السبب الكامن وراء موجة الاستقالات الكبرى، والحلول الممكنة

يخيف ارتفاع معدَّلات الاستقالة قادة الأعمال؛ حتى إنَّ العبارة قد شغلت بال الكثيرين لتصبح من ضمن العبارات الأكثر انتشاراً مثل عبارة "صراع المواهب"، و"نقص المهارات" وغيرها من الإشاعات المُقلقة التي سمعناها على مر السنين. ما الذي يُغذِّي هذه الظاهرة؟ السبب الجذري هو رغبة الشركات في استبدال الموظفين بدلاً من تطويرهم؛ أي بعبارة أخرى، هم يختصرون مدة التعلم والتنمية. ولكنَّ هذا ليس بالأمر الجديد؛ إذ يُعرب نحو 50% من الموظفين عن عدم رضاهم عن برامج التنمية في منظماتهم.



وفي الوقت نفسه، فإنَّ النُهُج القديمة والحلول البرمجية باهظة الثمن ليست الحل السحري مثلما يظن أرباب العمل؛ فقد تكون الاستراتيجيات القديمة قد أجدت نفعاً من قبل في الشركات، لكنَّها لا تؤثر اليوم في بيئة العمل التنافسية؛ وهذا ما يدفع الموظفين للاستقالة.

لقد حان الوقت للتغيير، والبدء بالاستثمار في الموظفين بدلاً من البرمجيات؛ وذلك لوجود المهارات الشخصية ومعدَّل الذكاء العاطفي المتغير الذي يملكه الموظفون ولا تملكه البرمجيات.

إليك المعايير التي عليك مراعاتها لنجاح الاستثمار في موظفيك، ومن ثم تقليل الاستقالة:

أولاً: الحاجة الماسَّة إلى التعلم والتطوير

من الأهم أن نضع في حسباننا أنَّ نماذج العمل المختلفة تتطلب أنواعاً مختلفة من الدعم.

قد يبدو الكلام سهلاً نظريَّاً، أما عملياً فيبدو الأمر أصعب؛ إذ اعتُمِد العمل الهجين في كثير من المؤسسات بعد الأحداث الأخيرة التي شهدها العالم، لتسهيل طبيعة العمل. ومع استمرار الموظفين في هذا الوضع منذ ذلك الحين، فهم يحتاجون إلى الدعم والتطوير المستمر، ولكن إن لم يتناسب الدعم مع احتياجات المرحلة الحالية واحتياجات أعضاء الفريق، فقد ذهبت جهودك أدراج الرياح.

واليوم علينا اتباع خطوات مدروسة ومناسبة لتطوير جهود التعلُّم والتطوير للقوى العاملة المتغيرة. ينبغي أن تكون الخطوة الأولى هي إجراء تقييمات واستطلاعات تكشف عن أنواع الدعم المستعمَل، وتلبِّي الاحتياجات الحالية.

في الواقع، أبلغ 30% من العمال عن عدم رغبتهم في العودة إلى الدوام المكتبي. لهذا علينا أن نتعلم كيفية استيعاب احتياجات التعلُّم والتطوير للموظفين عن بُعد من خلال إفساح المجال أمام إجراء عمليات تواصل شخصية. ويمكن أن يتم ذلك بالتواصل مع أرباب العمل لمناقشة سُبل التطوير الوظيفي مع فِرقهم، وتوفير التدريب للموظفين كبار السن الجدد العائدين إلى مكان العمل.

شاهد: 5 نصائح قبل تقديم الاستقالة

ثانياً: مراعاة احتياجات الفريق

ربما أثرت أحداث السنة السابقة سلباً في الموظفين؛ وهذا أدى إلى التشتت. وربما أثرت إيجاباً فأدت إلى تقوية علاقات الصداقة الحميمة بالنسبة إلى الكثيرين. بالإضافة إلى زيادة القدرة على الصمود جرَّاء تحمُّل الصدمة الناجمة عن حوادث جائحة كورونا. كما عرَّضتنا الحوادث العرَضية لهذه السنة لخطر تداخل العمل مع الحياة الشخصية، سواء كنا مستعدين لذلك أم لا.

ومن المفارقات، أنَّ بناء علاقة قوية بين أرباب العمل والموظفين قد يوهم أرباب العمل بعدم الحاجة إلى منظومة تطوير وكوتشينغ للموظفين؛ وهذا يؤثر تأثيراً سلبياً أكبر مما يدركه أرباب العمل. فهو يسبب عدم الرضى لكلا الطرفين، والإرهاق، وعدم المشاركة الفعالة للموظفين، ودوران العمالة.

قد يعتقد القادة أنَّ تفاقم الوضع والارتفاع الجديد في معدلات الاستقالة يُعزى إلى التنافس الذي تشهده ساحة التوظيف، وزيادة استحقاقات الموظفين، والتركيز على مصلحة أرباب العمل، مع العلم أنَّ عدم الرضى عن الوظيفة الحالية هو ما يشعل شرارة فكرة الاستقالة؛ لذا علينا حل مشكلة عدم الرضى مع التركيز على التعلم والتطوير، والاستثمار الشامل في نجاح الموظف ورفاهيته، وهذا سيكون أقل تكلفة على الأمد الطويل عند التوظيف أو الالتحاق.

وبعبارة أخرى، فإنَّ حملة الاستقالة ليست بسبب انقلابٍ كبير من القوى العاملة بسبب الرغبة في الاستفادة من راتب أفضل، أو ميزاتٍ ترفيهية تجذب الناس إلى المكتب. يتعلق الأمر برمَّته بالرغبة في الاستثمار في تطوير ودعم الموظفين لإخراج أفضل ما لديهم.

ثالثاً: دراسة خطة التطوير بعناية

هذه نقطة هامة لتطوير المؤسسة: اختر بحكمة، فإما أن تشعل فتيل حملة استقالة جماعية، أو أن تفتح الباب أمام فرصٍ تعليمية وتنموية لموظفيك؛ وبعد تحديد النتائج ستبدو الخيارات والخطوات اللازمة أكثر وضوحاً.

فيما يأتي أربع نصائح في هذا الصدد:

1. اجمع البيانات:

تملك 29% فقط من المنظمات خططاً واضحة لتعليم وتطوير موظفيها؛ إذ تحتاج أي مؤسسة عملياً إلى إرشاد ومعلومات مفيدة. بينما تتوفر البيانات بكثرة، لكنَّنا نحتاج إلى الاستفادة منها.

تمثِّل البيانات الواضحة مفتاح وضع الاستراتيجية والمعايير المناسبة؛ إذ تعتمد جهود التعليم والتطوير الناجحة على الحقائق وليس المشاعر. ستلقي البيانات الواقعية الضوء على الثغرات التي تحتاج إلى سدها بالتنمية والتطوير وتوظيف ذوي الكفاءات العالية في مؤسستك. كما توضح الاتجاهات للمساعدة على توفير التعليم الشامل.

2. توقَّف عن تطبيق النظريات القديمة في الإدارة:

ربما توهَّمت أنَّ طرائق التعليم المناسبة لجميع الأجيال تُعَدُّ مناسبةً لإثارة تفاعل الموظفين، لكنَّ جيل الشباب الصاعد لا يريد استعمال "التيك توك" (TikTok) للتعلُّم، فقد سئم من متابعة الفيديوهات السخيفة خارج أوقات العمل؛ إنَّه يريد بدلاً من ذلك مناهج كوتشينغ وتطوير مخصصة تساعدهم على التطور وارتقاء السلم المهني.

هناك فرق كبير بين التعلُّم الشخصي والتعلُّم الفردي عن بُعد. يزعم التعلم عن بُعد توفير واجهة من التعلم الشامل والمدروس من خلال تكتيكات مبتذلة ومكررة؛ لذا بدلاً من ذلك، يمكن لرب العمل توفير مجموعة واسعة من فرص "الكوتشينغ" والتطوير على أرض الواقع لتقديم المساعدة للموظفين للعثور على أسلوبهم التعليمي الخاص الحقيقي.

إقرأ أيضاً: أيهما أفضل الاستقالة أم إنهاء الخدمة؟

3. قلِّل الاعتماد المفرط على التكنولوجيا:

يُعَدُّ توظيف التكنولوجيا شرطاً أساسياً لقيام المنظمات. فقد تعتمد أعمالها على الاستثمار التكنولوجي ضمن منصات معروفة، وقد تقدِّم التكنولوجيا حلولاً جذرية وضمانات لحل جميع مشكلاتهم. لكنَّها بالتأكيد ليست الطريقة الصحيحة التي ستسير بها الأمور.

ليس الغرض أن نطعن بأهمية التكنولوجيا، إنَّما ينبغي الدمج بين العنصر التكنولوجي والعنصر البشري. وهذا ليس بالأمر السهل، فلا توجد منصة شاملة لكل أنواع المهارات الواجب تعلُّمها، ويمكن اكتسابها بضغطة زر.

4. تخلَّ عن البرامج القديمة:

تتلخص فكرة فيلم "المتجمد" (Frozen) بصرخة البطلة حين تقول: "دع هذه الأشياء تذهب!" (!Let that stuff go). تفتقر البرامج القديمة إلى الفاعلية، مع أنَّها رخيصة الثمن، وهي خاليةٌ من الخيال والإبداع واللمسات الخاصة، وإياك أن توهم أحداً بعكس ذلك. لكنَّها لا توفر التطوير بأي شكلٍ من الأشكال، فأنت تحتاج إلى شكلٍ من التطوير يلبي احتياجات الناس في المرحلة التي وصلوا إليها اليوم، ولا يمكن أن تفعل ذلك ببرنامج يعود تاريخ إصداره إلى عام 1995.

إقرأ أيضاً: 5 أسباب تدفعُك لترك وظيفتك الحاليّة

رابعاً: استمرار تطور الناس بك أو من دونك

عموماً، يحتاج الموظفون إلى دعم رب العمل، بصرف النظر عن تصريحهم بذلك علناً؛ إذ تقع الشركات الآن بين خيارين إما أن يبذلوا مواردهم لتحسين بيئة وتجربة العمل، أو أن يتقبلوا انتقال الموظفين واحداً تلو الآخر لأماكن أخرى.

لذا راقب ردود فعل موظفيك، وتحدَّث إليهم، واكتشف حاجاتهم، وأوصلهم للنجاح؛ باختصار، خذ الأمور بسهولة، وساهم في تطوير موظفيك على الصعيد المهني، وارتقِ بشركتك، واحذر الانهيار.

المصدر




مقالات مرتبطة