التنفس الواعي: إضافة رائعة إلى التأمل

إنَّه لمن المرجح أنَّك سمعت وقرأت الكثير من المقالات والكتب والنصائح التي تقرُّ بأهمية التنفس ومدى تأثيره في جسد المرء؛ حيث أثبتت الدراسات أنَّ التنفس الصحيح يساعد في مواجهة القلق والتوتُّر، ويؤثر في العوامل الفسيولوجية تأثيراً إيجابياً، ويساعد الجسم على الاسترخاء والقيام بمهماته الوظيفية على أكمل وجه.



من بين الممارسات العديدة لعملية التنفس، توجد ممارسة فعَّالة تساعد على التحكُّم بالتنفس، وهي "التنفس الواعي"، والتي تعدُّ ممارسة بسيطة للغاية، ولا تتطلب منك سوى أن تأخذ نفساً عميقاً وتشعر بالهواء يملأ رئتيك ويمددهما بالكامل، ثم تزفر ما استنشقته ببطء مع العد خمس مرَّات، حيث يؤدي تكرار هذه الممارسة أربع أو خمس مرات إلى إرسال إشارة إلى الدماغ تخلق مجموعة متنوعة من الاستجابات المفيدة.

وفقاً لمقال نُشِر حديثاً في صحيفة نيويورك تايمز (New York Times)، فقد أثبتت البحوث أنَّ التنفس المتحكَّم فيه (التنفس الواعي) يقلل التوتر ويزيد اليقظة ويعزز جهاز المناعة؛ كما وجدت الدراسات الطبية أنَّ ممارسات التنفس قد تساعد في تقليل الأعراض المرتبطة بالقلق والأرق واضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب واضطراب نقص الانتباه.

شاهد بالفديو: 7 مؤشرات تدلّ على أنّك تحت ضغط نفسي شديد

ما هو التنفس الواعي (التنفس المُتحكَّم فيه)؟

يُعدُّ التنفس الواعي المصطلح الأفضل للتنفس المتحكَّم فيه، والذي دُعِي إليه في ممارسة اليوجا منذ آلاف السنين؛ إذ كُرِّست كتب كاملة لشرح ممارسات براناياما (تمرينات تنفس اليوجا) التي تشير إلى التنفس النشِط والواعي.

لقد كان التنفس في الهند وسيلة للوصول إلى قوَّة الحياة أو البرانا، وينصب التركيز في الطب الحديث اليوم على ما يوازي قوَّة الحياة علمياً، وهو الجهاز العصبي المركزي.

ربَّما تتذكَّر أي موقف قال لك فيه أحدهم: "تمهَّل، وخذ نفساً عميقاً، واهدأ"، حتى أنَّنا نقول هذا للأطفال الذين ينفعلون بشدة، ونسمع هذه العبارة أيضاً في الدراما التلفزيونية.

تساعد هذه الممارسة على رؤية الفارق بين نظام العقل والجسم عندما يكون مسترخياً وعندما يكون متوتراً؛ فإذا كنت تتنفس بطريقة سريعة أو سطحية أو تحبس أنفاسك دون ملاحظة ذلك، ستظهر عليك علامات التوتُّر، ويقل شعورك من خلال التنفس الواعي العميق، وتعود إلى التنفس الطبيعي؛ ممَّا يسمح للجهاز العصبي الذاتي بإعادة التوازن إلى الجسم، والشعور بالتركيز والاسترخاء ومزيد من التحكُّم.

كما يعدُّ التنفس الواعي مفيداً في أثناء الاستعداد للتأمل؛ ذلك لأنَّه يؤسس وعيك، ويضع نظام العقل والجسم في وضع أكثر استرخاء؛ كما تُعدُّ ممارسة التنفس الواعي قبل الخلود إلى الفراش فعَّالة لإعداد نفسك للنوم.

إذا كنت تمارس اليوجا، فمن المرجح أنَّك على دراية بأنواع البراناياما المختلفة، والتي تهدف إلى تحقيق حالات وعي أكثر عمقاً.

إقرأ أيضاً: فوائد تمرينات التنفس للعقل والروح والجسد

التنفس الواعي والتعاطف المفرط:

يرتبط السبب وراء كون التنفس الواعي مفيداً طبياً بحالة شائعة في الحياة العصرية تُعرَف باسم "التعاطف المفرط" (sympathetic overdrive).

يعيش معظمنا في حالة اختلال دائم في حال لم نَعي الضرر الذي نسببه لأنفسنا، ويُعدُّ الجهاز العصبي المثال الرئيس لكيفية عمل جسمك تحت تحكُّم مزدوج؛ إذ يتعامل معها الجهاز العصبي الذاتي -كان يُشار إليه خطأ بالجهاز العصبي الذاتي- مع أي عملية لا تحتاج إلى التفكير، ويتحكم بصورة أساسية بكيفية عمل الأعضاء.

قد يبدو مصطلح "اللاإرادي" منطقياً تماماً؛ إذ تشرف الأعصاب التي تتحكم بالقلب والمعدة والجهاز الهضمي على الوظائف التي لا تتطلب تعاونك الطوعي أو الواعي؛ فلا يمكنك أن تأمر قلبك بالتوقف عن الخفقان أو تأمر الأمعاء الدقيقة بالتوقف عن هضم الطعام الذي تتناوله؛ ولكنَّ فكرة عدم قدرتك على التحكُّم بالجهاز العصبي الذاتي فكرة مضللة؛ إذ تبيَّن أنَّ هذا الجانب من الجهاز العصبي المركزي قابل للتكيف مع رغباتك ومشاعرك وأفكارك وأنشطتك العقلية الأخرى أكثر ممَّا كنَّا نعتقد.

ينقسم الجهاز العصبي الذاتي إلى قسمين يُعرَفان بالجهاز العصبي الودي والجهاز العصبي اللاودِّي (السمبثاوي)، وإنَّ الوظيفة الأساسية للجهاز العصبي الودي هي تقديم استجابة الكر أو الفر؛ ورغم أنَّ الجزء السفلي من الدماغ هو مقر هذه الاستجابة، إلَّا أنَّه يتطلب شبكة كاملة من الأعصاب في جميع أنحاء الجسم لتنشيط كل ما يدخل في هذه الاستجابة الواحدة.

توجد العديد من العناصر التي تشارك في استجابة الكر أو الفر، مثل:

  • اتساع حدقة العين.
  • زيادة التعرق.
  • زيادة معدل ضربات القلب.
  • ارتفاع ضغط الدم.
  • توقف عملية الهضم مؤقتاً.
  • تغيُّر سرعة التمثيل الغذائي.
  • عمل العضلات بطريقة لا هوائية (أي دون الحاجة إلى الأوكسجين).

ولأنَّها استجابة مؤقتة، فهذه مجرَّد تدابير طارئة؛ إذ لم تؤهلك طبيعتك التطورية للاستجابة للتوتر المستمر، لكنَّ الحياة الحديثة فرضته عليك؛ ولكن تُعدُّ القدرات الرائعة التي يتمتع بها ممارسو اليوجا لإبطاء معدل ضربات القلب والتنفس بصورة عميقة لساعات متتالية خير دليل على إمكانية استعادة التحكُّم الكامل لما يُسمَّى بالوظائف اللاإرادية.

التنفس الواعي والعصب المبهم:

يُشار أحياناً إلى التنفس البسيط المتحكَّم فيه باسم التنفس المبهم؛ ذلك لأنَّ العصب المبهم يلعب دوراً حاسماً في هذا الصدد، وهو أحد الأعصاب القحفية الـ 12 التي تمتد من الدماغ إلى باقي الجسم.

يُعدُّ العصب المبهم طوَّافاً، إذ يمر من المخ إلى الرقبة، وصولاً إلى الصدر، ومروراً بالقلب حتى البطن؛ ويعدُّ أطول عصب قحفي في الجسم، وترسل أليافه المعلومات الحسية وتستقبلها، وتوجَّه عن طريقه معظم الأحاسيس التي تشعر بها في أثناء ممارسة التنفس الواعي.

نظراً إلى تجوُّل العصب المبهم، يصبح له تأثير شامل في نظام العقل والجسم؛ وبما أنَّه يستجيب للتنفس الواعي، فقد يفيد عمليات أخرى كمعدل ضربات القلب وضغط الدم والهضم، بالإضافة إلى زيادة الشعور بالاسترخاء؛ ولكنَّ الطب قد لا يدرك الشيء الأكثر أهمية، وهو أنَّ التأثيرات الجسدية ليست هي التي تخلق فوائد التنفس المتحكَّم فيه أو البراناياما.

إقرأ أيضاً: تمارين اليوغا والتنفس وفوائدها للصحة

التنفس الواعي والتأمل:

لا شيء يفلت من قبضة الوعي؛ ذلك لأنَّ العقل والجسد عبارة عن إدراك يتجلَّى من مصدره في الوعي الصافي للانخراط في العالم المادي؛ ويمكنك من خلال هذا الفهم دمج التنفس الواعي في ممارسة التأمل كجزء من الهدف الأكبر، للوصول إلى الوعي الكامل وإيقاظ إمكاناتك اللامحدودة.

 

المصدر




مقالات مرتبطة