النجاح يأتي من الثقافات التنظيمية القوية ويبدأ من القادة

قبل ذهابي لقضاء عطلتي، أجريتُ محادثة مع أحد كبار مسؤولي الموارد البشرية الذي استدعيَ ليكون مدير الموارد البشرية الجديد في شركتنا، وهذا ما أخبرني به: "لقد تقدَّمتُ باستقالتي الأسبوع الماضي، لكنَّني سأبقى خلال بداية السنة الجديدة. لقد تغير أربعة مديرين تنفيذيين خلال أربع سنوات، وجوُّ الشركة مشحون بالاتِّهامات المتبادلة؛ فعند حدوث أي موقف يبحث الجميع عن شخص يلقون عليه باللوم، والحق أنَّه ليس لدي وظيفة أخرى، لكن ما أنا متأكِّد منه أنَّني لم أعد قادراً على تحمُّل المزيد".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "رون توماس" (Ron Thomas) ويُحدِّثُنا فيه عن دور القادة في تشجيع الموظفين على المشاركة وبناء ثقافة متينة للشركة تساعدها على تحقيق النجاح.

الثقافة السامَّة تعني موظفين سامِّين:

تعبِّر الإجراءات التي يتم اتِّخاذها في شركة ما بطريقة أو بأخرى عن روح الشركة، وعندما يتصرف القادة بطريقة خاطئة فمن المحتمل أن يكون لتصرفهم أثر مدمِّر في الشركة بأكملها، وبالطبع لا أحد يريد أن يعمل في شركة غير متوازنة طالما أنَّه يستطيع إيجاد وظيفة أخرى.

نشرت جامعة "هارفارد" (Harvard) دراسة قام بها كل من "مايكل هاوس مان" (Michael Housman) و"ديلان مينور" (Dylan Minor) وسُميت الدراسة باسم "موظفون سامُّون" (Toxic Workers). يعتقد كل من "مايكل" و"ديلان" أنَّ الأشخاص الموهوبين والمنتجين يمكن أن يُضرُّوا بثقافة الشركة؛ بل من الممكن أن يؤثروا سلباً في أرباحها إذا مارسوا سلوكاً سلبيَّاً.

كتبت "نيكول توريس" (Nicole Torres) عن هذا في تقرير لها بعنوان "إنَّ تجنُّب وجود موظف سلبي في شركتك أهم من توظيف شخص ذي موهبة فريدة" (It’s Better to Avoid a Toxic Employee than Hire a Superstar)، والذي نُشِر في مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" (Harvard Business Review): "إنَّ تجنُّب موظف سلبي يمكن أن يوفر للشركة حمايةً مضاعفة مقارنةً مع توظيف شخص ذي أداء عالٍ ويمتلك موهبةً فريدة، ويُقدَّر التوفير الذي يحققه تجنُّب الموظف السلبي بنحو 12,500 دولار من النفقات التي تترتب على دوران العمالة، بينما حتى أفضل الموظفين من حيث الموهبة والأداء لا يحقِّق أرباحاً للشركة تتجاوز 5300 دولار.

ومع ذلك، نرى الكثير من الشركات تتجاهل هذه المشكلات، وتتابع إجراءات عملها على أساس أنَّ هذه المشكلة ستختفي من تلقاء نفسها، لكن ما يحدث هو أنَّ هذا النوع من المشكلات يصبح جزءاً من ثقافة الشركة.

شاهد: 9 مؤشرات تؤكد أنَّك ناجح حتى لو كنت لا تشعر بذلك

القادة يحددون ثقافة الشركة:

لقد اعتدنا في زمن سابق أن نرى الموظفين يتركون وظائفهم بسبب المديرين السيئين، لكن ما أراه الآن هو أنَّ الموظف يترك وظيفته بسبب ثقافة الشركة السيئة؛ لأنَّك عندما تُنشئ بيئة عمل سامَّة، فإنَّك تقتل روح المبادرة لدى الموظفين، وتزيد من معدَّل دوران العمالة، وتسبب مشكلات أخرى في شركتك.

لقد استخدمتُ تعبير "بيئة عمل سامَّة" لأنَّني أعتقد أنَّه إذا لم يبدأ قادة الشركات ببناء ثقافة مستدامة في شركاتهم فإنَّهم - من ثم - يبنون ثقافة سامَّة.

قادة الصف الأول هم واجهة الشركة، وواجبهم هو وضع الأهداف الاستراتيجية والثقافية للشركة، وتوجيه الشركة بالاتجاه الصحيح الذي يحقِّق رؤيتهم، ومن خلال المواقف والإجراءات الإيجابية يمكنهم بناء ثقافة تحاكي تطلُّعات الموظفين جميعهم وتلهِمهم.

يتفاعل 60% من الموظفين الواثقين بقدرات قادة الشركة، والذين يعتقدون أنَّ قادتهم يقودون الشركة نحو النجاح تفاعلاً كاملاً مع ثقافة الشركة.

يريد الموظفون التعبير عن آرائهم، ويريدون أن يشعروا بأنَّ آراءهم هامَّة، وليس غريباً أن نرى الموظفين في الشركات التي تُشجِّع على التواصل الصريح والمنفتح يستمتعون بمعلمهم أكثر، ويرحِّبون بالفرص التي تسمح لهم بمشاركة مفاهيمهم وتبادل الآراء مع زملائهم للوصول إلى حلول للمشكلات، لكن عندما يشعر الموظفون أنَّهم غير قادرين على التعبير عن آرائهم، وأنَّ بيئة العمل مسمومة للغاية، فمن الطبيعي أن يفكِّروا بالمغادرة والبحث عن فرص خارج الشركة.

يستطيع قادة الشركات تطوير ثقافة المشاركة عن طريق تشجيع روح الفريق والتعاون بين الموظفين؛ إذ يُشكِّل هذا التفاعل الإيجابي على المستوى القيادي نموذجاً للنجاح يجب الاقتداء به على جميع المستويات، حتى المستويات الوظيفية الأدنى داخل الشركة.

الثقافة المتينة تعني النجاح، والثقافة الضعيفة تؤدي إلى الفشل:

يجب على القادة أن يكونوا قدوة، ويكون اهتمامهم بثقافة الشركة بمقدار اهتمامهم بالاستراتيجية الداخلية للشركة. والشركات التي تناقض استراتيجيتها ثقافتها التنظيمية يجب أن تُفكِّر تفكيراً جدياً بتعديل استراتيجيتها لتتلاءم مع ثقافتها؛ والسبب أنَّ تعديل الاستراتيجية أسهل بكثير من تعديل الثقافة الخاصة بالشركة.

ومع ذلك، أحياناً يكون تغيير ثقافة الشركة هو الخيار السليم الذي يجب اتخاذه، فعندما تكون ثقافة الشركة مليئة بالممارسات غير السليمة، فعندها لن تنفع أي استراتيجية في تحقيق النجاح. وإنَّ متابعة العمل الجاد لتغيير ثقافة الشركة أمر بالغ الأهمية، لتحقيق النجاح على الأمد الطويل، وبالمقابل يكون هناك حالات تكون فيها الاستراتيجية مقنعة جداً لدرجة أنَّ عدم تطوير ثقافة الشركة لتتلاءم معها يكون قصر نظر.

المشاركة تبدأ في المستويات القيادية العليا:

يعني التأثير التراكمي أنَّه إذا كان قادة الشركة ملتزمين ببناء الثقافة الصحيحة للشركة، فإنَّ تراكم هذا التأثير سيؤتي ثماره. وتُظهِر جميع الدراسات التي تناولت الشركات ذات الأرباح العالية أنَّ هذه الشركات تشترك بسِمة واحدة، وهي جودة إدارتها العليا؛ وهذا يعني أنَّه عندما يكون لدى قادة الشركة مستوى عالٍ من المشاركة، فإنَّهم يمتلكون قدرة كبرى على تشجيع الآخرين على المشاركة.

إقرأ أيضاً: كيفية إنشاء قيم جوهرية أصيلة للشركة تحظى بالثقة

أهمية امتلاك القادة لمهارات التواصل الصريح من أجل بناء الثقة:

يُنظَر إلى القادة في الشركات التي يكون فيها مستوى المشاركة مرتفع جداً على أنَّهم أكثر فاعلية من أقرانهم في الشركات التي يكون فيها مستوى المشاركة منخفض.

يوجِّه هؤلاء القادة الشركة بالاتجاه الصحيح ويحشدون القوى العاملة، وهنا يؤدي التواصل دوراً هاماً في بناء شخصية القائد المؤثر؛ بمعنى أنَّه يجب على القادة ربط واقع العمل وتأثيره في الشركة، وفي الوقت نفسه تحفيز الموظفين ذهنياً وعاطفياً.

القيادة الفعَّالة والتواصل المستمر هما دائماً عنصران هامَّان، وتزداد أهميتهما في الأوقات الصعبة، من أجل ضمان عدم انخفاض مستوى مشاركة الموظف عن المستوى الحالي، ومن ثمَّ رفع مستوى مشاركته لاحقاً. والأمر الهام فيما يتعلق بمهارات التواصل لدى القائد، هو أن يتواصل باستمرار وبصراحة عندما يجيب عن الأسئلة التي يطرحها الموظفون.

إقرأ أيضاً: أهم العوامل ذات التأثير على إدارة الموارد البشرية

القادة هم من يحفِّزون الموظفين على المشاركة:

لا يظهر عادةً تأثير القادة في مشاركة الموظف بشكل يؤدي إلى دفع الموظف ليصبح المحرِّك الأساسي لثقافة المشاركة في الشركة، إنَّما القادة هم من يصبحون المحرِّك الأساسي في تكوين ثقافة متينة للشركة؛ إذ توحي مشاركتهم في بناء ثقافة متينة بالتزام الشركة، وتعيد إحياء المبادرات التي تدفع الموظف نحو المزيد من المشاركة. وفي نهاية المطاف، عندما لا يبالي القائد بمصير الشركة، فلا يمكن أن نتوقَّع اهتماماً من الموظف العادي.

المصدر




مقالات مرتبطة