الصحة النفسية وعلاقتها بالنجاح الدراسي

يصعب علينا جميعاً التركيز في الفترات التي تكون بها حالتنا النفسية سيئة، في حين نجد أنفسنا أكثر انفتاحاً وقدرةً على الاستيعاب والابتكار والإبداع عندما نكون في حالة من الاستقرار النفسي والتوازن، وهذا ما ينطبقُ حرفياً على الطلاب؛ فتراهم أكثر إنتاجية عندما تكون صحتهم النفسية مستقرة، في حين يتراجع هذا الإنتاج عندما يمرُّون بأوقات عصيبة تؤثر في حالتهم النفسية، ولأنَّ كثيراً من الدراسات أكدت أهمية الصحة النفسية وعلاقتها بالنجاح الدراسي خصَّصنا لكم هذا المقال؛ لربَّما تجدون فيه ما يساعدكم على تحقيق أمنياتكم بأفضل النتائج.



ماذا يعني مصطلح "الصحة النفسية"؟ وما هي علاقته بالتحصيل الدراسي؟

كررنا غير مرةٍ مصطلح "الصحة النفسية" وهو بالإنجليزية Mental Health، ففي حين يذهب بعضهم للقول إنَّ هذا المصطلح يعني فقط غياب الاضطرابات النفسية والأمراض، فإنَّ آخرين يذهبون إلى أبعد من ذلك ويعرِّفون الصحة النفسية بأنَّها: "الحالة الإيجابية التي يتمتع بها الفرد بحيث يكون قادراً على إدراك كل ما يمتلكه من قدرات وطاقات، وحل مشكلاته ومواجهة صعوبات الحياة وضغوطاتها، والعمل بإنتاجية، والتفاعل مع مجتمعه بإيجابية.

إضافةً إلى هذا كله يصل مصطلح الصحة النفسية ليشمل الحالة السلوكية والعاطفية للفرد، وكيف تؤثر هذه الحالة في تفكير الشخص وسلوكاته وتصرفاته بحيث يكون قادراً على تحقيق التوازن في حياته ليقوم بجميع مسؤولياته وأعبائه، وفي الوقت نفسه يكون قادراً على الاستمتاع بحياته".

علاقة الصحة النفسية بالتحصيل الدراسي:

تُعَدُّ الصحة النفسية - حسب منظمة الصحة العالمية - إحدى أهمِّ عوامل توازن الفرد، ومن ثمَّ فإنَّ لها دوراً كبيراً في دعم قدرته على العمل والإنتاج وفي إمداده بالطاقة اللازمة للاستمرار.

يتعرض الطلاب حقيقةً لكثيرٍ من المشكلات، بعضُها يرجع إلى طبيعة المرحلة العمرية التي يمرون بها، وبعضُها الآخر يرجع إلى علاقة الطالب بالمحيط بدءاً من الأسرة، وهذا ما يؤثر في صحته النفسية ويفقده التوازن النفسي الذي تحدثنا عنه، وفي الواقع أول من يتأثر بهذه المشكلات وبحالة الاضطراب النفسي هذه هي الجوانب الأكاديمية للطالب؛ فنَلاحَظُ انخفاضاً في تحصيله الدراسي.

ما يزيد الطينَ بلَّة في كثير من الحالات محاولةُ الأسرة معالجة النتيجة بدلاً من البحث عن جذور المشكلة وأسبابها؛ فمثلاً تلاحظ بعضُ الأسر انخفاض درجات ابنها في بعض المواد فتلجأ مباشرة إلى المدرس الخصوصي، وعلى الرَّغم من ذلك نرى أنَّه لم يحدث أيُّ تقدمٍ ملحوظٍ في تحصيله الدراسي، وهذا حقيقة يرجع إلى استمرار الطالب بالتعرض إلى الوضع نفسه الذي سبَّب له منذ البداية عدم الاستقرار في صحته النفسية وتراجعه الدراسي.

لذلك فمن واجب الأهل البحث في المشكلة الأساسية وتحديد السبب الرئيس في تدنِّي علامات ابنهم؛ فقد تكون المشكلة في ضعف ثقته بنفسه أو بسبب عدم قدرته على الاندماج مع أصدقائه؛ مما يؤثر في نفسيته؛ فيُصاب بالقلق والاكتئاب.

