النمو العقلي للطفل خلال مرحلة الرضاعة

الصحة العقلية للطفل من أكثر الأمور والجوانب التي تلقى اهتماماً من قِبل الأهل، ويزداد هذا الاهتمام أضعافاً عندما يكون الطفل صغيراً؛ أي في مرحلة الرضاعة؛ وذلك لأنَّ الطفل في هذه المرحلة لا يعرف ما يمكن أن يؤذيه أو يضر بصحته أو يؤثر في تطوُّره، لذلك يجب على الأهل متابعة النمو العقلي للطفل خلال مرحلة الرضاعة والتأكد من أنَّ هذا النمو يسير بالشكل الصحيح ودون أيَّة مشكلات.



وهذا طبعاً ما يمكنهم ملاحظته من خلال مدى التطورات التي تطرأ على عملياتهم العقلية ومن خلال مقارنة أداء أطفالهم وسلوكاتهم مع أقرانهم أو مع السلوكات والأفعال التي يجب أن تظهر على الأطفال في عمر محدد.

ما هو النمو العقلي؟ وكيف يُقاس؟

يعني النمو العقلي التغيرات التي تطرأ على السلوكات وعلى أداء للأطفال أو الناشئة على اختلاف أعمارهم الزمنية وفي المقاييس التي تقيس الأداء العقلي، كما يُعرف النمو العقلي بأنَّه تطور العمليات العقلية بدءاً من الإدراك الحسي إلى الذكاء.

توجد عدة وجهات نظر يمكننا من خلالها معاينة النمو العقلي للرضيع، وسنذكر فيما يأتي وجهتي نظر هما:

1. القياس العقلي الكمي:

ومن خلاله يمكن تحديد الكمية التي يمتلكها الرضيع من القدرة العقلية مقارنةً مع أقرانه.

2. النمو العقلي النفسي ونوعيته:

ومن خلاله يتم تحديد القدرات والمفاهيم التي تظهر على الطفل خلال السنتين الأوليتين من حياته، وكيفية تطور هذه القدرات والمفاهيم خلال هذه الفترة الزمنية.

يتم قياس الذكاء البشري تبعاً لعدد من الروائز - وهي مجموعة من الاختبارات المضبوطة لمعرفة الكيان النفساني بأجمعه، أو لإحدى الوظائف النفسية - يُستخدم كل منها لقياس نوع محدد من قدرات البشر، ويشمل كل رائز مجموعة من البنود التي تزداد صعوبة كلما زادت كمية الإجابات الصحيحة من قِبل عينة من الأشخاص الذين يخضعون للتجربة يسمون الفئة المعيارية، ومثال عن ذلك لنفترض مثلاً أنَّنا نقيس قدرة الطفل الرضيع في الشهر الثالث على رفع رأسه، فإذا تمكَّن 90% من أفراد العينة من رفع رأسهم يجب عَدُّ رفع الرأس سهلاً على الرضيع في الشهر الثالث.

بذلك يمكن استخدام الروائز العقلية لحساب العمر العقلي للرضيع، فالطفل القادر على إنجاز عدد من البنود يماثل البنود التي تم تحديدها لأطفال السنة الأولى يكون عمره العقلي سنة واحدة، وهذا العمر العقلي ليس بالضرورة أن يتماثل مع العمر الزمني للطفل، فمعامل الذكاء هو مؤشر للذكاء النسبي للفرد ضمن مجموعة من أقرانه، ويتم الحصول عليه من خلال تقسيم العمر العقلي للطفل على العمر الزمني ثم ضربه بـ 100.

إذا تخطى العمر العقلي للطفل العمر الزمني فهو بذلك أذكى من أقرانه وأذكى من المتوسط وسيكون معامل الذكاء عنده أكثر من 100 بالتأكيد، في حين إذا قل عمره العقلي عن عمره الزمني فسيكون معامل ذكائه أقل من 100 وبذلك سيكون ذكاء الفرد أقل من المتوسط.

تستطيع روائز الذكاء المستخدمة للأطفال الرضع إذا ما تم استخدامها مع مؤشرات أخرى مثل الوضع الاجتماعي للوالدين والحالة الاقتصادية ومع الملاحظات السريرية أن تمتلك قدرة كبيرة على التنبؤ بذكاء الطفل في المستقبل، كما يمكنها أن تشخص تشخيصاً دقيقاً وجود حالة من الشذوذ العقلي عند الرضيع، وبالطبع لا تتشابه روائز ذكاء الرضع مع روائز ذكاء الناشئة مثلاً.

عموماً تقيس روائز ذكاء الرضع فعاليات الرضيع المختلفة مثل القدرة على الوصول إلى الأشياء، وتتبُّع الأشياء المتحركة بصرياً، والقدرة على التقليد، وترتيب المكعبات، ومن الهام الإشارة إلى أنَّ روائز ذكاء الرضع لا تتناول اللغة، وهذا ما يؤثر في قدرتها التشخيصية نظراً للدور الكبير الذي تؤديه اللغة في تفكير الأطفال.

ترتبط المهارات والقدرات اللغوية ارتباطاً كبيراً مع القدرات العقلية، ومن أهم المؤشرات على القدرات العقلية للطفل مدى قدرته على الاستجابة واتباع التعليمات التي تُعطى له بصورة لفظية، وأيضاً من الهام أن نعرف أنَّ الذكاء يتأثر تأثراً كبيراً بالعوامل الخارجية المحيطة بالطفل، وهذا أيضاً من الأمور التي تؤثر في جودة روائز الذكاء.

أحدهم يقول إنَّه مهما بلغ تأثير المحيط في القدرات العقلية للطفل فتوجد حدود لذلك التأثير لا يمكن للمحيط تجاوزها، وفي الحقيقة هذا الأمر صحيح، لكن لا يمكننا أيضاً إنكار تأثير الظروف الصعبة التي ينشأ بها الكثير من الأطفال، فمنهم من يعيش ضمن أوساط فقيرة جداً تمنع تفتح قدراتهم العقلية والذهنية.

شاهد بالفيديو: كيف يتم العناية بالطفل حديث الولادة؟

ما هي الوظائف العقلية للطفل حتى عمر السنتين؟

المعرفة هي محتويات عقل الطفل وهي نتائج ومحصلة الوظائف أو المظاهر العقلية، فما هي الوظائف العقلية للطفل في عمر السنتين إذاً؟ هذا ما ستعرفه من خلال ما يأتي:

1. الإدراك:

من خلال هذه الوظيفة العقلية يتعرف الطفل إلى العالم الخارجي الذي يحيط به، ويتم هذا عن طريق الحواس، فكلما زادت حساسية أعضاء الطفل تجاه المعلومات التي يتلقاها من الوسط المحيط به وزادت قدرته على تسجيل هذه المعلومات تأثَّر نموه الإدراكي وتطور، ويمكن القول إنَّ الإدراك أكثر الوظائف العقلية تقدُّماً خلال أول سنتين من حياة الطفل.

إقرأ أيضاً: اللعب و التعلم للرضيع 1 – 3 شهور

2. البصر:

من الهام أن نعرف قبل الحديث عن البصر أنَّ دراسة تطور أيَّة حاسة من حواس الرضيع تزيد من معرفتنا المتعلقة بنمو القدرة الإدراكية للرضيع، فعند الولادة لا تكون العين قد أخذت بعد شكلها النهائي من ناحية النمو؛ إذ يستمر النمو والتغيرات الخلوية في شبكية العين حتى الشهر الرابع تقريباً، وطبعاً هذا يؤثر في قدرة الرضيع البصرية.

توجد جوانب أخرى في الجهاز البصري مثل تغلف العصب البصري يكتمل نموها مع مرور الزمن وتقدم الرضيع بالعمر؛ إذ يتقدم التمييز البصري والقدرة على تتبع الأشياء أيضاً مع تقدُّم الرضيع بالعمر، وفيما يتعلق بالألوان فلم يتم حسم الجدل المتعلق بإمكانية رؤية الألوان من قِبل الرضع، لكن بعض الدراسات تؤكد استجابة أبناء الشهر الرابع وانتباههم لموجات الأزرق والأحمر لفترة أطول من انتباههم للموجات الأخرى، كما يبدأ أيضاً الأطفال الرضع بالتطلع إلى الوجوه بين الشهرين الثالث والرابع.

3. السمع:

لا يكون عمل الجهاز السمعي للطفل مكتملاً منذ الولادة؛ إذ يبقى السائل الرحمي في القناة السمعية لفترة من الزمن، وهذا يعوق إعاقة جزئية ذبذبة عظام الأذن الوسطى، فيستجيب الأطفال على الرغم من ذلك للأصوات وخاصة عندما تكون شدة الصوت معتدلة، ولهذه الأصوات المعتدلة أثر مهدئ للطفل كالضوء الخافت تماماً.

تستطيع أيَّة أم ملاحظة هذا عندما تغني لطفلها بصوت ناعم قبل النوم كيف يهدأ ويتوقف عن البكاء، ومن جهة أخرى فإنَّ أصوات الضجيج المفاجئة تُحدِث ردود فعل إجفالية عند الرضيع، كما تزيد من تسارع دقات القلب، وغالباً ما يتعلق الأمر بالفدائية أكثر من الضجيج.

4. الحواس الأخرى:

المعلومات التي تم جمعها عن بقية الحواس أقل من المعلومات التي جُمعت عن الشم واللمس والذوق؛ إذ تكون هذه الحواس كاملة منذ الولادة ولا يطرأ عليها إلا القليل من النضج مع العمر، كما تتفاعل هذه الأجهزة الحسية مع الظواهر الحسية الأخرى ومع الأفعال الحركية، ومع التقدم بالعمر يرتبط الشم والذوق واللمس بفعل القبول أو الرفض.

يولد الرضيع مع براعم ذوقية كاملة، ولكنَّه يعجز عن التمييز بين الحامض والحلو والمالح، وتبدأ التفضيلات الحسية بالظهور بعد الشهر الثالث، فنلاحظ كيف يبصق الأطفال بعض أنواع الأطعمة عندما تحاول الأم إطعامه، وبالنسبة إلى الشم فتنمو القدرة على تمييز الروائح بسرعة بعد الولادة.

5. اللغة:

اللغة هي حصيلة من آلاف الكلمات والمعاني التي تشكلت وتطورت ونمت عبر الزمن ضمن فئة اجتماعية معينة، وتقول الدراسات إنَّ تعلُّم الأطفال واكتسابهم للغة يعتمد اعتماداً رئيساً على تقليد كلام البالغين، وقد أوجدت الدراسات أيضاً أنَّ الأطفال يتعلمون الأسماء قبل الضمائر والأفعال والصفات والظروف، أما بالنسبة إلى حروف الجر وأدوات الربط فهي آخر ما يتعلمه الطفل، كما أنَّهم يتعلمون الجمل البسيطة قبل المعقدة.

منذ عام 1970 بدأ الاهتمام بوجهة نظر "بياجيه" التي تقول إنَّ اللغة تُشتق من فعل الطفل الخاص ومن صوغه للمفاهيم، وقد تم بعد ذلك محاولة الربط بين النمو اللغوي والنمو الإدراكي وقد جرت العديد من الأبحاث في هذا الصدد، إذاً الاهتمام هنا ليس في كيفية استخدام اللغة بوصفها حصيلة اجتماعية؛ بل بكيفية اكتساب هذه اللغة.

 شاهد بالفيديو: 10 طرق لتنمية الذكاء والقدرات العقلية عند الأطفال

كيف يتعلم الطفل الكلام:

حتى نعرف كيف يتعلم الطفل الكلام لا بد لنا من الحديث عن الموضوعات الآتية:

1. مراحل التصويت:

يتحسس الطفل لصراخه هو بالتحديد كما أظهرت إحدى الدراسات التي أُجريت على رضع في الشهر الأول، ففي الوقت الذي يكون صراخ الطفل غير مميز ويعجز الراشد عن فهم القصد منه، يتمكن الرضيع من الاستجابة لصراخه هو بالذات أكثر من أقرانه بعد سماعه لتسجيلات تحتوي على صراخه وصراخ أقرانه.

خلال الشهر الثاني يبدأ الصراخ بأخذ طابع تمييزي؛ إذ يتمكن الراشد من فهم القصد من صراخ الطفل سواء بسبب الجوع أم الخوف، وبعدها تبدأ المناغاة وتستمر حتى الشهر التاسع تقريباً، وتشكل هذه المناغاة الأساس المتين للمهارة اللغوية، وترتبط المناغاة بالنضج العضوي، فتأخُّر الطفل عن المناغاة أو عدم المناغاة قد يكون دليلاً على وجود تأخُّر ما أو مشكلة عضوية عند الرضيع.

من خلال الاحتكاك والتواصل الاجتماعي تتحول هذه المناغاة إلى كلمات بسيطة كمقاطع صوتية مثل "بابا"، "ماما"، والشهر العاشر هو المرحلة الأخيرة قبل مرحلة اللغة ويبدأ الطفل بتقليد الكبار، كما يبدأ أيضاً بالاستجابة لأصوات الكبار، وفي نهاية السنة الأولى يستطيع الطفل تمييز الأصوات الرئيسة في لغة الوالدين ويحاكيها.

2. الكلام المبكر:

الكثير من الأهل يتساءلون "متى سينطق ابني كلمته الأولى؟"، وفي الحقيقة لا توجد إجابة دقيقة عن هذا التساؤل، فعموماً يبدأ الأطفال الكلام تقريباً مع البدء بالشهر الخامس عشر، لكن يوجد الكثير من الفروق بين الأطفال، ويربط الكثير من العلماء بين العمر الذي يبدأ به الطفل الكلام وبين نموه العقلي، فمثلاً تشير الدراسات إلى أنَّ الأطفال المتفوقين عقلياً يبدؤون الكلام في الشهر الحادي عشر، في حين يتأخر عند ضعيف العقل إلى الشهر التاسع والثلاثين.

إقرأ أيضاً: تأخر النطق عند الطفل: الأسباب والعلاج

في الختام:

يُعَدُّ النمو العقلي للطفل من أهم جوانب النمو التي يمرُّ بها الطفل خلال رحلته وصولاً إلى سن الرشد، ومن الجدير بالذكر أنَّ النمو العقلي هذا لا يسير دائماً بوتيرة واحدة؛ بل يختلف تبعاً للمرحلة العمرية التي يمر بها الطفل، فالتطورات العقلية التي يمر بها الطفل الرضيع تختلف عن التطورات التي يمر بها في مرحلة الطفولة المبكرة، وعموماً يجب على الأهل أن يكونوا يقظين دائماً وحاضرين للتدخل عند ملاحظة أي تأخُّر لدى أطفالهم.




مقالات مرتبطة