ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة "أنتونيا كولنز" (Antonia Colins)، وتحدثنا فيه عن 3 خطوات يمكنك القيام بها إذا أردت تبسيط حياتك.
يكوِّن الناس انطباعات سلبية عن نمط الحياة البسيط (minimalism)، فيُقال إنَّه ممل، أو جامد، أو حتى مقيِّد. لكن في هذا المقال، أشارك 3 خطوات بسيطة يمكنك تجربتها إن لم تكن متأكداً بعد ما إذا كان التبسيط يناسبك، وستعرف في نهاية المقال أنَّ هذا النهج لا يقتصر على التخلص من الأغراض.
عندما يبدو أسلوب التبسيط مخيفاً
ربما قرأت أنَّ أسلوب التبسيط، يتمحور حول التخلص من المقتنيات والفوضى، وهو أمر ضروري لإفساح المجال لما هو أهم من أوانٍ إضافية أو كومة ملابس لا ترتديها وتكدسها في أسفل الخزانة.
لكن، ماذا لو لم تكن مستعداً للتخلص من الأشياء؟ أو ربما تشعر أنَّ الفكرة غير مريحة أو حتى مُربِكة حالياً؟ إن كنت تشعر بذلك، فلا غرابة في ترددك تجاه التبسيط، فإذا كانت فكرتك عنه تتمحور فقط حول التخلص من الأغراض، فهل يمكن فعلاً أن يُحدث فرقاً في حياتك؟ وماذا لو احتجت إلى تلك الأشياء لاحقاً؟ وكيف تقرر ما يجب التخلص منه؟ وهل التبسيط يعني أنَّك ستعيش حياة فارغة أو مقيَّدة؟
جميع هذه الأسئلة شائعة ومفهومة، لكنَّها قد تضللك، فصحيح أنَّ التبسيط، يتضمن إزالة الفوضى، لكنَّه أكثر من ذلك بكثير.
سأُشارك في الفقرات القادمة بعض الاقتراحات التي تساعد على فهم التبسيط من منظور جديد، لكي تشعر بالراحة وأنت تختبره بأسلوبك المخصص، ليس بهدف التخلص من كل شيء؛ بل لتقترب أكثر من الحياة التي لطالما أردتها.
شاهد بالفيديو: 7 طرق بسيطة لجعل الحياة أكثر بساطة
مقاربة مختلفة للتبسيط
تجنَّبت لسنوات طويلة استخدام كلمة "التبسيط"، فقد كان وقعُها عليَّ بارداً وصارماً، ولا يشبه نمط الحياة الواقعي الذي أعيشه بصفة أم منشغلة، مع زوج يحب الاكتناز، وأسرة دائمة الحركة؛ لذا لم تبدو فكرة التخلص من الأشياء أو تقليل ممتلكاتي وسيلة فعالة لتعزيز الحب والفرح في حياتي؛ بل بدت وسيلة قد تؤدي إلى الحرمان والإرهاق.
لكنَّني اكتشفت لاحقاً أنَّ التبسيط، لا يعني الحرمان والالتزام بأسلوب حياة صارم؛ بل تبيَّن أنَّه من أفضل التجارب التي خضتها مع أسرتي.
صحيح أنَّ التبسيط ساعَدَني على إزالة الفوضى من منزلي وتقليل المقتنيات، لكنَّ الأثر الأكبر، لم يكن في عدد الأشياء التي تخلصتُ منها؛ بل في ما أضافه إلى حياتي نتيجة لذلك، فقد منحني التبسيط وقتاً أكثر، وطاقة وحرية أكبر، ومالاً أوفر، وضغطاً أقل. لا تزال التحديات موجودة، لكنَّ طريقتي في التعامل معها تغيرت، والفضل في ذلك يعود بدرجة كبيرة إلى أسلوب التبسيط.
التبسيط بلُطف وتعاطف
يعني نمط الحياة البسيط العيش بوعي، وإدراك ما تضيفه إلى حياتك وما تلغيه منها، والتمييز بين ما يسبب لك الفوضى، وما يُضفي قيمة وسلاماً، واتخاذ قراراتك بناء على ما يخدمك، لا على العادات، أو الخوف، أو التعلق.
لهذا، أود أن أشارك مقاربة مختلفة عن هذا الأسلوب، قائمة على اللطف والتعاطف، وتجربة تحررك لا تقيدك، وتملأ حياتك بما يهمك ولا تُفرغها.
تعلَّمت من خلال رحلتي الشخصية أنَّ التبسيط، ليس قراراً صارماً؛ بل تجربة خطوات بسيطة بالتدريج، فلا يوجد أسلوب واحد يناسب الجميع؛ بل لكلٍّ منا رحلته تجاه حياة أكثر صفاء وسهولة، وربما تمرُّ بتجارب وأخطاء، لكنَّ المفتاح هو أن تُقبل على هذه الرحلة بقلب منفتح ونية صادقة.
3 خطوات يمكنك القيام بها إذا أردت تبسيط حياتك
إليك بعض الخطوات اللطيفة لتجربة نمط الحياة البسيط بنفسك. جرِّب واحدة منها، أو جميعها، لمدة أسبوع أو شهر، وانظر كيف ستشعر، ليس هناك حاجة إلى الاستعجال، فغالباً ما تُحدث الخطوات البطيئة أثراً أعمق وأكثر ثباتاً على الأمد الطويل.
1. التوقف عن الشراء العاطفي
لا أقصد بذلك شراء الطعام أو الضروريات،؛ بل أعني التسوق بدافع الملل، أو الوحدة، أو الغضب، أو التوتر.
لا تذهب إلى المتاجر، وابتعِد عن مواقع التسوق الإلكتروني، وأخْفِ بطاقاتك المصرفية إن لزم الأمر. أبعِد نفسك عن إغراءات الشراء، ثم لاحِظ الفوائد التي ستعود عليك، فقد توفر بعض المال، أو تقلل من تكديس المقتنيات، وقد تكتشف أنَّ ما تحتاج إليه موجود فعلاً في منزلك، فتجد بدائل أفضل لقضاء وقتك ومالك والتعامل مع تقلباتك العاطفية.
اكتب في مفكرتك: متى تشعر برغبة في الشراء؟ وما الذي تحس به؟ وما الذي تتوقع أن يمنحك إياه التسوق؟ وما الذي يمكنك فعله بدلاً من ذلك؟
لا يعني تبسيط الحياة الامتناع تماماً عن الشراء أو الترفيه، فكثير من أتباع هذا النهج، يحبون التسوق، لكنَّهم يفعلونه بوعي وهدف، فلا يشترون بعد مشاهدة إعلان جذاب أو نتيجة فراغ داخلي؛ بل لأنَّ الغرض يخدم حياتهم ويُضفي عليها قيمة.
2. تقييد استخدامك لوسائل التواصل الاجتماعي
اعلمُ أنَّ التخلي عن وسائل التواصل بالكامل، قد يبدو صعباً لبعضهم؛ لذا أقترح التخفيف من استخدامها فقط، وإن استطعت حذف التطبيقات من هاتفك ولو مؤقتاً، فذلك سيكون له أثر كبير.
تكمن إشكالية وسائل التواصل في أنَّها تشتت الانتباه، فتسرق وقتنا، وتجعلنا نُقارن حياتنا بالآخرين، وتُبعدنا عن أنفسنا.
لذا، خفِّف من استخدامها، وركِّز على حياتك بدلاً من مراقبة حياة الآخرين، وأظهِر فضولك بشأن ذاتك من خلال طرح الأسئلة التالية:
- كيف يمكنك استثمار وقتك جيداً؟
- كم ساعة وفَّرت بعد تقليل الوقت الذي تقضيه أمام الشاشات؟
- متى تشعر برغبة في التصفح؟ مساءً مثلاً؟ وماذا لو استبدلت ذلك بروتين استرخاء قبل النوم؟
- كيف تعتني بنفسك بدلاً من الغيرة وتمني أن تكون مكان غيرك؟
يساعدنا التبسيط على الامتنان لما نملك بدل الطمع والسعي خلف ما نراه لدى غيرنا، فهو لا يُقصي الطموح؛ بل يُوجِّهه ليكون نابعاً من وعي داخلي لا من مقارنة خارجية.
|
مواقع التواصل الاجتماعي ضرورية لاكتساب المعلومات، والاستلهام من الآخرين، والتواصل، لكنَّك يجب أن تستخدمها بوعي وهدف لتستفيد منها. |
3. توضيح أولوياتك
يعرف أتباع نهج التبسيط أولوياتهم في الحياة، ويحترمونها ويلتزمون بها، من خلال توفير الوقت، أو رفض ما لا يخدمهم، أو الرعاية الذاتية واتباع العادات الصحية.
اسأل نفسك: متى كانت آخر مرة راجعتَ فيها أولوياتك، وهل تمضي حياتك بلا تخطيط، وتتحكم فيك قوائم المهام؟ وهل تاهت أولوياتك وسط أولويات الآخرين؟
يتطلب نمط الحياة البسيط العيش بوعي؛ لذا اعرف ما يحفزك ويبهجك ذهنياً وعاطفياً، لا مادياً فقط، وتذكَّر الأشخاص والأشياء التي تهمك في حياتك، وامنحها وقتك واهتمامك، فحين تعرف ذلك، يسهل تمييز الفوضى من غيرها.
في الختام
آمل أن تكون هذه الخطوات الثلاثة قد ألهمتك لتجربة التبسيط، وكما ذكرتُ في بداية المقال، فإنَّ نمط الحياة البسيط، لا يقتصر على التخلص من الأشياء، ولهذا السبب لم أدرج "التخلص من الفوضى" ضمن هذه الخطوات الثلاثة.
أتمنى أن تدرك أنَّ للتبسيط تأثيراً أعمق بكثير من مجرد ترتيب المنزل (مع أنَّ ذلك جميل أيضاً).
لا توجد طريقة واحدة تناسب الجميع لتطبيق التبسيط، وليس ثمة قاعدة صارمة يجب اتباعها؛ إذ يمكنك أن تُعرِّفه كما تشاء، بطريقة صارمة أو مرنة، ولكن، ما يهم هو أن تلتزم بالمبادئ الأساسية وهي: الوعي بما يُثقلك ويبعثر حياتك، ومعرفة ما يعينك ويضيف قيمة حقيقية إليها، ثم اتخاذ خطوات تحترم ما يهمك حقاً، سواء اخترتَ العيش في منزل خالٍ من الأثاث بجدران بيضاء، أم احتفظتَ بطقم إضافي من الأكواب في مطبخك، فالأمر يعود إليك.
حين تفكر في التبسيط، لا تسأل نفسك كم بنطال يجب أن تملك، أو هل سطح الطاولة مزدحم جداً؛ بل اسأل:
- كيف ترى حياتك؟
- مَن أبرز الأشخاص في حياتك؟ وما الأشياء التي تملؤها؟
- هل تشعر بالرضى والسعة؟ أم بالضغط والانشغال المُرهِق؟
- ما الذي يحفزك؟ وما الذي يُثقل كاهلك؟
- ما الأمور التي تُهمك فعلاً؟ وما الذي لا يعدو كونه فوضى؟
- لماذا تتمسك بأشياء لا تستخدمها؟
- هل تعيش الحياة بحق؟ أم أنَّك بالكاد تحيا؟
ختاماً، أردتُ عمداً ألَّا أركز في هذا المقال على مشاريع التخلص من الفوضى، لأُبرز أنَّ التبسيط ليس مجرد "تقليل"؛ بل هو دعوة للانتباه والوعي لطريقة إنفاقك، وما تشاهده على الإنترنت، وأولوياتك وقِيَمك الحقيقية.
يتضمن التبسيط –بطبيعته– امتلاك واختيار أشياء أقل؛ لذا فإنَّ التخلص من الفوضى، يبقى خطوة محورية، وغالباً ما يكون أول خطوة نشعر بأثرها بوضوح.
أضف تعليقاً