وبما أنَّ الكمال هو هدف كثير من الناس، فهذا يعني أنَّ كل ما يقف في طريق الكمال هو بمنزلة عدو ينبغي القضاء عليه، قد يكون هذا أشخاصاً آخرين، أو عقبات أخرى تواجهها، والأسوأ من ذلك كله هو أن تقف أنت وعيوبك عقبة أمام تحقيق ما تريد؛ ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، فقد ثبت أنَّ السعي وراء الكمال يضر بصحتك أيضاً.
ثمة حقيقتان عليك أن تدركهما، مع أنَّهما قد تبدوان واضحتين، إلى درجة أنَّك قد تعتقد أنَّهما غير صحيحتين في الواقع: الحقيقة الأولى: هي أنَّ كل شخص لديه عيوب، وأما الثانية: هي أنَّ الكمال لله سبحانه تعالى وحده؛ لذا، إذا أردت أن تحيا بوصفك إنساناً سليماً نسبياً بقية حياتك، فقد حان وقت تقبُّل هذه الحقائق.
لسوء الحظ، لا وجود لدليل يعلِّمك كيف تكون مثالياً؛ لأنَّ الكمال بحد ذاته غير موجود إلا عند الله تعالى؛ لذا وبدلاً من ذلك، نقدِّم إليك دليلاً حول كيفية تقبل عيوبك ونواقصك بشكل مثالي، خاصةً إذا كنت تشعر بالخجل من عيوبك تلك.
لماذا يُعدُّ الكمال وهماً؟
قد تندهش من مقدار صعوبة تقبُّل هذا الأمر؛ إذ لعلَّك عشت طفولتك وأنت تشاهد أفلام ديزني والرسوم المتحركة، وتلعب مع الأبطال المفضلين لديك.
يجد الناس المتعة في هذا النوع من البرامج لأنَّه يسهل فهمها، ولكونها تمنحنا هدفاً للحياة، وإحساساً بالصواب؛ إذ نادراً ما تجد شخصيةً متناقضةً في أفلام الرسوم المتحركة، فالخير والشر واضحان وضوحاً لا ريب فيه، والبطل مثالي للغاية، والشرير غارق في خطاياه.
أنتَ تبدأ بالتعلق بفكرة الكمال دون وعي حينما تصل إلى مرحلة البلوغ؛ فالعالم غريب ومعقد للغاية، ويستحيل فهمه تماماً؛ لذا يسهل التعامل مع الأمور عندما تراها بالأبيض والأسود، وتصنِّفها على أنَّها جيدة أو سيئة، وتتسم بالكمال أو لا تتسم.
إنَّ القيام بذلك خطأ شائع يعيق الكثير من الناس؛ إذ لا وجود لسياسة مثالية، أو حزب سياسي مثالي، أو إجراء مثالي يتعين اتخاذه، أو شريك مثالي نرتبط به؛ فكل إجراء نتخذه في النهاية يكون على حساب آخر، وحتى التقاعس عن إجراء ما؛ له ثمنه الخاص الذي عليك دفعه.
وحتى إذا كنت تعتقد أنَّك تتخذ الإجراء المثالي في موقف معين، فأنت لا تعرف كيف سيؤثر هذا الإجراء في شخص آخر، أو في العالم، أو حتى في نفسك فيما بعد؛ فقد يؤدي انتظار الشريك المثالي إلى عيش حياة يسودها الشعور بالوحدة، وبعيدة كل البعد عن السعادة التي تخطط لتحقيقها.
على الجانب الآخر، قد يؤدي تقبُّل عيوب الشريك إلى حياة سعيدة، وأقرب إلى "الكمال" الذي تطمح إليه؛ إذ لا وجود للكمال في هذه الحياة، بل يتعلق الأمر بالتنازلات التي يجب عليك تقديمها؛ وإدراك هذه الحقيقة كفيل بأن يغيِّر حياتك للأفضل.
شاهد بالفيديو: كيف تدفع نفسك للمضي قدماً وتحقيق النجاح؟
عواقب السعي وراء الكمال:
يمكن اختصار عواقب السعي وراء الكمال بالبؤس والحزن والعجز، فالكمال مجرد وهم كما ذكرنا سابقاً، وبالتالي تُعدُّ محاولة السعي وراءه خطأً لن يقودك إلا إلى البؤس والقلق والشقاء في حياتك؛ فمَثَلُ السعي وراء الكمال كمَثَلِ البحث عن قِدر الذهب في نهاية قوس قزح؛ فهو هدف متحرك لا وجود له بالفعل؛ ولكن من اللطيف التفكير فيه، فكما قال المفكر المعاصر الشهير نافال رافيكانت (Naval Ravikant): "الرغبة هي عقد تبرمه مع نفسك لتكون غير سعيد حتى تحصل على مبتغاك".
ينطبق القول نفسه على السعادة والسعي وراء الكمال؛ إذ يجبر الكثير من الناس أنفسهم على أن يكونوا تعساء حتى يصلوا إلى مقياس زائف قبل أن يأذنوا لأنفسهم بأن يكونوا سعداء.
نشعر جميعنا برغبة طبيعية في الحصول على المزيد، وفي التحسن والتحسين، وفي أن تكون أناساً أفضل، ولكنَّ التحسُّن، ورحلة الحياة نفسها هي كل ما يهم؛ إذ لا وجود لوجهة سحرية من شأنها أن تحل جميع مشكلاتك.
لا وجود للكمال في الدنيا؛ لذا لا تخدع نفسك أبداً، وتقامر بسعادتك معتقداً بوجوده، إنَّها محاولة رديئة حمقاء ليس إلا.
تقبُّل العيوب هو المعنى الجديد للكمال:
ربما حاولت إخفاء عيوبك عن الآخرين وربما حتى عن نفسك؛ فجميعنا نفعل ذلك في مرحلة ما؛ فربما كنت تخشى أن يحكم الآخرون عليك أو يرفضوك، أو كنت خائفاً جداً من نظرتك إلى نفسك، وإذا تعمقت كثيراً في التفاصيل، ربما قد كشفت أيضاً عن بعض عيوبك للأصدقاء المقربين والعائلة؛ لكن في هذا الجزء من الحياة يكون الضعف صحياً؛ فعندما تتعرف إلى الناس بشكل أفضل، تبدأ في الانفتاح، والراحة، وتسمح لنفسك بالتألق دون عناء.
تذكر حين قابلت أفضل صديق لك أول مرة وكم يبدو الموقف محرجاً لك الآن؛ تذكر الإحراج في اللقاء الأول مع شريكك الذي أصبح الآن جزءاً أساسياً من حياتك، أو تذكر موقفاً ما حين كنت محرجاً للغاية بشأن شيء ما، ولكن الأمر كان طبيعياً بالنسبة لعائلتك وكأنَّ شيئاً لم يحدث؛ ففي الواقع لم يكن الأمر يستدعي حرجك وقلقك أصلاً.
خلال كل هذه المواقف والعديد من المواقف الأخرى في حياتك، كان لديك عيوب كنت تشعر بالحرج تجاهها، أو أجزاء منك لم تكن فخوراً بها بشكل خاص، أو هفوات لا يمكنك تداركها تماماً، لكن انظر أين وصلت الآن؛ وانظر إلى هذه الأمور التي لم تكن ذات أهمية في نهاية المطاف.
على الأرجح، لقد أصبحت أكثر قرباً من أولئك الذين تحبهم في حياتك بعد أن كشفت لهم عيوبك؛ بدلاً من التظاهر بالكمال الذي لم يكن موجوداً في الواقع.
ربما يكون هذا الأمر صحيحاً في الجهة المعاكسة أيضاً؛ فأنت تتأثر عندما يفتح لك صديق قلبه ويطلب نصيحتك في بعض الأمور الحياتية، كما تشعر بالرضا عندما يمكنك مساعدة أحد أفراد الأسرة الذي طلب مساعدتك لتجاوز أحد عيوبه.
فمع الطريقة التي تفكر فيها، تُعدُّ هذه العيوب والانفتاح والقبول كلها أجزاء أساسية من الحياة، فهي تجمع الناس معاً بصورة لا يمكن للكمال فعلها على الإطلاق؛ لذا كن كما أنت فلا أحد يعبِّر عن ماهيتك الحقيقية مثلك، بكل ما تمتلك من نقاط قوة وضعف وكل شيء آخر. وعندما تصبح ما أنت عليه وليس ما تعتقد أنَّك يجب أن تكون عليه (أو من يعتقد شخص آخر أنَّك يجب أن تكون عليه)، تصبح حينئذ الحياة أفضل بكثير؛ إذ تتعمق علاقاتك، ويحبك الناس بسبب هويتك، وأنت تعلم أنَّ الأشخاص المقربين سيكونون موجودين من أجلك أنت، وليس بسبب ما تدعيه من مثالية لن تصل إليها أبداً؛ لذا تقبل العيوب وستصل إلى هذا "الكمال الجديد"؛ واعلم أنَّ العيوب تجمع الناس معاً وهو ما لن يستطيع الكمال فعله أبداً.
ما الذي عليك أن تفعله بعيوبك؟
والآن بعد أن بدأت تدرك أنَّ الكمال قد لا يكون أمراً رائعاً، وأنَّ عيوبك ليست سيئة للغاية؛ فلا يزال من الصعب معرفة كيفية التعامل معها؛ فالعيوب لا تختفي بطريقة سحرية بين عشية وضحاها؛ لذا إليك بعض النصائح التي يمكنك اتباعها لإعادة بناء علاقتك مع عيوبك، وتوديع أسطورة الكمال إلى الأبد:
1. تقبَّل عيوبك:
لعلَّ الخطوة الأوضح والأكثر فاعليةً التي يجب عليك اتخاذها أولاً، هي البدء في تقبُّل عيوبك؛ فهي الطريقة المثالية التي عليك اتباعها، خاصةً إن لم يكن لدى أي أحد مشكلة مع عيوبك ما عداك أنت؛ إذ على الأرجح أن تكون عيوبك مجرد أمور بسيطة كأن يكون لديك سنٌّ متزعزع، أو أن تكون طريقة مشيك غريبة قليلاً؛ فاعلم أنَّ عيوب معظم الناس هي أمور لا يراها ولا يهتم بها أي شخص آخر؛ لذا من الأفضل تقبل هذه العيوب على حالها لتنعم براحة البال، وإذا كنت محاطاً بأشخاص طيبين، سيحبونك بسبب عيوبك، وليس مع وجود من عيوبك، فلماذا تقلق؟
2. غيِّر عيوبك:
لا تحتاج أبداً إلى السعي وراء الكمال، ولكن إذا كانت عيوبك تقف عائقاً في طريق صحتك النفسية أو الجسدية أو علاقاتك، ولا يفيد تقبَّلها أي أحد كثيراً، فإنَّ الخطوة التالية هي محاولة تغييرها.
وكما هو الحال مع أي تغيير تجريه في حياتك، من الهام ألا تتوقع تحقيق نتائج كبيرة بسرعة كبيرة، وأن تستمر في العمل نحو التغيير بخطوات صغيرة تتخذها يوماً تلو الآخر؛ إذ لا يمكنك أن تتوقع أن تصبح لاعب غولف محترف في غضون أسابيع أو حتى أشهر، ولا تختلف هذه المهارة عن ذلك أيضاً، وقد يكون الأمر أكثر صعوبة.
3. انسَ عيوبك:
إذا كنت لا تستطيع تقبُّل عيوبك لأي سبب من الأسباب، ولا يسعك تغييرها؛ فإنَّ الحل الأخير الذي يمكنك اتخاذه هو ببساطة أن تبذل قصارى جهدك لنسيانها؛ إذ لا بد أنَّك مررت بالكثير من اللحظات في حياتك حين لم تفكر بعيوبك، وشعرت بسعادة بالغة؛ فلربما أخبرك أحدهم نكتةً مضحكة، أو كنت تستمتع بمشاهدة الشهب المتساقطة، أو كان عليك كتابة مقال اقترب موعده النهائي.
إذا كنت لا تستطيع منع عقلك من التركيز على عيوبك عندما تكون في حالة من الراحة، فاشغل عقلك عبر القيام بشيء آخر.
أنشِئ ما يكفي من هذه "المشتتات التكتيكية"، وقد تدرك أنَّه يمكنك بالفعل أن تعيش حياتك رغم وجود هذه العيوب، ومن عجيب المفارقات هنا أنَّك تبدأ بتقبَّل هذه العيوب، أو تتلاشى من ذهنك تماماً.
الخلاصة:
نأمل أن تكون قد أدركت من خلال هذا المقال أنَّ الكمال ليس أمراً حقيقياً، وأنَّ السعي وراءه يضمن أن تحيا حياةً ملؤها البؤس، وانعدام الشعور بالرضا الكافي؛ فقد تُغريك فكرة الكمال وبهاؤه، ولكنَّه لا يمنحك أي هدف جوهري.
على الجانب الآخر، فإنَّك تمتلك عيوباً كأي شخص آخر تماماً، إذا كنت لا تعتقد أنَّ شخصاً ما لديه عيوب، فمن الواضح أنَّك لا تعرفه حق المعرفة، ومع ذلك، لا ينبغي أن تخجل من عيوبك؛ بل عليك أن تحتفي بها؛ لأنَّها تقرِّبك من الأشخاص الذين تهتم بهم كثيراً، وتشكِّل جزءاً من جوهرك الكلي؛ ربما لا تجعلك هذه العيوب كاملاً؛ ولكنَّها جزء منك عليك أن تتقبل أنَّه يكملك بشكل أو بآخر؛ لذا تجنَّب السعي إلى الكمال، واحتفِ بالعيوب.
أضف تعليقاً