الاكتئاب المبتسم: علاماته، وأسبابه، وطرق علاجه

يشارك الجميعَ أوجاعهم، ويُنظِّر ويتكلم عن الطاقة الإيجابية، مؤكداً على فوائد الابتسامة، وأهمية الانتباه لأفكارنا المعرقلة، ومقدار تأثيرها في حياتنا، فلن تستطيع إخفاء إعجابك بشخصيته عند الجلوس معه، فلطالما كان الإنسان المنفتح، المتحدث الجيد، والمستمع المحترف، تُرى كم من مرة سألته فيها عن سر إيجابيته الدائمة ونجاحه العملي؟ فبينما ينتابك الملل من العمل، يبقى هو بكامل الحيوية والانطلاق.



ولكنَّ الأمر الذي لا يعرفه جميع المحيطين بذلك الإنسان المُنطلِق، والسرَّ الخفي عن كل أولئك الناس؛ أنَّ أول فعل يقوم به ذلك الإنسان لحظة وصوله إلى منزله، هو الاستلقاء في سريره، والبكاء بصوت عالٍ، وكأنَّه لم يعد يستطيع المكابرة أكثر، وكأنَّه لم يعد قادراً على تجاهل مشاعره أكثر من ذلك.

يفقد ذلك الإنسان، عندما يدخل إلى منزله، تلك البسمة الرائعة التي كان يُنظِّر بأهميتها خلال يومه، ويغوص في جو من الكآبة والسواد، لا يعلم عمقه إلا الله عزَّ وجلَّ، ينتابه حزن العالم، ويشعر أنَّه بحاجة إلى العزلة والانفصال عن كل شيء، والبقاء وحيداً فحسب.

صراعات داخلية يعيشها ذلك الإنسان، ولا يستطيع البوح بها، فكيف له أن يصرِّح بها، ويُسقِط عنه تلك الصورة القوية الواثقة والمنطلقة لا يمكنه أن يكون ضعيفاً أمام الناس، فلا أحد يستحق أن يرى دموعه ومكنوناته، وفي الوقت نفسه، لا أحد لديه القدرة على احتواء حزنه، فكل شخص يحمل من الهموم ما يكفيه ويفيض عنه، غير أنَّه يعاني ويحمل كثيراً من الحزن في عينيه الضاحكتين، هذه هي الحقيقة التي لا يستطيع تجاهلها عندما يخلو بنفسه؛ لذلك يحاول جاهداً البقاء في العمل لوقتٍ متأخرٍ، أو الاجتماع بأشخاص على مدار الساعة، لكي يهرب من الجلوس مع نفسه، حتى باتت علاقته بالمنزل علاقة مضطربة، وبدلاً من أن يكون المنزل مصدراً من مصادر أمانه وراحة باله، تحوَّل إلى مصدر كآبته، فهو الذي يكشف الحزن الذي لا يريد الاعتراف به حتى مع ذاته.

نعم، إنَّه يعيش في شخصيتين، وبين ضفتين؛ فتارة في أقصى اليمين وتارة في أقصى اليسار، ولا يدري متى يستطيع الوصول إلى التوازن؛ إنَّه المكتئب المبتسم، ولكي نتعرَّف إلى هذه الشخصية أكثر من ذلك، ابقوا معنا في هذا المقال.

من المكتئب المبتسم؟

إنَّه مريض بالاكتئاب ولكن من نمط آخر، فهو لا يُجاهر بكآبته، ولا يستغل تعاطف الناس معه لينقل إليهم شكواه وتذمره ورفضه للحياة وأشخاصها؛ بل يُظهِر الوجه المبتسم، والروح اللطيفة الإيجابية مع الآخرين، ويحتفظ بحزنه وألمه لنفسه فحسب.

وعلى الرغم من رقيه، إلا أنَّه يقتل روحه من دون أن يدري ذلك؛ فالإنسان لا يستطيع العيش من دون تعبير عن نفسه وعن داخله، وكل شخص بحاجة إلى الآخرين، لا لكي يتنافسوا على نقل الطاقة السلبية فيما بينهم، ولكن من أجل مشاركة أحزانهم وأفراحهم ومخاوفهم وقلقهم بين بعضهم بعضاً، فنحن مفطورون على المشاركة والإحساس ببعضنا الآخر.

ما علامات الاكتئاب المبتسم؟

1. تَقلُّب المزاج:

على الرغم من تلك الروح الجميلة التي يتمتع بها هذا الشخص مع الآخرين، إلا أنَّه قد يصاب بحالات من تَقلُّب المزاج، بحيث يفضِّل الانعزال وعدم الانخراط مع الناس، وقد تطول تلك الحالة إلى أكثر من أسبوعين، مع ملاحظة تكرار حالات تَقلُّب المزاج.

إقرأ أيضاً: تعرّف على أسباب تقلّب المزاج وأهم الطرق للتحكم به

2. زلَّات اللسان:

على الرغم من الإيجابية التي تظهر على هذا الشخص، إلا أنَّك تستطيع الانتباه لبعض الجمل التي يقولها قولاً عفوياً ومن دون انتباه، كأن يقول: "الحياة غير عادلة"، "الحياة كلها حظوظ"، "قدرنا أن نحزن ونعاني في هذه الحياة"؛ حيث إنَّ طبيعة هذه الجمل لا تتناسب مع الحالة الشعورية التي يقوم الشخص بإظهارها إلى الناس.

3. الحالة في المنزل:

سيلاحظ كل مَن يعيش مع هذا الشخص من الأهل والأقرباء، التناقض ما بين شخصيته مع الناس وتصرفاته داخل المنزل، فقد ينفرد مع ذاته مبتعداً عن أهله، من دون أن يدخل في نقاشات مع أحد.

4. الجهد:

يقوم هذا الشخص بجهد مضاعف مع الناس لكي يُظهِر المشاعر الإيجابية من طاقة وحيوية؛ لذلك تجد أنَّه يبالغ في ردات أفعاله، لكي يُظهِر عكس ما يُخفِي، كما أنَّه يجاهد كثيراً من أجل الإحساس بالمتعة في أثناء قيامه بالأشياء، حتى المفضلة إلى قلبه.

5. الحساسية:

يمتلك هذا الشخص المريض حساسية عالية، فقد ينزعج بشدة من جراء حدوث موقف محرج له، كما أنَّه يميل إلى تفسير الأمور من ناحية سلبية.

أسباب الاكتئاب المبتسم:

1. الخوف على مشاعر الناس:

يعتقد مريض الاكتئاب المبتسم أنَّه في حال التصريح عن مشاعره للآخرين، فإنَّه سوف ينقل إليهم طاقته السلبية، ويزيد همومهم ومشكلاتهم؛ الأمر الذي يجعله يؤثر الصمت على الكلام.

2. النظرة المشوهة عن المشاعر:

يعتقد مريض الاكتئاب المبتسم أنَّ التصريح عن مشاعره وهمومه، نقطة ضعف كبيرة في حقه؛ وذلك لأنَّ هذا بالنسبة إليه، يعني أنَّه لا يُحسِن إدارة انفعالاته وحالاته الشعورية بينه وبين نفسه؛ الأمر الذي يجعله بعيداً عن المشاركة والمصارحة.

إقرأ أيضاً: كيف تسيطر على انفعالاتك؟

3. عدم الثقة:

قد لا يثق مريض الاكتئاب المبتسم بالآخرين، ويجد أنَّهم لن يفهموا مشاعره فهماً صحيحاً، ولن يقدموا له النصائح السديدة؛ بل من المرجح أنَّهم سيأخذون الأمر موضع سخرية وتهكُّم.

4. التربية:

يكون أسلوب الكبت غالباً هو أسلوب التربية المتبع مع هذا الشخص منذ الصغر؛ إذ يقول له أبواه: "لا تبكِ فالبكاء للضعفاء"، "لا تشتكِ فالشكوى للحمقى"، "عليك أن تكون قوياً دوماً، ولا تجعل للمشاعر مكاناً في حياتك".

علاج الاكتئاب المبتسم:

1. الاعتراف

الخطوة الأولى هي أن يعترف المريض بوجود تناقض بين ما يُظهِره، وبين حقيقته الداخلية؛ أي أن يستبصر المريض حالته ووضعه النفسي الذي يحتاج إلى العلاج.

2. الرسالة والهدف:

على المريض أن يحدد لنفسه رسالة وهدفاً يسعى من أجل تحقيقهما في الحياة؛ يعطيه هذا الأمر حافزاً وطاقة وحيوية ورغبة حقيقية في الحياة.

3. المساعدة:

على المريض أن يطلب المساعدة من أشخاص موثوق بهم، ثم عليه أن يبدأ تعلُّم مهارة المشاركة، كأن يبوح بأحزانه ومخاوفه إليهم، ويفتح قلبه بقوة وثقة.

4. الرياضة:

تساعد الرياضة على تفريغ كمِّ الطاقة السلبية؛ إذ بمجرد تغيير الحالة الحركية للجسم، تتغير حالته الشعورية نحو الأفضل.

شاهد بالفيديو: فوائد الرياضة على الصحة النفسية

5. القيمة:

لا تقلل من حجم ما تفعله؛ بل استمتع به؛ حيث قيَّدَ الناس أنفسهم بمستوى معايير عالية جداً، وعَدُّوا أنفسهم فاشلين في حال عدم تحقيقها، فعلى سبيل المثال، تطمح الأنثى إلى أن تكون امرأة عاملة مجدة، وأماً وزوجة مثالية؛ الأمر الذي يُوقِعها بالاكتئاب والفتور في حال تحقيقها الأمومة فحسب.

6. كسر الأقنعة:

عندما يُدرِّب مريض الاكتئاب المبتسم عقله على إظهار عكس ما يُخفِي، فهذا يعلِّم العقل أنَّ مشاعر الإنسان غير هامة، ولا تستحق التعبير عنها ومشاركتها مع الآخرين؛ الأمر الذي يُتعبه بشدة، ويُبعده عن العفوية والصدق، ويجعله في دائرة الأقنعة والتمثيل؛ لذا على الإنسان أن يكسر هذا القناع، ويتعلم أن يكون كما هو، من دون تصنُّع أو أوجه.

7. إعادة النظر في موضوع الضعف:

الدموع ليست ضعفاً؛ بل الضعف الحقيقي هو تعظيم قيمة الناس على حساب راحتك وهناء بالك، والضعف الحقيقي هو عدم امتلاكك جرأة التصريح بمشاعرك وأفكارك وأحزانك، وتبنِّي سياسة الصمت والكبت، متخلياً عن صحتك النفسية والجسدية.

الخلاصة:

لا تبتسم وقلبك حزين؛ بل عبِّر عن حزنك أولاً، ومن ثمَّ ابتسم وثِق بالغد وبالتغيير وبقدرتك على إدارة حزنك وخيبتك وضعفك، فكلنا معرَّضون للحزن والفتور، غير أنَّ القوة الحقيقية تكمن في الاعتراف به، ومن ثمَّ محاولة التعامل السليم معه.

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة