    • أمراض ناجمة عن عوز فيتامين A: يتسبب نقص فيتامين A بحدوث جفاف في الجلد، ونقصان الشهية، ومرض العشى الليلي، وقد يتسبب بالعمى النهائي، وضعف المناعة، والعرضة إلى العدوى بأمراض كثيرة.
    • أمراض ناجمة عن عوز فيتامين C: أبرز أمراضه هو الإسقربوط أو نزف اللثة، وضعف التئام الجروح، وتبقع الجلد، وضعف المناعة، والتعرُّض الشديد إلى العدوى.
    • أمراض ناجمة عن عوز فيتامين B1: أبرز الخلايا المتضررة من عوزه هي الخلايا العصبية، وأشيع أمراضه "بري بري"؛ وهو مرض يتظاهر بتهدُّم الخلايا العصبية والهزال العضلي وقد ينتهي بالشلل.
    • أمراض ناجمة عن عوز فيتامين B2: يتظاهر بالالتهابات الفموية والجلدية وظهور تقرحات في الحلق والجلد.
    • أمراض ناجمة عن عوز فيتامين D: يُعَدُّ هذا العوز نادراً في مناطق المجاعات وخاصة أنَّ التعرُّض إلى الشمس كافٍ لأن يتشكل في الجسم، ولكن عند حدوثه، يتسبب بهشاشة العظام، وكثرة الكسور، وضعف القدرة على التحام الكسور، وغيرها من الأعراض.
إقرأ أيضاً: الأمن الغذائي: تعريفه، ومقوماته، وأبعاده، وحل مشكلاته

خارطة الجوع:

تُعَدُّ خارطة الجوع المقياس الإحصائي لعدد الأشخاص المتأثرين بالمجاعة، وقد تجاوزوا 795 مليون إنسان في العالم باختلاف الأجناس والأعمار، ومتوزعين في العديد من المناطق الفقيرة وخاصة البلدان النامية أو في حالة الحرب كاليمن، والصومال، ونيجيريا، وغيرها.

وتقيِّم خارطة الجوع الأشخاص المتأثرين بالمجاعة وهم بالمجمل ضحايا الحروب، والإرهاب، والفقراء الذين يعيشون في مناطق السكن العشوائي، والأيتام، والمرضى، وسكان المناطق الريفية الفقيرة، ومواطنو البلدان الديكتاتورية والخاضعة لعقوبات اقتصادية خارجية كبرى، وغيرهم الكثير.

أشارت الإحصائيات إلى أنَّ نحو 12.9% من مواطني الدول النامية، يعانون من قلة الغذاء، وتحتوي قارة آسيا النسبة الأكبر من جياع الأرض، ولكن في إفريقيا وتحديداً في جنوب صحرائها الكبرى نجد أعلى معدل انتشارٍ للمجاعة في العالم، 1 من كل 4 أشخاص يعاني من قلة التغذية وتداعياتها.

أخطار المجاعة:

تتمثل أخطار المجاعة في تأثيراتها في الأفراد والمجتمع ومن هذه المخاطر:

  1. انتشار الأمراض وارتفاع معدلات الوفيات: إذ تكثر الأمراض التي يسببها سوء التغذية والجفاف والعدوى التي تنتشر في بيئة المجاعات، ومن هذه الأمراض ما تحدَّثنا عنه آنفاً، كذلك الموت البطيء الناتج عن الجفاف بسبب شح المياه، أو الإسهال الشديد والإقياء الذي تسببه الأمراض المنتشرة، كذلك نقص الغذاء والعناصر الرئيسة التي يحتاج إليها الجسم وشح الأدوية.
  2. موت الحيوانات الهامة كالمواشي والدواجن: ما يسبب تفاقم مشكلة المجاعة وخطرها هو استهلاك المواشي والدواجن بشكل سريع وجائر لتأمين الغذاء عن طريق ذبحها وأكلها دون القدرة على التعويض وضبط الاستهلاك واعتداله وخاصة في حالات الحروب، كذلك نفوق هذه الحيوانات في حالات الأوبئة وانتشارها بينهم وعدم توفر الأدوية لمعالجتها.
  3. موت وهلاك المحاصيل الزراعية: كما الأمر في حالة الحيوانات، فإنَّ الاستهلاك الجائر للمحاصيل الزراعية وعدم استثمار الأراضي الزراعية وزرعها بشكل دوري والاعتناء بها، بالإضافة إلى موت المحاصيل نتيجة الجفاف أو الحشرات أو الأمراض كلها تفاقم المجاعة وتزيدها سوءاً.
  4. انتشار الجرائم والاختلال الاجتماعي: في منطقة تسودها المجاعة تكثر جرائم السرقة لتأمين لقمة الطعام، وتنتشر الدعارة والنهب والفوضى وأعمال الشغب نتيجة الغضب والجوع والعدمية.
  5. الهجرة والتضخم السكاني في المدن: نتيجة الجوع يهاجر معظم سكان المناطق الجائعة قانونياً أو بشكل غير شرعي إلى المدن أو معسكرات اللاجئين؛ حيث يتوافر الغذاء والماء؛ وهذا ما يسبب تضخماً سكانياً في المدن، بالإضافة إلى العديد من المشكلات الاجتماعية الأخرى.
إقرأ أيضاً: 7 مصادر خطيرة لتلوث التربة

طرق التخلص من المجاعة:

  • رفع الوعي عند الناس وخاصة الأغنياء وتوجيههم إلى عدم هدر الطعام والاكتفاء بالحاجة، والتفكير في الناس الأقل حظاً وقدرةً مادية والتعاطف معهم ومساعدتهم.
  • تعاون أفراد البلدان الغنية وحكومات الدول العظمى فيما بينهم للمساعدة على الحد من المجاعات وحل المشكلات ورفع العقوبات؛ وذلك لأنَّها لا تطال إلَّا الأبرياء، والسعي إلى توفير الموارد الغذائية لأكبر عدد ممكن.
  • تنظيم النسل وتوعية الأفراد حول مشكلة الانفجار السكاني التي تُعَدُّ عاملاً رئيساً في تكون المجاعات، وإبراز دور وسائل تنظيم الأسرة المتمثلة بالواقيات وحبوب منع الحمل والتداخلات الجراحية للتقليل من الإخصاب وغيرها للحد من هذه المشكلة، والعمل على بقاء معدلات الإنجاب ضمن المعدلات الطبيعية وبالأخص في الدول الفقيرة.
  • استغلال التقدم التكنولوجي في العمل على زيادة الموارد المنتجة للغذاء؛ وذلك عن طريق استصلاح التربة ورفع كفاءتها وتأمين الأسمدة اللازمة لإغنائها بالعناصر التي تساعد على نمو المزروعات، بالإضافة إلى تأمين المبيدات الحشرية والأدوية الزراعية لمكافحة الآفات والحشرات التي تسبب فساد المحاصيل.

وكذلك جمع المياه وبناء السدود الحديثة، والعمل على تحسين أعلاف الحيوانات، واتباع الوسائل المتقدمة والصحية في تربية المواشي والدواجن، وجعل الدول الغنية تتضامن لتأمين ومساعدة الدول الفقيرة على استثمار مواردها ومدها بالمواد الأولية والمناسبة للعملية التنموية.

  • البلدان الفقيرة غالباً ما تكون مليئة بالثروات الباطنية التي تجذب جشع الدول الكبرى وتسعى إلى احتلالها والسيطرة على ثرواتها واضطهاد شعبها وتجويعه، وهنا يكمن الحل في منظمات حقوق الإنسان وتكاتف الدول مع بعضها، بالإضافة إلى الشعب ومساعدة الأبرياء وإعادة الحق لأصحابه.
  • زيادة حجم مخزون الغذاء العالمي بحيث يكفي ليشمل جميع الناس، والعمل على توزيع الغذاء بشكل عادل؛ إذ نرى حالياً دولاً معدومة لا يملك شعبها حتى فتات الخبز، ونرى غيرها لديها غذاء فائض عن حاجتها، وهنا يجب وضع حلول لتقوم هذه البلدان المستفيضة بالتبرع وتوزيع ما يزيد عنها لتلك الدول الفقيرة.
  • ذكرنا آنفاً أنَّ حلول المجاعة تكمن في تضافر الجهود الدولية وتعاونهم؛ لذا، ظهرت المنظمات الإنسانية التي تهدف إلى مواجهة هذه الظاهرة، ومن أبرز المنظمات على الصعيد العربي هي "جامعة الدول العربية"، التي تهدف إلى علاج المشكلات الزراعية التي يعاني منها الوطن العربي، وأبرز المنظمات على الصعيد الدولي هي "منظمة الأغذية والزراعة" التابعة للأمم المتحدة "فاو"، وعلى الصعيد الإقليمي "اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والهلال الأحمر، واليونيسيف" وهؤلاء يقدمون المساعدات العاجلة والطارئة للمناطق التي تتعرَّض إلى الحروب والحصار والكوارث الطبيعية.
  • توعية الأفراد حول البيئة والحفاظ عليها، والعمل على استغلال مواردها بشكل صحيح وعدم المبالغة، وضبط الاستهلاك، والحد من استنزافها وتوزيعها بشكل عادل ومتساوٍ يكفي جميع الناس.
إقرأ أيضاً: مخاطر التلوث البيئي وأهمية الحفاظ على البيئة

في الختام:

إنَّ مسألة المجاعة هي قضية رأي عام، ويجب أن تتحمَّل كل البلدان الغنية المكتفية مسؤولية معاناة وموت أي إنسان بسبب الجوع، ويتحتَّم على كل مَن يستطيع المساعدة أن يتقي الله وينظر في حال جميع جياع العالم، ويتخيَّل نفسه لو كان مكانهم، ويبادر إلى تقديم العون لهم.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة