الشخصية النوابية: تعريفها، وأسبابها، وأعراضها، وطرائق علاجها

نحن نختبر أنواعاً مختلفة من المشاعر الإيجابية والسلبية في خضم متغيرات الحياة السريعة وتقلباتها الشديدة، ونغوص في ضغوطات الحياة معتقدين أنَّ الظروف هي من تسيرنا، وأن لا حول لنا ولا قوة أمام ما يحدث في واقعنا، وتستمر هذه الحالة إلى أن يصبح الاستسلام عماد حياتنا، ويتحول الرفض إلى وقود لحياتنا، وتصبح حياتنا في وسط هذا الاضطراب الواضح في الوجدان والمشاعر والأفكار لعبة بيد مزاجنا؛ فتارة نسعد، وتارة نحزن، ونفقد الكثير عندما لا نستطيع الوصول إلى التوازن ما بين هذين الشعورين؛ فبدلاً من التحكم بمشاعرنا وتوجيهها إلى المكان الذي نريد، ينتصر علينا المزاج المضطرب، ويجعلنا ضعفاء ومقيدين وخانعين.



يُفقِدنا اضطراب المزاج الكثير من العلاقات والفرص الحقيقية في حياتنا، حيث تنتاب الشخص المصاب بالمزاج المعتل نوبات من الحزن الشديد التي تعقبها نوبات من الهوس والفرح غير المنطقي، ويستسلم المصاب لتلك النوبات دون أدنى مقاومة، متنازلاً عن سيادة حياته، وخاضعاً لمشاعر التيه والضياع والتشتت.

عندما ينسى الإنسان أن يعيش اللحظة ويركز على ما مضى أو على ما هو آت، سيسلم دفة القيادة للحالة المزاجية المتقلبة؛ وعندما لا يعي أنَّ عليه التركيز على دائرة تأثيره بدلاً عن دائرة اهتمامه، يكون ضحية تقلب المزاج الذي يفضي به إلى عدم التوازن في شتى مفاصل حياته.

الشخصية النوابية وتعريفها وأسبابها وطرائق علاجها مدار حديثنا خلال هذا المقال، فتابعوا معنا.

من هي الشخصية النوابية؟

يعاني الشخص من اضطراب الشخصية النوابية كنوع من أنواع الاضطراب الوجداني، حيث يتعرض الشخص في هذا الاضطراب إلى حالة من الشتات الفكري التي تتبعها حالة من الشتات الوجداني والشعوري، وتصل هذه الحالة بالإنسان إلى اختبار نوبات من الحزن الشديد التي تعقبها نوبات من الفرح الهستيري؛ ممَّا يضفي على حياته وعلاقاته آثاراً سلبية جمة.

أسباب تكوُّن الشخصية النوابية:

1. المعارف المشوهة:

تعدُّ المعارف المشوهة سبباً رئيساً لاضطراب الحالة المزاجية، وتتكون من ثلاثة أقسام:

  •  الأفكار السلبية التلقائية: يميل هنا الشخص إلى التركيز على أحداث الماضي أو مخاوف المستقبل، فتراه ينسى وضعه الحالي وما يتمتع به من راحة ونعم ومهارات، ويهدر طاقته في الأفكار السلبية غير المجدية؛ كأن يتذكر حجم الفرص التي خسرها في الماضي، وقساوة المشكلات والتحديات التي من الممكن أن يتعرض إليها في المستقبل دون أن يملك القدرة على تجاوزها.يعيق تبني هذه المنهجية في التفكير الإنسان عن عيش حياته بالشكل الأمثل، ويجعله ذلك إنساناً مهزوزاً وهشاً وضعيفاً، ويوقعه في فخ اعتلال المزاج الحاد.
  •  جلد الذات: يشوه هنا الإنسان قيمة ذاته، ويستمر في لوم نفسه على تصرفات ماضية كان يجدر القيام بها بشكل أفضل، أو يوبخ ذاته على تلك الفرص التي لم يستثمرها كما يجب، واصفاً ذاته بألفاظ مدمرة مثل: "سأبقى إنساناً ضعيفاً وهشاً ولا أجيد التصرف"؛ أي أنَّه يغوص في انتقادات وملاحظات سلبية لا تنتهي عوضاً عن محاولة الاستفادة من أخطائه والبدء من جديد؛ ممَّا يجعله دائم التقلب في المزاج.
  •  التوقعات العالية: قد يعول الإنسان كثيراً على الآخرين، الأمر الذي يجعله عرضة إلى الإصابة بالصدمة الشديدة في حال تخليهم عنه، ليدخل بعدها بحالة مزاجية صعبة للغاية.من جهة أخرى، قد يضع الإنسان أهدافاً كبيرة ومبالغاً فيها لذاته؛ وعندما يصطدم بحجم التحديات والصعوبات التي تعيقه عن تحقيق هدفه، يضطرب مزاجه ويصاب بنوبات من المشاعر المتناقضة وغير الصحية.
إقرأ أيضاً: كيف تتخلص من الاكتئاب النفسي وتعيش حياة سعيدة

2. الشخصيات الحمولة:

عندما ينزع الإنسان في حل مشكلاته إلى الكبت وإخفاء مشاعره، سيكون عرضة إلى الإصابة باعتلال المزاج؛ وعندما يمتلئ اللاشعور بكم كبير من التفاصيل السلبية غير المعالجة، سيثور بركان اللاشعور بهدف تفريغ كل تلك الأحمال الزائدة، ويصاب الشخص باعتلال المزاج في هذه المرحلة ريثما يصل إلى التوازن المنشود.

3. الاستبصار:

قد يتبع الإنسان آلية معينة طوال حياته في التعامل مع الآخر، ولكنَّه قد يستبصر الوضع في لحظة معينة، ويصبح واعياً بخفايا الأمور؛ كأن يكتشف أنَّه قد أعطى أهمية مبالغاً فيها للآخرين دون أن يهتم بذاته ومكنوناته، وقد يصاب في مرحلة الحقيقة تلك بنوبات من اضطراب المزاج.

4. الصدمات:

قد يؤدي تعرض الشخص إلى الكثير من الصدمات النفسية طوال حياته إلى إصابته باضطراب الشخصية النوابية.

5. العامل الوراثي:

يؤدي وجود أشخاص في العائلة مصابين باضطراب الشخصية النوابية إلى زيادة احتمال إصابة الطفل بذلك.

أعراض الشخصية النوابية وكيفية تشخيصها:

1. أعراض الشخصية النوابية:

تتّسم الشخصية النوابية بتقلبات مزاجية واضحة تتراوح بين مرتفعة إلى منخفضة؛ فعندما تكون في حالة ارتفاع المزاج، تبدي طاقة وحماساً عاليين، وتضحك بشكل هستيري، وتتكلم كثيراً، وتبدي اندفاعاً شديداً لتحقيق أهدافها، وتنخفض حاجتها إلى النوم، وتعاني من عدم القدرة على التركيز واتخاذ القرارات السليمة.

لكن عندما تنتابها نوبات انخفاض المزاج، تفقد المتعة بممارسة نشاطاتها المعتادة، وتميل إلى الحزن والعزلة والكآبة، وتنزع إلى التفكير في الموت والانتحار، وتكون دائمة التعب والإرهاق، ونعاني من اضطرابات في الشهية والنوم.

إقرأ أيضاً: أغرب الاضطرابات النفسيّة التي تصيب الإنسان

2. تشخيص الشخصية النوابية:

يشخص الأطباء اضطراب الشخصية النوابية عندما يتعرض المريض (البالغ) إلى عدم استقرار مزاجي لمدة سنتين على الأقل، مع عدم استمرار فترات اختفاء الأعراض لأكثر من شهرين؛ في حين يكفي أن تتواجد الأعراض لمدة عام واحد فقط بالنسبة إلى الأطفال. 

علاج الشخصية النوابية:

كما قلنا أنَّ السبب الرئيس لنشوء الشخصية النوابية هو التشوهات المعرفية؛ لذلك يستخدم الطبيب النفسي العلاج المعرفي السلوكي لعلاج هذا الاضطراب. تشتمل تقنيات العلاج المعرفي السلوكي على تعديل منظومة التفكير والقدرة على إدراك وتفسير الأمور، وذلك من خلال:

1. الوعي بقوة اللحظة:

يعدُّ التفكير في الماضي والخوف من المستقبل العاملين الأساسيين لكل اضطراب في المزاج؛ فإذا أدرك الإنسان حقيقة أنَّ الماضي قد انتهى وأنَّ المستقبل لم يأت بعد، وأخذ بالأسباب المتاحة أمامه، وتوقع الخير، وعاش لحظته بكل متعة؛ سيدرك معنى السعادة الحقيقية.

2. التخطيط الفعال:

يميل الإنسان إلى تخطيط يومه بالشكل الأمثل عندما يتبنى مفهوم اللحظة، فلا يقيد نفسه بالأهداف الكبيرة المبالغ فيها، ويميل إلى وضع أهداف صغيرة ومهام بسيطة يستمتع بإنجازها؛ إذ من شأن ذلك أن يقلل كثيراً من حجم التوتر الذي يعاني منه، ويساعده في الوصول إلى مزاج مستقر.

3. اختبار العائدات:

عندما تكون في حالة من انخفاض المزاج، وتشعر أنَّك ستقدم على التصرف بطريقة غير مسؤولة؛ امنح نفسك دقيقة من الوقت، واسأل نفسك عن حجم الخسائر التي ستخسرها إن قمت بهذا الفعل؛ وستتراجع عندها عن أي فعل سلبي، وتكتسب مهارة حساب المخاطر والتحكم بالمشاعر وإدارتها بالشكل الأمثل، وتصل تلقائياً إلى استقرار في حالتك المزاجية.

4. العادات:

ابنِ عادات صحية تقيك من تقلب المزاج، كممارسة الرياضة بانتظام، والاستماع إلى الموسيقى الهادئة، والالتحاق بدورات تطوير الذات أو دورات اللغات؛ ولا تضحِ بساعات نومك المسائية لأجل أي أمر في الحياة، وابتعد عن التدخين والكحول، وتناول طعاماً صحياً باستمرار.

إقرأ أيضاً: 7 طرق فعّالة لعلاج النفس بالطاقة الإيجابيّة

أيضاً هناك نوع آخر من العلاج؛ وهو العلاج الدوائي:

يُستخدَم في حال عدم نجاعة العلاج المعرفي السلوكي، وبناءً على تعليمات الطبيب النفسي المختص، ويشتمل على استخدام مثبتات المزاج النفسي التي تساعد في التحكم بنوبات الهوس، ويعدُّ الليثيوم أحد أشهر مثبتات المزاج التي أثبتت فعاليتها في السيطرة على نوبات الكآبة المصاحبة للشخصية النوابية.

الخلاصة:

اسعَ إلى بناء علاقة وثيقة مع الله، وتعلم مهارة التسليم؛ فعندما تأخذ بالأسباب المتاحة أمامك، وتحسن الظن بالآتي، وتسلم ما لا تستطيع تغييره إلى الله؛ ستصل إلى مزاج مستقر وروح إيجابية جميلة.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة