بل بفهم كيف أثَّر ماضينا في حاضرنا، وإذا نشأت مع قدوة سيئة، فقد تدرك هذه السلوكات الثمانية الخفية.
8 سلوكات يظهرها الفرد الذي ينشأ مع قدوة سيئة في المنزل
1. صعوبة الثقة بالآخرين
الثقة هي لبنة أساسية في أية علاقة، سواء كانت مع الأصدقاء أم الشركاء أم الزملاء، ولكن يواجه أولئك الذين نشؤوا مع قدوة سيئة صعوبة في الثقة بالآخرين، ذلك أنَّه عندما يفشل الأشخاص الذين كان من المفترض أن يرشدوك ويحموك في تحمُّل مسؤولياتهم، فقد يترك ذلك علامة دائمة، وهذا يجعل الثقة بالآخرين أمراً صعباً، لأنَّ ثمة دائماً خوفاً من خذلانهم مرة أخرى.
في الواقع، تظهر هذه الصعوبة في الثقة بالآخرين بطرائق مختلفة، مثل التردد في تكوين روابط وثيقة، أو عدم الرغبة في الاعتماد على الآخرين للحصول على المساعدة، أو حتى الميل إلى افتراض سوء نية الآخرين، وإدراك هذا السلوك هو الخطوة الأولى في تعلُّم كيفية إعادة بناء الثقة، ولكن اعلَمْ أنَّها رحلة تستغرق وقتاً.
2. المبالغة في التعويض
قد تؤدي نشأة الفرد مع والد مدمن عمل إلى المبالغة في التعويض عن غيابه، فقد يبدأ هذا الفرد في العمل الجاد في سنٍّ مبكِّرة لإرضاء والده، وقد يدفعه ذلك إلى أن يصبح الطالب المثالي، والابن المثالي؛ بل وحتى الصديق المثالي الذي يقدِّم احتياجات الآخرين على احتياجاته، وربَّما يستمر في ذلك عندما يكبر، فقد يجد نفسه يتحمَّل مسؤوليات إضافية في العمل، ويوافق دائماً على مساعدة الآخرين، ونادراً ما يرفض أي طلب، وكل ذلك في محاولة للشعور بالقيمة والحب.
إنَّ المبالغة في التعويض هي سلوك شائع بين الأشخاص الذين نشؤوا مع قدوة سيئة، إذ يسعى هؤلاء جاهدين لتجسيد الصفات التي كانوا يتمنَّون أن يروها في قدوَتهم، وغالباً ما يكون ذلك على حساب سعادتهم، فالاعتراف بهذا النمط هو الخطوة الأولى للتخلص منه وتكوين عادات سليمة.
3. تدنِّي تقدير الذات
أحد السلوكات الخفيَّة المرتبطة بالنشأة مع قدوة سيئة هو تدنِّي تقدير الذات، وهذا ليس بالأمر المفاجئ عندما نأخذ في الحسبان أنَّ شعور الطفل بقيمته الذاتية ينبع غالباً من تجاربه مع والديه أو أولياء أموره.
تُظهر الدراسات أنَّ الأطفال الذين ينشؤون في بيئات غير سليمة، مثل أولئك الذين يعانون من الإهمال أو سوء المعاملة من قبل الوالدين، يكونون أكثر عرضة لانخفاض تقديرهم لذاتهم عندما يكبرون، فقد يشعرون بأنَّهم غير مستحقين للحب والعطف، وقد يؤثر ذلك في جميع جوانب حياتهم الشخصية والمهنية، وإنَّ فهم هذا الأمر ضروري لمعالجة هذه المشكلة وتكوين صورة إيجابية عن الذات.
شاهد بالفديو: 10 علامات تحذيرية تشير إلى تدني تقدير الذات وانعدام الثقة
4. صعوبة التعبير عن العواطف
التعبير العاطفي هو سلوك مكتسب، فنحن نتعلَّم كيفية إظهار العواطف والتعامل معها من الأشخاص المحيطين بنا، خاصة من الأسرة، وبالنسبة إلى أولئك الذين نشؤوا مع قدوة سيئة، قد لا تكون لديهم الفرصة لتعلُّم كيفية التعبير عن عواطفهم بطريقة صحية؛ بل وربما تعلَّموا كبتها أو التعبير عنها بطريقة ضارة، فقد تؤدي هذه الصعوبة في التعبير عن العواطف إلى مشكلات في مرحلة البلوغ، مثل الصعوبات في بناء العلاقات وتدهور الصحة النفسية، فالاعتراف بهذا السلوك هو خطوة حاسمة نحو تعلُّم طرائق صحية للتعبير عن العواطف والتعامل معها.
5. الرغبة في الاستقرار
قد تجعل البيئة المنزلية المضطربة العالم يبدو مكاناً غير مستقر، ويتوق الأطفال إلى الاستقرار، وعدم تحقق ذلك لهم، يترك أثراً سلبياً عميقاً في حياتهم، وغالباً ما يجد أولئك الذين نشؤوا مع قدوة سيئة في المنزل أنفسهم يسعون يائسين إلى الاستقرار، وقد يتجلى ذلك في سعيهم للحصول على وظيفة ثابتة، أو شريك موثوق، أو حتى مجرد روتين يومي ثابت، ولا ضير من هذا التوق إلى الاستقرار، فهو استجابة طبيعية لطفولة غير مستقرة، والحل هو إدراك ذلك والحرص على ألَّا يؤدي هذا التوق إلى الرضى بأقل ممَّا تستحقه، وأنت تستحق الاستقرار، ولكنَّك تستحق أيضاً السعادة والتحقيق الذاتي.
6. الخوف من الفشل
قد تؤدي نشأة شخص ما في بيئة تتَّسم بتوقعات عالية إلى خوف عميق من الفشل، فمنذ الطفولة، يمكن أن يتشرَّب الطفل الخوف من الفشل إذا شعر أنَّ أي شيء غير مثالي لن يكون جيِّداً بما يكفي، ولأنَّنا بالغون، قد يمنعنا هذا الخوف من تحقيق أقصى إمكاناتنا، فقد يمنعنا من المخاطرة، أو الخروج من منطقة راحتنا، أو حتى اغتنام الفرص التي تؤدي إلى النمو الشخصي.
الخوف من الفشل أمر شائع بين أولئك الذين نشؤوا مع قدوة سيئة، وغالباً ما تنشأ جذوره في طفولة كانت فيها الأخطاء تُقابَل بالنقد اللاذع بدلاً من التفهُّم والدعم، فقد يكون إدراك هذا النمط خطوة هامة نحو التغلُّب على الخوف وتبنِّي عقلية ترى في الفشل فرصة للتعلم والنمو.
7. الاعتماد الزائد على موافقة الآخرين
إنَّ الحاجة إلى موافقة الآخرين هي رغبة إنسانية طبيعية، ولكن بالنسبة لأولئك الذين نشؤوا مع قدوة سيئة، قد تتحول هذه الحاجة إلى اعتماد مفرط على موافقة الآخرين، وقد يعني ذلك السعي الدائم لنيل موافقة الآخرين، أو تأسيس تقدير الذات على آراء الآخرين، أو حتى تغيير السلوكات لإرضائهم، وإنَّه نمط خفي ولكنَّه مدمر وقد يؤثر في العلاقات الشخصية والتقدم المهني.
إنَّ فهم هذا الميل هو الخطوة الأولى نحو التحرر من هذا السلوك، فاعلم أنَّ قيمتك لا ترتبط بموافقة أي شخص آخر؛ بل بموافقتك أنت على ذاتك، ولا بأس في أن تطلب تغذية راجعة، ولكن في النهاية، أنت من يحدِّد قيمتك.
8. المرونة
ربَّما يكون أهم شيء يجب فهمه هو أنَّ نشأة الشخص مع قدوة سيِّئة غالباً ما تؤدي إلى اكتساب قدر كبير من المرونة، فعلى الرغم من التحديات، يكتسب كثير ممَّن ينشؤون في مثل هذه الظروف قدرة كبيرة على التكيُّف والتغلُّب على المحن، وإنَّه شهادة على قوة الروح البشرية وقدرتها على التحمُّل والنمو بفضل الشدائد، فقد تصبح هذه المرونة، على الرغم من أنَّها وليدة ظروف صعبة، أداة قوية للتعامل مع تقلُّبات الحياة، وقد يشكِّل ماضيك شخصيتك، لكنَّه لا يحدِّد هويتك، ولديك القوة والمرونة لرسم مستقبلك.
في الختام
قد تكون دقائق السلوك البشري، وخاصة تلك التي تطورت في مرحلة الطفولة، معقَّدة ومتأصِّلة بعمق، فاعلَمْ أنَّ نشأتك مع قدوة سيئة لا تحكم عليك بحياة شاقة؛ بل تمنحك فرصة لفهم جذور بعض السلوكات واتخاذ قرارات واعية للتَّغيير، إذا لزم الأمر، ويتبادر إلى الذهن في هذا المقام مقولة عالم النفس الشهير "كارل يونغ" (Carl Jung): "أنا من يحدِّد هويتي لا الظروف التي مررت بها".
لقد أظهر أولئك الذين نشؤوا مع قدوة سيئة مراراً وتكراراً قدرتهم على المرونة والقوة والنمو، فلا يتعلق الأمر بإلقاء اللوم على الماضي؛ بل بفهم تأثيره في الحاضر، وبهذا الفهم، تستطيع إعادة ترتيب حياتك بطريقة تضع الماضي وراءك والمستقبل أمامك.
أضف تعليقاً