أهمية الماء للجسم

من الواضح دوماً أنَّ الماء أساسيٌّ للحياة؛ لكنَّ العلماء ما زالوا يكتشفون مراحل جديدةً لهذه العلاقة العميقة جداً.



الماء في جسم الإنسان:

بالنسبة إلى الوزن، يمكن لجسد الإنسان البالغ العادي أن يتكون من 60% من الماء (وتصل النسبة هذه إلى 75% عند الأطفال).

لكن إن أخذت في الحسبان تركيب أجسادنا من ناحية الجزيئات، فنحن عملياً عبارةٌ عن ماء؛ أي ما يقارب 99% من أجسادنا، فجزيئات الماء بالغةُ الصغر قياساً بالجزيئات الأخرى في جسدنا بحيث يتسع الكثير منها في داخلنا، ونحن بحاجة إليها جميعها.

يعتمد كل عضو في جسم الإنسان على الماء ليعمل:

حياتنا بأكملها تعتمد كثيراً على الماء فقد نهلكُ تماماً في غضون أيامٍ من دونه.

نحن نفهم حاجتنا إلى الماء أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، لكن مع ذلك نواجه صعوبة في الحصول على القدرِ الكافي منه.

وجد باحثون في "مستشفى نيويورك" (New York Hospital) أنَّ نحو 75% من الأمريكيين قد يعانون من الجفاف المزمن.

في متناول أيدينا تشكيلة واسعة من خيارات المشروبات، وهناك ما يذكِّرنا دائماً بشرب الماء أكثر؛ إذاً، ما هي المشكلة؟

تبعاً للطبيبة "دانا كوهين" (Dana Cohen) وعالمة الأنثروبولوجيا الثقافية "جينا بريا" (Gina Bria)، فإنَّ السبب الرئيس هو أنَّ متطلبات الحياة المُتحضِّرة تجعلنا نغفل عن تزويد أجسامنا بالماء.

إقرأ أيضاً: التوازن العجيب في جسم الإنسان

الشعور بالجفاف:

في كتابهما، "ارتواء: تغلَّب على التعب، وتخلص من الوزن الزائد، واشفِ جسدك، بواسطة علمٍ جديد يسمى:

  • التزود الأمثل بالماء" (Quench: Beat Fatigue, Drop Weight, and Heal Your Body Through the New Science of Optimum Hydration)، تُبرز كلٌّ من "كوهين" و"بريا" عوامل عدَّة تساهم بخسارتنا المزمنة للماء في القرن الواحد والعشرين، فقد تكون لدينا القدرة على الوصول السهل إلى الماء؛ لكنَّ الرطوبة تُمتَص من أجسادنا بطرائق لم يعهدها أسلافُنا.

تقول "بريا":

"ألقوا نظرةً جديدة على البيئة المحيطة بنا؛ فافتقارنا إلى نور الشمس والهواء النقي، ومستوى عزلتنا الاجتماعية، إلى جانب القلق والضغوطات التي نعاني منها في ثقافتنا، كل ذلك يتطلب المزيد من الانتعاش للتعامل معه؛ لذلك نحن بحاجةٍ إلى المزيد من الترطيب أكثر مما اعتدنا عليه".

أحد العوامل الذي يسهم في إصابتنا بالجفاف هو كلُّ ذلك الوقت الذي نقضيه في داخل المنزل؛ فبعضٌ من ترطيبنا يأتي من الرطوبة الموجودة في الهواء الذي نتنفسه أو نمتصه من خلال بشرتنا، والهواء داخل منازلنا أكثر جفافاً بشكلٍ ملحوظ وبه كمية أوكسجين أقل من الهواء الخارجي.

الهواتف المحمولة هي عامل آخر يسبب الجفاف، فهناك نقاشٌ حاد حول كمية التأثير الصادر من الإشعاعات المنبعثة من تلك الأجهزة في خلايانا، لكن من الواضح أنَّ عاداتنا تترك أثراً في أجسادنا؛ لأنَّه يجب علينا إنتاج دورةٍ جديدةٍ من المواد الكيميائية العصبية في كل مرةٍ نعيد بها التركيز، فتعدد المهام يستنزف بصورة خفيفة ولكن ثابتة الماء في أجسامنا.

إقرأ أيضاً: 10 نصائح لحماية البشرة من جفاف فصل الشتاء

إهمال العطش:

بالإضافة إلى كل ذلك، نحن أحياناً نهمل شعورنا بالعطش، تقول "كوهين":

"إنَّ العديد منا قد كيَّف نفسه على تجاهله،لا يدل العطش على الجفاف؛ لأنَّه في الوقت الذي تكون به عطشاناً، تكون قد أصبت بالجفاف بالفعل، ومن الدلائل التي تشير إلى ذلك هي الإعياء وضبابية التفكير".

بعض الناس يقومون عمداً بعدم شرب الماء بالقدر الذي يعلمون بأنَّه يجب عليهم شربه لأنَّ التبول يزعجهم، فإن كنَّا مشغولين، أو مجرد كسل، فيمكن للذهاب إلى المرحاض أن يبدو كعملٍ رتيب.

أجسادنا مُصمَّمةٌ للتبول كل ساعتين إلى ثلاث ساعات، كما تنتج أجسادنا هرموناً يقوم بإيقاف هذه الدورة لكي نتمكن من النوم خلال الليل؛ لكنَّ ذلك ينجح بشكلٍ أفضل بالنسبة إلى أولئك الذين يشربون كميات كافية من الماء خلال النهار.

تقول "بريا":

"تكمن المفارقة في أنَّ الهرمون هذا يظهر حينما نملك نظاماً يعمل بكفاءة؛ فكلما زاد جفافك، لن يفرز جسدك ذلك الهرمون، وسيترتب عليك النهوض خلال الليل".

معالجة الجفاف:

يبرع الطب الحديث بتشخيص ومعالجة الجفاف الحاد (أي خسارة أكثر من 10% من الماء الكلي في الجسم)، فنادراً ما يَعُدُّ الأطباء الجفاف المعتدل سبباً للأمراض، على الرغم من الأدلة على العديد من العواقب الصحية المرتبطة به، كالصداع، وقلة التركيز، والإعياء، والقلق، بالإضافة إلى الإمساك، والتشنجات العضلية، والعديد غيرها.

ولا يتطلب الأمر الكثير من فقدان الماء ليظهر تأثير ذلك؛ إذ وجدت إحدى الدراسات أنَّ النساء أبلين بلاءً سيئاً في الاختبارات الإدراكية حينما كنَّ أكثر جفافاً بنسبة 1%، كما وجدت دراسةٌ أخرى أنَّ الجفاف بنسبة 2% أثر في الأوعية الدموية بقدرِ تأثير تدخين سيجارة.

يقترح بحثٌ تمهيدي أنَّ الجفاف المزمن منخفض الشدة يمكن أن يكون أيضاً سبباً رئيساً للسمنة، ومرض السكري، وارتفاع ضغط الدم، والزهايمر.

بما أنَّ الماء ضروريٌّ بطرائق عدة، فدائماً ما تقوم "كوهين" بالإلحاح على مرضاها ليأخذوا في الحسبان إن كانت قلة الترطيب سبب مشكلاتهم الصحية.

شاهد أيضاً: 8 أسباب تؤدي لجفاف البشرة وتشققها

تقول:

"أنا ألتقي بمرضى يومياً كانوا قد سبق والتقوا بأطباء عديدين، ولا يمكن لأحدٍ أن يخبرهم ما هو خطبهم. إنَّ الجفاف هو أصل جميع الأمراض، وهو الخطوة الأولى التي يجب علينا أن نقوم بها عند معالجة المرض المزمن".

الماء المُغذِّي:

بالإضافة إلى الاستنزاف المعاصر لترطيب أجسادنا، نحن نخسر من اثنين إلى ثلاثة لترات من الماء كلَّ يوم عبر التنفس، والتعرق، والبول، فنحن بحاجةٍ إلى استراتيجية منتظمة لتعويض كل ذلك.

غالباً ما يتم إخبارنا أنَّه لا شيء يرطبنا بقدر الماء العادي، لكن هناك مصادر تفوقه فاعلية، وأحد الأمثلة عن ذلك في الكتاب الأكثر مبيعاً للمؤلف "كريس ماكدوغال" (Chris McDougall) "وُلِدَ ليركض: قبيلةٌ مخفية، رياضيون ممتازون، وأعظم سباقٍ شهده العالم" (Born to Run: A Hidden Tribe, Superathletes, and the Greatest Race the World Has Ever Seen).

وفيه يتحدث عن شعب "تاراهومارا" (Tarahumara) في شمال غرب "المكسيك".

يركض شبانٌ من هذه القبيلة مسافة 80 كيلومتراً بهدف التسلية، فهم لا يحافظون على ترطيب جسدهم عبر شرب الماء العادي فقط؛ بل يشربون خليطاً من مشروب الذرة والشيا، وهي بذورٌ تصبح هلامية حين تغمسها بالسائل.

قارن هذا بنصيحة الـ 8 أكواب يومياً من الماء التي نسمع بها بشكلٍ شائعٍ اليوم، فنظن أنَّها تسدُّ النقص؛ لكنَّها قد تؤثر سلباً عبر التخلص من الكهرل والمغذيات التي تُسهِّل عملية الترطيب.

تقول "بريا":

"حينما نهمُّ بإعادة ترطيب أجسامنا، نقوم بذلك عبر شرب ماء مُعرَّض لمواد أخرى؛ فهو إما مليءٌ بعناصر كيميائية أخرى، أو أن يكون مفلتَرَاً وفيه نقصٌ بالمعادن التي ترسل الطاقة إلى داخل الماء، فعلى الجسد أن يعمل بشكل كبير ليتعامل مع هذا الماء في بيئة جافة مسبقاً".

ترطيب الجسم بالماء:

إنَّ الترطيب ليس بالضرورة أن يكون بكمية السوائل التي تستهلكها؛ بل بجودة امتصاص أنسجتك لها؛ لهذا فإنَّ "كوهين" و"بريا" توصياننا بزيادة استهلاكنا للنباتات المليئة بالعصارة.

هناك فوائد خاصة للماء الموجود في النباتات؛ وهذا يجعلها تعزز من ترطيب أجسامنا بهذا الشكل. بدايةً، إنَّ الألياف الموجودة بالفواكه والخضار الطازجة تساعدنا على الاحتفاظ بالرطوبة بحيث يكون لخلايانا وقتٌ أكبر لاستهلاكها، بالإضافة، فإنَّ الماء يأتي مُعقَّماً وقلوياً ومغذياً وغنياً بالمعادن، وأكثر سهولةً على خلايانا لامتصاصه.

إنَّ ماء الصنابير مُعالَج بالكلور لإزالة أيِّ ميكروباتٍ خطيرة مُحتمَلة، وغالباً يضاف له الفلوريد للحماية المفترضة من التسوس، وعادةً ما ينقصه المحتوى المعدني للماء الموجود في الطبيعة، ولا يوجد به أيٌّ من المنافع المغذية المضافة إلى الماء الموجود في النباتات.

الخيار، والبطيخ، والخس مصادر غنية بالماء الطبيعي، ونبات الألوفيرا أيضاً؛ لكنَّ جميع الفواكه والخضار، ما لم تُجَفَّف، هي مصادر للماء.

تدعم كل من "كوهين" و"بريا" تناول العصائر المنعشة؛ لكنَّهما تفضلان العصائر المثلجة لاحتوائها على الألياف الإضافية.

يحتوي كتابهما على العديد من وصفات العصائر المثلجة باستعمال مزيجٍ من النباتات الغنية بالماء، والقليل من ملح البحر لزيادة المحتوى المعدني، كما أنَّهما توصيان بتعزيز إمكانية الماء العادي على الترطيب من خلال إضافة طاقة النباتات، مثل عصير الليمون أو عرق من النعناع أو كيس من شاي البابونج.

إقرأ أيضاً: العلاج بالمشروبات الخضراء الطازجة

فوائد تحريك أجسادنا:

استراتيجية أخرى غير مُتوقَّعة لتحسين ترطيب أجسامنا هي الحركة، حالما نقوم بشرب العصير المثلج أو ماء الليمون، ما تزال تحتاج الرطوبة إلى أن تصل إلى كل خلية، وإن لم نتحرك بما فيه الكفاية، فإنَّ العديد من الخلايا قد لا تأخذ حاجتها.

اعتقد العلماء سابقاً أنَّ الدم والعُقد اللمفاوية هما الطريقة الوحيدة لنقل السوائل عبر أجسادنا؛ لكنَّ الجرَّاح الفرنسي المشهور "د. جان كلود غويمبيرتو" (Jean Claude Guimberteau) اكتشف نظاماً آخراً.

من خلال دفع منظارٍ داخل النسيج الضام الذي يُدعى اللُّفافة، أظهر "غويمبيرتو" شبكة شبيهة بالنسيج ترسل قطرات من الماء.

إنَّ عمله ثوريٌّ للغاية؛ لأنَّ اللُّفافة كانت تُعَدُّ سابقاً قطعةً غير هامة من النسيج، ولكن أظهرَ "غويمبيرتو" تلك اللُّفافة وهي ترسل الماء والطاقة؛ وهذا يعني أنَّه إن كانت اللفافة صلبةً وراكدة، فلن يصل الترطيب إلى الخلايا المجاورة؛ وهذا سيؤدي في النهاية إلى الألم أو مشكلات أخرى؛ لكنَّ القليل من الحركة يمكن أن يجعل الماء يتدفق.

تقول "كوهين":

 "إنَّه لشيءٌ فطري لأنَّنا نعلم أنَّه يجب علينا تحريك مفاصلنا لتحسين حركتها، والآن بتنا نفهم لماذا تماماً".

أهمية الماء للجسم

وصول الترطيب إلى الخلايا:

كي يصل الترطيب إلى مستوى الخلايا، توصي كلٌّ من "بريا" و"كوهين" بالقيام بما تُسميانه بالحركات الدقيقة لتحفيز اللُّفافة؛ فهي تتطلب التزاماً ومجهوداً أقل بكثير من القيام بروتين تمرين كامل؛ لكنَّها مع مرور الوقت قد تلهم المرء للقيام بذلك.

إنَّ الحركات الدقيقة هي سبلٌ للحفاظ على مرور السوائل عبر نظامنا، فمن خلال القهقهة والنهوض قليلاً يتم الأمر، وتؤكد دراسة نُشِرَت عام 2016 تعليقات "بريا" إلى حدٍّ ما، والتي ألقت نظرة على ما يقارب 13000 امرأةٍ بريطانية واللواتي جلسن لمدة سبع ساعاتٍ يومياً.

بالنسبة إلى اللواتي لم يتململن، فإنَّ الجلوس لأكثر من سبع ساعاتٍ يومياً كان مرتبطاً بزيادة 30% من مخاطر الوفيات الناجمة بمختلف الأسباب؛ لكنَّ النساء اللواتي شعروا بالملل لدرجة متوسطة أو عالية، لم يشهدن زيادةً في المخاطر بسبب وقت الجلوس.

غالباً ما تكون حركتنا محدودة في البيئة المعاصرة؛ لذا الحركات الدقيقة هي طريقةٌ للتأقلم، بالإضافة إلى ذلك، فإنَّها تعطي شعوراً رائعاً.

تقول "بريا":

"عندما تفهم كم تنقل الحركة الماء عبر جسدنا، سترغب في معايشة ذلك أكثر، بينما يمكن للحركات الدقيقة أن تكون مفيدة، فإنَّه لا يوجد بديلٌ للتمرين عالي الجودة أو الخروج وتحريك جسدك بشكل أوسع نطاقاً. إنَّ المشي والبستنة يُمثِّلان شكلاً لطيفاً من التمرين بفوائد صحية موثقة تعود علينا".

المصدر




مقالات مرتبطة