فهم مفهوم البساطة في الحياة
تُعرِّف فلسفة الحياة البساطة على أنَّها نهج يبسط جوانب الحياة المختلفة، ويركز على الأشياء الجوهرية فقط، وهي الأولويات في الحياة وتكون عادة العلاقات الاجتماعية والصحة النفسية والجسدية والنمو الشخصي وتعزيز الإبداع، فتوجَّه الطاقة والموارد على تلك الأولويات، ويُتخلَّص من الأشياء الفائضة، كالمعلومات الزائدة أو استخدام التكنولوجيا غير المفيد، وبعض المقتنيات أيضاً لحقق الصفاء الذهني، فتجد مساحة للتنفس والإبداع.
البساطة فلسفة قديمة
لا تعد البساطة بوصفها فلسفة وليدة التطور والعصر الحالي؛ بل فلسفة قديمة تجلَّت بأشكال مختلفة، فهي في الفلسفة الرواقية عند اليونان وروما التركيز على أنَّ السعادة الحقيقية تأتي من داخل الإنسان وتركيز الطاقة على ما يمكن التحكم فيه كالأفكار والأفعال، أمَّا ما لا يمكن التحكم فيه كالأحداث الخارجية فيجب تقبلها بهدوء.
وفي الفلسفة الأبيقورية لدى اليونان هي السعي وراء السكينة وراحة البال والتخلص من الرغبة بالثروة والسلطة، أمَّا في الفلسفة الكلبية، فهي عودة الإنسان إلى الطبيعة ورفض الأعراف والممتلكات والثروات، وفي الفلسفة البوذية هي الزهد وتخلي الإنسان عن رغباته وتعلقه بما يمتلك، وتعتمد البساطة بوصفها فلسفة على وعي الإنسان باللحظات الحالية دون التركيز والقلق على الماضي أو المستقبل.
كيف تعزز البساطة رفاهيتنا؟
تمنح فلسفة الحياة القائمة على البساطة الإنسان رفاهية لا تمنحه إياها الممتلكات والثروات، وذلك من خلال ما يأتي:
1. البساطة طريق للسلام الداخلي
تعد البساطة في الحياة اليومية أداة تمهِّد الطريق للسلام الداخلي، وذلك من خلال ما يأتي:
- التخلص من الفوضى المادية الناتجة عن وجود ممتلكات ومقتنيات يصعب تنظيمها، فلا وجود للطاقة والجهد اللازم لذلك، كما أنَّ البيئة المادية المزدحمة تؤثر سلباً في الصفاء الذهني، فغيابها يعني غياب الضغط والتوتر.
- التخلص من الأعباء المالية الناتجة عن السعي المستمر تجاه مزيد من الممتلكات والتجارب ، فالبساطة توفر الشعور بالأمان المالي؛ لأنَّها تركز على العيش مع تجنب الديون والمصاريف غير الضرورية.
- تجنُّب الالتزامات غير الضرورية الاجتماعية والمهنية يسمح للإنسان بالتفكير براحة والتواصل الحقيقي والسيطرة على الوقت.
- التركيز على الحياة والقيم المخصصة بعيداً عن المقارنات التي تولِّد الشعور بالنقص وعدم الرضى والحسد، بالتالي الوصول إلى القناعة وهي أساس السلام الداخلي.
- يعزز تقليل استخدام التكنولوجيا والتطبيقات الرقمية التي تشتت الانتباه الحضور الذهني والتركيز على اللحظة الحالية.
- كل شيء نمتلكه أو معلومة نستهلكها تحتل مكاناً في العقل، والتقليل من تلك الأشياء يهدِّئ الضجيج الداخلي، فيسترخي العقل ويركز على القرارات والمواقف الحالية.
- تعزيز اتصال الإنسان بذاته؛ لأنَّ إزالة الفائض توجِّه الاهتمام للقيم والأولويات الحقيقية، فتقل الانشغالات الخارجية، ويصبح لديه مساحة للتأمل وغيرها من الممارسات التي تزيد معرفة النفس.
شاهد بالفيديو: 7 طرق بسيطة لجعل الحياة أكثر بساطة
2. البساطة بوصفها أداة لتحسين الصحة النفسية
تحسن فلسلفة الحياة البسيطة إن استُخدِمَت بوعي الصحة النفسية، ويتم ذلك من خلال ما يأتي:
- تقليل مصادر التوتر المزمن؛ إذ يقلل تقليل المقتنيات الغالية التوتر بشأن صيانتها والخوف من فقدانها والقلق بشأن نفقات شرائها، وذلك التوتر خطر على صحتنا النفسية؛ لأنَّه يولِّد الاكتئاب واضطرابات النوم وصعوبة الإحساس بالهدوء.
- تقليل القلق الناتج عن المقارنات الاجتماعية السلبية والتي تزداد بالتأثر في وسائل التواصل الاجتماعي واستهلاك معلومات غير مفيدة والخوف من فوات الشيء الذي يمنع اليقظة الذهنية، بخلاف البساطة التي تعززها وتمنح العقل الهدوء.
- تحسين المزاج؛ لأنَّ الحياة البسيطة تساعد على تحرر الوقت، فتركز على العلاقات الإيجابية والنشاطات المسلية والمفرحة، وتبعدك عن العزلة الاجتماعية وتزيد الشعور بالرضى، وجميع ما سبق يساعد على محاربة الاكتئاب وتحقيق التوازن بين الحياة والعمل وتجنب الوصول إلى الاحتراق الوظيفي.
البساطة في الحياة اليومية
نتبنَّى فلسفة الحياة التي تقوم على البساطة من خلال اتباع ما يأتي:
كيفية تبنِّي أسلوب الحياة البسيطة؟
- السؤال ببساطة عن الدوافع الحقيقية، فهل هي تقليل التوتر؟ أم توفير المال؟ أم قضاء أكبر وقت مع أصدقائك وعائلتك؟ أم تعزيز فهم الذات؟ تعد تلك الأسباب المحفز الرئيس لك.
- البدء التدريجي، فلا تحرم نفسك من أشياء كثيرة زعماً أنَّ ذلك يحقق لك الحياة البسيطة؛ بل ابدأ بجانب واحد كأن تتخلص من الألبسة والأحذية والاكسسوارات الزائدة بالتبرع بها مثلاً، وتتبنَّى نظرية "واحد يدخل وواحد يخرج" فكلما اشتريت شيئاً جديداً تتخلص من شيء بالمقابل، وكذلك الأمر بالنسبة للتطبيقات الرقمية والتكنولوجيا؛ لذا حدِّد أوقات تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، ثم قلِّل وقت استخدام مختلف التطبيقات.
- التقليل من الاستهلاك غير الواعي؛ لذا اسأل نفسك عن سبب شراء أي شيء وتتأكد من وجود حاجة له، وركِّز على الجودة وليس على الكمية.
- مراجعة التغيرات باستمرار للتأكد من أنَّ الأشياء التي تمتلكها تلبي احتياجاتك، وفي حال وجود زوائد تخلَّص منها لتحقيق مزيد من البساطة.
البساطة في العلاقات: كيف نعيش حياة أقل تعقيداً؟
من خلال مجموعة من الخطوات:
- استثمار الطاقة والوقت في تقليل العلاقات غير المناسبة والسلبية وبناء شبكة علاقات إيجابية وعميقة، من خلال التفكير بالأشخاص والعلاقات التي تملكها وتسأل نفسك "مَن يرفع معنوياتك؟ مَن يقلل من شأنك؟ مَن يشعرك بالحزن أو يجلب السلبية؟" لتحدد العلاقات السامة وغير المفيدة ولا تعتقد أنَّ هذا الأمر سلبية؛ بل هو منح الذات ما تستحقه وإبعادها عما يستنزف الطاقة والصحة النفسية.
- التواصل الصادق المبني على التعبير عن الاحتياجات والمشاعر بوضوح وتجنُّب التلميحات والاعتقاد بأنَّ الأخرين يفهمون ما تريد، وكذلك الاستماع الفعال لمعرفة ما يريده الآخرون منك، ولكن لا تدخل في النميمة؛ لأنَّها تبعدك عن البساطة ولا تستخدم الهاتف بكثرة وغيره من المشتتات التي تمنعك من الحضور الكامل مع أحبائك.
- وضع الحدود التي تحميك من الآخرين من خلال تعلمك قول "لا" عندما يُطلب منك شيئاً لا يتناسب مع قيمك.
- عدم توقع أن يكون الآخرون مثاليين؛ بل يجب تقبُّل الناس كما هم سواءً عائلتك أم أصدقائك أم شريكك العاطفي، لتجنب الصدمة وخيبة الأمل.
- عدم تبنِّي طريقة تفكير ووجهات نظر لا تشبهك لتثير إعجاب الآخرين، ولكن في الوقت ذاته تخلَّص من العيوب والأشياء التي تسيء من خلالها للآخرين كالغضب، وذلك لتحقيق السلام النفسي أيضاً.

البساطة بوصفها وسيلة للوصول إلى السعادة الحقيقية
تكشف لنا البساطة بوصفها فلسفة أنَّ السعادة الحقيقية ليست بالتعقيد؛ بل في العيش البسيط الهادف، وفيما يأتي توضيح لذلك:
السعادة في البساطة
يرتبط العالم اليوم بالتكنولوجيا والعلاقات غير الواقعية وبما تمتلك من أملاك ومقتنيات ثمينة ومميزة، ولكنَّ السعادة الحقيقية تكمن في الحياة البسيطة التي تتخلى فيها عن السعي تجاه المال أو السلطة أو المكانة الرفيعة والمميزة أو الممتلكات الكثيرة والتي تجلب جميعها التزامات لا تنتهي، فتحمِّلك عبء الحفاظ عليها واستثمارها جيداً والخوف من فقدانها.
بينما تدفعك البساطة للتركيز على العلاقات الدافئة والاستمتاع بما تملك من أشياء بسيطة خارجية أو داخلية والتركيز على ما يسعدك من نشاطات وما يغذِّي روحك من معلومات وأفكار.
ولكن في الوقت ذاته ليس حرمان؛ بل هو اقتناء كل ما يلبِّي احتياجاتك ويجعل حياتك أسهل، ويتم ذلك من خلال التمييز بين الأشياء الضرورية والأشياء الزائدة التي لا ينفع وجودها ولا يضر.
كيف تجعل البساطة جزءاً من حياتك اليومية؟
تصبح البساطة في الحياة اليومية جزءاً طبيعياً دون إجراء تغييرات جذرية، وذلك من خلال النصائح التالية:
- تنفَّس بعمق لمدة 5 دقائق أو مارِسْ التأمل، ثم حدِّد هدفاً أو نيَّة في هذا اليوم كأن تقول "سأنجز مهمة معيَّنة في عملي اليوم"، ومن ثم يمكنك تفقد الهاتف.
- رتِّبْ المكان قليلاً لكي لا تتراكم الفوضى في المنزل، كترتيب السرير وأطباق الفطور وإعادة الأشياء التي استخدمتها إلى مكانها.
- رتِّبْ مهامك واعمل على الأهم منها ولا تعمل على عدة مهام في الوقت ذاته تجنباً لتشتت الذهن وضياع الوقت.
- خذ استراحات صغيرة لعدة دقائق ومارِسْ الاسترخاء والتنفس العميق خلالها لتقليل التوتر والإرهاق.
- قل "لا" للمهام او الطلبات التي تسبب ضياع وقتك أو التي لا تتماشى مع أولوياتك.
- خصِّصْ وقتاً للاطلاع على البريد الإلكتروني في حال كان عملك مرتبطاً به.
- تناوَل وجبتك، ثمَّ فكِّر بروتين لما تبقَّى من يومك واحرص على أن تكون نشاطات المساء مهدِّئة وخصيصاً قبل النوم، كأن تقرأ أو تستمع للموسيقى وتمارس تمرينات تمدُّد لتحظى بنوم عميق.
- امتن كثيراً خلال يومك وقبل النوم حتى إن عشت أشياء سلبية، وتذكَّر عدة أشياء إيجابية وقدِّرها وامتن لحدوثها كأن تنجز مهامك وتجلس مع عائلتك وتستمتع بوجبات لذيذة.
في الختام
لا تعد الحياة البسيطة قراراً مفاجئاً تتخذه بلحظة؛ لأنَّ البساطة بوصفها فلسفة هي سبيلك للتخلص من عبء الحياة الثقيل على النفس، فهي توصلك إلى السعادة الحقيقية؛ لذلك تحدثنا في مقالنا عن كيفية تطبيق البساطة في الحياة اليومية.
أضف تعليقاً