الحب الأول: لماذا الرجال أكثر تأثراً بفشل العلاقة؟

تكثر الأقاويل والأحاديث بين العامة حول مفاهيم تعترضنا بكثرة في الحياة اليومية، ولعلَّ أكثرها تداولاً تلك التي تتعلق بالعلاقات العاطفية عموماً والحب الأول خصوصاً؛ إذ نجد بعض الناس تؤكد على أنَّ الحب الحقيقي هو الحب الأول فحسب، وأمَّا ما سواه فهي مجرد محاولات للتعويض؛ الأمر الذي يدفعنا لأن نتساءل: هل يمكن لنا أن نَعُدَّ هذا الكلام صحيحاً؟



من ناحية أخرى، يعتقد بعضهم الآخر أنَّ الحب الأول إنَّما هو علاقة طائشة وتجربة عابرة لن تتكلل بالنجاح، وطبعاً ملقين بجزء كبير من اللائمة في ذلك على الذكور، بسبب الاعتقاد السائد بأنَّهم أقل اهتماماً بالماضي، وما إن ينتهوا من علاقة ما، حتى يبدؤوا في أخرى، وكأنَّ شيئاً لم يكن.

في هذا المقال أعزاءنا، سنحاول الإجابة عمَّا قد يتبادر إلى الذهن من تساؤلات تتعلق بمفهوم الحب الأول؛ وذلك بالاعتماد على علم النفس، كما سنتحدث عن أمور ومفاهيم مغلوطة ومرتبطة بالموضوع نفسه ويكثر تداولها بين العامة، محاولين تصحيحها وتصويبها؛ لذا تابعوا معنا.

هل يمكن الجزم بأنَّ الحب الأول يُعَدُّ مشروعاً فاشلاً؟

إنَّ فشل الحب الأول، أو حتى الزواج، لا يكون بسبب وجود صفات محددة أو الافتقار إلى أخرى في الشريك؛ بل إنَّما السبب الرئيس هو عدم القدرة على التوافق مع الشريك، وبشكل أدق، فإنَّ السبب هو نقص الخبرة اللازمة في التعامل مع الجنس الآخر، وخاصةً في حال كانت هذه العلاقة هي الأولى.

ما هي مشكلات علاقة الحب الأولى؟

تكمن مشكلة العلاقة الأولى في نقاط عدة؛ إذ إنَّه في بعض الحالات قد يفقد الزوجان القدرة على التغلغل بشكل كامل في أعماق بعضهما، أو ربما يعجزان عن رؤية مواطن الجمال والخير والسعادة في تفاصيل بعضهما بعضاً، ومن ثمَّ تضعف أو ربما تنعدم قدرتهما على الذوبان أو الاتحاد في روح واحدة وعقل واحد، وعندها يكون الفشل ثنائياً، يصيب الاثنين معاً؛ إذ إنَّهما لا يصلحان كشريكين.

لكن على المقلب الآخر، حين تضع كلَّ واحد منهما مع شخص آخر، حينها تنقلب المعادلة، وتتشكل معادلة أخرى قد تكون قادرة على الانسجام والاستمرار.

هل يمكن أن تكون علاقة الحب الثانية أكثر نجاحاً من الأولى؟

وانطلاقاً من هذا التفكير، قد تكون فرص النجاح في المرة الثانية، أكبر من سابقتها؛ وخاصة لأنَّ الإنسان سيكون قد تعلم بعض الأمور الجديدة من العلاقة السابقة، وراكم خبرة لا بأس بها، تساعده على تجنب الأخطاء التي وقع فيها في السابق، وهذا يتطلب أن يكون أفق تفكيره منفتحاً على أنَّه أخطأ في الماضي، ويبتعد عن إسقاط كل عيوبه وهفواته على الطرف الآخر، وأن تكون لديه بصيرة فيما يتعلق بتصرفاته وسلوكاته الخاطئة، وإلا فلن تشكل التجربة الثانية أيَّ فارق في حياته، ما دام سيكرر الأخطاء نفسها.

لذا، يجب على الإنسان ألَّا يقف عند أول تجربة فاشلة يمر بها؛ بل يجب عليه أن يستنبط الدروس والعِبر، ويتعلم من أخطائه، ويوظف خبراته الجديدة أو المُعدَّلة من أجل إنجاح علاقاته القادمة.

ليس الفشل في استمرار العلاقة عيباً؛ بل هو جزء من سُنَّة الكون واستمراريته؛ إذ قد تكون نهاية العلاقة أمراً مفيداً، كونها تُجنِّب الشريكين الخوض في علاقة تضر بالطرفين، وقد تكون فرصة من أجل الحصول على شريك أنسب، تكون العلاقة معه أكثر راحة واستقراراً.

