التسرع: أشكاله، وعواقبه، وطرق علاجه

تأخذنا الحياة بإيقاعها السريع، مؤثرة في تركيبتنا النفسية والشخصية، غير عابئة بحجم التغييرات الخطيرة التي تعصف في داخلنا، فنبدأ بعشق السرعة في كل تفصيل من تفاصيل حياتنا، فنميل إلى الحب الإلكتروني السريع؛ وتثلج صدورنا المحاضرة المختصرة السريعة، ونعشق بناء العلاقات الاجتماعية منزوعة الحواجز والتي لا تعترف بمعيار الزمن كعنصر أساسي لبنائها واستمراريتها، ونلهث وراء التخطيط السريع للأهداف والأمنيات، فنُسارع إلى التخلي عن كل هدف يتطلب مدة زمنية كبيرة للإنجاز، متحوِّلين إلى أناس متسرِّعين وغير مسؤولين ومهملين دون أن نعي ذلك.



يتعامل معظمنا بأسلوب ردة الفعل عندما نغضب ونثور، مسلِّمين دفة القيادة إلى جانبنا الغريزي المُفتَقد لأية محاكمة عقلية، متجاهلين الجانب العقلاني من شخصيتنا، ومبتعدين عن القيم والمعتقدات التي نؤمن بها ونحيا بروحها.

نحن نخسر الكثير من الفرص والعلاقات والأهداف من جراء تسرُّعنا وتهوُّرنا، فكم من فرصة كانت لتغيِّر حياتنا لولا تسرعنا بالحكم عليها من الظاهر دون الغوص في تفاصيلها، وكم من هدف خسرنا الألق المصاحب له من جراء تسرعنا في بلوغ النتيجة؟

التسرع؛ تعريفه، آثاره، علاجه، هذا ما سنعرفه من خلال هذا المقال.

ما هو التسرع؟

وهو حالة من الاستعجال في اتخاذ القرارات دون دراسة، أو حالة من الإنجاز السريع للمهام دون مراعاة الإتقان في النتائج.

ما هي أشكال التسرع؟

نحن نتخذ في يومنا الواحد الكثير من القرارات والتي يظهر التسرع في معظمها؛ حيث يتسرع أغلبنا في الحكم على الناس من مظهرهم على سبيل المثال، كما يتسرع معظمنا في جرح الطرف الآخر الذي يحاول استفزازنا أو التقليل من احترامنا، ولا نتوقف لحظة للتفكير فيما إذا كنَّا مخطئين في حق هذا الإنسان.

كما يتسرع معظمنا في تصديق الكلام السلبي الذي يُقال في حقنا، حاقدين على أولئك ممَّن قيل لنا أنَّهم يسيؤون إلينا، دون أن نتبيَّن ونتأكد من صحة الموضوع، ونتسرع في اختيار شريك الحياة خوفاً من أن يفوتنا قطار الزواج، ونتسرع في تقييم الفرص المتاحة لنا، بحيث نحكم عليها من شكلها الخارجي دون دراستها والبحث في إيجابياتها وسلبياتها.

كما نتسرَّع في اختيار الوظيفة التي تُعطِينا مردوداً مادياً دون البحث عمَّا يتناسب مع رغباتنا وشغفنا.

إقرأ أيضاً: كيف تتعلَّم فن اتخاذ القرارات الصحيحة

ما هي عواقب التسرُّع؟

1. خسارة الأهداف:

لا يستطيع الإنسان المتسرِّع الصبر على تحقيق الأهداف بعيدة الأمد؛ بل يرغب في التماس النتائج الفورية والسريعة للمهام التي يقوم بها؛ الأمر الذي يجعله بعيداً عن شغفه ورسالته في الحياة.

2. البعد عن القيم:

يبتعد الإنسان المتسرِّع عن قيمه وقناعاته في الحياة، ويترك لغرائزه التحكُّم بردود أفعاله وسلوكاته، فعلى سبيل المثال في حال غضبه من شخص ما؛ يميل الشخص المتسرِّع إلى إلحاق الأذى بالطرف الآخر وجرحه والتقليل من شأنه، مبتعداً بالتالي عن قيم التأني والحكمة والتعقُّل.

3. الندم:

من أسوأ الآثار السلبية للتسرع هي مشاعر الندم المصاحبة له؛ حيث تندم على كل موقف لم تحسن التصرف فيه، وعلى كل علاقة تسرعت في إنهائها، وعلى كل هدف لم تصبر على تنفيذه، وعلى كل قيمة فشلت في الحفاظ عليها وقت الغضب، وعلى كل فكرة سيئة الظن كنت قد أنشأتها دون تبيان أو تأكُّد.

إقرأ أيضاً: 4 نصائح فعّالة للتخلص من مشاعر الندم

4. الخسارة والكآبة:

يشعر الشخص المتسرِّع بمشاعر من الخسارة والكآبة والتشاؤم، من جراء سلوكه غير المدروس وتهوُّره وعدم تقديره السليم للمواقف التي يمر بها.

ما هو علاج التسرع؟

  • بداية على الإنسان أن يدرب نفسه على التأني والصبر والعقلانية، والتفكير في الأمر قبل إطلاق الحكم عليه، كأن يضع قائمة بالإيجابيات والسلبيات تخص أي أمر يرغب في اتخاذ قرار بخصوصه، ومن ثمَّ الموازنة ما بين الإيجابيات والسلبيات، وسؤال نفسه "هل هو قادر على تحمُّل السلبيات في سبيل تحقيق ذلك الموضوع"، فإن أجاب عن السؤال "بنعم" إذاً فيستطيع الانطلاق بالأمر. على سبيل المثال: إن كان الشخص أمام اتخاذ قرار مصيري في حياته وهو قرار الزواج، فهنا لا يلهث وراء عاطفته ويقرر قراراً عاطفياً؛ بل يعمل على تهدئة نفسه، ومن ثمَّ التفكير في الموضوع من ناحية منطقية، بحيث يبني مصفوفة من الإيجابيات والسلبيات، ويقارن بين عناصر تلك المصفوفة، فإن وجد أنَّ الإيجابيات أكبر بكثير من السلبيات، وأنَّه قادر على تحمُّل تلك السلبيات في سبيل الحصول على زواج سعيد وناضج، فعندها يستطيع اتخاذ قرار الزواج.
  • كما يستطيع الإنسان اعتماد منهجية "السيناريو الأسوأ" كـأن يتخيل أسوأ سيناريو ممكن أن يحدث في موقف ما، ومن ثمَّ يبني ردة فعله بناء على ذلك. على سبيل المثال: في حال تعرَّضَ شخص ما لموقف استفزازي من قِبل شخص آخر، فهنا على الشخص الأول أن يتأنَّى ويفكر قليلاً، ويتخيل أسوأ سيناريو ممكن أن يحدث؛ كأن يوسعه ضرباً أو يجرحه بتوجيه كلمات قاسية له، ومن ثمَّ يسأل نفسه "هل هو قادر على تحمُّل نتائج هذا السيناريو، هل ينسجم هذا السيناريو مع القيم والمعتقدات التي يؤمن بها أم أنَّه يبتعد كثيراً عنها؟ ستمنحه الإجابة عن هذا السؤال وضوحاً وهدوءاً واستقراراً.
  • كما على الإنسان المتسرِّع أن يعتاد فصل مشاعره عن الحدث، لكي يقرر قراراً صحيحاً، فلا يتخذ قراراً وهو غضبان، ولا يُعطِي وعوداً وهو سعيد، ولا يعاتب شخصاً ما وهو حزين.
  • على الشخص أن يتعلَّم تقييم الأمر قبل اتخاذ القرار، لا تقييمه بعد اتخاذ القرار.

في الختام:

كن مندفعاً لبلوغ هدفك، ولكن دون تسرُّع أو تهور؛ بل ابقَ محافظاً على عقلانيتك وحكمتك في كل الظروف والمواقف، وكن أنت الفعل وليس ردة الفعل، كن أنت المتحكِّم بانفعالاتك ومشاعرك، فأنت تستحق حياة مستقرة وهادئة وسعيدة، وليس حياة مليئة بالندم والكآبة والخسارات المتراكمة من جراء التسرُّع.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة