أساسيات التفكير الإيجابي: كل شيءيحدث لسبب وقصد وهو يعمل دائماً لصالحنا

قد تتعرّض لكثير من العقبات أثناء محاولتك التمكن من وقتك، ولكن لابدّ أن تعلم أنّه منذ القديم وُجد تفاوت الهمم باختلاف الطاقات في الإفادة من الشدائد، والكسب من الظروف الحرجة أو كما قال "وليم بوليثو": "ليس أهم شيء في الحياة أن تستثمر مكاسبك، فإنّ أي أبله يسعه أن يفعل هذا، ولكن الشيء المهم حقاً في الحياة هو أن تحيل خسائرك إلى مكاسب، فهذا أمر يتطلب ذكاء وحذقاً، وفيه الفارق بين رجل كيّس ورجل تافه".



انظر إلى هذه الأمثلة لتحويل الخسائر إلى مكاسب:

عندما فقد عبد الله بن عباس عينيه، وعرف أنّه سيقضي ما بقي من عمره مكفوف البصر، محبوساً وراء الظلمات عن رؤية الحياة والأحياء، لم ينطوِ على نفسه ليندب حظه العاثر، بل قَبِل القسمة المفروضة، ثم أخذ يضيف إليها ما يهوّن المصاب ويبعث على الرضا فقال:

إن يأخذ الله مِنْ عينيَّ نورَهمـا         ففي لِسَانِي وَسَمْعي ومنْهما نُورُ

قَلبِي ذكيٌّ، وَعَقلِي غيرُ ذي دَخَلِِ          وفي فَمِي صَارِمٌ كالسَّيفِ مَأثُورُ

وقال "بشار بن برد" يرد على خصومه الذين نددوا بعماه:

وعيَّرَني الأَعــداءُ، والعيبُ فيهِمُ          فليسَ بعارٍ أن يقــالَ ضريرُ

إذا أبصـرَ المرءُ المروءةَ والتُّقَى          فإنَّ عَمَى العينينِ ليسَ يَضِيرُ

رأيتُ العَمَى أجراً وذُخراً وعِصمةً          وإنِّي إلى تلكَ الثلاثِ فَقِيــرُ

 ولا شك أن تلقي المتاعب والصعاب بهذه الروح المتفائلة، وهذه الطاقة على استئناف العيش، والتغلب على صعابه، أفضل وأجدى من مشاعر الانكسار والانسحاب التي تجتاح بعض الناس وتقضي عليهم.

إقرأ أيضاً: نصائح فعّالة لتزرع التفاؤل في حياتك

وفي هذا يقول "ديل كارنيجي": "كلّما ازددت إيغالاً في دراسة الأعمال العظيمة التي أنجزها بعض النوابغ، ازددت إيماناً بأنّ هذه الأعمال كلّها ما تمت إلّا بدوافع من الشعور بالنقص؛ هذا الشعور هو الذي حفّزهم إلى القيام بها واجتناء ثمراتها، نعم، فمن المحتمل أنّ الشاعر "ملتون" لم يكن يقرض شعره الرائع لو لم يكن أعمى، وأن بتهوفن لم يكن ليؤلف موسيقاه الرفيعة لو لم يكن أصم".

لم يركّز هؤلاء المبتلون على مصائبهم، ولم يعظّموها، كلاً، لقد تقبلوا الواقع المفروض، ثم تركوا العنان لمواهبهم لتحوّل محنتهم إلى منحة، وتحوّل ما فيها من كدر وطين إلى ورد ورياحين. وتلك هي دعائم العظمة، أو هذا هو المقصود من "كل شيء يحدث لسبب وقصد وهو يعمل دائماً لصالحنا".

كما يقول كارنيجي أو كما نقل عن "إيمرسون" في كتابه "القدرة على الإنجاز" حيث تساءل: من أين أتتنا الفكرة القائلة: إن الحياة الرغدة المستقرة الهادئة الخالية من الصعاب والعقبات تخلق سعداء الرجال أو عظماءهم؟ إنّ الأمر على العكس، فالذين اعتادوا الرثاء لأنفسهم سيواصلون الرثاء لأنفسهم ولو ناموا على الحرير، وتقلبوا في الدمقس. والتاريخ يشهد بأنّ العظمة والسعادة أسلمتا قيادهما لرجال من مختلفِ البيئات؛ بيئات فيها الطيب وفيها الخبيث، وفيها التي تميز بين طيب وخبيث، واسمع إلى ابن تيمية وهو يقول (مستهيناً بتنكيل خصومه): "إنّ سجني خلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة..!!" فمن خلف قضبان السجن يستطيع المسجونون التطلع إلى الأفق، فمنهم من يتجه ببصره إلى وحل الطريق، ومنهم من يتطلع إلى نجوم السماء.

إقرأ أيضاً: 8 طرق لتدريب العقل على التحلي بمزيدٍ من الإيجابية

ومثل آخر: يتعرض شخصان لحادث سيارة، فيقوم كلاهما بتفسيره بطريقته: الأول يجدها آخر العالم ويدخل في سلبية عميقة، والآخر يجدها تجربة جيدة ولابدّ من أن يستفيد منها، الأول يضيع وقته وحياته ووقت غيره، والثاني يرى الحدث بطريقة تمكّنه من استثمار وقته ووقت غيره وتمكّنه من التقدم إلى الأمام، وهذا يعود بنا إلى أنّه "الأهم ممّا يحدث معك هو: كيف تفسر هذا الحدث؟"

يقول انتوني روبنز: "أستطيع أن أضمن لك بأنّ الناس الذين يفكرون بهذه الطريقة يحصلون على نتائج عظيمة". 

وهنا توجد نقطتان مهمتان الأولى التقبّل، والثانية البحث عن الخير فيما حدث

أمّا التقبّل فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلٌّ ميسرٌ لما خلق له"، وقال تعالى: "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ"، وقال تعالى: "وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ"، يجب أن نتقبّل ما يحدث معنا، فالتقبّل سيد العلاجات النفسية والاجتماعية والسياسية، فعندما ترفض ما يحدث معك ينشأ مبدأ العنف في تعاملك مع نفسك، وتزداد المشاكل النفسية من مخاوف وقلق، فإذا كانت لديك مشاكل فتقبلها أولاً ثم انظر ما يحدث معك وما يتغيّر، ولا أقصد هنا الاستسلام، لا، بل بعد أن تتقبلها وتعترف بها، ثم انظر ما الذي تستطيع فعله لتحسين وضعك؟  

أما النقطة الثانية فابحث عن الخير فيما حدث، فنحن لا نعلم الغيب ولا نعرف خير ما حدث من شره، قال تعالى: "عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا"، وقال تعالى: "فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ"، وقال تعالى: "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ"، إن الله عزّ وجلّ عندما يبتلينا فإنّه لا يريد أن يضّرنا ويعذبنا، بل أن يعلمنا وينفعنا، ولا يريد لنا إلّا الخير كل الخير (كن على يقين من هذا)، قال الله تعالى: "مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ"، فعندما يأتي القدر، فإنّه يأتي لصالحنا، ولنا، وحتى ولو لم نعلم خيره.

إقرأ أيضاً: كيف تقوّي إيمانك بالله سبحانه وتعالى

اسأل نفسك عندما تواجه أي حدث مهم:

  • ماذا يُوجد وراء هذا الحدث؟
  • ما هي الرسالة التي يجب أن أسمعها من هذا الحدث؟
  • كيف أستطيع أن أستفيد من هذا الحدث وأحوّله إلى قوة تدفعني إلى الأمام، لا إلى الخلف؟

لقد حاصر الكفار واليهود المؤمنين، واشتد بهم الخوف والضيق، قال تعالى: "وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا"، قال ابن عباس رضي الله: "أي هذا ما وعدنا الله ورسوله من الابتلاء والاختبار والامتحان، والذي يعقبه النصر القريب"، لقد فسّروا بأنّ هذا الابتلاء هو سبب النصر والفرج. ولقد تقبلت اليابان الهزيمة وأخذتها كدرس للعنف الذي تمارسه ضد الشعوب الأخرى وبالتالي نهضت كقوة عالمية ومثلها فعلت ألمانيا.

وتذكّر: الأحداث الصعبة والمكروهة هي التي تصنع العظماء، وتفيد الإنسان بالتجارب الحياتية، وعند تعرضك لمشكلة ما فمن الأفضل أن تركّز عشر تفكيرك على المشكلة، وتسع أعشار تفكيرك على حلها وتذكّر دائماً: ليس هناك فشل بل تجارب فقط.




مقالات مرتبطة