إقرأ أيضاً: كيف تجعل العلاقة مع الشريك عن بعد ناجحة بالنسبة إليك؟

أهمية التفهم في استمرار العلاقة بين الشريكين:

يُعَدُّ تفهُّم الإنسان للشخص الآخر واحدة من أعظم الهدايا التي يمكن أن يقدمه إنسان لأي أحد، خاصةً في ظل عالم يضج ويعج بعلاقات استهلاكية قائمة على النفعية والمصلحة المؤقتة.

إنَّ فهمك وتفهُّمك طريقة وأسلوب تفكير الشريك في الحياة وفي نفسه، وكيفية حماية نفسه من الأخطار المحيطة به، وأن تفكر في أموره ومشكلاته كما لو كنتَ أنت صاحبها، وتضع نفسك مكانه، وتتخيل كيف سيكون موقفك وكيف ستكون تصرفاتك؛ كل تلك الأمور ستخفف من شدة المشاعر التي تشعر بها تجاهه، وتقلل من ألمك أو انزعاجك، بغضِّ النظر عمَّا إذا كنتَ توافق على كل ما يفكر فيه الشريك أو يشعر به تجاهك.

إقرأ أيضاً: 13 علامة تُشير إلى أنَّك قد وجدت نصفك الآخر

كيف يمكن للتفهم أن يساهم في تقوية العلاقة والمحافظة عليها؟

إنَّ أيَّ إنسان في هذه الحياة - مهما كان مستوى تفكيره أو نوعية عمله أو طريقة حياته - فهو بحاجة ماسة إلى موضوع التفهم؛ لأنَّه يُخرج الإنسان من دائرة تفكيره التي طالما انغلق عليها، ويطير به بعيداً عنها، إلى فضاء واسع ورحب.

وهذه الحاجة - التي يُبديها الإنسان من أجل توسيع مداركه وآفاق تفكيره - لا تندرج تحت مسمى الرفاهية أو الكمالية؛ بل تدل على مرحلة النضج التي وصل إليها هذا الإنسان؛ إذ تجعله أكثر قابلية على تفهم مشكلات الشريك وعواطفه وحاجاته، من أجل مواجهة مصاعب الحياة معاً.

كيفية توظيف التفهّم في تحسين علاقتك مع الشريك؟

في علاقتك مع الشريك، يُوجِب عليك التفهم أن تتريث في التصرف أو اتخاذ موقف تجاه قضية ما، فضلاً عن أنَّه يعلمك تقبُّل تباين وجهات النظر بينك وبين شريك حياتك؛ إذ إنَّ ضيق الفضاء الذي يمكن أن تصل إليه أفكارك، وانغلاق المدارات التي تمشي فيها وجهات نظرك، ستجعل منك أكثر قلقاً وتوتراً؛ وهذا يشوش على أفكارك وقراراتك، ومن ثمَّ يضر بعلاقتك مع الطرف الآخر.

إنَّ الإنسان كائن اجتماعي بالدرجة الأولى، فجميع العواطف والمشاعر التي يسعى إلى تذوقها، تمرُّ عبر التواصل مع الآخر؛ إذ إنَّ عملية التواصل هذه تشبه بشكل كبير عملية التنفس؛ لأنَّ كلتا العمليتين تهدفان إلى استمرار الحياة.

يجب على الإنسان أن يبقى في حالة تدرُّب وتعلُّم مستمرة لا تتوقف، في مدرسة العلاقات الاجتماعية، حتى يصبح مرناً ولا يهرع لأن يُكوِّن موقفاً تجاه كل حدث يمر به، وكما أنَّك قد تتعرض للرفض في حياتك في عمل ما أو علاقة أو عند التقديم على وظيفة معيَّنة، فتذكَّر أنَّك أنت في حياتك قد رفضتَ الكثير من الأمور والأشخاص؛ إذ كما أنَّ لك أسبابك، فإنَّ الآخرين يملكون أسبابهم الخاصة أيضاً.

إذن، يُعَدُّ تفهُّمك لتفكير الشريك واحتياجاته أمراً ضرورياً؛ بل حتمياً من أجل استمرار العلاقة؛ إذ إنَّنا جميعاً نعلم أنَّه في داخلنا لدينا مشاعر وأفكار واندفاعات متناقضة ومتعاكسة بشكل غير مفهوم وغير واضح، نتيجة وجود العديد من الأماكن في تفكيرنا وأذهاننا التي لم يصل إليها النضج بعد، ولكن عندما تكون إنساناً مرناً في تفكيرك، ستصبح أكثر قدرة على إدارة خلافاتك مع الشريك، والخروج بأقل الخسائر من أيَّة مصيبة.

وخلاصة القول، يجب علينا أن ندرك أنَّ فهمنا للآخر هو احتياج، وهو لا يعني بالضرورة الموافقة.

شاهد بالفديو: 10 طرق للتعبير عن الحب دون استعمال الكلمات

كيف يتعامل كلٌّ من الرجل والمرأة مع حادثة الانفصال العاطفي، ومَن هو الطرف الذي يتضرر بشكل أكبر؟

بعد نهاية أيَّة علاقة عاطفية فاشلة، يدخل كِلا الطرفين في حالة من الصدمة والمعاناة، وتختلف الطريقة التي يتعامل بها الشريكان مع هذه الشدة.

صحيح أنَّ الأنثى تعاني بشكل أكبر بعد الانفصال، ولكنَّ الرجل يحتاج إلى فترة أطول بكثير لكي يتعافى، مع أنَّه قد تبدو عليه قلة التأثر بالانفصال؛ إذ إنَّه بحسب دراسات حديثة، يعاني كلٌّ من الرجل والمرأة بشكل كبير بعد فشل العلاقة، وتكون معاناة المرأة أشد جسدياً وعاطفياً، غير أنَّهن على المقلب الآخر، يستطعن التعافي بشكل تام، وتنقضي فترة الصدمة وتنتهي، لتخرج المرأة بحالة نفسية قوية وشخصية متماسكة.

على عكس الرجل، الذي لا يستطيع أن يصل إلى مرحلة الشفاء الكامل، على الرغم من تجاوزه الموضوع وتخطيه، واستمراره في أعماله، وعيشه روتين حياته بشكل طبيعي؛ إذ إنَّه يبقى حاملاً في أعماقه بعض الألم الذي يعتصر قلبه من فترة إلى أخرى.

إقرأ أيضاً: 7 أخطاء تصيب الحياة الزوجية في مقتل

ما هو سبب هذا الاختلاف بين الرجل والمرأة في التعاطي مع الانفصال؟

إنَّ هذا التباين في طريقة تعامل الذكر والأنثى مع حادثة الانفصال أو الفشل العاطفي، يعود لاختلافات بيولوجية طبيعية بينهما، ولأنَّ المرأة هي الخاسر الأكبر في حال ارتبطت بالشخص الخطأ، كونها تشكل الطرف المعطاء الذي يعطي كثيراً ولا يأخذ إلا القليل.

أمَّا الرجل في أغلب الحالات، لا يكون شديد التأثر في بداية الانفصال، إلا أنَّه بعد فترة معيَّنة من الزمن، يبدأ بالشعور بخسارته، عندما يعي بأنَّ عليه الآن أن يبدأ رحلة أو معركة منافسة شديدة من أجل جذب الشريك الجديد.

ما هي الآثار الجانبية لحادثة الانفصال في كلٍّ من الرجل والمرأة؟

قد تختلف التبعات السيئة لعملية الانفصال من شخص إلى آخر؛ وذلك بحسب قوة العلاقة، وترتيبها؛ إذ إنَّ العامل الأخير قد يكون هو العامل الأهم عند الرجل، فأول خسارة قد تكون ذات آثار نفسية كارثية، ثم يعتاد على الأمر مع تكراره، بِعَدِّ موضوع الحب عند الرجل يأخذ الجانب الغريزي أو الفطري في بعض الحالات، ولا يبلغ ذلك العمق الذي يكون عند المرأة.

تشمل بعض الآثار السلبية الشديدة للانفصال، عدم الذهاب إلى العمل أو الاستقالة، وإهمال الدراسة، وقد تصل إلى حد اتباع سلوكات مدمرة مثل محاولة الانتحار، وفي أغلب الحالات، تكون الآثار السلبية عند المرأة مؤدية نوعاً ما نحو الاكتئاب، على عكس الذكر الذي يلجأ إلى شرب الكحول أو التعاطي، كوسيلة للنسيان أو العلاج الذاتي.

كلمة أخيرة:

لا يمكن أن تكون هناك علاقة ناجحة بين طرفين من دون أن يفهم كلٌّ منهما الآخر، ولكي يصل الطرفان إلى هذا النوع من التفهم، يجب على كلٍّ منهما أن يحاول فهم نفسه ابتداءً، قبل أيِّ شيء آخر، وأفضل وسيلة للوصول إلى هذا الفهم هو علم النفس؛ وذلك لأنَّه يبحث في المشاعر والدوافع والأفكار، في أصلها وتفسيرها، وفي طرائق التعامل معها بالشكل السليم والمناسب.

ندعوكم في نهاية هذا المقال إلى أن تزيدوا معلوماتكم في مختلف موضوعات أبحاث علم النفس، خصوصاً أنَّنا نعيش الآن في عصر التقنية؛ حيث توجد الكثير من قنوات الـ "يوتيوب" ومواقع الإنترنت التي تتحدث حول هذه الموضوعات.

المصدر: الطبيب النفسي د. باسم محسن يوسف، اختصاصي في علاج الأمراض النفسية عند الأطفال والبالغين، وعلاج الإدمان من فرنسا




مقالات مرتبطة