الطفل الجاحد وكيفية التعامل معه

يُعَدُّ إنجاب الأطفال وتربيتهم أمراً لا يمكن وصفه بدقة، ولا توجد كلمة تعبِّر عن ذلك؛ إذ إنَّه بقدر ما يحمل من الفرح الذي يجعل الأهل يشعرون بأنَّهم في أسعد مراحل حياتهم، بقدر ما يحمل من المتاعب والصعوبات في المقابل، والتي تجعلهم يشعرون بالتعب والعجز في بعض الأحيان لكثرة المواقف الصعبة التي تتطلَّب الكثير من الصبر والتفهُّم والوعي، كما أنَّه لا توجد قاعدة عامة وثابتة لتربية الأطفال؛ وإنَّما الأمر يختلف من طفل إلى آخر، فلا يمكن للأهل تطبيق طريقة أحد ما في تربية أبنائهم، وإحدى المشكلات التي قد تواجه الأهل في تربية أبنائهم هي جحود الأطفال؛ لذلك سوف نتحدث في هذا المقال عن كيفية معالجة هذه المشكلة ليتمكَّن الأهل من التعامل مع الطفل الجاحد.



الطفل الجاحد:

في كثير من الأحيان نسمع الأهل يقولون عبارات مثل: "ابني لا يُقدِّر أي شيء أفعله من أجله"، أو "أنا أعمل كثيراً من أجل أولادي ولكنَّهم ناكرون للجميل"، فكم من الصعب على الأهل أن ينكر الأبناء فضلهم وأن يُحتَرموا فقط عندما يَطلب الأبناء منهم شيئاً وبعد ذلك ينسون ذلك بعد يوم أو يومين ويعودون إلى الأسلوب الفظ في التعامل معهم؟

لا يقتصر الأمر على هذا التصرُّف؛ وإنَّما توجد العديد من النقاط التي تشير إلى أنَّ هذا الطفل جاحد، ومنها ما يأتي:

1. لا يستطيع أن يسمع كلمة لا:

يمكن أن يلاحظ الأهل جحود طفلهم من خلال طريقة تعامله مع حرمانه من أمر معيَّن أو رفضهم لطلب من طلباته؛ وذلك لأنَّ قبول الطفل للرفض وتفهُّمه لأسباب الرفض يدل على أنَّه سيكون أكثر قدرة على تحمُّل الواقع ومواجهة مصاعب الحياة الكثيرة؛ إذ لا يمكن تحقيق كل ما نرغب فيه، أمَّا عدم تقبُّله للرفض سيصعِّب حياته بشكل كبير.

2. عدم تقبُّل الهدايا التي لا يريدها:

مثلاً في عيد ميلاد الطفل قد تأتيه هدايا مختلفة من الأهل والأصدقاء والمقربين، وعندما يفتحها سيكون من المُحرج للأهل رفض طفلهم لهديةِ أحدهم أو إبداء عدم إعجابه بها أمامه، كما أنَّه من المُحزن أن يتعب الأهل ليقدموا هدية تُسعد ابنهم ويُصدموا فيما بعد برفضه وعدم امتنانه لذلك؛ وهذا دليل واضح على جحوده.

إقرأ أيضاً: 7 تصرفات تفسد تربية الطفل حاول أن تتجنبها

3. رفض الطفل اتِّباع القواعد:

إنَّ الطفل الجاحد لا يرغب في تطبيق حتى أبسط القواعد في المنزل، وينتابه الغضب عند فرض أمر معيَّن عليه مثل تحديد ساعات رؤيته للتلفاز أو تحديد ساعات اللعب، وهذا الأمر سوف ينعكس سلباً على حياته؛ فلا يمكنه الغضب من قواعد المدرسة مثلاً؛ مما سوف يتسبَّب في الكثير من المتاعب للأهل مستقبلاً.

4. الغضب المتكرر:

إنَّ نوبة الغضب يمكن أن تُصيب عامة الأطفال؛ وذلك كتعبير عن رفضهم لأمر معيَّن أو استيائهم من قرار اتَّخذه الأهل بحقهم، لكن عندما تتكرر نوبات غضب الطفل بشكل غير منطقي ويتكرر نكرانه لكل شيء؛ فهذا يدل على عدم امتنانه إلى شيء يملكه؛ أي إنَّه طفل جاحد.

5. عدم شكر أحد:

عندما يقدم الأهل لأطفالهم أشياء تسعدهم؛ يتمنون أن يسمعوا منهم كلمة "شكراً" أو أن يُظهروا الامتنان بطريقة معيَّنة، ولكنَّ الطفل الجاحد لا يشكر أحداً مهما قدَّم له، وحتى عندما يطلب من أحد شيئاً ويلبيه فوراً لا يمتن إلى ذلك؛ وإنَّما يعتقد أنَّه حصل على حق من حقوقه الطبيعية.

شاهد بالفيديو: 8 تصرفات تشير إلى أنَّنا نسيء تربية أطفالنا دون أن نعلم

لماذا يصبح الطفل جاحداً؟

لكل مشكلة في الحياة سبب وراء ظهورها، خاصة المشكلات التي تتعلق بنفسية الطفل لا تظهر من العدم وليست موروثة؛ وإنَّما ظهرت نتيجة أشياء تحدث في حياته، وحتى يتمكَّن الأهل من معالجتها لا بدَّ من التعرُّف إلى المشكلة جيداً وإلى أسباب حدوثها.

من الأسباب التي تؤدي إلى جعل الطفل غير ممتن ما يأتي:

1. عدم التفكير المنطقي قبل تلبية طلبات الطفل:

يسعى الأهل غالباً إلى جعل طفلهم سعيداً، فيسارعون إلى تلبية طلباته المختلفة، حتى وإن بدت لهم غير منطقية لا يهم ذلك؛ وإنَّما الهام هو رؤية الفرح في عينيه، ولكنَّ هذا أهم سبب لجعله طفلاً جاحداً غير ممتن إلى شيء، فلا يجب أن يُعطى ما يريد وبالوقت الذي يريد؛ لأنَّ ذلك يخلق مشكلة لديه؛ إذ يعتقد أنَّه يستحق كل شيء يُعطى إليه ويتفاقم لديه الشعور بأهميته ومكانته لدى أهله ويعتقد أنَّه على الجميع تحقيق طلباته لاحقاً، وهذا الأمر بعيد كل البعد عن الحياة الواقعية.

2. عدم إعطاء الطفل مساحة شخصية ليكتشف العالم:

يلجأ الكثيرون من الآباء إلى حماية طفلهم لدرجة أن يجعلوه يعيش في فقاعة محميَّة خالية من كل المخاطر؛ مما يجعله يعتقد أنَّ الحياة هكذا جميلة وخالية من المشكلات، فعندما يخرج من إطار العائلة لاحقاً يُصدم بالواقع الخارجي، فقد كان يعتقد أنَّ الامتيازات المتوفرة لديه موجودة لدى الجميع، وهي حق طبيعي من حقوقه؛ لذلك هو غير مُمتن إلى وجودها ولا يشعر بقيمتها.

3. عدم منح الطفل الاستقلالية:

أحياناً ونتيجة لتحكُّم الأهل بالطفل وبجميع قراراته وعدم السماح له بالقيام بالأمور التي يرغب فيها حتى وإن كانت طلباته منطقية ويمكنهم تحقيقها - مثل رفضهم لتعلُّم هواية معيَّنة وجبره على تعلُّم الهوايات التي يرغبون فيها - يجعلون منه طفلاً جاحداً، ونلاحظ ذلك بكثرة عند فئة المراهقين؛ إذ يصبحون غير ممتنين إلى كل ما يُقدَّم لهم؛ وذلك لأنَّهم بحاجة إلى الاستقلال والتحكم بنفسهم فقط وبحاجة إلى تقرير ما الذي يحبونه في الحياة؛ إذ إنَّ المراهق في هذه المرحلة سيشعر أنَّه أداة لتحقيق أحلام والديه فقط.

