أهمية الصداقة الحقيقة في حياة الإنسان ودورها في زيادة سعادته

كنت في رحلة سنوية ممتعة وسط أجواء الطبيعة الرائعة حيث الأشجار الكثيفة ومياه النهر المتدفقة مع صديقي "فريد ويليامز" (Fred Williams) البالغ من العمر 62 عاماً، وهو طبيب أخصائي في الجهاز الهضمي إضافة إلى هوايته في تربية النحل، ومن ثم تحدثنا عن الصداقة والوحدة ومحاربة السرطان الذي يعاني منه ومدى ارتباط هذه الأشياء الثلاثة مع بعضها، وأطلقنا على رحلتنا لهذه السنة اسم (50-50-50) أي المشي مسافة 50 كم ثم ركوب الدراجة 50 كم ثم التجديف بالقارب 50 كم، وقد اخترنا الموعد بحيث يتمكن "ويليامز" من الحضور في آخر يوم من علاجِه الشعاعي الذي كان عائقاً ودافعاً بنفس الوقت ليذهب في هذه الرحلة، ولكن بسبب الأحوال الجوية لم نتمكن من تنفيذ ما خططنا له، فقد منعتنا الرياح الشديدة من التجديف أو المشي لمسافات طويلة، ومع ذلك فعلنا ما بوسعنا، فقد كنا مستمتعين بذلك ولم يكن الهدف هو قطع المسافة بحد ذاتها.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "مات كروسمان" (Matt Crossman)، ويروي لنا فيه تجربته مع الصداقة الحقيقية.

أهمية الأصدقاء في حياة الإنسان:

الصداقة تعني وجود روابط قوية بين الأشخاص، وهذا الترابط له أهمية كبيرة وبخاصة عندما يمر أحد الأصدقاء بظروف قاسية مثل حالة صديقنا "ويليامز"؛ إذ توصلت دراسة أجريت عام 2021 إلى أنَّ 15% من الرجال يفتقرون لوجود أصدقاء حقيقين ومقربين، وتعدُّ هذه النسبة عالية بالمقارنة مع العقود والسنوات السابقة كما في فترة التسعينيات.

وفقاً لجامعة "هارفرد" (Harvard) فإنَّ 36% من الأمريكيين يشعرون بوحدة شديدة، ومنهم 61% من اليافعين و51% من الأمهات اللواتي لديهن أطفال صغار.

تسبب الوحدة اضطراباً عاطفياً لدى الإنسان، وقد يتطور الأمر إلى مشكلات صحية كبيرة وشائعة في المجتمع، فالعزلة الاجتماعية والتي تعرف أنَّها الافتقار إلى التواصل الاجتماعي وقلة عدد الأشخاص الذين يتفاعل معهم الإنسان بشكل منتظم خلال يومه وبخاصة بالنسبة إلى كبار السن؛ تؤدي إلى زيادة خطر الوفاة المبكرة، وزيادة خطر الإصابة بالخرف بنسبة 50% تقريباً إضافة إلى زيادة الإصابة بأمراض القلب الإكليلية والسكتة الدماغية.

وباء الوحدة:

من أبرز مشكلات العمل عن بعد أو العمل من المنزل عدم القدرة على الانفصال عن العمل والشعور بالوحدة، ومن المتوقع أن تتفاقم هاتان المشكلتان وبخاصة مع ازدياد التوجه نحو العمل عن بعد إما بدوام كامل أو بدوام جزئي إلى جانب العمل التقليدي؛ وهذا يعني أنَّ ثمة أعداد كبيرة من الموظفين سيعملون وحيدين من المنزل لثمان ساعات متواصلة وربما أكثر.

تقول "كاسلي كيلام" (Kasley Killam)، وهي المؤسسة والمديرة التنفيذية لمختبرات الصحة الاجتماعية (Social Health Labs) إلى جانب عملها بصفتها خبيرة في مجال الصحة الاجتماعية ومدربة في جامعة "هارفارد": "على الرغم من الوضع المزري إلا أنَّ الأمل موجود، فقد أظهرت البيانات أنَّ العمل عن بعد بشكل جزئي أو كامل ليس بالضرورة أن يزيد من الشعور بالوحدة، فتوجد عدة طرائق للحد من هذا الشعور، وأولها بناء علاقات اجتماعية مباشرة وحقيقية ومثمرة من خلال الانضمام لمجموعات تضم أفراداً لهم ميول مشتركة، ولا شك أنَّ بناء مثل تلك العلاقات أمراً ليس سهلاً ولكنَّه يستحق المحاولة نظراً لفوائده العظيمة".

الآثار السلبية للوحدة:

تُظهِر الأبحاث أنَّ المجتمعات المترابطة تتعامل مع الأزمات بطريقة أفضل ومن ثم تخرج منها بنتائج إيجابية، وتتعلق الصحة الجسدية بالجسد والصحة النفسية بالأفكار، وأما الصحة الاجتماعية القائمة على وجود علاقات اجتماعية داعمة وصحية لها دور كبير في دعم كل من الصحة الجسدية والنفسية، ولهذا يجب إعطاؤها الأولوية في الاهتمام.

يقول صديقي "ويليامز" إنَّه شخَّص كثيراً من المشكلات الصحية الناجمة عن الوحدة خلال عمله بصفته اختصاصياً بأمراض الجهاز الهضمي؛ إذ تؤدي الوحدة إلى زيادة التوتر والذي بدوره يقود الإنسان إلى عادات غذائية سيئة تسبب له أمراضاً هضمية، ومن خلال عمله صادف كثيراً من الحالات الحزينة حين يأتي المرضى لموعد تنظير القولون ويذهبون وحيدين دون أي مرافق.

عانى "ويليامز" من الوحدة سابقاً؛ لأنَّ معظم أصدقائه كانوا أزواجاً لصديقات زوجته، ولم تكن لديه أشياء مشتركة تجعله يحب التقرب منهم أو قضاء وقته برفقتهم.

شاهد بالفديو: صفات الصديق الحقيقي

العثور على الأصدقاء:

كان "ويليام" من هواة اللياقة البدنية، وفي عام 2017 وبعد بلوغه الستين من العمر انضمَّ إلى مجموعة من الرجال مختصة باللياقة البدنية واسمها "إف ثري" F3، ومنذ ذلك الحين تغيرت حياته بالكامل.

كانت تلك المجموعة شبكة من النشاطات البدنية في الطبيعة وهي مجانية، وقد تعرَّف "ويليام" من خلالها إلى أشخاص يشاركونه الاهتمامات والأفكار ذاتها، وخلال مدة قصيرة تمكَّن من اكتساب أصدقاء حقيقيين وأنا منهم، وقد كنا الملاذ الآمن الذي اختار اللجوء له عندما تم تشخيص إصابته بالسرطان.

يرى "ويليامز" أنَّ معركته مع السرطان كانت نعمة ليتعلَّم التواضع وينضم لتلك المجموعة ليظفر بأصدقاء حقيقيين يقفون إلى جانبه في رحلة معاناته مع المرض لاحقاً، فمجرد التفكير أنَّه كان سيعاني وحيداً كافياً ليجعله يرتجف خوفاً.

أعتقد أنَّ انتصار "ويليامز" على المرض لن يكون سببه فقط قوته وإرادته الصلبة ولياقته البدنية، وإنَّما بسبب وجود أصدقاء حقيقين يدعمونه باستمرار.

إقرأ أيضاً: 9 أنواع من الأصدقاء ابتعد عنهم تماماً

البيئة الداعمة:

يقول "ويليامز" إنَّه شعر بالشفقة على نفسه عندما علم بإصابته بالسرطان وما زال هذا الشعور ينتابه أحياناً وكأنَّه صراع بين النور والظلام، وعلى الرغم من صعوبة الأمر إلا أنَّ البقاء في النور قدر الإمكان سيجعله أفضل حالاً، ومن أهم مصادر النور في حياته أن يكون محاطاً بأحبائه وأصدقائه.

تقول "كيلام": "يكون للانضمام إلى مجموعة اللياقة البدنية للرجال والاندماج مع هذا المجتمع الداعم أثرٌ إيجابيٌّ في تحسن حالته الصحية وتخفيف أعراض المرض، وقد يساعده ذلك على التعافي والعيش لفترة أطول، فالتواصل البشري له قوة لا يستهان بها وتأثير كبير في صحة البدن".

كان "ويليامز" على اطلاع بما قالته "كيلام"، وفي أثناء رحلتنا على الدراجة وسط الطبيعة سألته إذا كان ذهابه إلى نشاطات المجموعة يساعد بطريقة طبية قابلة للقياس والتحديد، وقد أجاب بتواضعه المعتاد أنَّه لا يعرف ولا يستطيع أن يعرف؛ لأنَّ البحث عن تأثير تفكير الشخص في حالته الصحية في حالة المرض بقدر ما هو مُقنِع إلا أنَّه عام جداً وغير دقيق، فهو لا يوضِّح تفاصيل ما يحدث داخل الجسد في لحظة محددة.

الفوائد الدائمة للصداقة:

تابع "ويليام" حديثه وقال شيئاً أذهلني: "على أي حال، حتى لو لم يكن لطريقة تفكير الإنسان أي تأثير إيجابي، وحتى لو غلبني السرطان وانتشر في جسدي، الهام هو أن أعيش السنوات المتبقية لي سعيداً، وهذا بالنسبة إلي انتصار بحد ذاته".

ثمة عدة احتمالات إما أن يشعر بالأسف على نفسه ويجلس وحيداً متجهِّماً غاضباً وغيوراً من الناس الأصحاء، أو يخرج ليستمتع بعمره المتبقي ويقوم بنشاطات رائعة وتحديات مع مجموعة من الرجال العظماء، وهذا كان اختيار "ويليامز" الذي كان يستمتع به ويحبه أكثر من أي شيء آخر، وقد أظهرت مشاركته معنا في الرحلة (50-50-50) كم هو رجل حقيقي وقائد بكل معنى الكلمة.

بالنسبة إليَّ، حتى لو ساءت حالته واقترب من الموت، فإنَّ كل بطولاته ولياقته وقدراته الجسدية ستفقد معناها وتتلاشى، أما صداقتنا ومحبتنا من أجل بعضنا فسوف تبقى خالدة إلى الأبد.

أثر الصداقة القوي في حياة الإنسان:

خرج "ويليام" إلى التمرين في الـ 5.30 صباحاً مع 8 رجال؛ أي قبل موعد جلسته بساعة ونصف وكان عدد الحاضرين 67، وفي اليوم الأخير من علاجه الشعاعي وبعد يومين فقط من انتهاء رحلتنا 50-50-50، خرج "ويليام" إلى التمرين في الـ 5.30 صباحاً مع 8 رجال أي قبل موعد جلسته بساعة ونصف وكان عدد الحاضرين 67؛ إذ أتينا جميعاً لدعم "ويليام" والوقوف إلى جانبه، ولقد سمح لنا مقاسمَته المعاناة من خلال مجموعة من التمرينات القاسية بتكرار قدره 44 مرة وهو عدد جلسات العلاج الإشعاعي الذي خضع له.

بعد الانتهاء طلب منا التجمع حوله، وشعرنا جميعاً بالاضطراب والقلق وهو كذلك، ولكنَّ قلبه كان يفيض بالإيمان والفرح وقال إنَّه يعدُّ هذا اليوم من أجمل أيام حياته، فقد كان دعم الأصدقاء والعائلة له وحبهم الكبير من أحب الأشياء إلى قلبه، ومن ثم ألقى كلمة مؤثرة وكانت يداه ترتجفان، وكانت كلماته مؤثرة ونابعة من القلب؛ إذ قال إنَّه لم يتوقع أن يكسب هذا النوع والعدد من الأصدقاء الرائعين من خلال انضمامه لتلك المجموعة، وكان صوته يرتجف في أثناء الحديث ويد أصدقائه تربت على كتفه يميناً ويساراً وهذا ما جعله يستعيد قوته واتزانه.

إقرأ أيضاً: الصداقة المزيفة: معناها وعلاماتها وكيفية التعامل معها

في الختام:

نجد أنَّ الصداقة لها أهمية كبيرة في حياة الإنسان، فهي تساعده على التغلب على الصعوبات والمشاكل التي يواجهها في حياته، كما أنها تدعم صحته الجسدية والنفسية، وتجعله يشعر بالسعادة والرضا.




مقالات مرتبطة