سنتحدث في هذا المقال عن البدانة وتغيرات الميكروبيوم المعوي، وكيف يمكن تحسينه للتحكم في الوزن، وسنستعرض الأدلة العلمية الحديثة ونقدم نصائح عملية لتعديل الميكروبيوم لصالح فقدان الوزن.
ما هو الميكروبيوم المعوي؟
الميكروبيوم المعوي هو مجموعة كبيرة من البكتيريا، والفيروسات، والفطريات التي تعيش داخل الأمعاء وتؤدي دوراً أساسياً في صحة الانسان؛ إذ تهضم هذه الكائنات الدقيقة الطعام، وتُنتِج الفيتامينات، وتقوِّي الجهاز المناعي.
ففي السنوات الأخيرة، أظهرت الدراسات وجود علاقة قوية بين البدانة وتغيرات الميكروبيوم المعوي؛ إذ تؤثر تركيبة هذه الكائنات الدقيقة في وزن الجسم تأثيراً عميقاً.
تشير الأبحاث إلى أنَّ الأشخاص الذين يعانون من السمنة لديهم اختلافات واضحة في تنوع وتركيز أنواع البكتيريا في أمعائهم مقارنة بالأشخاص ذوي الوزن الطبيعي.
فالميكروبيوم المعوي يؤثر في حرق الدهون، فتحوِّل بعض البكتيريا الطعام الى طاقة، بينما الاختلالات الميكروبية قد تخزن الدهون وتزيد الوزن؛ إذ بيَّنت دراسة في مجلة طبيعية أنَّ التغيرات في الميكروبيوم، قد تؤدي الى زيادة في الوزن بنسبة تصل إلى 20% عند بعض الأشخاص.
يوضح هذا أنَّ فهم العلاقة بين الميكروبيوم المعوي والسمنة، يمكن أن يفتح آفاقاً جديدة لعلاج الوزن الزائد من خلال تعديل النظام الغذائي أو استخدام البروبيوتيك لتحسين توازن هذه الكائنات الدقيقة.

العلاقة بين الميكروبيوم المعوي والبدانة
الميكروبيوم المعوي هو نظام بيئي معقد من الكائنات الدقيقة التي تعيش داخل أمعائنا، وله تأثير مباشر في صحة الجسم ووزنه، وتشير الأبحاث الحديثة إلى أنَّ البدانة وتغيرات الميكروبيوم المعوي، مرتبطتان ارتباطاً وثيقاً.
حيث تؤدي الاختلالات في هذا النظام الميكروبي إلى تأثيرات سلبية في التمثيل الغذائي للطعام، والبكتيريا المفيدة تهضم الألياف وتحوِّلها إلى أحماض دهنية قصيرة السلسلة التي تعزز حرق الدهون وتقلل الالتهابات، بينما قد تهيئ بعض أنواع البكتيريا بيئة تُسهل تخزين السعرات الحرارية بوصفها دهوناً.
ويُبرِز فهم هذه العلاقة أهمية الميكروبيوم المعوي ودوره في السمنة، من خلال تعديل النظام الغذائي واستخدام المكملات، مثل البروبيوتيك التي تُعيد توازن الميكروبيوم وتحسن قدرته على المساعدة على التحكم بالوزن.
التغيرات في الميكروبيوم المعوي المرتبطة بالسمنة
تظهر تغيرات واضحة في تكوين الميكروبيوم المعوي في حالات السمنة، فينخفض تنوع البكتيريا المفيدة وتزداد بعض الأنواع المرتبطة بالوزن الزائد، وهذا الاختلال الميكروبي يساهم في اضطراب عمليات التمثيل الغذائي، مثل تقليل كفاءة الميكروبيوم المعوي وحرق الدهون، وزيادة إنتاج المركَّبات التي تحفز تخزين الدهون في الجسم.
وأظهرت دراسات أنَّ الأفراد الذين يعانون من زيادة الوزن، لديهم نسبة أعلى من بكتيريا (Firmicutes) مقارنةً ببكتيريا (Bacteroidetes)، وإنّ هذا التوازن غير المتكافئ، يمكن أن يعزز امتصاص السعرات الحرارية.
يؤثر الميكروبيوم في الجهاز المناعي والتوازن الالتهابي، مما يزيد خطر الإصابة بالأمراض المصاحبة للسمنة، مثل مقاومة الإنسولين وأمراض القلب؛ لذلك تعد الاختلالات الميكروبية والوزن الزائد عاملاً حيوياً يجب أخذه بالحسبان عند البحث عن حلول مستدامة لفقدان الوزن وتحسين الصحة العامة.
العوامل التي تساهم في تغيرات الميكروبيوم المعوي والبدانة
لا تُعد تركيبة الميكروبيوم المعوي ثابتة؛ بل تتغير باستمرار نتيجة لعوامل متعددة تؤثر مباشرة في توازنها ووظيفتها، وقد تؤدي هذه التغيرات إلى اضطرابات في الميكروبيوم تزيد فرص الإصابة بالسمنة وزيادة الوزن. لذا، يُعد فهم العوامل التي تساهم في البدانة وتغيرات الميكروبيوم المعوي خطوةً أساسيةً لتطوير استراتيجيات فعالة للوقاية والعلاج.
1. التغذية وعلاقتها بالميكروبيوم
النظام الغذائي هو المؤثر في صحة الميكروبيوم المعوي، وإنّ تناول الأطعمة الغنية بالألياف (مثل الخضروات، والفواكه، والحبوب الكاملة)، يغذي البكتيريا المفيدة التي تؤدي دوراً أساسياً في تكوين الميكروبيوم المعوي وحرق الدهون.
وتنتج هذه البكتيريا مركَّبات مفيدة تقلل الالتهابات وتحسن عمليات الأيض، ما يدعم فقدان الوزن والسيطرة على السمنة، ويسبب تناول كميات كبيرة من الدهون المشبعة، والسكريات، والأطعمة المصنَّعة الاختلالات الميكروبية والوزن الزائد من خلال زيادة البكتيريا الضارة التي تخزن الدهون وتؤدي إلى التهابات مزمنة داخل الجسم؛ لذلك فالتغذية السليمة والمتوازنة تظل من أهم العوامل التي تساهم في تغيرات الميكروبيوم المعوي والبدانة.
2. دور الأدوية والمضادات الحيوية
تؤثر الأدوية، وخصيصاً المضادات الحيوية، تأثيراً بالغاً في الميكروبيوم المعوي، وهذه الأدوية لا تفرِّق بين البكتيريا المفيدة والضارة، مما يسبب تقليل التنوع الميكروبي واختلال التوازن الطبيعي في الأمعاء، مما يضعف قدرة الجسم على التمثيل الغذائي للدهون والسكر، وبالتالي تسهيل زيادة الوزن والسمنة.
لذلك، من الهامّ استخدام المضادات الحيوية بحذر وتحت إشراف طبي لتجنب الإضرار بالميكروبيوم، خصيصاً عند الأشخاص المعرَّضين للسمنة.
3. تأثير نمط الحياة في الميكروبيوم المعوي
يؤدي نمط الحياة دوراً محورياً ضمن العوامل التي تساهم في تغيرات الميكروبيوم المعوي والبدانة؛ إذ إنّ قلة النشاط البدني، والتوتر المزمن، وسوء جودة النوم، كلها عوامل سلبية تؤدي إلى تغيرات ضارة في تركيب الميكروبيوم.
بالتالي، يقلل نقص الحركة تنوع البكتيريا المفيدة، مما يضعف قدرة الجسم على التحكم في الوزن، بالتالي تعزز ممارسة الرياضة بانتظام تنوع الميكروبيوم وتحسن وظائفه، مما يساعد على تعزيز دور الميكروبيوم وتأثيره في الوزن بإيجابية.
كما تؤدي تقنيات الاسترخاء والنوم الجيد دوراً هاماً في الحفاظ على توازن الميكروبيوم، وتعزيز الصحة العامة والوقاية من البدانة.

كيف يمكن تعديل الميكروبيوم المعوي للحد من البدانة؟
أصبح تعديل الميكروبيوم المعوي من أهم الطرائق الحديثة والفعالة للحد من البدانة وتغيرات الميكروبيوم المعوي التي تؤثر مباشرة في زيادة الوزن، فالميكروبيوم الصحي يعزز التمثيل الغذائي ويحفز حرق الدهون، بينما الاختلال في تركيبه يخزن الدهون ويزيد الالتهابات التي تساهم في السمنة، ويمكن تعديل الميكروبيوم من خلال خطوات متعددة تشمل تحسين التغذية، واستخدام المكملات، وتغيير نمط الحياة بما يعزز من وظائف هذا النظام الحيوي في الجسم.
1. تغيير النظام الغذائي
يُعد النظام الغذائي حجر الأساس في تعديل الميكروبيوم المعوي والسمنة، ويدعم تناول الأطعمة الغنية بالألياف، مثل الخضروات، والفواكه، والحبوب الكاملة نمو بكتيريا نافعة تُنتِج أحماضاً دهنية قصيرة السلسلة، التي تؤدي دوراً هاماً في الميكروبيوم المعوي وحرق الدهون.
كما تعزز هذه الأحماض بدورها عملية الأيض، وتقلل تخزين الدهون في الجسم. بالمقابل، فإنَّ استهلاك كميات كبيرة من الدهون المشبعة والسكريات يسبب الاختلالات الميكروبية والوزن الزائد من خلال زيادة أنواع البكتيريا المرتبطة بالتهابات الجسم وتخزين الدهون.
فاتباع نظام غذائي متوازن غني بالألياف وقليل المعالجة هو من أفضل الطرائق للحفاظ على توازن الميكروبيوم ودعم فقدان الوزن.
2. المكملات الميكروبية
تؤدي المكملات الميكروبية، مثل البروبيوتيك، دوراً داعماً في تحسين صحة الميكروبيوم المعوي وتخفيف السمنة. فالبروبيوتيك يحتوي على سلالات بكتيرية مفيدة تساعد على استعادة التوازن الميكروبي في الأمعاء، بينما البريبيوتيك هو غذاء هذه البكتيريا المفيدة الذي يعزز تكاثرها.
بالتالي، يحسن استخدام هذه المكملات قدرة الجسم على الهضم وامتصاص المغذيات، ويعزز الميكروبيوم وتأثيره في الوزن من خلال تحفيز حرق الدهون وتقليل الالتهابات المزمنة؛ لذلك، يُنصح بإدخال المكملات ضمن خطة علاجية شاملة للسيطرة على الوزن وتحسين الصحة المعوية.
3. التأثيرات الإيجابية للنشاط البدني
يُعد النشاط البدني المنتظم من العوامل الأساسية التي تحسن تركيب وتنوع الميكروبيوم المعوي، مما يعزز وظائفه الحيوية في تنظيم الوزن. فالتمرينات الرياضية تحفز إنتاج مركَّبات الميكروبيوم، وتساعد في حرق الدهون، وتقلل الالتهابات المزمنة المرتبطة بزيادة الوزن.
بالتالي، يحسّن النشاط البدني توازن الهرمونات المرتبطة بالشهية والتمثيل الغذائي، مما يخلق بيئة مثالية لتقليل الاختلالات الميكروبية والوزن الزائد، وحتى التمرينات البسيطة، مثل المشي يومياً، يمكن أن تدعم صحة الميكروبيوم وتحد من السمنة.
في الختام
أصبحت العلاقة بين البدانة وتغيرات الميكروبيوم المعوي واضحة؛ إذ قد تكون التغيرات في هذا الميكروبيوم عاملاً حاسماً في زيادة الوزن والسمنة. لكن من خلال التغيير في النظام الغذائي، واستخدام المكملات الميكروبية، والالتزام بنمط حياة صحي، يمكن للمرء أن يعزز التوازن في الميكروبيوم لدعم فقدان الوزن، فمن خلال مواصلة البحث وتحقيق الفهم العميق لهذا الرابط بين الميكروبيوم والبدانة، يمكننا تطوير استراتيجيات علاجية أفضل لفقدان الوزن.
أضف تعليقاً