المرونة الشخصية: كيف تستفيد من نقاط قوتك للتغلب على الصعوبات؟

لطالما عددتُ نفسي شخصاً قلقاً يشعر بالارتباك بسهولة بسبب الأحداث التي قد لا تزعج شخصاً آخر؛ إذ يسبب التغيير في ظروف الحياة دفعي إلى وسط دوامة من الذعر والإفراط في التفكير، وفي المقابل، شريكي هو الشخص الأكثر استرخاءً إذ لم أره قط يفزع أو يتوتر عندما تصبح الحياة صعبةً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة "فيكتوريا ستوكس" (Victoria Stokes) والتي تُحدِّثنا فيه عن تجربتها في استغلال نقاط القوة للتغلب على الصعوبات.

هذا مجرد مثال واحد على كيفية تفاعل الناس في الكثير من الأحيان بشكل مختلف تماماً مع الظروف نفسها، ولكن انظر حولك، ومن المحتمل أن ترى أمثلةً على ذلك في كل مكان، فقد تشعر بالإثارة والحماسة عندما تُعرَض عليك وظيفة جديدة، لكن لاحِظ أنَّ صديقك يشعر بالذعر والتوتر عند تجربة الشيء نفسه، فربما تكون قد شاهدتَ أحد أفراد الأسرة ينجح نجاحاً باهراً خلال مواجهته لصعوباتٍ غير متوقَّعة، لكنَّك لاحظتَ أنَّ هناك نكسة مماثلة تسبَّبَت في ظهور أسوأ ما فيك.

لحسن الحظ أنَّه من الطبيعي تماماً أن تستجيب أنواع الشخصيات المختلفة بطرائق مختلفة عند مواجهة مشكلات أو ضغوطات، ومع المعرفة الصحيحة، يمكنك استخدام نقاط قوَّتك الفريدة للتغلب على الصعوبات.

معرفة سماتك:

أول وأهم الأمور هو معرفة مجال الشخصية الذي تقع ضمن نطاقه؛ حيث تقول هني لانجكاستر جيمس (Honey Langcaster-James)، عالمة النفس ومؤسِّسة شركة أون ست ويلفير (On Set Welfare): "علماء النفس مهتمون جداً باختلافاتنا الفردية، فهم يدرسونها من وجهة نظر النموذج الاجتماعي الحيوي (The biosocial model)، وهو يتبنَّى فكرة أنَّ جزءاً من هويتنا سببه حيوي فطري في جيناتنا، فبعض جوانب شخصيتنا وراثية، مثل ما إن كنتَ منفتحاً أو انطوائياً، أو تحب التحدث عن أفكارك أو مشاعرك، أو تفضِّل البقاء وحدك".

قد يكون من المفيد النظر إلى كيفية تفاعل الأقارب المقربين مع الصعوبات لتحديد سمات شخصيتك، أو التعمق في ماضيك أيضاً؛ حيث نميل نحن البشر إلى تفسير الأحداث وفقاً لتجاربنا السابقة وما تعلَّمناه منها، وعادةً ما تتماشى ردودنا مع ما شهدناه من قبل.

وتوضِّح "لانجكاستر جيمس": "نحن نعلم أنَّ الشخص الذي عانى من أحداث مرهقة في الماضي من المرجح أن يتوقع الأحداث المسببة للضغط في المستقبل، وعندما يقع حدث ما، قد يفسره على أنَّه ينطوي على احتمالية أكبر للمخاطرة".

ما هي عوامل الشخصية الخمسة الكبرى؟

إذا كنتَ لا تزال تبحث عن نوع شخصيتك، فتنصح "لانجكاستر جيمس" بالنظر إلى أهم خمس صفات، تقول: "هناك سمات شخصية معيَّنة مرتبطة بضغوطات الحياة على وجه الخصوص، فعلى سبيل المثال: هناك نموذج معروف للشخصية يُدعى عوامل الشخصية الخمسة الكبرى، والمعروف أيضاً بالاختصار OCEAN".

  • يشير الحرف (O) إلى كلمة (Openness) وتعني الانفتاح الذي يشير بدوره إلى مدى انفتاح الشخص على التجارب.
  • يشير الحرف (C) إلى كلمة (Conscientiousness) وتعني الوجدان الذي يشير بدوره إلى مدى حرص الشخص واهتمامه بالتفاصيل.
  • يشير الحرف (E) إلى كلمة (Extroversion) وتعني الانبساط الذي يشير بدوره إلى مقدار استخلاص الفرد للطاقة من التفاعلات الاجتماعية.
  • يشير الحرف (A) إلى كلمة (Agreeableness) وتعني الوفاق ويشير بدوره إلى مدى مساعدة الشخص وتعاونه مع الآخرين.
  • يشير الحرف (N) إلى كلمة (Neuroticism) وتعني العصابية التي تشير بدورها إلى مدى تعرُّض الشخص للقلق أو المزاجية.

السمات المذكورة آنفاً متدرجة الحدة، وليست إما شديدة أو خفيفة.

شاهد بالفديو: 8 علامات قوة في شخصيتك، كيف تعرفها؟

1. التغلب على الصعوبات التي يواجهها أفراد الشخصية المنفتحة:

يميل أولئك الذين يسجلون درجات عالية على مقياس الانفتاح إلى امتلاك الخصائص التالية:

  • تقبُّل تغييرات الحياة ومستجداتها بسهولة.
  • الفضول.
  • المرونة.
  • التكيف بسهولة مع التغيير.
  • الرغبة في خوض التجارب.
  • القدرة على حل المشكلات.

يقول "لي تشامبرز" (Lee Chambers)، عالم النفس البيئي: "أولئك الذين يميلون إلى إظهار مستويات عالية من الانفتاح فضوليون وينغمسون في تجارب جديدة بانتظام"، فالأنواع المنفتحة قادرة على التكيف مع التغيير بسهولة أكبر، ويقول أيضاً: "طبيعتهم الأكثر مرونةً تساعدهم على تحمُّل عنصر عدم الاستقرار، وغالباً ما تمنحهم رغبتهم في التجربة والتعلم أفكاراً حول خوض غمار الصعوبات".

وفقاً لـ "تشامبرز" يميل الأشخاص المنفتحون إلى تحويل الصعوبات إلى تمرين في حل المشكلات، فهذا يعني أنَّه لديهم بالفعل مجموعة أدوات تساعدهم على تجاوز الصعاب، وأيضاً شرح "تشامبرز": "يساعدهم ذكاؤهم التجريبي على التفكير في التحديات السابقة والعثور على رؤى محتملة للاستفادة منها، كما أنَّه من المرجح أن يكونوا مبدعين وأن يولِّدوا حلولاً مبتكرة، ويرون أنَّ الصعوبات هي تحديات تقدِّم لهم فرصاً للتفوق".

التحديات التي يواجهها أفراد الشخصية المنفتحة:

يتوق الأشخاص المنفتحون إلى تجربة أشياء جديدة، لكن من الهام ألا ينشغلوا كثيراً في السعي وراء الحداثة، فهذا يمكن أن يؤدي إلى المخاطرة أو الاندفاع.

2. التغلب على الصعوبات التي يواجهها أفراد الشخصية الوجدانية‌:

غالباً ما يُظهِر الأفراد الوجدانيون الخصائص التالية:

  • التركيز على الأمد الطويل عند مواجهة الصعوبات.
  • شعور بالمسؤولية تجاه ما يمكنهم التأثير فيه.
  • الشعور بأنَّهم يستطيعون التأثير في المواقف.
  • تخطيط مرن وشامل.

يقول "تشامبرز": "من المرجح أن يتحكم الأفراد الذين يتسمون بالوجدان باندفاعهم لرؤية الأسوأ في الصعوبات، مع التركيز على الأمد الطويل وتحمُّل المسؤولية أيضاً عن العوامل التي يمكنهم التأثير فيها في الوقت الحاضر"، ومن المحتمل أن يعملوا بحذر في طريقهم إلى إيجاد حلول مستقرة وأن يتسموا بالفاعلية عندما يتعلق الأمر بمعالجة الصعوبات.

يقول "تشامبرز": إنَّ اتخاذ القرار الاستباقي يمكن أن يساعد الأشخاص الوجدانيين: "فالوجدانيون مخططون بارعون، ويُعَدُّ التخطيط المرن أمراً ممتازاً في الأوقات الصعبة، فعندما تفشل الخطة "أ" مثلاً، ينفِّذون خططاً بديلة كثيرة حتى يعثروا على حل قابل للتطبيق".

التحديات التي يواجهها أفراد الشخصية الوجدانية:

وفقاً لـ "تشامبرز" قد يواجه الأشخاص من النوع الوجداني صعوبةً في الابتكار وتجاوز القواعد، وقد يسعون إلى الكمال أيضاً إلى درجة تؤدي إلى نتائج عكسية.

3. التغلب على الصعوبات التي يواجهها أفراد الشخصية الانبساطية:

تشمل الخصائص التي يتمتع بها أفراد الشخصيات الانبساطية ما يلي:

  • الازدهار من خلال التواصل الاجتماعي.
  • الفاعلية في جذب الآخرين.
  • جمع مجموعة متنوعة من وجهات النظر لوضع خطة عمل شاملة.
  • القدرة على مشاركة أفكارهم ومشاعرهم بسهولة.

يقول "تشامبرز": إنَّ الأفراد الانبساطيين من المرجح أن يتفاعلوا مع التحديات من خلال مشاركة الأفكار، ويميلون أيضاً إلى التحدث مع الآخرين عن مشكلاتهم بدلاً من التفكير الفردي، وفي الأوقات الصعبة، يحتاجون إلى استجماع قوَّتهم والتواصل الاجتماعي، ويفضلون أيضاً معالجة المشكلات بحيوية أو عاطفية وليس فكرياً.

يقول "تشامبرز": "يمكن لذوي النوع الانبساطي الاستفادة من نقاط قوَّتهم من خلال دعوة الآخرين إلى المشاركة في إيجاد الحلول، والحصول على مجموعة متنوعة من وجهات النظر والآراء لصياغة خطة عمل شاملة للمضي قدماً، ومن خلال القدرة على مشاركة أفكارهم ومشاعرهم، حتى يشعروا بالدعم"، ويضيف أنَّ تفاؤلهم وقدرتهم على التكيف مفيدان في رؤية المكاسب الصغيرة وإجراء تصحيحات في المسار في أثناء تخطيهم للصعوبات.

التحديات التي يواجهها أفراد الشخصية الانبساطية:

يفضل ذوو الشخصية الانبساطية الاندفاع في حل المشكلات، ويكتشفون لاحقاً أنَّه ليس لديهم خطة احتياطية، ومن المفيد التأني في التفكير لرؤية الصورة الكبيرة قبل التصرف.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح للتغلب على تحديات الحياة كالمحترفين

4. التغلب على الصعوبات التي يواجهها أفراد الشخصية الوفاقية:

تشمل الخصائص التي يتمتع بها أفراد هذا النوع من الشخصية ما يلي:

  • التركيز على القيم والاهتمامات المشتركة.
  • التفكير في التأثير الشخصي والجماعي.
  • التعاطف الطبيعي.
  • التأكيد على التعاون.
  • التعبير عن المشاعر السلبية تعبيراً صحياً.

يقول "تشامبرز": "من المرجح أن يستجيب الأشخاص الوفاقيون استجابة مدروسة في الأوقات الصعبة، ويعني تركيزهم على القيم المشتركة واهتمامهم بالآخرين أنَّهم غالباً ما يفكرون في التأثير الشخصي وفي كيفية تأثيرهم في الآخرين"، كما يعني تعاطفهم الطبيعي أنَّهم رائعون في استخدام التعاون كحلٍّ، وينتج عن هذا تجنب الصراع غير الضروري ويساعدهم على التعبير الصحي عن المشاعر السلبية.

يقول "تشامبرز": "يتألق الأشخاص الوفاقيون في جمع الناس معاً لحل المشكلات وتجاوز الصعوبات، وإنَّ مرونتهم نعمة حقيقية، ودون قضاء وقت في التذمر وإلقاء اللوم ومحاولة أن يكونوا مثاليين، يكون لديهم المزيد من الوقت ليكونوا واسعي الحيلة، وليخططوا وليجدوا طريقةً لجلب الأمل للمستقبل".

التحديات التي يواجهها أفراد الشخصية الوفاقية:

يحذِّر تشامبرز من أنَّ هذا النوع من الشخصية يجب أن يكون حذراً من طبيعته التي تدفعه إلى إرضاء الناس، فقد يميلون إلى أن يكونوا "لطيفين" للغاية عندما يواجهون قراراتٍ صعبة ويضعون احتياجات الآخرين قبل احتياجاتهم.

5. التغلب على الصعوبات التي يواجهها أفراد الشخصية العصابية:

تشمل خصائص الأشخاص الذي أبدوا أعلى درجة في مقياس العصابية ما يلي:

  • مزاج متغير.
  • حساسية للتهديدات.
  • درجة عالية من الاستعداد.
  • الوعي الذاتي والتفكير القويان.
  • أقل عُرضةً لتحمُّل المخاطر.
  • الذكاء والإبداع في حل المشكلات.

وفقاً لـ "لانجكاستر جيمس"، فإنَّ هذا النوع يتأثر بالتحديات والضغوطات أكثر من الأنواع الأخرى، يقول "تشامبرز": "الأشخاص الذي يحققون أعلى درجة على مقياس العصابية هم بطبيعة الحال أكثر حساسيةً للتهديدات، ومن المحتمل أن يروا الصعوبات على أنَّها علامة على أنَّ توازنهم العاطفي معرَّض للتهديد، فيجدون أنفسهم يكافحون لمعرفة الإمكانات والفرص لمواجهة التحدي بينما يفكرون ويقلقون بشأن المعضلة الحالية".

غالباً ما يُنظَر إلى الدرجة العالية من العصابية على أنَّها سلبية، ولكن يمكن أن يكون لها الكثير من الفوائد التي تشمل النزعة المنخفضة للمخاطرة التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم المشكلات، والوعي الذاتي الذي يمكن استخدامه للتفكير، والتوازن الصحي بين الواقعية والفكاهة، يقول "تشامبرز": "من المحتمل أن يتوصلوا إلى حلول غريبة يمكن أن تكون فعالةً".

الصعوبات التي يواجهها أفراد الشخصية العصابية:

يحتاج الأشخاص الذين يسجلون درجات عالية من العصابية إلى الحماية من الميل إلى الوقوع في دوامة سلبية تجعل التغيير الإيجابي يبدو وكأنَّه جبل عالٍ منحدر يستحيل تسلُّقه؛ حيث يمكن أن يساعد تغيير المنظور على رؤية الأشياء بموضوعية أكبر.

تغيير استجابتك للصعوبات:

عندما يتعلق الأمر بتعديل كيفية التغلب على الصعوبات، تقول "لانجكاستر جيمس": إنَّ العلاج قد يكون أداةً مفيدة، وتقول "لانجكاستر جيمس": "يتعلق العلاج السلوكي المعرفي (CBT) بإحداث تغيير من خلال النظر إلى عمليات التفكير الخاصة بك وفهم كيفية ارتباطها بسلوكك، فإذا بدأتَ بفهم ما يحفز عمليات التفكير لديك، فيمكنك البدء بتفسير العملية وتعلُّم تحدي عمليات التفكير هذه"، ومن حسن الحظ أنَّ قبول استجاباتنا يمكن أن يصبح أسهل مع تقدُّمنا في العمر.

تقول "لانجكاستر جيمس": "نحن نميل إلى قبول أنفسنا أكثر ونصبح أكثر استقراراً نفسياً مع تقدُّمنا في العمر"، وهذا يعني أنَّنا أقل عُرضةً لجلد الذات وأكثر عُرضةً للتكيف بدلاً من ذلك، وتقول أيضاً: "يمكن أن يساعدك علم النفس على فهم شخصيتك، ولماذا تفكر فيما تفكر فيه وتتصرف بالطريقة التي تتصرف بها، وبمجرد أن تبدأ بفهم هذه الأشياء، يمكنك مقاطعة العملية والاستجابات المعتادة والسير في مسار مختلف".

إقرأ أيضاً: 6 طرق لمواجهة صعوبات الحياة والعيش بسعادة وهناء

الخلاصة:

يدير كل واحد منا الصعوبات في حياته بأساليب مختلفة، ومع مرور الوقت، يمكنك تعلُّم قبول وتعظيم إمكانات استجابتك للتحديات، كما يمكنك تعلُّم التغلب على الصعوبات من خلال الاستفادة من نقاط قوَّتك ومن خلال فهم نوع شخصيتك.

المصدر




مقالات مرتبطة