إدارة التّوتّر، خلق الهدوء في حياتك المهنية

يعاني الكثير منا من التَّوتُّر في الحياة المهنيّة، سواءً كان ذلك التَّوتُّر لفترةٍ قصيرةٍ خلال العمل على بعض المشاريع، أو بحالة التَّوتُّر طويل الأجل الناتج عن مهنةٍ عاليةِ الضغوط. لا يمكن لهذا أن يكون غير سارٍ فقط، بل يمكن أن يؤثر بشكلٍ خطيرٍ على صحتنا وعملنا، ومع ذلك فمن الممكن إدارة هذا التوتر إذا كنت تستخدم الأدوات والتقنيات الصحيحة. في هذه المقالة سوف نلقي نظرةً على مفهوم التَّوتُّر، وكيف يؤثر عليك، وكيف يمكن أن تديره، وكيف قد يؤثر على رفاهيتك وإنتاجيتك.



تحذير: التَّوتُّر يسبّب الكثير من المشاكل الصحية، وفي الحالات الشديدة قد يسبب الموت. بينما تقدّم تقنيات إدارة التَّوتُّر العديد من الآثار الإيجابيّة لتقليل المخاطر الناجمة عن التَّوتُّر إلا أنّها بمثابة دليلٍ فقط، لذا يجب الحصول على النصيحة من المهنيين الصحيين المختصين إذا كان هناك بعض المخاوف من آثار التَّوتُّر على الصحة، أو ارتباطه بحالاتٍ طويلةِ الأمد من التعاسة والإحباط. كما يجب استشارة المختصين المحترفين قبل القيام بأية تغييراتٍ رئيسيةٍ في النظام الغذائي أو مستويات الرياضة.

1. ما هو التَّوتُّر؟

يقدم البروفيسور ريتشارد لازاروس "Richard Lazarus" الخبير في مجال الصحّة العقليّة تعريفاً موسّعاً عن التَّوتُّر بأنه: "حالةٌ أو اختبارُ شعورٍ عندما يدرك الشخص أنّ المطالب تفوق الموارد الشخصية والاجتماعية المتوفرة التي يتمكن الأفراد من حشدها".

وهذا يعني أننا نواجه ضغوطاً إذا اعتقدنا أننا لا نملك الوقت، أو الموارد، أو المعرفة للتعامل مع الموقف، وباختصار نحن نختبر التَّوتُّر عندما نشعر أننا "غير قادرين على السيطرة".

وقد يعني هذا أيضاً أنّ الأشخاص المختلفين يتعاملون مع التَّوتُّر بشكلٍ مختلفٍ في المواقف المختلفة، فقد تتمكّن من التّعامل مع التَّوتُّر بشكلٍ أفضل إن كنت تشعر بالثقة بمقدراتك، وبقدرتك على تغيير الموقف وأخذ زمام السيطرة، كما يحدث ذلك إذا شعرت بأنّك حصلت على الدّعم والمساعدة التي تحتاج إليها للقيام بالعمل بشكلٍ جيدٍ.

إقرأ أيضاً: ما هو التّوتّر، تعلّم كيف تخلق الهدوء في حياتك

2. ردود الفعل على التَّوتُّر:

قد نختبر نوعين من ردود الأفعال الغريزية التي تشكّل استجابة التَّوتُّر لدينا، الأولى هي استجابة "الكَرّ أو الفَرّ"، والثانية "متلازمة التكيف العامة GAS"، وكلاً من ردود الفعل هذه قد تحدث بنفس الوقت.

2. 1. استجابة الكَرّ أو الفَرّ:

حَدَّدَ والتر كانون "Walter Cannon" استجابة "الكَرّ أو الفَرّ" مبكراً عام 1932، وهي استجابةٌ أساسيّةٌ قصيرةُ الأمدِ، والتي نلجأ لها عندما نتعرّض لصدمةٍ، أو عندما نرى شيئاً ما نعتبر أنه تهديدٌ.

ثم تقوم أدمغتنا عندها بإطلاق هرمون التَّوتُّر الذي يهيئ الجسم إما للقتال (الكَرّ) أو للهرب (الفَرّ) من الخطر، يقوم ذلك بتنشيطنا لكنّه أيضاً يجعلنا نشعر بالاهتياج، والضيق، والغضب، وهنا تكمن المشكلة في هذه الاستجابة، لكنّها بنفس الوقت تساعدنا في التعامل مع الأحداث التي تهدد الحياة مثلاً، أو التي قد نختبرها في العديد من المواقف اليومية مثل التحضّر لمشروعٍ مُعَيّن، أو التحدّث أمام العامة والجمهور، أو عندما نختبر الصراع مع الأخرين، وفي هذه الأنواع من المواقف يكون النهج الهادئ، والعقلاني المُسيْطَر عليه، والمراعي للاعتبارات الاجتماعية هو الأكثر ملاءمةً.

2. 2. متلازمة التكيّف العامة GAS:

اكتشف هانز سيلي "Hans Selye" متلازمة التكيّف العامة عام 1950، والتي تعدّ استجابةً للتَّوتُّر الطويل الأمد الذي يعاني منه الأشخاص. وجد سيلي بأننا نتعامل مع التَّوتُّر وفق ثلاثة مراحل منفصلة:

  1. مرحلة الإنذار، حيث نتفاعل مع الضغوط.
  2. مرحلة المقاومة، حيث نتكيّف مع التَّوتُّر الذي نتعامل معه، لكن لا يمكن للجسم الحفاظ على المقاومة إلى أجلٍ غير مسمى، لذا فإن الموارد الجسدية والعاطفيّة تدريجياً تبدأ بالاستنفاذ.
  3. مرحلة الإرهاق، حيث نصبح في النهاية "منهكين"، ولا نستطيع الاستمرار بشكلٍ طبيعي.

في الواقع ترتبط استجابة "الكَرّ أو الفَرّ" مع متلازمة التكيّف العامة GAS، حيث أنّ مرحلة الإرهاق من متلازمة التكيف العامة تأتي نتيجة تجميع الكثير من ردود أفعال (الكَرّ أو الفَرّ)، خلال فترةٍ زمنيةٍ طويلة الأجل.

3. التَّوتُّر والطريقة التي نفكر بها:

عندما نواجه موقفاً ما فنحن نطلق حكمين اثنين (وغالباً ما يكون الحكمان غير واعيين)، الأول نقرر فيه فيما إن كان الموقف يحمل تهديداً، فقد يكون مهدداً للوضع الاجتماعي، أو قيمنا، أو وقتنا وكذلك سمعتنا وبقاءنا، وهذا يمكن أن يؤدي إلى حدوث استجابة "الكَرّ أو الفَرّ"، وإلى حدوث مرحلة الإنذار من مراحل متلازمة التكيف العامة GAS أيضاً.

بعد ذلك (الحكم الثاني) نحكم إن كنا نملك المصادر اللازمة لمواجهة التهديد المتصوّر، وهذه المصادر قد تشمل الوقت، والمعرفة، والقدرات العاطفية، والطاقة والقوّة وغيرها من الأمور الأخرى.

كما أنّ كيفية شعورنا بالتَّوتُّر يعتمد على عَامِلَيْن، مدى شعورنا بأننا خارجين عن السيطرة، ومدى إمكانيتنا في مقابلة التهديد بالموارد المتاحة لدينا.

4. علامات التَّوتُّر:

يتعامل كلُّ شخصٍ بشكلٍ مختلفٍ مع التَّوتُّر، ولكن بعض العلامات والأعراض الشائعة للاستجابة للتوتر بطريقة الكَرّ أو الفَرّ تشمل ما يلي:

  • الصداع المتكرر.
  • عرق بارد في اليدين والقدمين.
  • حرقة متكررة، ألم في المعدة، أو غثيان.
  • نوبات من الهلع.
  • الإفراط في النوم، أو الإفراط في الأرق.
  • صعوبةً مستمرةً في التركيز.
  • الوسواس القهري.
  • الانسحاب الاجتماعي والعزلة.
  • التعب المستمر.
  • التهيج ونوبات الغضب.
  • الزيادة الكبيرة في الوزن أو خسارته.
  • مشاعر مستمرّة من الضغط والحمل الزائد.

5. عواقب التَّوتُّر:

يؤثر التَّوتُّر على قدرتنا في أداء وظائفنا بفعاليةٍ، ويؤثر على كيفية قيامنا بالعمل مع الآخرين، ويمكن أن يكون لهذا تأثيرٌ خطيرٌ على وظائفنا، وصحّة حياتنا بشكلٍ عام، وعلاقاتنا.

يمكن أن يسبب التَّوتُّر طويل الأمد أيضاً حالاتٍ أخرى مثل الإرهاق، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والسكتة الدماغية، والاكتئاب، وارتفاع ضغط الدم، وضعف الجهاز المناعي (بالتأكيد عندما تكون متوتراً فإن آخر أمرٍ قد تودّ التفكير به مدى الضّرر الذي يحدثه التَّوتُّر، لكنك بحاجةٍ لمعرفة كم هو مهمٌّ أن تأخذ مضار التَّوتُّر على محمل الجدّ).

6. كيفية إدارة التَّوتُّر:

تتمثل الخطوة الأولى في إدارة التَّوتُّر في فهم مصدر هذه المشاعر، ويمكنك الاحتفاظ بمذكراتٍ خاصةٍ بالتَّوتُّر للمساعدة في تحديد أسبابه على المدى القصير، أو تحديد الأحداث التي تتكرّر لديك، وعندما تقوم بكتابة تلك الملاحظات فكّر بالمواقف التي تدفعك للشعور بالتَّوتُّر.

يمكنك استخدام مقياس "هولمز وراهي" (Holmes and Rahe) لتحديد الأحداث التي قد تضعك في خطر الإصابة بالتَّوتُّر طويل الأجل. ثم بعد ذلك قم بترتيب هذه الضغوط حسب درجة تأثيرها، أيٌّ منها يؤثّر على صحّتك، وأيٌّ منها يؤثر على عملك وإنتاجيتك. ثم فكر باستخدام بعض الأدوات الواردة أدناه لإدارة التَّوتُّر، كما يمكنك استخدام مزيج من الاستراتيجيات الواردة في كل مجال.

6. 1. منهج الطرق العملية:

من خلال منهج الطرق العمليّة يمكنك اتخاذ العديد من الإجراءات لتغيير مواقف التَّوتُّر:

6. 1. 1. إدارة وقتك:

عبء العمل قد يسبّب لك التَّوتُّر إذا كنت لا تدير وقتك بشكلٍ جيدٍ، وقد يكون هذا مصدراً رئيسيّاً للتوتّر لدى كثيرٍ من الأشخاص.

يمكنك إلقاء نظرةٍ على مقال "5 نصائح هامة لإدارة الوقت بفعالية"، وتأكّد من معرفة كيفية القيام بما يلي: استخدام قوائم المهام، وبرامج تنظيم العمل، ومبدأ آيزنهاور الذي يقوم على مبدأ (المستعجل | الهام) لمساعدتك في إدارة أولوياتك.

ثم يمكنك استخدام برامج تحليل العمل، لمعرفة ما هي الأمور الأكثر أهمية بالنسبة للدور الذي تلعبه في عملك، بحيث تتمكن من إعطاء الأولوية لعملك بشكلٍ أكثر فعالية، سوف يساعدك ذلك في تقليل التَّوتُّر، وذلك لأنّك ستحصل على أكبر عائدٍ من جهودك، وتقلّل الوقت الذي تقضيه في الأنشطة منخفضة القيمة.

أيضاً حاول تجنّب تعدّد المهام، وقم بتفحّص بريدك الالكتروني في أوقاتٍ محددةٍ، كما لا تقم باستخدام أجهزتك الالكترونية لفترةٍ طويلةٍ قبل الذهاب للفراش، بل استغلّ ذلك الوقت وقم بإيقاف تشغيل كامل أجهزتك.

6. 1. 2. الأشخاص الأخرون:

يمكن أن يكون الأشخاص الذين تتعامل معهم مصدراً هاماً للتوتّر، سوف تساعدك إدارة الأولويات المتعارضة على التوفيق بين الطلبات المتعددة، في حين أن الحزم يساعدك في إدارة حدودك، والتعامل مع الطلبات غير المعقولة، ويعلّمك الحزم متى يمكنك قول "نعم" أو "لا" للأخرين، وهذا سوف يساعدك في تلبية احتياجاتك بشكلٍ محترمٍ.

6. 1. 3. بيئة العمل:

قد تسبب بيئة العمل التَّوتُّر إذا احتوت على ظروفٍ غير مريحةٍ، أو مزعجة، أو محبطة، وغير سارّة، لذا عليك محاولة اتخاذ بعض الإجراءات لتقليل التَّوتُّر في بيئة العمل الخاصة بك.

إقرأ أيضاً: 9 خطوات لتكون حازماً في اتخاذ القرارات

6. 2. النّهج الموجّه بالعواطف:

يفيدك النّهج الموجّه بالعواطف في الحالات التي يكون فيها التَّوتُّر الذي تتعرّض له هو نتيجة الطريقة التي تتصّور بها موقف ما، (قد يكون من المزعج سماعك لذلك ولكن الكثير من التَّوتُّر يأتي من التفكير السلبي المفرط). ولتغيير طريقة تفكيرك في المواقف العصبية يمكنك:

  • استخدام إعادة الهيكلة المعرفية (Cognitive Restructuring)، وتقنية ABC (تقنية ABC هي تقنية قام بتأليفها Martin Seligman وقام بتطويرها Albert Ellis لمساعدتنا على التفكير بشكلٍ أكثرَ تفاؤلاً، وتدفعك هذه التقنية إلى تحليل ثلاثة جوانب للموقف: هي المحنة، والطريقة التي ننظر بها إلى هذه المحنة تشكل المعتقدات التي تؤثّر بدورها على الآثار أو النتائج)، والتفكير الواعي، والتفكير العقلاني، والتفكير الإيجابي لتغيير طريقة إدراكك للأحداث التي تسبب التَّوتُّر.
  • استخدم اختبار التفكير الإيجابي لمعرفة كيفية التفكير بشكلٍ أكثر إيجابية.
  • استخدم التأكيدات والتّصوّر للتغلّب على التفكير السّلبي على المدى القصير بحيث تشعر بمزيدٍ من الإيجابية بشأن المواقف العصبية.

بعض الأشخاص يعانون من التَّوتُّر لأنهم غير مهيؤون لذلك، ويناضلون لكي تكون نتائجهم مثالية، والبعض الأخر يعاني من التَّوتُّر لأنهم يخشون الفشل أو يخافون من النجاح. إن كان أيّاً مما سبق ينطبق عليك فيمكنك الاستعانة بالتقنيات الموضحة لضبط عقلك وفقاً لذلك.

6. 3. النهج المُوَجَّه نحو التَّقَبُّل:

تنطبق الأساليب الموجهة نحو التقبل على المواقف التي لا تملك فيها القدرة على تغيير ما يحدث، وذلك عندما تكون تلك المواقف سيئة حقاً.

لبناء دفاعاتك ضد التَّوتُّر:

  • استخدم تقنيات التأمل والاسترخاء البدني لتهدئة نفسك عندما تشعر بالتَّوتُّر.
  • استفد من شبكة الدعم لديك، والتي قد تشمل الأصدقاء والعائلة، وكذلك الأشخاص في العمل، ومقدّمي الخدمات المهنية مثل المستشارين أو أطباء الأسرة.
  • احصل على ما يكفي من النوم والتمارين الرياضية، وتعلّم كيفية الاستفادة إلى أقصى حدٍّ من وقتك، حتى تتمكّن من التعافي من آثار الأحداث العصبية.
  • تعلّم كيفية التعامل مع التغيير والحصول على المرونة، بحيث يمكنك التغلّب على النكسات التي تواجهها.

7. الملخّص:

  • نشعر بالتَّوتُّر عندما نشعر بالتهديد، وعندما نعتقد أنّنا لا نملك الموارد اللازمة للتعامل مع المواقف الصعبة.
  • مع مرور الوقت يمكن أن يسبب ذلك مشاكل صحيةً طويلة الأجل، ويمكن أن يؤثر أيضاً على جودة عملنا وإنتاجيتنا.
  • للسيطرة على التَّوتُّر أنت بحاجةٍ للقيام بتحليل العمل وذلك من أجل تحديد أهم أولوياتك في العمل، وتَعَلَّمْ أيضاً استراتيجيات إدارة الوقت المناسبة بحيث يمكنك التعامل مع أولوياتك بشكلٍ فعال.
  • حاول أن تتخلّى عن عادات التفكير السلبيّة وتصبح مفكراً إيجابياً باستخدام التأكيدات والتصوّر.
  • أيضاً قم بإنشاء دفاعاتٍ ضد المواقف العصبية التي لا يمكنك التحكم بها واستخدم شبكة الدعم الخاصة بك، واحرص على الحصول على قدرٍ كافٍ من النوم والتمارين الرياضية يومياً، وأيضاً تعلّم كيفية الاسترخاء.

 

المصدر: مايند تولز




مقالات مرتبطة