8 مغالطات منطقية تفسد تفكيرنا

لنكن واقعيين، ليست معظم المقررات الدراسية التي ندرسها في الجامعة ذات فائدة تُذكَر؛ ليس لأنَّ الأساتذة سيئون، أو لأنَّ الكتب لا طائل من ورائها؛ لكن هذه هي طبيعة الحال أحياناً، وبتعبير أدق: معظم المقررات الدراسية التي نتعلمها بعيدة كل البعد عن حياتنا على أرض الواقع.



لكنَّك ربما ستصادف بين الفينة والأخرى مقالة أو دورة تدريبية تؤثِّر إلى حد كبير في حياتك، والجامعة خير مثال على ذلك؛ فقد يكون أحد مقرراتك أعظم الدروس التي تكتسبها على الإطلاق.

تخيَّل أن تعثر بينما تقلِّب صفحات كتاب ما على عبارة تقول: "في كل مرة يصل فيها القطار إلى المحطة، يكون هناك العديد من الركاب على الرصيف بانتظاره؛ لذا عندما تصل أنت إلى المحطة يوماً ما فتجد عدداً كبيراً من الركاب منتظرين على الرصيف، هل يعني هذا أنَّ القطار سيصل قريباً؟".

سيجيب معظم الناس بالإيجاب؛ لكنَّهم يُصعَقون لمعرفة أنَّ الجواب مغاير لذلك؛ حيث لا يعني تزامن وصول القطارات مع اصطفاف العديد من الركاب أنَّ تجمهرهم سينتج عنه وصول القطار دوماً.

لهذه الحقيقة وقع صادم فعلاً، حتى أنَّ الكثيرين قد يشككون في صحتها، في حين يقف آخرون محاولين إيجاد تفسير منطقي يربط بين القطار والزمن والركاب؛ ولفهم المثال المذكور آنفاً، إليك بعضاً من المبادئ الرئيسة للتفكير:

  • لا يحتِّم تزامن وقوع أمرين في أغلب الأحيان وقوعهما معاً دائماً.
  • لا يعني مجرد كون خط الاستدلال بديهياً أنَّه صحيح، فغالباً ما يكون المنطق مخالفاً للتوقعات.

يُبنَى الجزء الأكبر من  المعارف البشرية على المنطق، لذا أتحفَنَا الفلاسفة على مر القرون بالعديد من الكتب، وحللوا وحددوا المبادئ التي تعرِّف المنطق والعقل، وكانوا يطمحون دوماً إلى تمييز الأشياء الحقيقة عن نظيرتها الوهمية.

لا يدرك معظم الناس أنَّ المغالطات المنطقية -أي الأخطاء في الحكم والاستدلال- شائعة إلى درجة كبيرة في الحياة المعتادة؛ والأسوأ من ذلك، أنَّنا لا ندرك في الغالب كيف لها أن تعرقل حياتنا، وتلحق بها الضرر الأكبر.

هذه المغالطات واضحة وضوح الشمس؛ لكنَّنا قانعون تماماً بعمليات التفكير خاصتنا التي تعمي أبصارنا عن تلك الحقيقة؛ لذا سنستعرض في هذا المقال بعض المغالطات المنطقية الأكثر شيوعاً، ونعلِّمك كيفية اكتشافها في نفسك وفي الآخرين على حد سواء:

1. لا يقتضي الارتباط السببية:

دعونا نبدأ بواحدة من أكثر المغالطات التي يجب توضيحها، والتي يغفلها معظمنا؛ ألا وهي أنَّ الارتباط لا يقتضي السببية: أي لا يعني حدوث شيئين معاً بصورة منتظمة أنَّ أحدهما سبب للآخر.

افترض جدلاً أنَّك تناولت المثلجات، وبعدها خسرت وظيفتك في اليوم نفسه، وافترض أنَّ صديقك خسر وظيفته سابقاً في اليوم نفسه الذي تناول فيه المثلجات؛ فهل يعني هذا أنَّ تناول المثلجات هو السبب الذي يجعل الناس يخسرون وظائفهم؟ يا لها من قوة خارقة تمتلكها المثلجات إذاً!

كثيراً ما نقرأ مقالات إخبارية تعلن عن أشياء مثل: "تسبب وسائل التواصل الاجتماعي القلق والاكتئاب"، أو "البطالة ناتجة عن رفع الحد الأدنى للأجور"؛ لكن عند البحث في البيانات، وجد الباحثون أنَّها ارتباطات، وليست علاقة سببية.

يزداد القلق والاكتئاب، ويزداد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق أوسع؛ لكنَّ هذا لا يعني أنَّ أحدهما قد تسبب بحدوث الآخر؛ إذ يمكن أن تكون مصادفة، أو تدخُّل قوة مجهولة تسببت في حدوث كليهما؛ ويمكن أن نعزو السببية إلى أمر آخر هنا، فمثلاً: يمسي الناس أكثر اكتئاباً في هذه الأيام، لذا يجدون العزاء في وسائل التواصل الاجتماعي في كثير من الأحيان، فيقضون أوقاتاً أطول عليها.

إنَّ وقوع أمرين في الوقت نفسه، ليس دليلاً على أنَّ أحدهما قد تسبب في حدوث الآخر؛ وتُعدُّ هذه مشكلةً كبيرةً في البحث الأكاديمي، فكثيراً ما يقدِّم العلماء البيانات بطريقة تشير إلى وجود علاقة سببية، بينما يكون كل ما وجدوه في الحقيقة علاقة ارتباط؛ وحتى إذا لم يعرضوا الأمر بتلك الطريقة، فغالباً ما يأخذ الصحفيون البيانات المتعلقة بالارتباطات ويحرِّفونها لتصبح كما لو أنَّها علاقة سببية.

في الحقيقة، تحدث الكثير من الأشياء في الوقت نفسه دون أن يكون لدينا أدنى فكرة عن السبب، ويمكنك إن أردت المجادلة بأنَّ معظم علاقات الارتباط مماثلة للسببية؛ لكن في الواقع، يوجد موقع ويب مختص بهذا الأمر يُسمَّى سبيريوس كوريليشنز (Spurious Correlations)، الذي يعني في العربية (ارتباطات زائفة)؛ حيث يعرض هذا الموقع العديد من حالات الارتباط البعيدة كل البعد عن العلاقة السببية.

على سبيل المثال: إليك العلاقة بين أفلام الممثل الأمريكي نيكولاس كيج (Nicolas Cage)، والوفيات الناجمة عن الغرق في المسابح:

العلاقة بين أفلام الممثل الأمريكي نيكولاس كيج (Nicolas Cage)، والوفيات الناجمة عن الغرق في المسابح

مثال آخر: إليك العلاقة بين استهلاك الجبنة، وعدد الأشخاص الذين قتلتهم ملاءات أسرَّتهم:

العلاقة بين استهلاك الجبنة، وعدد الأشخاص الذين قتلتهم ملاءات أسرَّتهم

2. مغالطة المنحدر الزلق:

ربما سمعت بعبارة مثل: "لا يجب السماح للمراهقين بالخروج مع أصدقائهم؛ ذلك لأنَّهم إن اعتادوا السهر والتسكع معهم، فقد ينتقلون إلى تعاطي المخدرات؛ وإن تعاطوا المخدرات، فسيتحولون إلى مجرمين؛ وإن أصبحوا مجرمين، فسينتهي بهم الأمر في السجن وتُدمَّر حياتهم؛ ومن هنا نستنتج: أنَّ السماح للمراهقين بالخروج مع أصدقائهم سيدمر حياتهم".

تأخذ مغالطة المنحدر الزلق إحدى النتائج السلبية البسيطة وتربطها بنتيجة سلبية مشابهة، لكنَّها أشد، ثم تجادل بأنَّ إحداهما ستؤدي إلى الأخرى؛ ونجد هذه المغالطة في مختلف الأماكن، لاسيما داخل مؤسسات الأعمال والسياسات الخارجية والوالديَن المصابَين بجنون الارتياب.

لكن في الحقيقة، لا يؤدي خروج المراهقين مع أصدقائهم بالضرورة إلى تعاطي المخدرات، ولا يصبح جميع من يتعاطى المخدرات مدمناً دون استثناء، ولا يتحول جميع المدمنين إلى مجرمين، ولا يدمر جميع المجرمين حياتهم؛ فقد يتوب بعضهم ويستعيد حياته من جديد؛ لذا لا يمكننا ربط فعل بسيط يقوم به مراهق بأحداث كارثية متعاقبة، وتدمير حياته في النهاية؛ فضلاً عن أنَّ البيانات التي تُظهر أنَّ المراهقين الذين يخرجون بكثرة مع أصدقائهم هم أكثر عرضة بمقدار معيَّن لتعاطي المخدرات محض مغالطة؛ إذ إنَّ الارتباط لا يقتضي السببية.

غالباً ما تُفسد مغالطة المنحدر الزلق حياتنا؛ ذلك لأنَّها تولِّد فينا كماً كبيراً من مشاعر الخوف والقلق غير المبرَّرة؛ فنجد أنفسنا قد أخفقنا في مَهمَّة أُوكِلت إلينا في العمل، مما يُغضب المدير، وننجرف في دوامة من الأفكار: "حسناً، إذا كان المدير غاضباً، فسيكرهني؛ وإن كرهني المدير، فسيطردني؛ وإذا طُرِدت، فسأصبح بلا مأوى. رباه، لا أريد أن أمسي مشرداً".

أبعد عنك هذه المخاوف غير المبررة، وكُفَّ عن هذه الدراما السخيفة التي تبتدعها مخيلتك.

إقرأ أيضاً: التفكير بلا جدوى!

3. مغالطة المأزق المفتعَل:

توجد بعض أنواع الجدالات التي تسمح بوجود خيارَين فقط، كأن نقول على سبيل المثال: "يوجد نوعان من الأشخاص في هذا العالم: أشخاص يُدعَون زيد، وآخرون لا يُدعَون زيد"؛ وهذا تقسيم حقيقي، أو تقسيم على احتمالين: إما أن يكون اسمك زيد أو لا.

تحدث مغالطة المأزق المفتَعَل عندما نقدِّم خياريَن فقط، مع أنَّ الخيارات مفتوحة أمامنا؛ فعلى سبيل المثال: نقول: "يوجد نوعان فقط من الناس في العالم: أشخاص يُدعَون زيد، والباقون حمقى"، فنضع أنفسنا هنا في مغالطة المأزق المفتَعل، كون هذين الخيارَين لا يشتملان على جميع الخيارات المتاحة؛ إذ يوجد الكثيرون ممن ليس اسمهم زيد وليسوا حمقى، كما يوجد الكثيرون الذين يُدعَون زيد وقد يكونون حمقى كلياً.

تُستخدَم مغالطة المأزق المفتعل للتلاعب بالناس كي يناصروا المتحدث، فغالباً ما تسمع السياسيين أو المسؤولين يقولون: "إما أن تكون معنا أو ضدنا" كوسيلة لإجبار الناس على اتباعهم، لكنَّ هذا مأزق مفتعل؛ إذ يمكن أن تكون حيادياً، أو تتحالف معهم جزئياً، أو تكون ضدهم جزئياً؛ كما تستطيع أن تكون ضد الجميع؛ فلا تنجر وراء تلك المغالطة.

غالباً ما تؤذينا مغالطة المأزق المفتَعَل عندما نطلب الحكم على أنفسنا، فنحن غالباً ما نقول أشياء لأنفسنا مثل: "إذا اجتهدت بعملي، فلن أكون من الخاسرين"؛ لكنَّك تعرف تمام المعرفة أنَّك قد تفشل، مهما عملت بجد في أمر ما؛ كما تدرك جيداً أنَّك قد لا تعمل بجد في أمر آخر، وتكون من الناجحين؛ ففي الواقع، الخسارة والعمل بجد أشياء اعتباطية تماماً، وأنت من يضعها في إطار مغالطة المأزق المفتعَل؛ فلمَ تسمح لتلك المشاعر السيئة إذاً بالتأثير فيك؟

4. مغالطة التماس السؤال:

تحدث هذه المغالطة عندما تستند محاججة أحدهم على افتراضاته الخاصة لإثبات صحة قضيته، كأن تقول مثلاً:

  • كل ما تضمَّنته تعاليم أرسطو صحيح تماماً؛ لأنَّه أكَّد ذلك.
  • زوجي أدرى دائماً بمصلحتي؛ لأنَّه أخبرني أنَّه يعلم مصلحتي، وهو دائماً على حق.
  • فلان أحمق؛ لأنَّه يحاول التظاهر بأنَّه ليس أحمقاً، وهذا ما يجعله أحمقاً.

غالباً ما يُسمَّى هذا بـ (الاستدلال الدائري)؛ فإذا اتَّبعت منطق تلك الحجج، فستقودك إلى حلقة مفرغة، وقد تكون هذه المغالطة خفية في أحيان أخرى؛ فعلى سبيل المثال: قد تخوض جدالاً مع أحد الأشخاص، ويحاول إقناعك أنَّ أي منظمة ترتكب العنف، ولها تأثير سلطوي على المواطنين شريرة بطبيعتها؛ لكن ما لم يعلمه أنَّ أحد وظائف الحكومة هي تقليص العنف والسلطة وتطبيق القانون على رعاياها باستخدام العنف أحياناً، طبعاً لأنَّها أدرى بمصلحتهم؛ لكن كيف لك إقناعه أنَّ الأمر ليس متماثلاً في الحالتين وهو لا يرى ذلك.

5. مغالطة الرنجة الحمراء:

مغالطة الرنجة الحمراء هي الحجج التي نعتقد أنَّها تمس الموضوع، لكنَّها ليست كذلك؛ فمثلاً: قد تتجادل مع أحدهم حول أنَّ الاعتماد على الغذاء النباتي أخلاقي، على عكس تناول اللحوم، ثم يتحوِّل مسار النقاش البنَّاء فجأةً ليُقال:"هتلر كان نباتياً، ولم يكن ذا أخلاق عالية".

يصرف هذا الانتباه عن النقطة الحقيقية للنقاش التي تتمحور حول ما إذا كان تناول اللحوم تصرفاً غير أخلاقي أم لا، وتُعرَف هذه الأنواع من الحياد عن الموضوع باسم: الرنجة الحمراء (إذ لا يوجد سمك رنجة أحمر اللون)؛ وإن كنت ممن يقضون جل وقتهم في مشاهدة الأخبار وقراءتها، فستلاحظ أنَّ نسبةً كبيرةً مما يُقال ويُكتَب يندرج تحت مغالطة الرنجة الحمراء.

إنَّ الرنجة الحمراء من المغالطات المنطقية بحد ذاتها، فعلى سبيل المثال: إنَّ بناء قناعة على أنَّ النباتيين يفتقرون إلى الأخلاق استناداً إلى الحُجة القائلة أنَّ هتلر كان نباتياً هي مغالطة (التعميم المتحيز): وهي عندما نفترض صحة شيء ما لأنَّ جزءاً منه صحيح، كأن نقول مثلاً: "جون رجل أمريكي قصير القامة، إذاً لا بدَّ أنَّ جميع الأمريكيين قصار القامة".

غالباً ما يستخدم الناس مغالطة الرنجة الحمراء لإبعاد اللوم عن أنفسهم، فانظر إلى هذا المثال:

  • شخص 1: "لقد سرقتَ دراجتي يا فلان".
  • شخص 2: "الملكية مجرد بناء اجتماعي، أنت لم تخسر شيئاً في الحقيقة؛ فلا زال لديك المال لشراء دراجة جديدة".
  • شخص 1: "ليس المال القضية هنا، لقد سرقتَ دراجتي".
  • شخص 2: "تُسرَق ملايين الأشياء يومياً، ولا أفهم سبب انزعاجك الشديد لما حدث لك".
  • شخص 1: "لأنَّك سرقت دراجتي".
  • شخص 2: "هدِّئ من روعك يا رجل، على ما يبدو أنَّك تواجه مشكلات تتعلق بالتحكم بالغضب، وأنا بصراحة لا أرغب في التعامل مع شخص غاضب جداً طوال الوقت؛ لذا سأقود دراجتي إلى المنزل الآن".

ثم يتحول النقاش هنا إلى مشادة كلامية، ثم إلى تشابك بالأيدي.

ربما مرَّ معظمنا بنقاشات مشابهة لهذا النقاش، وربما قابلنا أشخاصاً يعتمدون مغالطة الرنجة الحمراء لتضليلنا.

إقرأ أيضاً: منطق غير منطقي.. المغالطات المنطقية

6. مغالطة استجداء الشفقة والسلطة والأغلبية:

عندما تخوض جدالاً ما، قد تشعر برغبة في طلب الدعم من مصدر خارجي لتلقى وجهة نظرك صدىً أكبر؛ لكنَّ المنطق أبعد ما يكون عن المشاعر، إذ لا يمكن تلميع الحجة السيئة بغضِّ النظر عمن يوافقك الرأي.

توجد ثلاث استجداءات مشتركة يقوم بها الناس عند محاولتهم الفوز بالنقاش، وهذه أمثلة لكل منها:

  • استجداء السلطة: "ما دام هذا التصريح صادراً عن المدير، فهو صحيح حتماً".
  • استجداء الشفقة: "أعي أنَّ البيانات توضِّح أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي ليست هي المشكلة، ولكن يعاني هؤلاء اليافعين من القلق الشديد؛ لذا يتعين علينا التخلص من هواتفهم المحمولة".
  • استجداء الأغلبية: "يتفق جميع مع أعرفهم على خطورة اللقاحات، لذا لا بُدَّ أنَّها كذلك".

الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، وليس بإمكانه العيش بمعزل عن الآخرين؛ لذا نستجدي التأثيرات الخارجية لتدعيم موقفنا، حيث يحتاج الجميع إلى الانتماء إلى مجتمع، والتعرف بأشخاص ذوي مكانة عالية، وإدراك كل من حولنا أنَّنا أشخاص طيبون ونهتم بالآخرين.

تكمن المشكلة بأنَّ أيَّاً من تلك الأمور لا يمت بِصلة إلى المنطق أو الحقيقة، والحقيقة بادية كالشمس أمامنا سواء صدقناها أم لا. 

في المحصلة، لا تبحث الحقيقة عمن يناصرها، بل نحن من نسعى إلى إعلاء صوتها؛ ولأنَّنا نهتم، فإنَّنا نخدع أنفسنا للاعتقاد بأنَّ هذه الآراء تؤثر في الحقيقة، في حين أنَّها لا تفعل ذلك.

7. مغالطة الشخصنة:

هل تتذكر المشاجرات التي خضتها في طفولتك، عندما لم يكن بإمكانك التغلب على حُجة صديقك، ولا تعرف كيف تربح الخلاف لصالحك، فتتفوه بكلمات مسيئة للطفل شخصياً، وتقول له مثلاً: "أنت قذر، وأنا لا أستمع إلى أشخاص مثلك"، وتعتقد أنَّك انتصرت عليه؟ هذه إحدى الحالات التي تندرج تحت مغالطة الشخصنة.

في بعض الأحيان، بدلاً من الرد على حُجة أحدهم، نهاجمه شخصياً؛ ونلاحظ هذا كثيراً في مجال السياسة؛ لكن تخيَّل لو تصرف رجال السياسة كما يفعل الأطفال في المثال السابق؟ لأمسَت الدول في حال من الفوضى.

للأسف، يتَّبع كلٌّ من الخطاب السياسي والصحافة هذه الأيام مغالطة الشخصنة، فنادراً ما يناقش رجالات السياسة القضايا دون شن هجمات شخصية لا علاقة لها بالحُجة المطروحة على بعضهم بعضاً.

8. مغالطة رجل القش:

إن كانت مغالطة الشخصنة هي ما يعتاش عليه السياسيون، فمغالطة رجل القش هي ما تعتاش عليها وسائل التواصل الاجتماعي.

بدلاً من مناقشة ادعاء ما بناءً على مزاياه، نستبدل الحُجة أحياناً بنسخة مشوهة، أو مبالغ فيها، أو محرفة بطريقة تبعث على السخرية كي نتمكن من مهاجمتها بسهولة أكبر.

يُطلَق على ذلك مغالطة (رجل القش) لأنَّك كما تستبدل شخصاً حقيقياً بآخر مصنوع من القش، تستبدل حُجة أقوى بأخرى أضعف بغية تكذيبها؛ وإنَّ الحجج القائمة على مغالطة رجل القش شائعة جداً، وساذجة لدرجة كبيرة، ومنها:

  • "أنت مناصر لحرية الإجهاض؟ إذاً لا بدَّ أنَّك تستمتع بقتل الأطفال".
  • "هل أنت مع حرية المرأة؟ إذاً لا بدَّ أنَّك تدَّعي أنَّ الرجال غير أكفاء".

إنَّه لمن الشائع استخدام أمثلة أكثر دهاء عند دعم حُجة تتبع مغالطة رجل القش؛ فعلى سبيل المثال: قد يجادل شخص ما بأنَّه يجب علينا العمل على تقليل عدد نزلاء السجون من خلال فرض عقوبات خفيفة على جرائم المخدرات التي لم يُستخدَم فيها العنف؛ وفي المقابل يأتيك أحدهم بحُجة مضادة ذكية، ويقول أنَّ وجهة النظر هذه "تتساهل مع الجريمة"، فيشوه الحُجة الأصلية عبر الإيحاء بأنَّه يجب التساهل في تطبيق العقوبة على جميع الجرائم، بينما الحُجة الحقيقية هي أنَّ بعض جرائم المخدرات ربما لا تستدعي عقوبة شديدة.

لا يتمثل الضرر الحقيقي لمغالطة رجل القش دائماً بكونه خاطئاً بالضرورة، لكنَّه يصرف انتباه الجميع لدرجة مخيفة عن القضية الحقيقية المطروحة، ويقضي الناس بالنتيجة جل وقتهم في الدفاع عن معتقداتهم من التوصيفات السخيفة، ولا يتحدث أحد فعلياً عن القضايا الحقيقية.

إقرأ أيضاً: نموذج ستيرنبرج في التفكير!

أهمية التفكير السليم:

قد لا تعي ذلك، لكنَّنا نجد صعوبةً في التعامل مع الأمور بمنطق وتعقُّل، وهذه القائمة ما هي إلَّا غيض من فيض المغالطات المنطقية، ولكنَّها ربما تمثل جزءاً كبيراً مما نفكر فيه ونتعرض إليه كل يوم.

لكنَّ هذا لا يعني أنَّنا يجب ألَّا نبذل جهدنا لنصبح أفضل؛ ففي النهاية، يضمن لنا كلٌّ من المنطق والعقل أن نعرف كيفية العيش في عالم غير متناهٍ من عدم اليقين والسخافة؛ أمَّا إن أردت التخلي عن المنطق السليم الذي يبقيك على الطريق السوي واتباع الصرعات التي تروَّج لها وسائل الإعلام البصرية والسمعية، فسيكون هذا بمثابة انتحار فكري.

ناهيك عن أنَّ كثيراً من هذه المغالطات المنطقية قد تحولك إلى شخص لا يُطاق؛ ففي الواقع، تثير المناقشة مع شخص ما حول جدوى فكرة أو حُجة ما يكفي من الجدال؛ لكنَّ الانجرار وراء هذه المغالطات المنطقية التي يتمحور كثير منها حول الاستهزاء بأفكار الشخص الآخر أو به شخصياً لن يُكسِبك سمعةً حسنةً؛ وعدا عن ذلك، لن يجرؤ أحد على التحدث أمامك عن الأمور الجوهرية والمفيدة.

لا تفيد المغالطات المنطقية إلا في حالة واحدة، وهي أنَّها تحافظ على توافد الأفكار؛ أما من الناحية السلبية، فهي تحرِّض على بث الخلاف بين الأشخاص، في محاولة فاشلة لتطبيق مبدأ العين بالعين؛ فلا يفوز أحد، بل تكون الخسارة من نصيب الجميع.

لا يتعلق التفكير المنطقي بربح النقاش؛ بل بتوضيح الحقيقة التي تتطلب منا إدراك خطئنا والإقرار به؛ وهذا ما يجب علينا جميعاً فعله.

 

المصدر




مقالات مرتبطة