في الواقع تؤدي الأساليب المتبعة في التنشئة الاجتماعية الدور الأول والأهم في تكوين الطفل النفسي والاجتماعي، فإذا كانت هذه الأساليب بنَّاءةً أدت إلى نشوء طفل متمتع بالصحة النفسية، وإذا كانت هادمة فقد تثير ليس فقط المشاعر السلبية وفقدان الإحساس بالأمن؛ بل الكثير من الاضطرابات النفسية والسلوكية.
لقد طال الحديث في الأدبيات التربوية والنفسية عن موضوع الاضطرابات السلوكية والنفسية والانفعالية والاجتماعية؛ إذ تناولوا تلك الموضوعات باهتمام كبير لا سيما تلك التي تُفقِد الطفل خاصية الاتصال مع المحيط وتضعه في جو من العزلة والانطواء، مثل الخجل والسرقة والكذب والسلوك العدواني وتدني تقدير الذات وفقدان الثقة بالنفس وضعف الدافعية للتعلم والتحصيل الدراسي وغيرها من تلك الاضطرابات.
سوف نتناول هنا الحديث عن إحدى تلك المشكلات عند الأطفال وهي الخجل؛ الخجل الذي يراه معظمنا صفة محمودة فيما إذا كانت ضمن حدود الحياء المطلوب التي تتحول إلى مشكلة يجب علاجها إذا تجاوزت تلك الحدود، فالخجل إذا ما استبد وتمكَّن من الإنسان يعصب عينيه عن حقيقة قدراته ويخفض تقديره لذاته ويؤدي إلى شعوره بالنقص وبأنَّه أقل قدراً في كل شيء من الآخرين، ولا يمكن له أن يكون أفضل منهم أو حتى في مكانتهم، ومن ثمَّ سينخفض الطموح لديه ويصبح رهن الآخرين ويتحول إلى شخص لا يريد أن يرى أحداً ولا يراه أحد.
ما هو الخجل عند الأطفال؟
الخجل عامةً يظهر في فترات محددة خلال مراحل نمو الإنسان لا سيما في مرحلتي الطفولة والمراهقة، وهو حالة انفعالية يصاحبها الخوف عندما يخشى الطفل الموقف الذي يوجد به، كما يشير إلى حالة من العجز في المواقف الاجتماعية، فهو استجابة انفعالية تشير إلى عدم الراحة والقلق والتحفظ عندما يوجد الطفل مع الآخرين؛ لذا يميل الطفل إلى تجنب التفاعل الاجتماعي أو المشاركة في النشاطات أو المواقف الاجتماعية أو مع الأفراد المحيطين به، فهو استجابة انفعالية تعوق الطفل عن إشباع حاجاته وعن تحقيق التوافق المنشود.
يكون الخجل مصحوباً بالخوف والشعور بالقلق في مواقف اجتماعية معينة مثل الظهور أمام شخص أقوى منه والرغبة بالانسحاب، فهو حالة عاطفية معقدة تنطوي على مشاعر سلبية تجاه الذات وشعور بالنقص ويبقى الطفل مشغولاً بنظرات الآخرين إليه، ويمكن القول إنَّ الخجل هو تطرُّف يقع على جانب خط متصل يقابله في الطرف الآخر الوقاحة وفي المنتصف يقع الحياء، فكل من الخجل والوقاحة صفتان غير محمودتين تسببان لصاحبهما المشكلات.
يوجد فرق بين الخجل والحياء؛ فالحياء هو ما يأتي بشكل إرادي في سلوك الفرد، بينما الخجل يأتي بصورة لا إرادية، فالخجل مرض نفسي واجتماعي يسيطر على الطفل ويشل طاقته ويحدُّ من سلوكه الاجتماعي، إذاً يمكن أن نحدد صفات الطفل الخجول بما يأتي:
- الطفل الخجول يتجنب الاتصال بالآخرين ويخاف منهم.
- الطفل الخجول حساس وغير واثق بنفسه لا سيما في المواقف الاجتماعية التي تتطلب تفاعلاً محدداً.
- الطفل الخجول لا يمتلك روح المبادرة ولا يمكن أن يلجأ إليها أو أن يقوم بفعل ما في موقف اجتماعي ما لم يكن مجبراً على ذلك.
- الطفل الخجول يتحدث بصوت خافت ويتجنب وضع عينيه في عيون الآخرين.
- الطفل الخجول يلجأ إلى الانزواء وتجنب الألعاب الجماعية.
- الطفل الخجول تتملكه مشاعر الخوف والانهزام أغلب الوقت.
- الطفل الخجول غالباً ما يعاني من تدنٍ في التحصيل الدراسي.
- الطفل الخجول تتولد لديه مشاعر الحسد والكراهية لدى الأطفال الآخرين.
- الطفل الخجول يقوم بسلوكات ليست جيدة مثل مص الأصابع وقضم الأظافر وتكسير الأشياء وغير ذلك.
- النكوص لمراحل عمرية سابقة.
- الطفل الخجول يهرب من مشكلاته ويتجنب الحديث عنها، كما يفقد القدرة على الدفاع عن النفس.
- الطفل الخجول يكون عاجزاً عن التعبير عن أفكاره وما يريد.
أسباب الخجل:
- المعاناة من عاهة في الجسم أو تشوه، أو المعاناة من السمنة، فقد يكون محطَّ سخرية من الأطفال الآخرين، وهذا يُشعره بالنقص وبأنَّه أقل منهم.
- نشوء الطفل في أسرة غير مستقرة تكثر فيها الصراعات الداخلية تجعل منه طفلاً قلقاً وخائفاً وقليل الاختلاط بالآخرين.
- تأثُّر الطفل بالعبارات والانتقادات التي توجَّه إليه من قِبل محيطه الاجتماعي والمقارنات التي يخضع لها طيلة فترة طفولته، كأن يتردد على مسمعه أنَّه أقصر من فلان أو أنَّه عاجز أن يكون ذكياً مثل فلان آخر أو أنَّ فلاناً من الأفراد أكثر جمالاً أو نشاطاً منه، وهذه العبارات تُشعره بالنقص وتضعف ثقته بنفسه، وغالباً ما تترسخ في داخل الطفل ويحتفظ بها بوصفها ذكريات مؤلمة تؤدي به لاحقاً إلى الابتعاد عن الناس والعزلة والانطواء.
- افتقار الطفل إلى العلاقات الأسرية والاجتماعية التي تقوم على الحب والعطاء والاحترام وتشجعه على الثقة بنفسه وتطويرها.
- توجيه الانتقادات للطفل أمام إخوته وزملائه.
- قلة اهتمام الأسرة بالنقص الذي يظهر لدى طفلهم في بعض النواحي وعدم السعي إلى إيجاد حل له.
- الحماية الزائدة، فالأطفال الذين تقوم أسرهم بتدليلهم بشكل مفرط ويبقون في دائرة الحماية الزائدة يصبحون مع مرور الوقت سلبيين وخجولين ومعتمدين على أسرتهم في كل شي.
- أساليب التربية القائمة على التناقض في معاملة الطفل.
- تكرار لفظ الخجل على مسامع الطفل ونسب الصفة إليه، وهذا يجعله يمتصها ويتصرف وفقها حتى تغدو صفة أساسية في سلوكه.
- العيش مع نماذج خجولة من الكبار.
شاهد بالفديو: 13 طريقة تساعد الأبوين على علاج الاكتئاب عند الأطفال
كيف يمكن مساعدة الطفل على التخلص من الخجل وتحقيق التوافق النفسي؟
إنَّ مساعدة الأطفال الخجولين هو واجب أخلاقي تتحمل مسؤوليته كافة المؤسسات الاجتماعية، إضافة إلى المرشدين الاجتماعيين والاختصاصيين النفسيين، فالأطفال هم أحوج فئة إلى العون والدعم من أجل التغلب على مشكلات حياتهم التي تعترضهم يومياً، وتوجد بعض الأفكار التي يمكن أن نقدمها وتسهم في مساعدة الأطفال على التخلص من الخجل والتمتع بالصحة النفسية:
- القدوة والنمذجة، فهذه الطريقة تعتمد على مراقبة الطفل لسلوك الآخرين والاقتداء بهم وتقليد سلوكهم.
- توفير الجو الهادئ المريح للأطفال في المنزل وسيادة العلاقات الطيبة وعدم تعريضهم للمواقف التي تؤثر في نفوسهم وتجعلهم عرضةً للإصابة بالتوتر والقلق والخوف وضعف ثقتهم بنفسهم.
- تعويد الطفل على الاختلاط بالآخرين لا سيما الأطفال من عمره.
- عدم إخضاع الطفل لأيَّة مقارنة من أي نوع مع إخوته أو مع الأطفال الآخرين لا سيما ممن يتمتعون بقدرات عقلية وذهنية أكبر أو ممن يتمتعون بالصحة الجسدية أكثر من طفلهم.
- مساعدة الطفل على الشعور بالأمان لكي يستطيع التعبير عن أفكاره وكل ما يريد وما يجول في نفسه بكل حرية ودون الخوف من العواقب، كما يجب الاستماع له بإنصات واهتمام واحترام مشاعره.
- إشراك الطفل بالنشاطات الاجتماعية وجماعات اللعب مع الأقران ودفعه إلى الاختلاط بهم وإقامة علاقات صداقة معهم واحترام تلك العلاقات.
- الاعتماد على أساليب الثواب والتشجيع في التربية ومدحه عندما يقوم بأشياء جيدة، فالتشجيع يزيد من الدافع النفسي نحو السلوكات الإيجابية.
- دعم الطفل في تطوير نفسه ومهاراته وهواياته وتعزيز دافعيته باتجاه بناء نفسه والتميز في أي مجال يحبه.
- اعتماد أسلوب التربية من خلال التجربة، وذلك من خلال وضع الطفل في مواقف معينة ومراقبة سلوكه وتقويمه.
- تأدية الأدوار أو الدراما الاجتماعية، فهي من الوسائل الجيدة التي تسهم في تنمية مشاعر الطفل تجاه الآخرين وإدراك أدواره المختلفة في المجتمع.
- القصص والأغاني؛ إذ يبقى أسلوب القصة من أفضل الأساليب التربوية التي يمكن استخدامها مع كافة المراحل العمرية ولجميع الأعمار، فهي عدا عن أنَّها تُدخل الفرحة إلى قلوب الأطفال فإنَّها مفيدة لتعديل سلوكهم وتقويمه وإضفاء الثقة على أنفسهم.
- الجلوس مع الطفل ومحاورته باستمرار، فيمكن أن يقوم الآباء أو حتى المعلمون في المدرسة بفتح الحوارات المختلفة ليسمحوا للأطفال بالتعبير عن ذاتهم أولاً وليفسحوا المجال أمامهم للتعبير عن أسباب الخجل والتخلص منه.
في الختام:
يُعَدُّ الخجل أمراً طبيعياً وجزءاً أساسياً من عملية نمو الطفل ولكنَّه قد يتحول إلى مشكلة سلوكية لها نتائج سلبية لا تُحمد عقباها، فالخجل عندما يزيد عن حدِّه الطبيعي يصبح عائقاً في وجه نمو الطفل السليم وتحقيقه للاتزان الانفعالي وتمتعه بالصحة النفسية التي تكون سبباً رئيساً في الحياة السعيدة، والخجل هو اضطراب هروبي انسحابي يدفع الطفل إلى تحاشي الآخرين ويعيش منطوياً على نفسه بعيداً عن التفاعلات الاجتماعية وصامتاً، ويبقى الخوف من استمرار ذلك إذا لم يتدارك الأهل والمربون تلك المشكلة ويسعون إلى حلها بأقصى سرعة ممكنة وإعادة التوازن النفسي إلى طفلهم.
المصادر +
- حنان بنت أسعد محمد خوج، الخجل علاقته بكل من الشعور بالوحدة النفسية وأساليب المعاملة الوالدية لدى عينة من طالبات المرحلة المت
- محمد محمود العطار، الخجل عند الاطفال، جامعة الباحة
- سامية مختار محمد شهبو، فعالية برنامج للتدريب على المهارات الاجتماعية في خفض الشعور بالخجل لدى عينة من أطفال الروضة.
- عبد ربه علي شعبان، الخجل وعلاقته بتقدير الذات ومستوى الطموح لدى المعاقين بصريا، الجامعة الإسلامية، غزة، 2010.
أضف تعليقاً