أبرز الأخطاء التي يرتكبها أرباب العمل لمراقبة الإنتاجية والحل البديل

إنَّ استخدام البرامج لتتبُّع ومراقبة الموظفين لم يناسبني أبداً؛ ربما لأنَّني أدَّيتُ دوراً في تطوير بعض البرامج الأولى المخصَّصة لهذا الغرض.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "رايان وونغ" (Ryan Wong) والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته في مراقبة الإنتاجية في شركته.

في أواخر التسعينيات، واجهَت الشركات مشكلةً، ولأول مرة، استعانوا بمصادر خارجية لتطوير تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات الخاصة بهم على نطاق واسع وصل إلى الهند، ولكن كيف يمكِنهم معرفة ما كان يفعله موظفوهم الموجودون على الجانب الآخر من العالم؟

في ذلك الوقت، توصَّلنا إلى جميع أنواع الأفكار، من مراجعة وتحليل كود البرنامج الذي أنشأه الموظفون، إلى مراقبة الكمبيوترات التي يستخدمونها.

في الوقت الحاضر، نقلَت الشركات هذه التقنية إلى المستوى التالي، وباتت تقيس ضغطات المفاتيح وحركات الماوس وحتى الذهاب إلى أبعد من ذلك بأخذ لقطات لشاشات الموظفين في فترات عشوائية.

يبقى السؤال الأساسي كما هو: عندما لم تَعُد إدارة الموظفين بالمراقبة المباشرة خياراً، فما هي أفضل طريقة لقياس الإنتاجية؟ ما هي المقاييس الهامة؟ وفي أيَّة مرحلة يأتي قياس الإنتاجية بنتائج عكسية؟

على الرغم من أنَّ العودة إلى المكتب تلوح في الأفق بالنسبة إلى الكثيرين منا، إلا أنَّ خيارات العمل الهجين ستزداد أهميةً في السنوات المقبلة، وبالنسبة إلى الشركات وموظفيها، أصبح التعامل مع التحليلات التي تُجرَى عن بُعْد أكثر صعوبةً وأكثر أهميةً.

أعمل أنا في قسم تحليل عمل الموظفين، وأحب العمل مع البيانات، ولكن هناك تطبيقات صحيحة وخاطئة للقياس. سنلقي فيما يلي نظرةً مُقرَّبةً على ما يصلح في هذا المجال وما لا يصلح فيه.

ركِّز على قياس النتيجة، لا المشاركات:

كانت مراقبة الموظفين منتشرةً قبل الأزمة، فقد وجدَت الأبحاث في عام 2018 أنَّ 50% من الشركات الكبيرة كانت تستخدم مراقبة البريد الإلكتروني وتحليل الموقع، ولكن في الأشهر الأولى من الإغلاق، ارتفع استخدام برامج المراقبة ارتفاعاً كبيراً، حيث أبلغ قادة الأعمال التجارية مثل شركتي تيرامايند (Teramind) وأكتفتراك (ActivTrak) عن زيادات قياسية في طلبات المبيعات.

بالنسبة إلى أرباب العمل، قد تبدو أدوات المراقبة بمثابة حل مفيد في وقت لا تكون فيه الفِرَق في المكتب، ولكن هناك مشكلة واحدة فقط: لا يُعَدُّ الوقت الذي يقضيه الموظفون في استخدام لوحة المفاتيح أو أمام كاميرا الويب مؤشراً على الأداء أو الإنتاجية. في الواقع، يمكِن أن يعمل هذا النوع من المراقبة ضد الحصول على النتائج التي تريدها، وعندما يعرف العمال أنَّ عدد ضغطاتهم على المفاتيح يُقاس، على سبيل المثال، فإنَّ ذلك يدفعهم إلى التسرع في أداء عملهم، مما قد يكون له قيمة تجارية قليلة للشركة.

إقرأ أيضاً: كيف تحفز الموظفين للعمل لديك؟

المشكلة الأعمق هي أنَّنا، من نواحٍ كثيرة، نقيس الإنتاجية كلَّها بشكل خاطئ، ونخلط ما بين المشاركات والنتائج، وحتى تتبُّع "الساعات"، وهو أقدم مقاييس مكان العمل، يُعَدُّ أمراً خاطئاً بشكل أساسي؛ إذ لا تُقدِّم معرفة أنَّ شخصاً ما قد عمل لمدة 40 ساعة في الأسبوع إلا القليل من الأفكار حول ما أنجزه بالفعل.

يُعَدُّ قياس نتائج الأعمال ومنح المكافآت على أساسها نهجاً أفضل بكثير، وستختلف هذه الطريقة من شركة إلى أخرى ومن موظف إلى آخر، وهذا هو بالضبط بيت القصيد، فإنَّ أخذ الوقت الكافي لتحديد شكل النجاح أولاً، ثمَّ إيجاد طرائق لقياسه، هو أضمن طريقة لزيادة الإنتاج، وتدور المخططات المفيدة مثل: مؤشر الأداء الرئيسية (KPIs) ومؤشر الغايات والنتائج الرئيسية (OKRs) ومجالات النتائج الرئيسة (KRAs) كلها حول هذه الفرضية المركزية.

بالنسبة إلى المهندسين في فريقنا، على سبيل المثال، قد يعني النجاح كود برمجي اختُبِر جيداً ويتمتع بالجودة لا تسجيل الأكواد فحسب، وبالنسبة إلى مندوبي المبيعات، قد يعني النجاح إضافة عملاء متوقعين مؤهلين إلى قائمة المبيعات، أما بالنسبة إلى مصممي المحتوى، يمكِن قياس النجاح بعدد المقالات المكتوبة، ومن الأفضل قياس النجاح بناءً على مدى إنشاء حركة مرور على موقع الشركة.

النقطة الهامة هي أنَّ هذه التعريفات دقيقة للغاية وتُركز على النتائج وليس العمليات، وتعكس الإنتاجية الفعلية، وليس كم العمل أو عدد الساعات التي يمضيها الموظفون في مكاتبهم.

ومن المثير للاهتمام، أنَّه من خلال هذه المقاييس الموجَّهة نحو الإنتاج، شهدَت شركتي ارتفاعاً ملحوظاً في الأداء خلال الأزمة، على سبيل المثال: في أثناء العمل عن بُعد، أكمل مهندسونا المزيد من عمليات تسجيل البرامج أكثر من أي وقت مضى، وهذا ليس فريداً؛ إذ قال أكثر من نصف المديرين التنفيذيين الذين شملهم الاستطلاع الذي أجرته شركة برايس ووتر هاوس كوبرز (PwC) في كانون الثاني من عام 2021 : إنَّ متوسط إنتاجية الموظفين قد تحسَّن، وبشكل عام، تبيَّن أنَّ الإقفال الشامل إيجابي لإنتاجية العاملين في مجال المعلومات.

شاهد بالفديو: 6 طرق مبتكرة لتعزيز إنتاجية الموظفين

عامل الثقة:

ومع ذلك، يجب علينا الحذر هنا، فحتى مع التركيز على قياس المخرجات، يمكِن التلاعب بالنتائج، والمقاييس تخفي بمقدار ما تكشف. في الواقع، العامل الأكثر أهميةً هو شيء لا تستطيع حتى أكثر أنظمة التتبُّع تعقيداً تحديده كمياً: الثقة.

الثقة في أبسط أشكالها تعني معرفة أنَّ شخصاً ما يتصرف وفقاً لمصالح الفريق، سواء كان مُراقَباً أم لا، كما تعني منح الموظفين الاستقلالية في تحديد الاستخدام الأمثل لوقتهم، وتشجيعهم على استخدام هذا في توجيه أيامهم وقراراتهم.

فوائد هذا النوع من الثقة ملموسة، فالموظفون في المنظمات عالية الثقة أكثر إنتاجيةً، ولديهم طاقة أكبر في العمل، ويتعاونون بشكل أفضل ويبقون مع أرباب العمل لفترة أطول، كما أنَّهم أبلغوا عن ضغوط أقل ورضا أعلى عن حياتهم، كما وجدَت إحدى الدراسات أنَّ 63% من الموظفين قالوا إنَّ تجربة الموظف تكون في أفضل أحوالها عندما يُشجَّع ويُؤتمَن على القيام بعمله مع إشراف ضئيل.

وهنا يمكِن أن تأتي المراقبة بنتائج عكسية؛ إذ تخاطر البرامج التي تتطفل على عمل الموظفين بتقويض الاتفاق بين صاحب العمل والموظف، مما يؤدي إلى تحطيم الشعور بالثقة الذي يحفز الموظفين على القيام بعملهم على أكمل وجه. فلنأخذ بنك باركليز (Barclays) كمثال، ثبَّتَ البنك العالمي برنامجاً لتتبُّع الوقت الذي يقضيه الموظفون في مكاتبهم وإرسال تحذيرات منبثقة لأولئك الذين كانت فترات راحتهم طويلةً جداً، وبعيداً عن تعزيز الإنتاجية، أدت هذه الإجراءات إلى رد فعل عنيف سريع، وهذه النتائج ليست نادرةً؛ فقد وجدَت إحدى الدراسات الاستبيانية أنَّ 49% من الموظفين الخاضعين لمراقبة صارمة أبلغوا عن قلق شديد.

كيف يمكِنك تعزيز هذا الشعور بالثقة في بيئة العمل عن بُعد إذاً؟ يكفي أن نقول إنَّه لا توجد حلول خارقة أو سريعة، فبالنسبة إليَّ، يبدأ الأمر بفهم ومواءمة التوقعات؛ إذ يجب على أرباب العمل تحديد ما هو متوقع، ويجب على الموظفين التعبير عما هو ممكن، فهذا ليس حواراً يمكِنهم خوضه لمرة واحدة فقط؛ بل هو حوار مستمر يتطلب مزيداً من الانتباه في حالة العمل عن بُعد، حيث يكون من السهل جداً حدوث سوء الفهم وسوء التواصل.

إقرأ أيضاً: أساليب التواصل في العمل: ما هي؟ وكيف تتعامل مع كل منها؟

الاجتماعات التي تشارك فيها أقسام الشركة كلها أمر جوهري أيضاً، فقد تحولنا إلى عقد اجتماعاتنا الشاملة مرتين في الأسبوع بدلاً من مرَّةٍ في الشهر، على سبيل المثال، لكنَّ الاجتماعات الأقل رسمية يمكِن أن تكون على قدر الأهمية نفسها، وأنا مثلاً أستضيف كل شهر "اجتماع الرئيس التنفيذي"، حيث يلتقي ما بين 10 إلى 12 شخصاً من أقسام مختلفة عبر مكالمات الفيديو لإجراء محادثة غير رسمية وغير منظمة، وأحياناً تسير المحادثات بسلاسة، وأحياناً لا تفعل ذلك، ولكن بغضِّ النظر، لدينا فرصة للاتفاق وفهم ما ينجح وما لا ينجح.

عندما يتعلق الأمر بتتبُّع الإنتاجية، فإنَّ قياس الدقائق التي يتم قضاؤها في مهمة أو ضغطات المفاتيح ليس فعَّالاً، وإنَّما يُعَدُّ وجود فهم مشترك للنجاح، والتأكد من تحفيز الموظفين للوصول إليه أكثر قيمة بكثير. والأهم من ذلك، أنَّ هذه الدروس تنطبق على العمل في المكتب كما تنطبق على العمل عن بُعد، وقد تكون أفضل أداة لتتبُّع الإنتاجية هي الثقة التي تُعَدُّ واحدةً من أقدم الأدوات على الإطلاق.

 

المصدر




مقالات مرتبطة