4. عدم ربط المكافآت بسلوك الطفل:

إذ تقول الدراسات إنَّ المكافآت وحتى الهدايا يجب أن ترتبط بسلوك الطفل؛ أي يجب أن يجتهد ليحصل عليها كي يشعر بقيمتها فيكون ممتناً إلى حصوله عليها؛ مما يحفزه على بذل المزيد من الجهود للحصول على المكافآت التي يرغب فيها، ويحافظ على سلوكه الجيد مع أهله ومع الآخرين؛ وهذا ما يجعله يكوِّن فكرة صحيحة نوعاً ما عن الحياة الواقعية التي تحتاج إلى الكثير من العمل والاجتهاد في سبيل تحقيق الأمنيات والرغبات.

إقرأ أيضاً: أهم 10 نصائح في تربية الأطفال تربية سليمة

كيفية التعامل مع الطفل الجاحد:

إن لاحظتَ إحدى العلامات السابقة على طفلك، فعليك الحذر ومحاولة معالجة المشكلة قبل تفاقمها، ويمكن ذلك من خلال اتِّباع النقاط الآتية:

  • عندما يُظهر الطفل عدم امتنانه إلى أمر معيَّن، عليك أن تناقشه بالموضوع مطولاً وأن تعرف وجهة نظره وتحاول أن تشرح وجهة نظرك له بما يتناسب مع عمره، وأن تُذكِّره أنَّ عليه أن يكون ممتناً إلى كل ما يمتلك، ومن الضروري أن تحافظ على هدوئك وتبتعد عن الغضب؛ لأنَّ ذلك يصعِّب الموقف ويزيد من نوبة غضب الطفل ومن التوتر بينكما دون الوصول إلى نتيجة مُرضية للطرفين.
  • يجب أن يعرف الطفل أنَّ كل كلمة يقولها لها تأثير إيجابي أو سلبي في الآخرين، ومهمَّة الأهل شرح هذه النقطة جيداً لطفلهم كي لا يُظهر عدم امتنان لأحد قدَّم له هدية حتى وإن لم تُعجبه؛ بل يجب أن يفكر للحظات قبل أن يُبدي رد فعل سلبي أو يقول كلمة جارحة لأحدهم.
  • لا يجب تلبية طلبات الطفل فوراً بشكل دائم؛ وإنَّما على الأهل جعله ينتظر ليوم أو حتى يومين قبل أن يُحقَّق ما يريد، فمثلاً عندما يطلب لعبة جديدة وإن كان باستطاعة الأهل جلبها فوراً؛ يمكن أن يقول له الأب: "غداً سأجلبها لك" ليشعر بقيمة الانتظار، ومن الأفضل ربط الهدايا والمكافآت بسلوك الطفل لأهميَّة ذلك كما قلنا آنفاً، فيمكن أن يقول له سوف أجلب لك اللعبة بعد رؤية نتائج امتحاناتك في المدرسة مثلاً.
  • مشاركة طفلك بالنشاطات والأعمال الخيرية والتطوعية كي يرى أنَّ الكثيرين من الناس يحتاجون إلى المساعدة وأنَّ الحياة الواقعية صعبة جداً؛ مما يجعله يشعر بالامتنان إلى ما لديه ويشكر الآخرين إن قام أحدهم بلفتة صغيرة تجاهه.
  • يجب أن تكون قدوة صالحة لطفلك؛ وذلك لأنَّ الطفل يتعلَّم أولاً من والديه، فإنَّ كل ما تتصرفه سيعود ابنك ويتصرفه معك ومع الآخرين؛ لذلك يجب أن يكون اللطف من عاداتك في التعامل مع الآخرين، إضافة إلى كل الصفات الجيدة التي ترغب في رؤيتها في أبنائك مستقبلاً.
  • يجب على الأب أن يشارك في تربية أبنائه؛ إذ إنَّ بعض الآباء يهتمون بتوفير المال اللازم لعائلتهم دون مشاركة أبنائهم في اللعب أو في تدريسهم مثلاً؛ فيصبح الأب في نظر الأبناء كمموِّل للعائلة دون وجود مشاعر المحبة تجاهه، ومن ثم لن يقدروا أياً من جهوده لعدم قربه منهم؛ بل تقتصر علاقتهم على طلب ما يريدون منه وتلبيته لطلباتهم؛ لذلك من الضروري أن تكون قريباً من أبنائك وتجد بعض الوقت يومياً للجلوس معهم والتعرُّف إليهم ومشاركتهم ما يحبون.
  • الانتباه إلى أصدقاء أبنائك فقد يغيِّر الطفل الكثير من عاداته نتيجة لما يراه من أصدقائه؛ لذلك من الضروري إن لاحظ الأهل تصرفات لم تعجبهم في الأصدقاء أن ينبهوا الطفل لها؛ كي لا يقلد صديقه ومن الأفضل أن يبتعد عنه.

شاهد بالفيديو: 15 نصيحة للآباء في تربية الأبناء

فوائد الامتنان في الحياة:

  1. تقول الدراسات إنَّ الامتنان يؤدي إلى التقليل من هرمون التوتر، ومن ثم يؤدي إلى التقليل من القلق ويزيد من الشعور بالأمان لدى الفرد، كما أنَّه يعزز التعاطف والاسترخاء والهدوء والحميمية؛ وذلك لأنَّه يرفع هرمون الأوكسيتوسين لديه.
  2. عندما ينظر الطفل إلى ما يمتلك ويشعر بقيمة حياته ويشكر لما لديه؛ سوف يكبر ولديه مستوى منخفض جداً من الاكتئاب ومن حسد الآخرين لما يمتلكونه، كما أنَّه سيكون بعيداً عن المشاعر السيئة مثل الندم والاستياء من مرارة الحياة.
  3. تعليم الطفل الامتنان يدرِّب دماغه ليكون أكثر حساسية تجاه الآخرين لاحقاً، ومن ثم سوف يفكر قبل توجيه كلمات مزعجة لغيره؛ مما يساعد على تعزيز العلاقات مع الناس مستقبلاً، كما أنَّه يساعده على الشعور بمزيد من الارتباط والحب للآخرين.
  4. شعور الفرد بالامتنان إلى ما يتملك يؤدي إلى كرمه مع الآخرين ومساعدته للمحتاجين والمسارعة إلى العطاء عندما يطلب منه محتاج أمراً ما.
  5. الأطفال الممتنون إلى ما يملكون سوف يكبرون بصحة نفسية أفضل من غيرهم؛ مما يؤهلهم إلى أن يكونوا أشخاصاً ناجحين مستقبلاً عملياً وعاطفياً وحتى في مختلف جوانب الحياة؛ وذلك لأنَّهم أكثر قدرة على مواجهة المصاعب والتحديات الكثيرة وعلى دراية كافية أنَّهم لن يحصلوا على ما يتمنون إلَّا بعد الجهد والتعب.

في الختام:

جميعنا نريد أطفالاً يتحلون بالتهذيب والأدب والصفات الحميدة ويحترمون ما يُقدَّم لهم ويجتهدون ليحدث ما يتمنون، لكن لا يحدث ذلك بالكلام؛ وإنَّما على الأهل أن يكونوا ناضجين ولديهم الوعي الكافي والانتباه الكبير إلى كل التصرفات التي تصدر عن أبنائهم وعدم الاستخفاف بأمر ما؛ لأنَّ لكل تصرف دلالة معينة، ومعالجة مشكلات الطفل منذ الصغر أسهل وأفضل بكثير من معالجتها عندما يكبر؛ لذلك يمكننا القول إنَّ إنجاب الأطفال أسهل بكثير من تربيتهم.

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة