ما هي أكثر الخرافات انتشاراً حول الدماغ البشري؟
إنَّ أكثر المعلومات الخاطئة انتشاراً في المجتمع عن الدماغ البشري هي أنَّ البشر لا يستخدمون سوى 10% من الخلايا العصبية الدماغية، وما هو أغرب من ذلك انتشار هذه الخرافة في أوساط المتعلمين أيضاً؛ إذ بينت دراسة استقصائية في الولايات المتحدة الأمريكية أنَّ أكثر من نصف الدارسين في الجامعة يعتقدون بصحة هذه المعلومة الخاطئة.
إذ تُشير أستاذة علم أعصاب الإدراك في جامعة أوهايو إلى أنَّنا نستخدم كل جزء من الدماغ، وليس بالضرورة أن تكون جميع مناطق الدماغ تعمل في الوقت نفسه؛ إذ تُستَخدَم كل المناطق إلى حد ما على مدار اليوم؛ وذلك بحسب المهمَّة التي نقوم بها؛ مثل القراءة أو حل المسائل أو قيادة السيارة أو النوم.
هل يوجد دماغ أيسر ودماغ أيمن؟
لا يوجد ما يُسمى الدماغ الأيسر أو الدماغ الأيمن؛ إذ إنَّ كل وظيفة من الوظائف الدماغية تشارك فيها مراكز دماغية قد تكون موجودة في نصفي الكرة الدماغية، وخرافة وجود نصف دماغي مهيمن قد يكون مصدرها الدراسات القديمة التي أُجريَت في ستينيات القرن الماضي وكانت على أدمغة تفتقر إلى اتصالات سليمة بين النصفين.
تؤكد الدراسات الحديثة أنَّ أغلب الوظائف الدماغية تتطلب مشاركة نصفي الكرة المخية من أجل تنفيذ هذه المهمة بدقة؛ إذ إنَّ مركز التعبير واللغة وفهم اللغة موجود في النصف الأيسر من الدماغ، بينما تنغيم الكلام وضبط إيقاعه موجود في النصف الأيمن من الدماغ.
دماغ المرأة أم دماغ الرجل: أيهما الأكثر ذكاءً؟
توجد الكثير من الاختلافات بين الذكور والإناث، ولكنَّ هذا لا يعني أبداً وجود تفاوت بينهما من ناحية الذكاء والقدرة على التعلُّم؛ إذ تُشير الدراسات الحديثة إلى أنَّ متوسط حجم دماغ الرجل أكبر من متوسط حجم دماغ المرأة، لكن من جهة أخرى، فإنَّ القشرة الدماغية عند النساء أسمك من القشرة الدماغية الموجودة عند الرجال؛ مما يعني محصلة متساوية.
تُشير أبحاث ودراسات أخرى إلى أنَّ أداء الإناث أفضل من ناحية المهارات الكلامية واللفظية والكتابية، بينما الذكور أفضل في حل المشكلات، لكن توجد الكثير من التيارات العلمية التي تشكك في مدى صحة هذه الدراسات؛ وذلك لتعذُّر إمكانية عزل العوامل الاجتماعية والتربوية التي تؤثر في تطور الدماغ بشكل آو بآخر.
لقد أثبتت دراسات أخرى أنَّ كلا الجنسين متساويان في القدرة على حل المسائل الرياضية، ونستطيع أن ننظر إلى الواقع أمامنا؛ إذ قد نجد معلمة أنثى أفضل من معلم ذكر، وقد نجد طبيبة أنثى أفضل من طبيب ذكر، وقد نرى خلاف ذلك؛ أي مسألة النجاح في الحياة تتعلق بالدماغ، ولكنَّها حتماً لا تتعلق بجنس الدماغ؛ وذلك لأنَّه آلة تفكير وجمع معلومات وتحليلها وحفظها ومعالجتها ومن ثم استدعائها وقت الضرورة؛ أي الدماغ البشري لا جنس له.
يكثر الحديث عن أنَّ المرأة أذكى من الناحية العاطفية؛ أي تتمتع بذكاء عاطفي أكبر، وقد نلاحظ هذا الأمر على أرض الواقع، غير أنَّه في الحقيقة غير مثبت بالأدلة القاطعة أو الدراسات الكافية.
شاهد: 10 حقائق قد لاتعرفها عن العقل البشري
هل توجد علاقة بين حجم الدماغ ودرجة الذكاء؟
يوجد جدال مستمر في الأوساط العلمية عن وجود تأثير لحجم الدماغ في جودة الذكاء، وقد ساد اعتقاد قديم بأنَّ الدماغ الأكبر يحمل معدل ذكاء أعلى، ولكنَّ الأبحاث الحديثة أثبتت عدم وجود أيَّة علاقة بين حجم الدماغ وجودة الذكاء.
إذ شُرِّحَت الكثير من أدمغة العباقرة والمخترعين والمفكرين والأدباء وعلماء الرياضيات بعد وفاتهم، ولم يثبت وجود دليل قاطع على أنَّ حجم الدماغ لديهم كان أكبر من الحجم الطبيعي، وكذلك الأمر بين الحيوانات المختلفة؛ إذ وجد الباحثون أنَّ الحيوانات الأكثر ذكاءً لا تتمتع دائماً بدماغ أكبر.
ما هي العلاقة بين تطور الدماغ البشري وموعد الولادة؟
تُوجد نظرية منتشرة في الأوساط العلمية تقول إنَّ الأطفال يُولَدون بينما ما تزال أجسامهم ضعيفة من أجل السماح لأدمغتهم الكبيرة بالنمو والتطور خارج الرحم، وإذا أردنا أن نتمعَّن في هذا الكلام قليلاً؛ لوجدناه يحمل الكثير من المنطق؛ إذ يُولَد صغير الحصان ويبدو عليه الضعف، لكن ما هي إلَّا ساعات ونراه يمشي على قدميه، بينما الأطفال الرُّضع فإنَّهم يحتاجون إلى أكثر من سنة ليصبحوا قادرين على السير وحدهم، وهم لا يستطيعون الأكل أو حتى التجشؤ دون مساعدة الأم والأب؛ وذلك لأنَّ بقاء الحصان على قيد الحياة يعتمد على جسده، بينما بقاء الإنسان يعتمد على عقله أكثر من أي شيء آخر.
هل يؤثر عدد التلافيف الدماغية في معدل الذكاء؟
تدل الأبحاث والدراسات على عدم وجود علاقة أكيدة بين عدد الطيات أو التلافيف الدماغية ومعدل الذكاء، بينما لاحظ العلماء والباحثون أنَّ أدمغة القرود والدلافين مجعَّدة أكثر؛ أي تحتوي على عدد أكبر من التلافيف بالمقارنة مع أدمغة الفئران الناعمة نوعاً ما؛ والتي تمتلك تلافيف قليلة؛ مما يطرح جدلاً عن إمكانية وجود علاقة، وعلى كل حال ما يزال العلماء يبحثون عن السبب الكامن وراء هذه الطيات وكيفية تطورها.
ما هي العناصر التي تجعل الدماغ ذكياً؟
إن كان حجم الدماغ لا يعبِّر عن معدل الذكاء، وإن كان عدد التلافيف الدماغية لا يتعلَّق بدرجة الذكاء؛ فما هي العناصر التي تجعلنا أذكياء أو غير أذكياء؟ يؤكد العلماء والباحثون على أنَّ العلم ما يزال يجهل الكثير من العمليات البيولوجية المتعلقة بالذكاء، لكن من المرجَّح وجود روابط أفضل بين الخلايا العصبية الدماغية تجعل الدماغ أكثر ذكاء، وهذه الروابط تُسمى في علم الأعصاب بالمشابك العصبية، وكلما كانت هذه المشابك أكثر تطوراً وموجودة بشكل أكبر؛ كان التواصل أفضل بين الخلايا العصبية الدماغية، ومن ثم كان العمل بين هذه الخلايا أكثر كفاءة.
يُشير علم التشريح إلى احتمال وجود علاقة بين سماكة القشر الدماغي ودرجة الذكاء، ولا سيما في بعض مناطق الدماغ مثل الفص الجداري.
شاهد أيضاً: 5 نصائح ذهبيّة لتعزيز طاقة الدماغ
هل يبقى ذكاء الدماغ ثابتاً في جميع مراحل الحياة؟
لطالما اعتقد الناس أنَّ الأشخاص يُولَدون أذكياء أو في حال ظهرت لديهم علامات الذكاء في بداية المرحلة التعليمية، فإنَّ هذا الذكاء سوف يرافقهم مدى الحياة، والحقيقة مناقضة لذلك بشكل كامل؛ إذ إنَّ الذكاء لا يتمتع بأي شكل من أشكال الثبات؛ إذ يتغير في كل مرحلة من مراحل الحياة، فقد يتطور ويصبح أفضل وكذلك قد يتراجع.
تؤثر الكثير من العوامل في تراجع أو تطور الذكاء، ومن أهمها العوامل الجينية والعوامل البيئية وعوامل التغذية، وتقول الدكتورة ساندرا تشابمان مديرة مركز صحة الدماغ في جامعة تكساس في دالاس بأنَّنا اعتقدنا لفترات طويلة من الزمن بأنَّنا أذكياء وسنبقى دائماً أذكياء، ولكنَّنا نعلم اليوم أنَّ هذا الكلام خاطئ، فالعلم يكشف اليوم وبكل وضوح أنَّ قدرات الدماغ ليست ثابتة؛ إذ إنَّنا في حالة تشكُّل وإعادة تشكيل مستمرة لعقولنا من خلال تغيير طريقة تفكيرنا.
هل يمكن أن تصبح الوظائف الدماغية أفضل مع التقدُّم في العمر؟
لا شكَّ بأنَّ العديد من الوظائف الدماغية تتدهور مع التقدم في العمر؛ وذلك بسبب فقدان خلايا الدماغ مع تقدم العمر وكذلك يتقلص حجم الخلايا الدماغية، بالإضافة إلى فقدان الكثير من التغصنات التي تربط الخلايا الدماغية ببعضها بعضاً؛ مما يعني تواصل أقل فيما بينها، وهذا أمر منطقي ومعروف بالنسبة إلى جميع الناس، ولكنَّ ما هو غير مُتوقع هو اكتشاف بعض الأبحاث الجديدة لأخبارٍ سارة فيما يخص علاقة الوظيفة الدماغية مع التقدم في العمر؛ وهو أنَّ أكثر من ثلث الخلايا العصبية الموجودة في منطقة الحصين تخضع إلى عملية تجديد ذاتية.
تشير إحدى الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أنَّه على الرغم من تدهور بعض الوظائف المعرفية الدماغية مع التقدم في العمر، إلَّا أنَّ ذلك لا يطال جميع الوظائف؛ فوظيفة اللغة يتم الحفاظ عليها بشكل جيد مع التقدم في العمر، وكذلك تُظهر الأبحاث المُجراة في جامعة هارفارد وجامعة ماساتشوستس للتكنولوجيا أنَّ المهارات الحسابية لا تصل إلى ذروة تطورها إلَّا مع بلوغ الخمسين من العمر، وكذلك المفردات والمصطلحات والمفاهيم وما يُسمى بالذكاء التراكمي الذي يضم جميع الحقائق والمعارف والخبرات المكتسبة تصل إلى ذروتها في عمر الخمسين وربما بعد.
في الختام:
لا شكَّ بأنَّ الدماغ البشري هو أكثر آلة معقدة وغامضة على وجه الأرض، ولكنَّه خاضع إلى أحد القوانين البسيطة التي تقول بأنَّ ما يُستَخدَم باستمرار ينمو ويتطور، وما يُهمَل يضعف ويضمر، من هنا فإنَّ أهم نصيحة يمكننا أن نختم بها مقالنا هي ألَّا تتوقف عن تشغيل دماغك في القراءة والمطالعة والكتابة والألعاب الذهنية، وبلا شك تصفُّح موقعنا الذي يقدم لك كل ما هو مفيد وجديد.
أضف تعليقاً