ملاحظة: اُخِذ هذا المقال عن المدوِّنة "أنتونيا كولنز" (Antonia Colins)، تحدثنا فيه عن 9 دروس تتعلمها من أسلوب التبسيط.
لقد كان للتبسيط تأثير عميق في حياتي خلال السنوات العشر الماضية، ولم أكن أكتب أو أشارك تجاربي طوال ذلك الوقت، لكنَّني التمستُ فوائد التبسيط لما يقرب من عقد من الزمان وتعلَّمت كثيراً خلال هذه الفترة.
لقد وفرت مزيداً من الوقت للأمور الهامة وللاعتناء بنفسي، وأصبح الاهتمام بالمنزل أسهل، وأنفقتُ المال بحكمة أكبر. أنا مقتنعة بما أملك، وأجد راحة في وتيرة الحياة البطيئة، وإذا واجهتني تحديات في الحياة، أصبح لدي مساحة للتكيف. يقدم المقال 9 دروس تعلمتها من التبسيط خلال السنوات.
9 دروس تعلمتها من أسلوب التبسيط
عندما نتخلص من التعقيدات غير الضرورية، تتضح الصورة وتزداد الكفاءة. إليكم أبرز الأفكار والقواعد الذهبية التي يكشف عنها لنا أسلوب التبسيط في مختلف مجالات الحياة.
1. لا يناسب التبسيط بعض الأفراد
أؤمن بأنَّ التبسيط يمكن أن يفيد الجميع، فكلٌّ منَّا يحتاج إلى مزيد من الوقت والمساحة والحرية لفعل ما يحب، والتقليل من الأمور التي تُفرَض علينا. الفوائد الجسدية والعاطفية والنفسية للتخلي عن عبء الفائض والتوقعات والسعي وراء اقتناء مزيد من الأشياء هائلة.
لكن، أحياناً لا تسمح ظروف الحياة باتخاذ قرار التغيير وخصيصاً في أوقات الأزمات المالية، أو الصحية، أو العائلية، أو المهنية، وفي مثل هذه الأوقات قد لا نملك الطاقة أو الاستعداد الذهني لتجربة شيء جديد.
لا شك أنَّ التبسيط، يحسِّن جودة الحياة، ولكن يحتاج تبنِّي هذا النهج إلى استعداد نفسي وعقلي للتغير، فإذا كنت تمرُّ بمرحلة صعبة أو لديك أولويات أخرى الآن، فلا تستعجل في الأمر، وعُدْ إلى فكرة التبسيط عندما تكون جاهزاً.
شاهد بالفيديو: 5 أفكار بسيطة تجعل حياتك أسهل بعشرة أضعاف
2. التبسيط ليس متعلقاً بالأغراض فقط
حين أكتب عن التبسيط، تصلني أحياناً تعليقات تتساءل: "كيف يمكنك العيش في بيت بجدران فارغة ومن دون ألوان؟"، لكنَّ الحقيقة أنَّ منزلي وحياتي مليئة بالألوان والجمال، ومع ذلك أُعِدُّ نفسي شخصاً بسيطاً (Minimalist).
أقصد أنَّ التبسيط لا يقتصر على الأغراض فقط. صحيح أنَّ التخلص من الفوضى والمقتنيات الزائدة، هي البداية لمعظم الناس، لكنَّه مجرد جزء صغير من الفكرة، فجوهر التبسيط هو أن تعيش حياتك من دون أن يستهلكك التفكير في الممتلكات.
بيتي مرتب وبسيط، لكنَّه ليس مثالياً. لديَّ عدد زائد من الأكواب في المطبخ، ويحتفظ أطفالي بكتب وألعاب لم يعودوا يستخدمونها، ولكن، لا تحدد هذه التفاصيل ما إذا كنَّا نعتمد مبدأ البساطة. لست مهووسة بعدِّ الأشياء في منزلي، ولا أهتم إن كان لون ديكور منزلك أبيضاً مع نباتات، أو جريئاً مليئاً بالألوان والزخارف. يتعلق التبسيط في جوهره بما تختار أن تملأ به حياتك، وليس فقط بيتك.
3. اعتماد أسلوب التبسيط مرتبط بالنية
السبب الذي جعلني أتجه إلى أسلوب التبسيط هو أنَّني أردت مزيداً من الوقت، والإثارة، والسهولة، والمساحة، والسعادة، والرضى، والسلام لكي أشبع من الحياة، وقد حققت كل ذلك من خلال تقليل ما أفكر فيه، واتخاذ خياراتي بحكمة. لقد اتخذت قرارات هادفة وواعية بشأن ما أريده من الحياة، واخترت ما أردت الاحتفاظ به أو إلغائه.
لم تكن الخطة تقليص حياتي إلى الحد الأدنى؛ بل الوعي بنوعية الحياة التي أريد أن أبنيها لنفسي ولعائلتي. كنت قد سئمت من الوضع الذي كنت أعيش فيه؛ لذلك أجريت تغييرات نوعية لتحسين نمط حياتي.
يقول الكاتب الأمريكي "جوشوا بيكر" (Joshua Becker): "التبسيط هو الاهتمام بالأشياء التي نُقدِّرها أكثر، والتخلص من أي شيء يشتت انتباهنا عنها".
4. تتطلب البساطة الشجاعة
لم أدرك ذلك في البداية، لكنَّ البساطة تتطلب الشجاعة؛ إذ يجب اتخاذ قرارات وإجراء تغييرات صعبة، والسير بخلاف تيار الحياة الحديث والمزدحم.
تتهافت علينا الرسائل التي تروِّج للحياة المزدحمة واقتناء مزيد من الأشياء، لدرجة أنَّ السعي وراء التقليل بات أمراً مخالفاً للثقافة السائدة، ففي البداية، ظن أصدقائي وعائلتي أنَّني غريبة الأطوار، وأنَّ تجربتي مع البساطة، ستنتهي قريباً، لكن لم يحدث ذلك.
تمسكت بخططي للتبرع بنصف ملابسي، وبعض ألعاب الأطفال، ومخزني المليء بالتوابل الغريبة والرائعة التي لم أطبخ بها أبداً، ومستحضرات التجميل التي لم أستخدمها قط. بسَّطتُ حياتي؛ لأنَّني كنت أعلم أنَّ فوائده على الأمد الطويل، تستحق العناء.
5. لا يمكن إجبار أحد على اتباع أسلوب التبسيط
على الرغم من أنَّني كنت مقتنعة بأسلوب التبسيط، لكن تعلمت ألَّا أفرض أهدافي على أي شخص آخر، وكنت أتمنى أن ينضم إليَّ زوجي عندما بدأت تجربتي مع التبسيط، لكنَّه لم يفعل ذلك قط. إنَّه يفهم فوائده، لكنَّه لم يشعر بالحاجة إلى اعتماده كما أفعل أنا.
لذا، على مَرِّ السنين تحدثنا عن التخلص من الأشياء وكيف أنَّ ذلك سيوفر المساحة والوقت لأشياء أخرى، وناقشنا كيف أردت أن أحسِّن حياتنا، وأوفر مزيداً من الراحة والسعادة، وأقلل مصادر القلق، مثل المسؤوليات المنزلية، والمهنية، والهموم الشخصية.
أصغى زوجي إلي، لكنَّنا اتفقنا في النهاية على اتباع نهج منفصل، أرتب فيه أنا أغراضي والأشياء التي تخصني أو تؤثر فيَّ شخصياً، وأترك أغراضه وشأنها، فإذا فرضتُ رأيي أو تخلصتُ من أغراضه دون موافقته، فسوف يرتد ذلك عليَّ حتماً، وسيزداد تمسكه بها.
التبسيط خيار شخصي، ويتطلب قلباً وعقلاً منفتحَين، ولا يمكن فرض أي من هاتين الصفتين على أحد.
6. يتطلب التبسيط التأمل الذاتي أكثر من الفعل
يتطلب التبسيط بعض العمل، والذي عادة ما يكون التخلص من الفوضى والأشياء، لكنَّني تفاجأت بكمية الوقت والطاقة التي قضيتها في التأمل الذاتي أكثر من القيام بعملية التخلص من الفوضى.
أصبح التخلص من الفوضى شائعاً للغاية؛ لأنَّه وسيلة رائعة للتخلي عن الأشياء التي تستنزف وقتنا وطاقتنا لجعل العناية بمنازلنا أسرع وأسهل، وقضاء وقت أقل في التنظيف، ومع ذلك، فإنَّ التبسيط هو أكثر بكثير من مجرد عملية التخلص من الفوضى.
ذكرنا أنَّ التبسيط يتعلق بنوايانا، لكنَّ معرفة خياراتك واتخاذ القرارات والأفعال التي تقوم بها نتيجة لذلك، ليست عملية لحظية؛ إذ غالباً ما يتطلب الأمر الوقت والجهد ومحادثات عميقة مع نفسك، وتجربة أساليب مختلفة والتعلم من الأخطاء.
التبسيط هو سؤال نفسك عن الأسباب التي تجعلك تريد أن تمتلك كذا، أو تشتري كذا، أو تفعل كذا، وتحديد ما تريده في الحياة، وما سيجعلها هادفة بالنسبة لك. لا يتعلق التبسيط بأشيائك إطلاقاً.
شاهد بالفيديو: 7 طرق بسيطة لجعل الحياة أكثر بساطة
7. أسلوب التبسيط ليس صارماً
غالباً ما يُصوَّر التبسيط على أنَّه أسلوب صارم وقاس وممل، ولكنَّني أراه خلاف ذلك تماماً. لو أني تابعت حياتي كما كانت قبل التبسيط، وواجهت مشقة الاعتناء بأسرتي مع وظيفة بدوام كامل دون أن أجد الوقت والطاقة لأي شيء آخر، أعلم أنَّني كنت سأشعر في داخلي بالفراغ والملل.
لقد كنت أؤمن أنَّ لدي مزيداً لأقدمه لنفسي وعائلتي والعالم؛ لذلك اخترت أسلوب التبسيط ليجلب الدفء والحب والطاقة والسعادة والحضور إلى حياتي.
كنت أبحث عن طريقة لأكون أفضل نسخة من نفسي؛ إذ أردت أن أكون أكثر تفاعلاً وهدوءاً وحماساً وطاقة، وأن أوفر مزيداً من الوقت لأقضيه مع أطفالي وأمنحهم كامل اهتمامي.
ساعدني أسلوب التبسيط على فهم ما كان يستنزف طاقتي، ويستحوذ على وقتي، ويثقل قلبي، ويملأ عقلي بالفوضى. يُعلِّم أسلوب الحياة هذا التعاطف والتشجيع واللطف وأهمية الفرح والامتنان والسهولة والسلام في عالم نادراً ما يوفر هذه الأشياء إلَّا إذا سعينا إليها عمداً.
يتعلق أسلوب التبسيط بقِيَمك ورؤيتك لحياتك، وليس بمظهر منزلك أو كمية الأشياء التي تمتلكها.
8. أسلوب التبسيط ليس بسيطاً
قد تعتقد أنَّ أسلوب التبسيط سهلاً: يكفي أن تتخلص من بعض الأشياء، وتدهن جدرانك بلون محايد، وتشتري نبتة أو نبتتين في أصيص، وترتدي الملابس نفسها كل يوم، وتتوقف عن شراء أشياء جديدة، وتبحث في أدراج مطبخك عن الأدوات الزائدة، وتشترك في مدوَّنة عن التبسيط، لكنَّ الأمر ليس كذلك.
أسلوب التبسيط ليس بسيطاً، وهذا أحد الدروس التي تعلمتها من التبسيط في حياتي المخصصة؛ إذ من الصعب أن تتأمل في حياتك، وتعرف ما الذي تريده منها وكيفية الوصول إليه، ويصبح الأمر أصعب إذا كان لديك عمل وعائلة وفواتير يجب دفعها، ولا يمكنك التوقف مؤقتاً لتفكر في خطوتك التالية.
أحياناً يجب أن تجري تغييرات صغيرة؛ بل حتى ضئيلة، وتأمل أن تقودك في الاتجاه الصحيح وتضع ثقتها فيها، وحتى مع ذلك، من الممكن أن تفقد الدافع، أو تشعر أنَّك تسير للمجهول، أو تعتقد لن تستفيد من الأمر.
عندما نتأمل في خياراتنا، والأشياء التي تراكمت في منازلنا، والأمور التي نتمنى أن نغيرها لكنَّنا نشعر أنَّنا لا نستطيع، قد يبدو الأمر صعباً ومربكاً ومخيفاً، فماذا لو ارتكبنا خطأً، أو اتخذنا قرار الخاطئ، أو لم نستمر؟ وماذا لو لم نرَ أو نشعر بالتغييرات بالسرعة الكافية، أو لم تكن لدينا الموارد لإجراء التغييرات التي نرغب بها؟
أسلوب التبسيط ليس بسيطاً، ولكنَّ الأهداف العظيمة تستحق الجهد المبذول. الحيلة هي إجراء تغييرات صغيرة بوعي ومراقبة الدافع وهو ينمو مع مرور الوقت.
9. أسلوب التبسيط مرتبط بالقِيَم
يتعلق أسلوب التبسيط بمخالفة المألوف، والتصرف بوعي وإدراك في الحياة وعند اتخاذ القرارات، والتحلي بالشجاعة للقيام بالأشياء قياماً مختلفاً، وبحب نفسك ومن حولك بما يكفي لتقدير ما يهمك أكثر.
يكمن هنا أحد أهم الدروس التي تعلمتها من أسلوب التبسيط خلال السنوات الماضية، وهو أنَّه مرتبط بقِيَمك، وترتيب أولوياتك في الحياة، وإيجاد طريقة لتقدير تلك الأولويات في حياتك اليومية، وذلك من خلال توفير مساحة لما يهمك من خلال التخلص من كل ما لا يهمك.
فكِّر في ما سيهمك بعد 5 أو 10 سنوات، وليس فقط غداً أو الشهر القادم: أين تريد أن تكون؟ وماذا تريد أن تحقق؟ ومع من تريد أن تقضي ذلك الوقت؟ وماذا تريد أن تفعل معهم؟ وكيف يؤثر أسلوب تفكيرك في نهجك في الحياة؟ وكيف تؤثر بوصلتك الأخلاقية في اختياراتك؟ وكيف تؤثر معتقداتك الأساسية فيما تعطيه الأولوية في يومك؟ وما هي الأمور الهامة والملحة، وكيف تميز بين الاثنين؟ وما مدى قوة تأثير ممتلكاتك فيك؟ وكيف يبرز جدولك الزمني أولوياتك؟
هذه مجرد أمثلة قليلة عن تأثير قيمك في اختياراتك في الحياة، فالبساطة تدور حول قيمك ورؤيتك لحياتك، وليس حول شكل منزلك أو كمية الأشياء التي تملكها في خزائنك.
4 خطوات للبدء في اعتماد أسلوب التبسيط
لا يقتصر التبسيط على التخلص من الأشياء المادية، بل هو منهج حياة. ابدأ رحلتك نحو الوضوح وتقليل الضغوط باتباع هذه الخطوات الأساسية والعملية.
1. التخلص من الفوضى في المنزل
التخلص من الفوضى هو خطوة أولى فعالة. أزِل بعض الفوضى لتوفر مساحة في منزلك وجدولك وقلبك وعقلك.
2. تدوين الأفكار
نحتاج أحياناً فقط إلى الجلوس والتأمل بدلاً من التصرف فوراً؛ لذلك، أدعوك لإحضار قلم وورقة، وتسجيل الأسباب والدوافع وراء رغبتك في اعتماد التبسيط.
3. ممارسة التخلي عن الأشياء
يبدو التخلص من الأشياء صعباً في عالم يشجعنا على زيادة ممتلكاتنا، لكنَّ التخلي يوفر مساحة في منزلنا وجدولنا وقلبنا وعقلنا؛ لذا تخلَّ عن الأشياء التي تعوقك وتقف في طريقك، واملأ تلك المساحة بأشياء تفائلك وتمنحك الفرح والسلام والقوة والإيجابية.
4. الشجاعة
لا يعد تطبيق الإجراءات وإحداث التغييرات في الحياة سهلاً، ويتطلب الثقة بالنفس والمثابرة والتحفيز، فإذا قررت تجربة التبسيط، امنحه الوقت ليؤتي ثماره. ابدأ بخطوات صغيرة، ولا تدع آراء الناس تثنيك، ولا تقارن نفسك بالآخرين؛ بل ابحث عن النسخة التي تناسبك من البساطة.
في الختام
لقد استمتعت بمشاركة هذه الدروس التسعة التي تعلمتها من أسلوب التبسيط. أسأل نفسك أيضاً: ما هي أكبر الفوائد أو الصعوبات التي واجهتها؟ وهل وجدت المصطلح غير جذاب في البداية، أم شعرت أنَّه مفيد فيما تحاول تحقيقه؟ وماذا تعلمت عن نفسك حين تخلَّيت عن الأشياء والفوضى في حياتك؟ وكيف تغيرت شخصيتك؟
أضف تعليقاً