شاهد بالفيديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية

كيف تؤثر الاضطرابات النفسية في التحصيل الدراسي؟

في الواقع وكما رأينا سابقاً توجد علاقة بين الصحة النفسية والتحصيل الدراسي، فتنعكس نتائج مشكلات الصحة النفسية في الحياة الاجتماعية والشخصية للطالب على تحصيله الدراسي، وسنعرض فيما يأتي أكثر المشكلات النفسية الناتجة عن اضطرابات الصحة النفسية وعلاقتها بالتحصيل الدراسي:

1. ضعف التركيز:

تسبب مشكلاتُ الصحة النفسية مشكلاتٍ في التركيز؛ فيعاني الطالبُ بسبب ذلك صعوبةً في التركيز على المعلومات المقدمة له؛ لأنَّه في حالةٍ من الضياع والتشتت، وهذا بالطبع سينعكس على مقدار فهم الطالب؛ فيتراجع أداؤه ويتدنَّى مستوى علاماته.

عندما يلاحظ المعلمُ هذا التشتت وضعف التركيز لدى الطالب من واجبه أن يُقدِّم ملاحظاته إلى المرشد النفسي في المدرسة؛ حتَّى يتمكن الأخيرُ من التدخل لمساعدة الطالب على حل مشكلته وإعادة التوازن إلى حالته النفسية.

2. قلة المشاركة:

الطلاب الذين يعانون مشكلات نفسية لا يشاركون في الصف كما يجب، وهذا ما أثبتته العديد من التجارب التي أُجريَت على مجموعة من الطلاب في المدارس والجامعات؛ فالحافز عندهم غائب في أغلب الأحيان، ويفضلون دائماً عزل أنفسهم عن أيَّةِ مشكلةٍ أو نقاش داخل الصف أو خارجه، وفي جهة أخرى نلاحظ أنَّ الطلاب الذين يتمتعون بالصحة النفسية أكثر ميلاً للمشاركة وأكثر قدرة على التعبير عن آرائهم ورغباتهم داخل الصف وخارجه، وهذا ما يعود بكثير من النتائج الإيجابية على الطالب ويرفع من مستوى تحصيله الدراسي.

3. غياب الهدف:

من المشكلات أيضاً التي تُظهِر بوضوحٍ أهميةَ الصحةِ النفسيةِ وعلاقتها بالتحصيل الدراسي غياب الهدف؛ فالطُّلاب الذين يعانون اضطراباتٍ نفسيةً غير قادرين على تحديد هدف واضح لحياتهم الدراسية، أو حتى رسم مسار دراسي واضح لهم، ويرجع هذا إلى غياب الدافع، وعدم الاهتمام بما سيكونون عليه في المستقبل، وهذا ما سيؤثر سلباً - وبكل تأكيد - في أهدافهم المهنية وفي مستقبلهم المهني.

إقرأ أيضاً: أهمية تنظيم الوقت لتحصيل دراسي أفضل للطلاب

4. العزلة الاجتماعية:

تؤدي المشكلات والاضطرابات النفسية إلى ابتعاد الطالب عن زملائه وأصدقائه، وتؤثر في قدرته على تكوين صداقات، أو بناء علاقات الاجتماعية سواء في محيطه أم في المدرسة أم الجامعة، وهذا بالطبع يؤثر في تحصيله الدراسي بسبب تغيُّبه كثيراً عن المدرسة وعدم إحساسه بأيِّ رغبة في متابعة أمور دراسته.

نصائح لتعزيز الصحة النفسية للطالب:

يبدو واضحاً جداً من خلال ما ذُكِرَ آنفاً أهمية الصحة النفسية للطالب ودورها الكبير في تحصيله الدراسي؛ لذلك سنقدم لكم فيما يأتي مجموعة من النصائح الهامة والضرورية لتعزيز الصحة النفسية للطلاب:

1. دعه يكتشف أشياء جديدة:

من الهام بين الحين والآخر إخراج الطالب من حالة الروتين التي يعيشها، ومساعدته على تعلُّم أشياء جديدة وخوض تجارب مختلفة بعيدة عن الكتب والدراسة والجو المدرسي؛ لأنَّ ذلك من الأمور الكفيلة بتحسين نفسيته وتوسيع مداركه وإثارة مشاعره، وهذا ما يزيد من دافعيته وينعكس إيجابياً على صحته النفسية، ومن ثمَّ على تحصيله الدراسي.

اسأل ابنك عن الهوايات التي يحب ممارستها، والمناطق التي يحب زيارتها، واستغل معه أوقات العطل للقيام بنشاطات هادفة ومسلية في الوقت نفسه وتضيف إلى خبراته ومعارفه.

2. ضع قواعد صارمة لاستخدام الهاتف المحمول:

أكدت كثيرٌ من الدراسات الحديثة النتائجَ السلبية الكبيرة للإفراط في استخدام الهاتف المحمول وقضاء فترات طويلة على مواقع التواصل الاجتماعي سواء للأشخاص العاديين أم الطلاب؛ لذلك لا تسمح لتلك الشاشة أن تسحب طفلك للعيش داخلها في حياة افتراضية بعيدة تماماً عن الحياة الحقيقية، حدد له الوقت المسموح به لاستخدام هاتفه، وشاركه في بعض النشاطات البديلة، وعلِّمه استغلال وقته بالقراءة مثلاً أو الذهاب إلى المسارح والسينما.

العالم الافتراضي يجعل الطالب دائماً في حالة من التوتر والقلق؛ لأنَّه يجد نفسه دائماً مضطراً إلى المقارنة بينه وبين غيره، أو مُجبراً على مشاهدة قصص وأخبار غير مناسبة لحالته النفسية وسماعها، وعلى الرَّغم من محاولته الانسحاب من هذا العالم يعجز عن ذلك؛ لذلك كن اليد الحنونة التي تخفف عنه وتنقذه وتعيد العالم الحقيقي إليه.

إقرأ أيضاً: تعرّف على أضرار إدمان الهواتف الذكية وعلى أهم طرق علاجه

3. مارِس الرياضة:

تُعَدُّ ممارسة الرياضة من أهم النشاطات التي يمكن أن تمارسها مع ابنك، لا سيَّما إذا كان طالباً؛ ففضلاً عن دور الرياضة الكبير في تعزيز الصحة النفسية للطالب، ومن ثمَّ تحسين تحصيله الدراسي، تؤدي الرياضة دوراً هاماً في تعزيز العلاقة بينك وبين ابنك وتجديدها وفتح قنوات اتصال معه؛ ممَّا يفسح له المجال للتعبير عمَّا يشغله ويؤثر في نفسيته.

شاهد بالفيديو: فوئد الرياضة على الصحة النفسية

4. احرص على حصوله على قسط كافٍ من النوم:

الصحة الجسدية والنفسية للطالب مرتبطة بحصوله على ساعات نوم كافية وكفيلة بإمداد جسده بالطاقة التي يحتاج إليها لممارسة أعماله ونشاطاته كلها في النهار وأهمها الدراسة، فإذا لم يحصل الطالب على قسط كاف من النوم سيبقى متعباً ومرهقاً وضعيف التركيز، والجدير بالذكر أنَّ الطالب يحتاج تقريباً إلى 8 ساعات من النوم.

5. دعه يعزز العلاقة مع رفاقه:

لا أحد يستطيع أن ينكر الآثار السيئة جداً للوحدة في الطالب؛ فالإنسان بطبعه كائن اجتماعي، والانسحاب والعزلة سيؤثران حتماً في صحته النفسية ويقللان من قدرته على التواصل وبناء العلاقات، فقضاء الوقت مع الأصدقاء والقيام بنشاطات معاً من الأمور التي يجب أن تكون في جدول كل طالب يسعى إلى صحة نفسية جيدة.

6. احرص على اتباع ابنك نظاماً غذائياً صحياً:

الصحة الجسدية مرتبطة ارتباطاً كبيراً بالصحة النفسية؛ لذلك من الهامِّ لكلِّ طالبٍ اتباعُ نظامٍّ غذائي غني بالعناصر الغذائية الهامة والمفيدة القادرة على مدِّه بالطاقة التي يحتاج إليها.

في الختام:

لا يمكننا القول إنَّ مشكلة التأخُّر الدراسي هي مشكلة فردية ومرتبطة بالطالب نفسه فقط؛ بل هي مشكلة اجتماعية وآثارها ونتائجها تتعدى الطالب نفسه لتصل إلى الأسرة والمدرسة وحتى المجتمع كله؛ لذلك لا بدَّ أن تتظافر الجهود بهدف العمل على تحقيق الجو الملائم لكل طالب لينمو نمواً سليماً بعيداً قدر المستطاع عن ضغوطات الحياة ومصاعبها.

هنا لا نقصد أبداً عزل الطالب عن الحياة؛ بل على العكس تماماً نقصد إعداده وتدريبه وتأهيله نفسياً ليكون قادراً على تحمل هذه المصاعب والضغوطات، فكم مرة سمعنا عن طالب نجح بتفوق وعلامات مرتفعة على الرغم من ظروفه الصعبة مادياً واجتماعياً، وهذا في الواقع يرجع إلى صحته النفسية وصلابته التي مكنته من معاملة ما يحيط به معاملة سليمة.

لذلك وبناء على ذلك كله من الهام جداً إعطاء الصحة النفسية للطلاب أولوية في قطاع التعليم، ليس حرصاً على مصلحة الطالب فقط؛ بل على مصلحة المجتمع كله؛ ففي كثير من المرات يخسر المجتمع أفراداً مميزين ومبدعين بسبب مرورهم بظروف نفسية صعبة وعدم وجود من يقف إلى جانبهم ويساعدهم.




مقالات مرتبطة