أهمية دور وأثر المدرسة في بناء شخصية الإنسان

تشكل المدرسة بما تشتمل عليه من منطلقات وتسعى إلى تحقيقه من أهداف بيئة اجتماعية وتربوية مناسبة لنمو الفرد نفسياً واجتماعياً ومعرفياً، فلا أحد يستطيع تجاوز أهمية دور المدرسة في بناء شخصية الطفل والفرد والمتعلم والطالب والمراهق وأثره.



بل بخلاف ذلك فقد حظيت هذه المؤسسة بدورها التعليمي وأثرها التربوي باهتمام كبير من قِبل المفكرين وعلماء النفس والاجتماع، وخاصةً مع بداية القرن العشرين الذي شهد اهتماماً أكبر بدور المدرسة.

لقد أُسندت إليها العديد من المهام التعليمية والتربوية التي كانت في السابق للأسرة، فلم يعد كافياً أبداً قيام المدرسة بدور تعليمي فقط؛ بل يجب أن تعمل بفاعلية أكبر لتشمل عملية التنشئة الاجتماعية والتطبيع الاجتماعي وحتى تساهم مساهمةً فعالةً في بناء شخصية الطفل، وهنا يحضرني قول "ديوي" الذي يؤكد فيه على أهمية ودور المدرسة الكبير في المجتمع: "بإمكان المدرسة أن تغير نظام المجتمع إلى حدٍّ بعيد، وهو عمل تعجز عنه سائر المؤسسات الاجتماعية".

دور المدرسة في بناء شخصية الفرد:

تعقَّدت الحياة في العصر الحالي تعقيداً كبيراً، فلم تعد الأسرة وحدها قادرة على القيام بعملية التربية والتنشئة الاجتماعية للأفراد، وقد أصبحت بحاجة كبيرة إلى من يساندها ويحمل كتفاً عنها، وبذلك أصبحت المدرسة - إضافةً إلى كونها مؤسسة تعليمية تربوية تعمل جنباً إلى جنب مع الأسرة وتسهم في بناء شخصية الفرد وإعداده للانخراط بالمجتمع - مسؤولة كما الأسرة عن نقل التراث الثقافي السائد في المجتمع إلى الفرد، بما يتضمنه هذا التراث من قيم وعادات وتقاليد.

كما أنَّه يجب على المدرسة العمل على تكييف الفرد مع معطيات الحياة التي تعَدُّ أساساً للعيش ضمنها، وهنا لا بد من التأكيد على نقطة هامة جداً تجعل دور المدرسة في بناء شخصية الفرد ذا أهمية بالغة، وهي امتداد فترة المدرسة لتشمل مرحلة الطفولة والمراهقة والنضج المبكر للفرد، وسنتناول فيما يأتي دورها لكل منهم.

دور المدرسة في تكوين شخصية الطفل:

تُعَدُّ المدرسة حلقة الوصل بين الأسرة والمجتمع، وهذا ما يزيد من أهمية دورها في عملية بناء شخصية الطفل، فالمهمة التي تقوم بها المدرسة ليست تعليمية فقط؛ بل تربوية وتعليمية واجتماعية ونفسية.

1. تربوية:

لأنَّها تُعِدُّ الطفل ليصبح مؤهلاً للعيش ضمن مجتمعه.

2. تعليمية:

من خلال ما تقدمه من معارف وعلوم وخبرات تعليمية وما تنقله للأطفال من ثقافة.

3. اجتماعية:

لأنَّها تشكل للطفل مجتمعه الصغير الذي يتفاعل داخله مع أقرانه ويكتسب من خلاله قيم مجتمعه التي بدأ تكوُّنها من الأسرة لتأخذ بالنسبة إلى الطفل شكلاً مفهوماً أكثر في المدرسة، كما أنَّ المدرسة تعلِّم الطفل كيف يكون منضبطاً ومنظماً وقادراً على العيش ضمن جماعة.

4. نفسية:

دور المدرسة في بناء شخصية الطفل يظهر أيضاً من خلال الدور النفسي الذي تقوم به، ففي المدرسة يتعلم الطفل كيف يعتمد على نفسه فتزيد ثقته بها وبقدراته، ويتعلم بفضل المدرسة أيضاً كيف يصبح شخصية مستقلة لها أفكارها الخاصة وأحلامها.

يقول "بسمارك": "إنَّ الذي يدير المدرسة يدير مستقبل البلاد"، لكن علينا الانتباه إلى أنَّ المدرسة لا تُعِدُّ الطفل للمستقبل دون أن تأخذ في حسبانها ماضيه، فهي تركز على ماضي الطفل من نواحي نموه المختلفة ومن هذا تنطلق للمستقبل، كما يتم في المدرسة نوع من الإعداد الموجَّه والمقصود، فهي تتحرك وفق خطوات في سبيل تحقيق أهداف معينة تتعلق ببناء الأطفال وفقاً لمبادئ محددة.

يجب الانتباه هنا إلى أنَّ المدرسة لا تبدأ من فراغ وأنَّ عملها هو استكمال لعمل الأسرة، فالطفل لا يصل المدرسة وهو صفحة بيضاء؛ بل يصل إليها بعد مروره بالعديد من التجارب الحياتية والخبرات المختلفة وبعد أن اكتسب العديد من السلوكات والمهارات.

باختصار، يمكن القول إنَّ المدرسة تعمل على إعداد أطفالنا وتهيئتهم للتكيف مع ظروف المجتمع الحالية والمستجدة، فالمدرسة تعمل يداً بيد مع الأسرة لبناء شخصية الطفل وتنشئته بحيث يقوم مستقبلاً بدوره داخل المجتمع بشكل فاعل ومنسجم.

شاهد بالفديو: 7 معايير أساسية لاختيار المدرسة الأنسب لطفلك

دور المدرسة في بناء شخصية المراهق:

يكون المراهق في بداية مرحلة المراهقة أشبه بالطفل منه بالراشد، ففي هذه المرحلة ما زال اللعب يستهويه والركض والقفز، لكن سرعان ما تبدأ التغيرات بالحدوث، فوراء هذا المظهر الطفولي الكثير من العمليات المعقدة والعميقة التي تؤهله لمستوى أعلى من النمو النفسي والجسدي والاجتماعي.

يظهر دور المدرسة المؤثر في تكوين شخصية المراهق بوصفها حاضنة لهذه المراحل جميعها، فالبيئة المدرسية جزء من البيئة الاجتماعية العامة التي ينتمي إليها المراهق، لكن عليها أن تمثل البيئة المثالية بحيث تؤدي دورها الحقيقي دون تعقيد أو حياد عن الطريق الموجِّه والمنظِّم.

يمكن تحديد دور المدرسة في بناء شخصية المراهق من خلال النقاط الآتية:

1. تشكل المدرسة للمراهق البيئة التي تسمح له بالتفاعل الحقيقي مع أقرانه وبشكل منظم وموجَّه:

فالمدرسة هي الوسيط بين الأسرة والمجتمع، فمن المعروف ميل المراهقين الشديد للرفاق، وفي بعض الأحيان يطغى تأثيرهم على تأثير الأهل.

توفر المدرسة للمراهق البيئة الآمنة لهذه العلاقات، وتسهم إسهاماً كبيراً في تقليل مخاوفهم وتشجعهم من خلال النشاطات المختلفة ضمنها على الانتماء للجماعة، وتنمي لديهم اتجاهات سليمة نحو أنفسهم والآخرين، فمثلاً قد يكون جو الأسرة منغلقاً بعض الشيء، وهذا يحرم المراهق من ممارسة بعض النشاطات مع رفاقه، وهنا يظهر دور المدرسة في التعويض عن هذا النقص، وهذا بدوره يساعد على خلق بعض التوازن في شخصية المراهق.

2. تعكس مناهج التعليم أهداف المجتمع وقيمه وعاداته وتقاليده:

وهذا ما يساهم في نمو شخصية المراهق وفقاً للمجتمع الذي ينتمي إليه، وهذا يخفف عنه الكثير من المشكلات التي قد تحدث بسبب سوء التكيف مع المجتمع.

مثال، عندما تسافر أسرة ما إلى بلد أجنبي نجد أنَّ الطفل أو المراهق يتكيف بشكل أسرع من البالغ مع المجتمع الجديد، فالالتحاق بالمدرسة يؤثر في شخصية المراهق ويساعده على التكيف حتى يتمكن من الانخراط بالمجتمع، في حين يتراجع دور الأسرة ويقل تأثيرها في هذه الحالة لعدم انتمائها للمجتمع الجديد.

3. تتيح المدرسة للمراهق فرص التعبير عن نفسه:

وهذا ما يطور من شخصيته ويعزز مهاراته ويزيد من ثقته بنفسه.

إقرأ أيضاً: كل ماتريد معرفته عن المراهقة وأفضل الطرق للتعامل مع المراهقين

دور المدرسة في تكوين شخصية المتعلم:

لم يعد دور المدرسة اليوم كما ذكرنا أكثر من مرة مقتصراً على الناحية التعليمية؛ بل توسَّع ليشمل جوانب حياة المتعلم المختلفة، فأصبح دور المدرسة أساسياً وهاماً جداً في تكوين شخصية المتعلم بشكل متكامل.

المعلم الناجح اليوم لا يركز جهوده على نقل المعلومات والمعارف للمتعلمين فقط؛ بل يعمل بشكل حقيقي على بناء شخصية المتعلم من كل النواحي حتى يساعده على تحقيق أكبر قدر ممكن من التوافق مع المجتمع الذي ينتمي إليه.

ويكتسب المتعلم من المدرسة إضافةً إلى المعلومات الأكاديمية الكثير من الخبرات والسلوكات التي تُعَدُّ أساسية في تكوين شخصيته، فالمدرسة بمنزلة بيئة مصغرة عن المجتمع، وفي هذه البيئة يواجه المتعلم المواقف المختلفة ويتعرض للعديد من المشكلات التي تسهم إلى حدٍّ كبير في تشكيل شخصيته وتكوين سماته وتحديد سلوكاته وتوجهاته، حتى إنَّها تسهم بشكل أو بآخر في نمط تفكيره وتؤدي دوراً توجيهياً في اختياره لمهنته مستقبلاً.

يمكن تحديد دور المدرسة في تكوين شخصية المتعلم من خلال النقاط الآتية:

  1. المدرسة أداة لنقل ما يسود المجتمع من ثقافة وما يحكمه من عادات وتقاليد للطلاب.
  2. تهذِّب المدرسة سلوكات المتعلم وتعمل على بناء شخصيته وتعلِّمه كيفية الانضباط والالتزام بالقوانين، وبذلك تصنع فرداً منظماً ومنضبطاً.
  3. المدرسة هي المكان الذي يتعلم فيه الطلاب كيف يضبطون انفعالاتهم ويتحكمون بمشاعرهم.
  4. يتم اكتشاف مواهب الطلاب وتقديم الدعم لهم في المدرسة حتى لا تُهمَل وتضيع.
  5. يتم في المدرسة العمل على تعديل سلوكات الطلاب الخاطئة وأفكارهم غير الصحيحة، وذلك من خلال خطط منظمة وموجَّهة.
إقرأ أيضاً: شخصية المعلم وتأثيرها على الطلاب: ما هي صفات المعلم القدوة؟

أثر ودور وأهمية المدرسة في تكوين شخصية الفرد:

يكون أثر المدرسة في تكوين شخصية الطفل إيجابياً عموماً، ويظهر هذا التأثير من خلال عملية التفاعل التي تحدث كل يوم بين الطفل وأقرانه ومعلميه، ومن خلال ما يكتسبه من خبرات وما يتعرض له من مواقف تجبره على التفكير واتخاذ القرارات وحل المشكلات.

إليك عدد من آثار المدرسة الواضحة في شخصية الطفل:

  • بناء شخصية قادرة على معرفة ما تريده، فما يتلقاه الطفل من دروس وما يتعلمه من معلومات وما يكتسبه من خبرات؛ يساعده على تحديد هدفه وينير له الطريق الذي يريد أن يمشيه باتجاه مستقبل مشرق.
  • يصبح اجتماعياً أكثر داخل المدرسة فيفهم معنى الصداقة الحقيقية الخالية من كل مصلحة أو هدف.
  • يكتسب الطفل من المدرسة العديد من السلوكات الإيجابية كالاعتماد على نفسه في أمور النظافة الشخصية وفي كثير من المواقف الأخرى التي سيجد نفسه مضطراً إلى التعامل معها وحده، وهنا لا بد من التأكيد على أهمية إعداد الطفل جيداً بدايةً من الأسرة حتى لا تصبح المدرسة كابوساً له، وتتحول هذه الآثار الإيجابية جميعاً إلى مشكلات بالتكيف وصعوبات في التأقلم.

للمدرسة اليوم أهمية بالغة في تكوين شخصية الفرد، فمن خلالها يتعلم الفرد مهارات التواصل الأساسية التي يحتاجها لممارسة حياته اليومية، كما تشكل المدرسة مساحة آمنة للأطفال للتعبير عن أنفسهم والتفاعل مع رفاقهم دون خوف الأهل ومراقبتهم، وهذا له دور كبير في إبراز شخصية كل فرد وإظهارها، وإضافةً إلى كل ذلك يتعلم الفرد في المدرسة كيف يصير كائناً مستقلاً قوياً معتمداً على نفسه، وهذه الأمور من الصعب جداً تعلمها في المنزل وتحت وصاية الأهل.

أهمية المدرسة في تكوين شخصية الفرد

وتقدم المدرسة للطفل المعرفة من خلال خبرات ونشاطات ممتعة تكسبه إضافةً إلى المعلومات مهارات حياتية مختلفة هو بحاجة إليها لممارسة حياته بشكل طبيعي، فالمدرسة لا تسعى إلى تكوين شخصية ذات قطب واحد؛ ونقصد بذلك شخصية أكاديمية فقط؛ بل تهدف إلى خلق إنسان متكامل وقادر على الانخراط بمجتمعه دون أيَّة مشكلات.

هذه حقيقة ما تتوجه له المناهج الحديثة اليوم التي لم تعد تركز على تنمية جانب واحد عند الطفل ولم تعد ترى أنَّ الصف فقط هو مصدر المعلومات؛ بل صار تركيزها على التعلم من خلال التفاعل بين الطفل وكل بيئته عن طريق العديد من النشاطات الموجهة والهادفة التي تؤدي في نهاية المطاف إلى بناء شخصية متكاملة وفرد اجتماعي متعلم قادر على التواصل والاندماج مع مجتمعه.

في الختام:

يبدو واضحاً من خلال المقال السابق الدور الكبير الذي تؤديه المدرسة في تكوين شخصية الطفل وغرس القيم والمبادئ داخله وإعداده للمستقبل، وهذا في الواقع ما يفرض عليها الكثير من الجدية ويحمِّلها مسؤولية كبيرة، فأطفال اليوم هم أمل المستقبل، وكلما تم إعدادهم جيداً من كل النواحي ساهموا في بناء المجتمع وتطويره على نحو أفضل.

البيئة المدرسية عليها أن تكون مرتبطة بالبيئة الاجتماعية المحيطة بها، وعليها أن تتحسس ما يحيط بها من مشكلات، وتعرف ما يسيطر عليها من طموحات، حتى تتمكن من ترجمة هذا كله إلى أهداف وتؤدي مهمتها في حل هذه المشكلات وتحقيق الطموحات المختلفة، وهذا يتم من خلال إعداد جيل قادر على التكيف مع ظروف المجتمع الحالية وقادر أيضاً على الإسهام في إحداث التغييرات نحو الأفضل.




مقالات مرتبطة