الإصابات الدماغية الرضية والمكتسبة وتأثيراتها

الدماغ هو العضو المسؤول عن كل ما يجعل من الإنسان إنساناً، فهو مسؤول عن العاطفة والذكاء والوعي والحركة والإحساس؛ لهذا السبب غالباً ما تُغيِّر إصابات الدماغ الحياة تماماً، فيمكن أن تضر إصابة الدماغ بجوهر الشخص وقد تعوق فرص النمو والتطور في المستقبل.



توجد أنواع عديدة من إصابات الدماغ، بعضها أكثر خطورة من بعضها الآخر، وتنقسم إصابات الدماغ عادةً إلى فئتين عريضتين: إصابات الدماغ الرضية وإصابات الدماغ المكتسبة، وتحدث إصابات الدماغ الرضية عن طريق تطبيق قوة خارجية على الرأس، وتحدث إصابات الدماغ المكتسبة بسبب حالات أخرى مثل السكتة الدماغية والأورام والمرض والتعرض للسموم والحرمان من الأوكسجين.

يتناول هذا المقال أنواعاً مختلفة من إصابات الدماغ، ولا يهدف إلى تشخيص أو علاج هذه الإصابات، فإذا كنت تعتقد أنَّك قد تكون مصاباً في الدماغ، فعليك التماس العناية الطبية الفورية أو استشارة طبيبك.

إصابات الدماغ الرضية:

قد تكون إصابات الدماغ الرضية مغلقة أو مفتوحة (كسر في الجمجمة)، وتنتج عن قوة خارجية، وعادةً تنشأ هذه الأنواع من إصابات الدماغ في حالات الإصابة الشخصية (الانزلاق والسقوط، وحوادث السيارات، وما إلى ذلك)، والمشكلات الجنائية (الاعتداء والضرب)، وإصابات العمل، وتشمل إصابات الدماغ الرضية الارتجاجات والكدمات وإصابات المحور العصبي الشائعة وإصابات الاختراق.

1. ارتجاج الدماغ:

الارتجاج هو النوع الأكثر شيوعاً من إصابات الدماغ الرضية، فالارتجاج ناتج عن صدمة مباشرة في الرأس، وقد تحدث هذه الصدمة بسبب السقوط أو التعرض للكمٍ أو ركلٍ أو إطلاق نارٍ أو اهتزازٍ عنيفٍ أو إصابةٍ بحادث سيارة أو أي نوع من الحوادث المحتملة الأخرى.

على الرغم من أنَّ الارتجاج غالباً ما يكون مصحوباً بفقدان الوعي، إلا أنَّ فقدان الوعي ليس نتيجة ضرورية للارتجاج، فمن الممكن أن تكون قد عانيت من ارتجاج مصحوب بأعراض غير واضحة، كالارتباك والدوار والتشويش، فإذا كنت قد تعرضت لصدمة قوية مباشرة على رأسك وتعتقد أنَّك قد أصبت بارتجاج في المخ، فيجب عليك زيارة الطبيب، فيمكن أن تؤدي الارتجاجات الشديدة إلى ضرر دائم.

2. الكدمات:

تحدُث الكدمات، مثل الارتجاج، أيضاً بسبب الصدمة المباشرة على الرأس، والكدمة هي في الأساس نزيف موضعي في الدماغ، وقد تتطلب إزالة الكدمات الجراحة، فيمكن أن يكون تكوين التجلُّط الدموي في موقع الكدمة مميتاً، وقد تكون ثمة أيضاً كدمات بصرف النظر عن موقع التأثير المباشر، فتحدث كدمة الصدمة عندما تكون قوة الاصطدام كبيرة جداً بحيث يصطدم الدماغ بالجانب الآخر من الجمجمة، مما يُحدِث كدمة ثانية على النقطة الثانية من التأثير.

شاهد بالفيديو: 7 عادات خطيرة تؤذي الدماغ توقف عنها حالاً

3. الإصابات المحورية العصبية المنتشرة:

تحدث الإصابة المحورية المنتشرة بسبب الاهتزاز الشديد أو الدوران الشديد، هذا يؤدي إلى تمزقات في هياكل الدماغ، فتقوم الجمجمة بجرح حواف الدماغ، ويؤدي التمزق إلى اضطرابات كيميائية عصبية في جميع أنحاء الدماغ، وقد تؤدي التمزقات إلى تلف دائم في الدماغ أو غيبوبة أو الموت.

اعتماداً على بنية الدماغ التي تمزقت، يمكن أن تتنوع الأعراض تماماً، فقد تحدث اضطرابات في الوظيفة الحركية، واضطرابات في الذاكرة، واضطرابات في الإحساس، واضطرابات في حاسة الشم، وأكثر من ذلك بكثير.

4. إصابات الاختراق:

تحدث إصابات الاختراق بسبب دخول أجسام حادة إلى الجمجمة والدماغ، فعندما يمر الجسم عبر الدماغ، قد يفقد بعضاً من نسيجه (يخرج من الجمجمة)، ويتمزق، ويتهتك، وتتلف الأنسجة الإضافية، وقد يكون هذا مميتاً أو قد يخلِّف آثاراً كبيرة وأضراراً طويلة الأمد أو دائمة.

إقرأ أيضاً: علم الأعصاب: مفهومه، وأهميته، وأبرز مجالاته

كيف تؤثر الإصابات الدماغية في الناس؟

يصف مصطلح "الإعاقة الخفية" وصفاً ملائماً للغاية إصابات الدماغ، وتؤدي الأعراض المعرفية والنفسية للأشخاص الذين يعانون من إصابة في الدماغ غالباً إلى إساءة فهمهم في كثير من الأحيان، فقد يعتقد الناس أنَّهم في حالة سُكر أو مجانين أو يتعاطون المخدرات أو يتصرفون تصرفات غير لائقة.

لا توجد إصابات دماغية متشابهة، فتؤثر إصابة الدماغ في الأشخاص بعدة طرائق، ولكن بعض الآثار الشائعة تشمل:

  • قلق أو اكتئاب.
  • صعوبة السيطرة على الغضب.
  • مشكلات الذاكرة والتركيز.
  • إعاقة جسدية.
  • التعب الشديد (شائع جداً).
  • فقدان الحواس مثل البصر.
  • في بعض الحالات، يصبح الفرد شخصاً مختلفاً تماماً، فحتى إصابة الرأس الطفيفة قد تضعف مؤقتاً وظيفة الدماغ، والمعروفة باسم الارتجاج؛ وهذا قد يؤدي إلى مشكلات مثل الصداع والدوخة والتعب والاكتئاب والتهيج ومشكلات في الذاكرة.

كلما كانت إصابة الدماغ أكثر شدة، كانت الآثار طويلة الأمد أكثر وضوحاً مثل:

  • التأثيرات الجسدية في الحركة أو الضعف أو الشلل.
  • الترنُّح؛ أي حركات ورعشات غير منضبطة.
  • ضعف في الإحساس.
  • إعياء.
  • صعوبات في الكلام.
  • فقدان القدرة على الكلام؛ أي فقدان اللغة الاستقبالية أو التعبيرية.
  • الصرع.
  • مشكلات في الذاكرة ومهارات الإدراك البصري.
  • مشكلات التركيز والتحفيز.
  • ضعف البصيرة والتعاطف.
  • الاكتئاب والقلق.

قد تكون تداعيات إصابة الدماغ رحلة طويلة لكل من الفرد وعائلته وأصدقائه؛ لذا يعد التخطيط المعقول للمستقبل أمراً هاماً جداً، مع تحديد أهداف صغيرة لكنَّها هامة على طول طريق العلاج وإعادة التأهيل.

شاهد بالفيديو: 10 حقائق قد لاتعرفها عن العقل البشري

إصابات الدماغ المكتسبة:

لا تعتمد إصابات الدماغ المكتسبة بالضرورة على مؤثر خارجي؛ فهذا لا يعني أنَّ إصابات الدماغ المكتسبة لا "يسببها" مؤثر خارجي، فتوجد حالات إصابة شخصية وجنائية لإصابات الدماغ المكتسبة، على سبيل المثال، حوادث الغرق وحوادث الخنق، ومع ذلك، فإنَّ المبدعين في حالات إصابات الدماغ المكتسبة في كثير من الأحيان يرفعون دعاوى قضائية ضد مقدِّم الرعاية الطبية، الذي ربما يكون قد أدى إلى تفاقم الحالة، أو الذين ربما لم يعالجوا الحالة معالجة صحيحة قبل حدوث الإصابة الدائمة.

على سبيل المثال، قد يصاب المدعي بجلطة دماغية في منزله ويتم نقله إلى أقرب مستشفى، وفي المستشفى، قد لا يلتزم الطبيب بمعيار الرعاية المعقول، وقد يسمح، في هذه العملية، للإصابة (الحرمان من الأوكسجين) بالاستمرار لفترة كافية لإحداث ضرر دائم حيث كان من الممكن منعه من خلال اتخاذ إجراءات فعالة؛ لذلك يحق للمدعي رفع دعوى قضائية ضد الطبيب وربما المستشفى أيضاً بسبب إصابة دماغه المكتسبة.

يوجد نوعان من إصابات الدماغ المكتسبة الشائعة، نقص الأوكسجين، وإصابة الدماغ بنقص التأكسج:

1. نقص الأوكسجين:

يحدث نقص الأوكسجين بسبب الحرمان من الأوكسجين بحيث لا يتلقى الدماغ أية ذرة منه، ففي غضون فترة زمنية قصيرة نسبياً، يحدث موت الخلايا، مما قد يؤدي إلى تلف وظيفي خطير لأنظمة الدماغ المختلفة والموت المحتمل، وتوجد أنواع مختلفة من نقص الأوكسجين، والتي تشمل نقص الأوكسجين (نقص الأوكسجين القياسي)، وفقر الدم (الدم لا يحمل الأوكسجين)، والتسمم (السموم تمنع استخدام الأوكسجين)، من بين أمور أخرى.

2. إصابة الدماغ بنقص التأكسج:

تشبه إصابة الدماغ بنقص الأوكسجين نقص التأكسج، باستثناء أنَّ الحرمان من الأوكسجين ليس مطلقاً، فمع إصابة الدماغ بنقص التأكسج، يتلقى الدماغ بعض الأوكسجين، لكن مستويات الأوكسجين ما تزال غير كافية بشكل خطير مثل نقص الأوكسجين، فقد يستمر موت الخلايا، وإن كان بمعدل أبطأ، وقد يؤدي موت الخلية النهائي، إذا تُرِكَ دون علاج، إلى تلف وظيفي وموت محتمل.

تأثيرات الإصابات الدماغية:

عندما يُصاب الدماغ بصدمة قوية، فهو لن يعود قادراً على العمل بالشكل المفترض، وقد تتراوح آثار إصابات الدماغ الرضية من ضعف طفيف، مثل ارتجاج خفيف، وصولاً إلى الغيبوبة والموت.

إضافة إلى ذلك، يمكن للآثار طويلة الأمد لإصابات الدماغ الرضية المتوسطة أو الشديدة أن تؤثر بشدة في حياة الشخص ورفاهه؛ لذا دعونا نلقي نظرة على خمسة تأثيرات شائعة لإصابات الدماغ الرضحية:

1. ارتجاج المخ:

الارتجاج هو التأثير الأكثر شيوعاً لإصابات الدماغ الرضحية، ويتم تصنيف العديد من الحالات على أنَّها خفيفة، لكن هذا لا يعني أنَّها ليست خطيرة، خاصة أنَّ الآثار قد تستمر، أو تظهر أعراض جديدة وتزداد حدتها لاحقاً.

عادةً ما تتسبب الارتجاجات في فترة من فقدان الوعي، ويتم تصنيفها من حيث المدة التي يستمر فيها هذا الامتداد من فقدان الوعي، من ثوانٍ إلى عدة دقائق إلى ساعات وحتى أيام.

قد لا ينطوي الارتجاج الخفيف جداً على أي فقدان للوعي على الإطلاق، ومع ذلك، تشير الفترات الطويلة من فقدان الوعي إلى حدوث ارتجاج أكثر خطورة، وتوجد عدة أدوات متاحة يمكنها فحص الدماغ لتحديد نوع ومدى الإصابات التي حدثت، لكنَّها لا تستطيع رؤية كل ما يحدث داخل الدماغ، وتستمر الأدوات في التحسن، لكن ما تزال بعض القيود موجودة.

2. العجز المعرفي:

من بين الآثار الأكثر شيوعاً لإصابات الدماغ الرضية، بعد الارتجاج، وغالباً إضافة إلى الارتجاج، مجموعة من حالات العجز الإدراكي، مثل فترات الانتباه القصيرة والارتباك وفقدان الذاكرة ومشكلات الذاكرة الأخرى الأقل خطورة، ويميل الأشخاص الذين يعانون من هذه الأنواع من القصور المعرفي أيضاً إلى الخطأ في حكمهم ويجدون صعوبة في فهم المفاهيم المجردة أو المعقدة.

من السهل أن نرى كيف يمكن لهذه الأنواع من العجز المعرفي أن تجعل من الصعب عليهم العيش في بيئة طبيعية، أو استئناف أدائهم الوظيفي السابق، وثمة بعض التدخلات العلاجية التي يمكن أن تساعد، ولكن حتى في أفضل السيناريوهات، ستكون عملية صعبة وطويلة.

3. تحديات التواصل واللغة:

تعد صعوبات التواصل واللغة نوعاً آخر من أوجه القصور المعرفية التي لها تأثير كبير في قدرة الشخص على العمل في الحياة اليومية، ففي العادة، نعدُّ أنَّه من المُسلَّم به أن يستطيع كل شخص التواصل بوضوح وبسهولة نسبية.

لكن هذا ليس هو الحال بالنسبة إلى شخص يعاني من الحبسة الكلامية، ويعاني من صعوبة في التحدث وفهم الكلام الطبيعي وخاصة في العثور على الكلمات الصحيحة، حتى أنَّهم قد يجدون صعوبة في تكوين الجمل، وتحديد الأشياء، وكذلك في القراءة والكتابة.

إقرأ أيضاً: أعراض ضعف الأعصاب والطرق الطبيعية لعلاجه

4. العجز الحركي:

يمكن أن تؤثر إصابات الدماغ الرضية أيضاً في الوظيفة الحركية، وتسبب صعوبة شديدة في أداء الوظائف في الحياة اليومية، ويمكن أن تشمل هذه المشكلات ضعف التوازن والتنسيق، وانخفاض القدرة على التحمل، والرعشة، وحتى مشكلات البلع.

يرتبط العجز الحركي بالعجز الإدراكي والحسي، والذي قد يشمل صعوبة في تتبُّع مكان الأطراف في أثناء تحرُّكها عبر الفضاء، وقد يعاني الأشخاص المصابون أيضاً من تغيرات في حواسهم، مثل الذوق والشم والرؤية وما إلى ذلك.

5. العجز الوظيفي والاجتماعي:

تؤدي حالات الضعف المختلفة المذكورة آنفاً إلى صعوبات إضافية في النشاطات التي نأخذها عادةً بوصفها أمراً مُسلَّماً به، مثل الاستحمام وتناول الطعام ودفع الفواتير والتسوق لشراء البقالة، بالطبع، لم تعد القيادة خياراً أيضاً.

إضافة إلى ذلك، تتأثر العلاقات الشخصية أيضاً، فمن الصعب تكوين صداقات عندما يواجه المرء صعوبات في التعامل مع الفروق الدقيقة في التفاعلات الاجتماعية.

في الختام:

تتعدَّد أنواع إصابات الدماغ، فقد يسقط المصاب ويعاني من ارتجاج خطير دون أن يفقد وعيه؛ لذا كن دائماً على دراية بالضرر المحتمل لأنَّ الآثار الصادمة لإصابة الدماغ قد لا تكون واضحة على الفور، فإذا كنت تعتقد أنَّك قد تعرضت لإصابة في الدماغ، فعليك طلب المساعدة الطبية في أسرع وقت ممكن.




مقالات مرتبطة