الشخصية الهيستيرية، تعريفها، وأسبابها، وأعراضها، وطرق التعامل معها

إذا أمعنَّا النظر في مجتمعنا وشخصياته، فسنلاحظ غياب النظرة الموضوعية والقدرة على التفكير التحليلي والنقدي؛ فنحن نعيش في مجتمع انتشرت فيه المبالغة بدلاً من المحاكمة المنطقية، وانعدم فيه التوازن والسلام.



عندما تكون ثقتنا بأنفسنا مرهونة بنظرات الآخرين وأفكارهم وما يقولونه عنَّا، وتكون شخصيتنا وقيمنا وأفكارنا مستقاة من كلام الآخرين ورؤاهم، والتي تتغير وتتبدل باستمرار بناءً على ما نصادفه من أشخاص؛ وعندما نعشق الأضواء بطريقة مبالغ فيها، بحيث تصبح الحاجة إلى الشهرة والظهور ملحة جداً وتتصدر أولى أولوياتنا؛ فيصبح إرضاء الآخرين أهمَّ من إرضاء ذواتنا، وتصبح مشاعرنا سطحية ومتقلبة، ونسلم قيادة الحياة وقضاياها إلى انفعالاتنا اللامضبوطة؛ كيف سيكون شكل الحياة يا تُرَى؟

هل تعدُّ الحاجة الملحة إلى لفت الانتباه والظهور مسألة طبيعية؟ وهل التفضيل الدائم لحضور المناسبات الاجتماعية الصاخبة على الجلوس مع الذات وبناء حوار عميق معها أمر صحي، أم أنَّه هروب وهشاشة نفسية مستترة خلف مظهر خدَّاع وبرَّاق؟ وهل عدم الثبات في المبادئ والقيم أمر منطقي، أم أنَّه دليل على الضياع وفقدان الهوية؟ هل الأنانية المفرطة وتقديس الذات والأنا أمر محبب، أم أنَّه قلة وعي ونضج وإنسانية؟

عادةً لا يستطيع الأشخاص الذين يتصفون بما سبق إدارة انفعالاتهم العاطفية، ويعبرون عن فرحهم أو حزنهم بطريقة هيستيرية، ويميلون إلى الثرثرة وتضخيم الأمور البسيطة، ويستمرون في البحث عن رضا الآخرين واستحسانهم، ويعشقون نظرات الانبهار في عيون الآخرين.

الشخصية الهيستيرية وتعريفها وسماتها وعلاقاتها وطرائق علاجها مدار حديثنا خلال هذا المقال، فتابعوا معنا.

من هي الشخصية الهيستيرية؟

تعشق الشخصية الهيستيرية لفت الانتباه؛ فهي تريد أن تكون محط اهتمام جميع الناس، وأن تُعامَل كالنجمة أينما حلت، كما لديها مبالغة شديدة في إظهار انفعالاتها، فتختبر نوبات من الصراخ والبكاء تارة ونوبات من الفرح العارم تارة أخرى، ولا تقبل النقد مطلقاً، وتميل إلى تضخيم الأمور البسيطة، وتكون عادة سطحية في مشاعرها بحيث لا يوجد في حياتها أيُّ علاقة عميقة، ولديها خيال واسع وخصب، وتستطيع تقمص أيِّ شخصية والعيش بها، والخيال في حالتها سلاح ذو حدين.

سمات الشخصية الهيستيرية:

1. لفت الانتباه:

تتغذى الشخصية الهيستيرية على لفت الانتباه؛ فهي تجد قيمتها من خلال نظرات الآخرين وتعليقاتهم ومجاملاتهم لها، وتميل إلى ارتداء الألوان الملفتة والملابس غالية الثمن من أجل تعزيز ظهورها المميز بين الناس.

2. الأنانية الشديدة:

تعشق الشخصية الهيستيرية أن تكون محور الاهتمام والحديث أينما حلت، وتغار بشدة في حال وجود شخص آخر قد نال اهتمام الآخرين أكثر منها، وتميل إلى الحديث عن أدق تفاصيلها في حين لا تبدي اهتماماً بأحاديث الآخرين.

إقرأ أيضاً: 7 علامات للتفكير الأناني!

3. عدم النضج الانفعالي والحساسية:

لا تملك الشخصية الهيستيرية اتزاناً في مشاعرها؛ وعندما تنجح في أمر ما، تفرح فرحاً عارماً وشديداً ومبالغاً فيه؛ وعندما تفشل في أمر ما، تحزن وتكتئب بشدة.

من جهة أخرى، هي حساسة جداً للنقد، ولا تقبله مطلقاً، وتميل إلى تضخيم الأمور البسيطة والصغيرة.

4. القدرة على التخلي عن ذاتها الأساسية:

الشخصية الهيستيرية قابلة للإيحاء بطريقة كبيرة؛ فهي لا تمتلك القدرة على التفكير النقدي والتحليلي، ولا تمتلك ثقة كافية بنفسها وحواراً صادقاً معها، وتكون سهلة الانسياق وراء آراء الناس وأفكارهم، وقد تتقمص شخصية أخرى بعيدة كلياً عن شخصيتها الأساسية، وتنسف قيمها ومبادئها وتستبدلها بقيم ومبادئ جديدة متوافقة مع الشخصية الجديدة.

5. المشاعر السطحية:

لا تكون الشخصية الهيستيرية عميقة في مشاعرها، وقد تعبر لأصدقائها عن حبها الشديد لهم، وتعاملهم في اليوم التالي وكأنَّهم غريبون عنها. 

6. التذوق الفني:

تنجح الشخصية الهيستيرية في مجالات التمثيل والمسرح والغناء والرسم وغيرها من المجالات الفنية الأخرى، وتستطيع استثمار خيالها الواسع وقدرتها على تقمص الشخصيات بالشكل الصحيح.

7. سرعة الملل:

لا تستطيع الشخصية الهيستيرية الاستمرار في عمل أو علاقة لفترة طويلة، وسرعان ما تمل وترغب في اختبار شيء جديد.

شاهد بالفيديو: 6 صفات تدلّ على الشخصية السلبية

أسباب تكوُّن الشخصية الهيستيرية:

1. العامل الوراثي:

تزداد نسبة قابلية إصابة الطفل باضطراب الشخصية الهيستيرية في حال كان أحد والديه أو أقربائه مصاباً بهذا الاضطراب.

2. العامل البيئي:

يؤدي تعرض الطفل إلى أسلوب تربية مفرط القساوة أو الليونة إلى زيادة احتمال إصابته باضطراب الشخصية الهيستيرية؛ إذ يعزز الأهل الذين يميلون إلى تدليع طفلهم بإفراط ولا يرفضون له طلباً حب الظهور والأنانية وعدم القدرة على التحكم بالانفعالات لدى طفلهم.

من جهة أخرى، يعزز الأهل الذين يميلون إلى تحطيم ثقة الطفل بنفسه من خلال تعنيفه وانتقاده اللاذع عقدة النقص لديه، ويشوِّهان إحساسه بذاته؛ فيلجأ إلى المبالغة في تقدير نظرات الآخرين ليعوض ثقته المفقودة.

الشخصية الهيستيرية في الزواج:

تميل الشخصية الهيستيرية إلى التعدد في العلاقات؛ فهي سريعة الملل، ولا تستطيع الاستقرار في علاقة واحدة لمدة طويلة، وتتميز بسرعة زواجها وسرعة طلاقها؛ فهي سريعة الزواج بسبب عدم نضجها الانفعالي، وتسرعها في اتخاذ القرارات دون دراسة وتحليل، بالإضافة إلى انجذاب الطرف الآخر الشديد إليها، وسعيه اللاهث إلى الارتباط بها؛ فهي كثيرة التبرج والتزين، وتحب الظهور ولفت الأنظار.

كما أنَّها سريعة الطلاق بسبب مللها السريع وتقلب مزاجها وبرودها، بالإضافة إلى أنَّها تثير غيرة واستفزاز الطرف الآخر كثيراً؛ ذلك لأنَّها تعشق الأضواء واهتمام الناس، وتسعى دائماً إلى أن تكون نجمة في كل مكان تتواجد فيه، ولا ننسى أنانيتها المبالغ فيها والتي تجعل شريك حياتها ينفر منها.

تتوافق المرأة الهيستيرية مع الرجل كبير السن؛ فهي تضيف رونقاً إلى حياته، وهو يتفهم اضطراب انفعالاتها وتقلب مزاجها وحبها للظهور ولذاتها.

التعامل مع الشخصية الهيستيرية:

  • يجب التعامل مع الشخصية الهيستيرية بحذر ودبلوماسية، مع الابتعاد عن نقدها بأسلوب غير مباشر.
  • يجب منحها اهتماماً متساوياً في جميع الحالات، بحيث لا نزيد اهتمامنا فيها أثناء نوبات حزنها واكتئابها؛ وذلك لئلا تعتاد على هذه النوبات وتُكثِر منها.
  • تعاني الشخصية الهيستيرية من الهشاشة النفسية؛ لذلك يجب العمل على جعلها مستبصرة بوضعها، بحيث تعمل على توجيه التركيز والاهتمام والطاقة إلى الداخل وليس إلى الخارج، وتبني قيمتها الذاتية ومبادئها وشخصيتها الثابتة والواضحة والقوية.
  • تستطيع الشخصية الهيستيرية اللجوء إلى المعالج النفسي، والذي يستطيع أن يساعدها على اكتساب مهارة إدارة الانفعالات ويعلمها تقنيات الاسترخاء والتأمل؛ بالإضافة إلى استثمار خيالها من خلال تقنية التنويم الإيحائي وزرع أفكار وصور إيجابية لديها.
  • يستطيع العلاج الروحي معالجة الشخصية الهيستيرية بشكل جيد جداً؛ لذا عليها أن تعلُّم أنَّ الله قادر على مساعدتها وإعادة تشكيل شخصيتها بالشكل الأمثل، وأنَّ عليها فقط الثقة المطلقة بالله والدعاء الصادق لها؛ فعندما تسلم أمرها إلى الله، ترتاح نفسياً وينخفض اضطرابها وتشتتها وأنانيتها، وتقترب أكثر من ذاتها الحقيقية النقية والصافية، وتكتشف أنَّه يوجد وراء كلِّ أمر سلبي رسالة إيجابية تدعو الإنسان إلى التفكر والتطور والتجدد والمرونة.

الخلاصة:

لكي تستطيع الشخصية الهيستيرية الوصول إلى التوازن النفسي المنشود، عليها أن تربط أفعالها مع الله، وتدرك أنَّ الغنى الحقيقي ليس بمجاملات الناس أو نظراتهم المنبهرة، بل بما نزرعه في دواخلنا من قيم ومبادئ إنسانية ثابتة وراقية، وما نحققه من تصالح مع الذات ورضا وسلام داخلي، وما نمنحه من قيمة مضافة إلى حياة الآخرين.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة