الإرهاق العقلي: أسبابه وعلاجه

يُعَدُّ الإرهاق العقلي أو الذهني من أبرز سمات العصر الحالي الذي يشهد تطوراً في جميع المجالات؛ إذ إنَّ الكثيرين من الناس لم يَعُد باستطاعتهم تحمُّل كل ما يتطلَّبه هذا العصر من حاجات ومهام وأمور يجب على الفرد القيام بها؛ إذ يتعرَّض الإنسان خلال حياته اليومية إلى الكثير من الضغوطات سواء على المستوى الشخصي أم المستوى العملي، والتي تلقي بظلالها على صحة الإنسان ونفسيته، ومن نتائج هذه الضغوطات الإرهاق العقلي، وسوف نتعرَّف في هذا المقال إلى مفهوم الإرهاق العقلي وأسبابه وكيف يمكن علاجه.



أولاً: مفهوم الإرهاق العقلي:

استُخدِم مصطلح الإرهاق "الإجهاد" منذ القديم في مجال العلوم الفيزيائية؛ إذ أشار إليه قانون هوكس في عام 1676 بالقول إنَّه لكل آلة درجة معيَّنة من التحمُّل، وزيادة العبء تقود إلى حدوث الأضرار أو على أسوأ الأحوال الإجهاد.

في عام 1950 نقل "هانز سيلي" هذا المصطلح من العلوم الفيزيائية إلى العلوم الإنسانية؛ وذلك ليبيِّن أنَّ جسم الإنسان عند تعرُّضه إلى الضغوطات المختلفة فإنَّ رد فعل الجسم الفيزيولوجية سوف يكون مُرهقاً.

الإرهاق العقلي عموماً يشير إلى حدوث مجموعة من المواقف والأحداث التي تتضمَّن مطالب من الفرد تفوق قدراته ويحتاج إلى بذل الكثير من الجهد لتلبيتها إن استطاع النجاح في ذلك؛ الأمر الذي يؤدي إلى إصابة الفرد بالتوتر والقلق المستمرين، فالإرهاق العقلي يرتبط باستنزاف الطاقة الفكرية.

يرى "ميلز" أنَّ الإجهاد هو رد فعل داخلي ينتج عن عدم قدرة الفرد على تلبية المتطلبات الواقعة عليه، كما يقول "نوبيرت سلامي" (nobert sillamy): هو الحالة التي يكون فيها الجسم مهدداً بفقدان الاتزان؛ وھذا بسبب مواقف أو عوامل تعترض الأجھزة العاملة وتصدھا عن تحقيق التوازن، وكل عامل من شأنه أن يخل بهذا الاتزان سواء كان ذا طبيعة فیزیقیة أم كیمیائیة أم نفسية.

يبين "كالوت" أنَّ الإفراط في استخدام عضو من الأعضاء أكثر من طاقته كالدماغ مثلا؛ يعني إضعاف قدرته والإسراف في طاقته.

الإرهاق العقلي كما أورده "جمعة سيد يوسف" في كتابه "النظريات الحديثة في تفسير الأمراض النفسية": ھو الشعور بعدم الرضى عن الذات وعدم الرضى عن العمل والحياة بصفة عامة، والشعور بعدم الكفاءة وعدم الملاءمة والدونية، ويؤدي مع مرور الوقت إلى جعل الفرد ينظر إلى العملاء والزبائن أو المرضى على أنَّهم مصدر للتھیُّج والمشكلات بدلاً من كونھم مصدراً للتحدي وفرصة لإثبات الذات، كما أنَّھم يشكون دائماً من وجود خطأ ما في العمل.

ثانياً: ما هي أسباب الإرهاق العقلي؟

1. الأسباب النفسية:

الإرهاق العقلي يشير في مضمونه إلى استنزاف الطاقة الفكرية، والتي تؤثر بدورها في الجسم وعملياته، ومن بين تلك الأسباب النفسية الخجل الذي يسيطر على الفرد ومشاعره فيستنزف طاقاته، ومن بين التفسيرات النفسية أيضاً يوجد القلق والاكتئاب والتوتر بأنواعه والغضب والنقاشات الحادة، والنزاعات المختلفة كلها تُعَدُّ من مسببات الإرهاق العقلي.

إنَّ الكثيرين من العلماء ربطوا الإرهاق العقلي بالأفكار السلبية والتركيز في الماضي وتذكُّر الأشياء المؤلمة منه؛ فالأنانية والشك والحسد والغيرة وعدم القدرة على ضبط النفس والتحلي بالصدق والصبر والخوف والضيق والأحزان والهموم والشعور بالكره تجاه الذات والشعور بالذنب والكبت والفشل وخيبة الأمل والاختلاط بالناس السلبين وضعف روابط الأسرة وضعف الإيمان أو فقدانه، كلها أسباب تبعثر الطاقات الداخلية للفرد وتؤدي إلى الإرهاق العقلي.

2. أسباب غذائية:

انطلاقاً من مقولة "العقل السليم في الجسم السليم" فإنَّ الكثيرين من العلماء يربطون بين الإرهاق العقلي والنظام الغذائي غير المتوازن وغير الصحي؛ إذ يؤدي الغذاء غير الصحي إلى الخمول والتشويش في الأفكار، كما أنَّ طاقة الفرد بشكل عام يستمدها من الغذاء؛ ودون الغذاء الجيد والصحي يفتقد الفرد إلى هذه الطاقة.

3. الأسباب العملية "المهنية":

وهي إدمان العمل أو الدراسة أو أي نشاط يقوم به الفرد؛ إذ إنَّ الأفراد الطموحين يسعون دائماً إلى تحقيق النجاح والحصول على مكانة مرموقة في الحياة، كما أنَّه يوجد أشخاص يعتمدون في إثبات ذواتهم على ما يحققونه من إنجازات فيمارسون نشاطات معيَّنة، والتي قد تفوق قدراتهم متسببين لأنفسهم بالإرهاق العقلي.

في بعض الأحيان توجد أسباب تؤدي دوراً هاماً في حدوث الإرهاق مثل كثرة العمل، أو ضيق الوقت اللازم لإنجاز العمل المطلوب، وعدم وضوح المهام وقلة أو عدم وجود جوٍّ تعاوني بينه وبين الزملاء، وكثرة المهام وعدم القدرة على اتِّخاذ القرار المناسب أو خلاف ذلك تماماً، ووجود الفرد في حالة البطالة وعدم قدرته على إيجاد أي عمل كل ذلك يستنزف طاقة الجسم والعقل ويؤدي إلى الإرهاق العقلي.

  1. البيئة المحيطة وأسلوب الحياة المعاصر: فالانفتاح والتسارع التكنولوجي والإنترنت الذي أصبح بمنزلة المنبه الأهم للإنسان كلها عوامل تُعَدُّ مرهقة للعقل.
  2. أسباب اجتماعية: مثل أوضاع الفرد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعيشها أو تعيشها بلده، وهذه الأسباب ليست خاصة بفرد بعينه؛ بل أسباب تصيب الجميع لكن بدرجات متفاوتة.
  3. أسباب أخرى: قلة النوم، واستعمال الهاتف المحمول بكثرة، ومشاهدة الأفلام المؤثرة سواء العاطفية منها أم أفلام الرعب والقتل والإجرام، والإدمان على المخدرات أو الكحول أو التدخين بشراهة أو الأدوية والمنشطات، ونقص النشاط الجسدي وعدم ممارسة أي نوع من الرياضة.
  4. فقدان التركيز وكثرة النسيان وعجز الفرد عن استعادة المعلومات والأفكار والذكريات عامة حتى القريبة منها.
  5. انخفاض وفقدان الدافع: ويعني فقدان الحماسة للقيام بالنشاطات الهادفة وقد يُفضِّل الفرد البقاء في المنزل وعدم الاختلاط مع الآخرين أو مشاركتهم أياً من نشاطاتهم.
  6. اضطرابات النوم: وهي الأمراض التي تتغير وفقها طريقة نوم الفرد، وينتج عنها حرمان الفرد من النوم.
  7. الشعور بالوهن العام في الجسم: أي الشعور الدائم بالضعف العام في الجسم.
  8. الصداع وآلام الرأس.
  9. فقدان القدرة على الضبط والتحكم بالانفعالات: إذ يفقد القدرة على إصدار الأحكام الصائبة كما يفقد القدرة على البقاء هادئ الأعصاب وصبوراً.
  10. بالإضافة إلى الأسباب السابقة يمكن أن يكون سبب الإرهاق ناتجاً عن أسباب دماغية مثل الجلطة الدماغية، كما يمكن أن يحدث نتيجة لمشكلة عصبية مثل التصلُّب المتعدد.

شاهد بالفيديو: 7 طرق لمحاربة الإرهاق الذهني

ثالثاً: أعراض الإرهاق العقلي

  1. فقدان التركيز وكثرة النسيان وعجز الفرد عن استعادة المعلومات والأفكار والذكريات عامة حتى القريبة منها.
  2. انخفاض وفقدان الدافع: ويعني فقدان الحماسة للقيام بالنشاطات الهادفة وقد يُفضِّل الفرد البقاء في المنزل وعدم الاختلاط مع الآخرين أو مشاركتهم أياً من نشاطاتهم.
  3. اضطرابات النوم: وهي الأمراض التي تتغير وفقها طريقة نوم الفرد، وينتج عنها حرمان الفرد من النوم.
  4. الشعور بالوهن العام في الجسم: أي الشعور الدائم بالضعف العام في الجسم.
  5. الصداع وآلام الرأس.
  6. فقدان القدرة على الضبط والتحكم بالانفعالات: إذ يفقد القدرة على إصدار الأحكام الصائبة كما يفقد القدرة على البقاء هادئ الأعصاب وصبوراً.
  7. بالإضافة إلى الأسباب السابقة يمكن أن يكون سبب الإرهاق ناتجاً عن أسباب دماغية مثل الجلطة الدماغية، كما يمكن أن يحدث نتيجة لمشكلة عصبية مثل التصلُّب المتعدد.
إقرأ أيضاً: 11 طريقة لمحاربة الإرهاق الذهني

رابعاً: علاج الإرهاق العقلي

  1. ممارسة التمرينات الرياضية: الشيء الذي لا يختلف عليه أحد هو أنَّ الرياضة مفيدة للجسم والعقل معاً؛ إذ إنَّها تخفف من الضغط النفسي وتُحسِّن الذاكرة، وتخفف من الاكتئاب والقلق والتوتر ونقص الانتباه من خلال إصدار الأندروفين .
  2. النوم: هو من أفضل الأشياء التي يمكن أن يفعلها الإنسان ليس فقط للحفاظ على صحة العقل؛ بل أيضاً لعلاج حالة الإرهاق العقلي التي يمكن أن يتعرَّض إليها فهو يساعد على الحماية من الأمراض المختلفة وتعزيز قدرة الذاكرة على التذكُّر والإدراك.
  3. الاسترخاء: يمكن للاسترخاء المساعدة على جعل الحياة أفضل وأكثر سهولة، فهو طريقة ناجحة لإدارة التوتر اليومي والتغلُّب عليه، ويمكن استخدام تمرينات اليوغا أو الاستماع للموسيقى الهادئة أو ممارسة التأمُّل أو الخروج إلى الطبيعة.
  4. صنع مساحة خاصة بك: مارِس الأشياء التي تحبها بعيداً عن العمل وضغوطاته؛ مثل هوايتك المفضلة أو القراءة أو الذهاب إلى المسرح أو المشاركة في الندوات الاجتماعية والثقافية.
  5. التنظيم: مارِس نشاطاتك وفق خطة موضوعة وزمن معيَّن، ورتِّب أولوياتك كي لا تقع في الأخطاء؛ وذلك من الأهم إلى الأقل أهمية حتى تستطيع إنجاز ما تريد أكثر وتتحاشى التأثير في نفسيتك.
  6. ترتيب بيئة العمل الخاصة بك وفق ما تراه مناسباً ويجعلك مرتاحاً وسعيداً بالعمل بها، سواء من حيث الإضاءة أم التهوية أم الأشياء التي تحب أن تكون موجودة في المكان.
  7. الحرص على شرب السوائل بالقدر الكافي الذي يمنع حدوث الجفاف.
  8. الابتعاد بشكل نهائي وقطعي عن تناول المخدرات والكحول.
  9. الارتياح من العمل بين الوقت والآخر وعدم جعل هوس النجاح هو محور الحياة: ابذل الجهد الذي يمكنك القيام به فقط ولا تحمِّل نفسك ما لا طاقة لها به.
  10. اللجوء إلى الطبيب في حال تفاقم الأمر بشكل كبير وخرج عن السيطرة للخضوع إلى العلاج المناسب.
إقرأ أيضاً: ما السبب الحقيقي وراء شعورك بالإرهاق؟

الخلاصة:                                 

إنَّ الإرهاق العقلي يعني في مضمونه انخفاض الكفاءة الوظيفية للعقل الذي ينعكس بدوره على أداء الجسم بشكل عام، ويتجلَّى انخفاض الكفاءة بعدم القدرة على أداء المهام المنوطة به، وانخفاض مستوى التركيز، وعدم القدرة على استكمال مهام الفرد في الحياة بسبب فقدان الحماسة والدافع؛ وكل ذلك نتيجة تعرُّض الفرد إلى الضغوطات المختلفة سواء الشخصية أم الاجتماعية أم الاقتصادية أم السياسية.

المصادر:

  • 1،2
  • سليمان خويلدي، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في علم النفس بعنوان " الإجهاد النفسي وانعكاسه على الدافعية للإنجاز لدى الأستاذ الجامعي " ، جامعة محمد خيضر، الجزائر.
  • نعيمة بو يعقوب، أطروحة لنيل الماجستير في علم النفس العيادي بعنوان زملة التعب العصبي ( بناء مقياس نفسي واقتراح برنامج وقائي ) ،كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة الجزائر.



مقالات مرتبطة